کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كتاب الله العزيز

الجزء الرابع

تفسير سورة ص و هي مكية كلها تفسير سورة الزمر، و هي مكية كلها تفسير سورة المؤمن، و هي مكية كلها تفسير سورة حم السجدة، و هي مكية كلها تفسير سورة حم عسق، و هي مكية كلها تفسير سورة الزخرف، و هي مكية كلها تفسير سورة الدخان، و هي مكية كلها تفسير سورة الجاثية، و هي مكية كلها تفسير سورة الأحقاف، و هي مكية كلها تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الفتح، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحجرات، و هي مدنية كلها تفسير سورة ق، و هي مكية كلها تفسير سورة الذاريات، و هي مكية كلها تفسير سورة الطور، و هي مكية كلها تفسير سورة النجم، و هي مكية كلها تفسير سورