کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 578

رفع الذكر أو العلم‏ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏ [النساء: 113] أو الخلق الحسن‏ وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ [القلم: 4] و قد يقال: إن هذه السورة مع قصرها معجزة من وجوه لما فيها من الإخبار بالغيوب و هو الوعد بكثرة الأتباع و الأولاد و زوال الفقر حتى نحر مائة بدنة في يوم واحد و قد وقع مطابقا، و لأنهم عجزوا عن معارضتها مع قصرها فإنها أقصر سورة من القرآن.

قوله‏ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ في الصلاة أقوال: فعن مجاهد و عكرمة معناه اشكر لربك، و فائدة الفاء أن شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي، و قيل: هي الدعاء كأنه قال: قبل سؤالك و دعائك ما بخلنا عليك بالكوثر فكيف بعد سؤالك فسل تعط و اشفع تشفع و ذلك أنه أبدا كان في هم أمته. و الأقرب و عليه الأكثرون أنها الصلاة ذات الهيئات و الأركان لأنها مشتملة على الدعاء و الشكر و على سائر المعاني المنبئة عن التواضع و الخدمة، و لأن حمله على الشكر يوهم أنه ما كان شاكرا قبل ذلك لكنه كان من أول أمره مطيعا لربه شاكرا لنعمه. أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي،

يروى‏ أنه حين أمر بالصلاة قال: كيف أصلي و لست على وضوء؟ فقال اللّه: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ و ضرب جبرائيل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضا فقيل له عند ذلك‏ فَصَلِ‏

و إن حمل الكوثر على الرسالة فكأنه قال:

أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك و سائر الخلق بالطاعات‏ فَصَلِ‏ و في قوله‏ لِرَبِّكَ‏ إشارة إلى وجوب الأضحى مخالفة عبدة الأوثان. و إنما لم يقل لنا سلوكا لطريقة الالتفات و إفادة لنوع من التعظيم كقول الخلفاء «يرسم أمير المؤمنين كذا» و لأن الجمعية في هذا المقام توهم الاشتراك و العدول إلى الوحدة لوقال «لي» انقطع النظم، و لأنه يفيد أن سبب العبادة هو التربية، ثم الذين فسروا الصلاة بما عرف في الشرع اختلفوا؛ فالأكثرون على أنها جنس الصلاة لإطلاق اللفظ، و إنما لم يذكر الكيفية لأنها كانت معلومة قبل ذلك. و قال الآخرون:

إنها صلاة عيد الأضحى لاقترانها بقوله‏ وَ انْحَرْ و كانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فأمروا بتأخيرها عنها. و الواو تفيد الترتيب استحسانا و أدبا و إن لم تفده قطعا. و قال سعيد بن جبير: صل الفجر بالمزدلفة و انحر بمنى و المناسبة بين نحر البدن و بين جنس الصلاة أن المشركين كانت صلاتهم و قرا بينهم للأصنام فأمر صلى اللّه عليه و سلم بأن تكون صلاته و قربانه للّه تعالى، و كان النحر واجبا على النبي صلى اللّه عليه و سلم.

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «ثلاث كتبن عليّ و لم تكتب على أمتي.

الضحى و الأضحى و الوتر».

و إنما لم يقل ضح و إن كان أشمل لأن أعز الأموال عند العرب هو الإبل فأمر بنحرها و صرفها إلى طاعة اللّه ففي ذلك قطع العلائق الجسمانية و رفع العوائق‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 579

النفسانية.

يروى‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب، فنحرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أعيا صلى اللّه عليه و سلم، ثم أمر عليا بذلك و كانت النوق يزدحمن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما أخذ علي عليه السلام السكين تباعدت منه عليه السلام،

قال عامة أهل التفسير كابن عباس و مقاتل و الكلبي: إن العاص بن وائل و جمعا من صناديد قريش يقولون:

إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره و استرحنا منه، و كان قد مات ابنه عبد اللّه ابن خديجة فأنزل اللّه تعالى هذه السورة كما مر في أول «المائدة».

و الشن‏ء البغض و الشانئ المبغض و البتر في اللغة استئصال القطع و منه الأبتر المقطوع الذنب، فاستعير للذي لا عقب له و لمن انقطع خبره و ذكره، فبين اللّه تعالى بهذه الصيغة المفيدة للحصر أن أولئك الكفرة هم الذين ينقطع نسلهم و ذكرهم، و أن نسل محمد صلى اللّه عليه و سلم ثابت باق الى يوم القيامة كما

أخبر بقوله‏ «كل حسب و نسب ينقطع إلا حسبي و نسبي»

و إن دين الإسلام لا يزال يعلو و يزيد و الكفر يعلى و يقهر إلى أن يبلغ الدين مشارق الأرض و مغاربها كما قال‏ أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرعد: 41] قال بعض أهل العلم: إن الكفار لما شتموه بأنه أبتر أجاب اللّه عنه من غير واسطة فقال‏ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و هكذا سنة الأحباب إذا سمعوا من يشتم حبيبهم تولوا بأنفسهم جوابه، و نظيره في القرآن كثير قالوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ‏ إلى قوله‏ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ فقال سبحانه‏ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ: 7، 8] و قالوا هو مجنون فأقسم اللّه‏ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ‏ [القلم: 1، 2] و قالوا لست مرسلا فقال‏ يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [يس:

1، 3] وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ‏ [الصافات: 36] فرد عليهم بقوله‏ بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ‏ [الصافات: 36] ثم ذكر وعيد خصمائه بقوله‏ إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ‏ [الصافات: 38] و حين قال حاكيا أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ [الطور: 30] قال‏ وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [يس: 69] و قالوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ‏ [الفرقان: 4] فأجابهم بقوله‏ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً [الفرقان: 4] وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ [الفرقان: 5، 6] فقال‏ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ [الفرقان: 5، 6] وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ‏ [الفرقان: 7] فأجابهم بقوله‏ وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ‏ [الفرقان: 20] فما أجل هذه الكرامة! و قال أهل التحقيق السالكون: بل الواصلون لهم ثلاث درجات أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم و أرواحهم في نور جلال اللّه و أشار إليها بقوله‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 580

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فإن روحه القدسية متميزة في الكثرة عن سائر الأرواح البشرية بالكم لأنها أكثر مقدمات، و بالكيف لأنها أسرع انتقالا من المقدمات إلى النتائج. و أوسطها أن يكونوا مشتغلين بالطاعات و العبادات البدنية و أشار إليها بقوله‏ فَصَلِّ لِرَبِّكَ‏ و أدناها أن يكونوا في مقام منع النفس عن الانتصاب إلى اللذات العاجلة و هي قوله‏ وَ انْحَرْ فإن منع النفس الشهوية جارية مجرى الذبح و النحر. و من البيان أن ترتيب السالك هو الأخذ من الأدون إلى الأعلى، و إنما ورد القرآن بما ورد تنبيها على أنه صلى اللّه عليه و سلم كان في نهاية الوصول. و أن هذا الترتيب بالنسبة إليه ينعكس و ذلك أنه جاء من الحق إلى الخلق. ثم أشار بقوله‏ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ إلى أن دواعي النفس التي هي أعدى الأعداء لا بقاء لها، و إنما هي لذات زائلة و تخيلات فانية وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: 46]

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 581

(سورة الكافرون)

(مكية حروفها أربعة و تسعون كلمها ست و عشرون آياتها ست)

[سورة الكافرون (109): الآيات 1 الى 6]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)

وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ (6)

القراآت‏

عابِدُونَ‏ و ما بعده بالإمالة قتيبة و الحلواني عن هشام و لي الدين بالفتح: نافع غير إسماعيل و حفص و المفضل و هشام و زمعة عن ابن كثير و ديني بالإسكان في الحالين: يعقوب و أفق سهل و عباس في الوصل.

الوقوف:

الْكافِرُونَ‏ ه لا ما تَعْبُدُونَ‏ ه لا أَعْبُدُ ه ج للتكرار مع العطف‏ عَبَدْتُّمْ‏ ه لا أَعْبُدُ ه ط دِينِ‏ ه.

التفسير:

هذه السورة تسمى أيضا سورة المنابذة و سورة الإخلاص و المقشقشة. و

روي‏ «من قرأها فكأنما قرأ ربع القرآن» «1»

فأوّلها العلماء بأن القرآن فيه مأمورات و منهيات، و كل منهما إمّا أن يتعلق بالقلب و الجوارح، و إما أن يتعلق بالجوارح، و هذه السورة تتضمن القسم الثالث أعني النهي المتعلق بالقلب فكانت ربعا لما يتعلق بالتكاليف من القرآن بل ربعا للقرآن لأن المقصود الأصلي من المواعظ و القصص و غيرها هو التزام التكاليف كما قال سبحانه‏ وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏ [الذاريات: 56]

يروى‏ أن الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل و الأسود بن عبد المطلب و أمية بن خلف قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

تعال حتى نعبد إلهك مدّة و تعبد إلهنا مدّة فيحصل الصلح بيننا و بينك و تزول العداوة من بيننا، فإن كان أمرك رشيدا أخذنا منه حظا، و إن كان أمرنا رشيدا أخذت منه حظا فنزلت هذه السورة و نزل قوله‏ قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ‏ [الزمر: 64]

فتارة وصفهم بالجهل و تارة خاطبهم بالكفر، فالجهل كالشجرة و الكفر كالثمرة، و لكن الكفر أشنع من‏

(1) رواه أحمد في مسنده (3/ 147، 221).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 582

الجهل، فقد يكون الجهل غير ضارّ كما

روي أنه صلى اللّه عليه و سلم قال في علم الأنساب‏ «علم لا ينفع و لا يضر»

و لهذا خصت السورة بهذا الخطاب لأنها بأسرها فيهم. و

روي عن علي عليه السلام‏ أن «يا» نداء النفس و «أي» نداء القلب و «ها» نداء الروح. و بوجه آخر «يا» للغائب و «أي» للحاضر و «ها» للتنبيه.

كان اللّه تعالى يقول أدعوك ثلاثا و لا تجيبني مرة ما هذا إلا لجهلك بحقي. ثم الخطاب مع جميع الكفار أو مع بعضهم، و على الأول يدخله التخصيص لا محالة لأن فيهم من يعبد اللّه كأهل الكتاب فلا يجوز أن يقول لهم‏ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ‏ و فيهم من آمن بعد ذلك فلا يجوز أن يخبر عنهم بقوله‏ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ و على الثاني يكون خطابا لبعض الكفرة المعهودين الحاضرين و هو الذين قالوا نعبد إلهك سنة و تعبد إلهنا سنة، و لا يلزم التخصيص فيكون أولى. أما ظاهر التكرار الذي وقع في هذه السورة ففيه قولان: أحدهما أنه للتأكيد و أىّ موضع أحوج إلى التأكيد من هذا المقام فإنهم رجعوا إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم فيما طلبوا منه مرارا، و سكت الرسول صلى اللّه عليه و سلم عن الجواب فوقع في قلوبهم أنه قد مال إلى دينهم بعض الميل. و

روي‏ أنهم ذكروا قولهم تعبد إلهنا مدة و نعبد إلهك مدة مرتين،

فأجيبوا مكررا على وفق قولهم و هو نوع من التهكم فإن من كرر الكلمة الواحدة لغرض فاسد قد يجاب عنه بنفيه مكررا للاستخفاف و حسم مادة الطمع. القول الثاني: إن الأول للمستقبل و علامته لا التي هي للاستقبال بدليل أن «لن» نفي للاستقبال على سبيل التوكيد أو التأبيد. و زعم الخليل أن أصله «لا أن» و الثاني للحال و المعنى لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم و لا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي. ثم قال‏ وَ لا أَنا عابِدٌ في الحال‏ ما عَبَدْتُّمْ وَ لا أَنْتُمْ‏ في الحال بعابدين لمعبودي. و على هذا القول زعم بعضهم أن الأمر بالعكس إذ الترتيب أن ينفى الحال أوّلا ثم الاستقبال، و للأولين أن يجيبوا بأنهم إنما دعوه إلى عبادة غير اللّه في الاستقبال فكان الابتداء به أهم. و فائدة الإخبار عن الحال و كان معلوما أنه ما كان يعبد الصنم و الكفار كانوا يعبدون اللّه في بعض الأحوال هي أن لا يتوهم أحد أنه يعبد غير اللّه سرا خوفا أو طمعا، و عبادة الكفار لم تكن معتدّا بها لأجل الشرك. و لأبي مسلم قول ثالث و هو أن ما في الأولين بمعنى الذي، و أما في الآخرين فمصدرية أي و لا أنا عابد عبادتكم المبنية على الإشراك، و لا أنتم عابدون عبادتي المبنية على اليقين. و وجه رابع و هو أن يحمل الأول على نفي الالتماس الصادر عنهم، و الآخر على النفي المطلق العام المتناول لجميع الجهات كمن يدعو غيره إلى الظلم لغرض التنعم فيقول: لا أظلم لغرض التنعم بل لا أظلم رأسا لا لهذا الغرض و لا لسائر الأغراض. قوله‏ ما تَعْبُدُونَ‏ ليس فيه إشكال إنما الإشكال فى قوله‏ ما أَعْبُدُ

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 583

فأجيب بعد تسليم أن «ما» ليست أعم بأن المراد به الصفة كأنه قيل: لا أعبد الباطل و لكن أعبد الحق، أو هي «ما» المصدرية على نحو ما مر، أو هي للطباق كقوله‏ وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ [الشورى: 40] فإن قيل: لما كان المقام مقام التأكيد و المبالغة و لهذا كرر ما كرر فلم لم يقل «لن أعبد» كما قال أصحاب الكهف لن ندعو من دونه إلها [الكهف: 14] قلت: إن أصحاب الكهف كانوا متهمين بعبادة الأصنام لأنه قد وجد منهم ذلك قبل أن أرشدهم اللّه، و إن محمدا صلى اللّه عليه و سلم لم يكن متهما بذلك قط فلم يحتج إلى المبالغة ب «لن». ثم أوّل السورة لما اشتمل على التشديد البليغ و هو النداء بالكفر و التكرير فاشتمل آخرها على اللطف من بعض الوجوه كأنه قال: قد بالغت في منعكم من هذا الأمر القبيح فإن لم تقبلوا قولي فاتركوني سواء بسواء. قال ابن عباس: لكم كفركم باللّه ولي التوحيد و الإخلاص. و من هنا ذهب بعضهم إلى أن السورة منسوخة بآية القتال. و المحققون على أنه لا نسخ بل المراد التهديد كقوله‏ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ‏ [فصلت: 40] و قيل: الدين الجزاء. و قيل: المضاف محذوف أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني. و قيل: الدين العبادة.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 584

(سورة النصر)

(مدنية و قيل مكية حروفها تسعة و تسعون كلمها تسع و عشرون آياتها ثلاث)

[سورة النصر (110): الآيات 1 الى 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ (1) وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)

الوقوف:

وَ الْفَتْحُ‏ ه‏ أَفْواجاً ه لا وَ اسْتَغْفِرْهُ‏ ط تَوَّاباً ه.

التفسير:

السورة المتقدمة اشتملت على نصرة اللّه بقوله‏ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ‏ [الكافرون: 1] و على فتح مكة القلب بعسكر التوحيد، و على تسخير جميع القوى البدنية في طاعة خالقها بقوّة البراءة عن الأديان الباطلة كلها فقال اللّه سبحانه: نصرتني بلسانك فكان جزاؤه‏ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏ فتح مكة في الظاهر و سخرت قواك لطاعتي فجازيناك بدخول الناس في دين اللّه أفواجا. ثم إنه قابل هذه الخلع الثلاث بحكم تهادوا تحابوا بثلاثة أنواع من العبودية إن نصرتك فسبح تنزيها لفعلي عن مشابهة المحدثات و تنبيها على أن لا يستحق أحد عليّ شي‏ء، و إذا فتحت مكة فاحمد لأن النعمة يجب مقابلتها بالحمد، و إذا رأيت الناس قد أطاعوك فاستغفر لذنبك و هو الاشتغال بما عسى أن يقع من لذة الجاه و القبول و للمؤمنين و المؤمنات، لأنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر و كان احتياجهم إلى الاستغفار أشد. و قوله‏ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏ معناه لا تذهب إلى النصر بل النصر يجي‏ء إليك نظيره‏

«زويت لي الأرض»

صفحه بعد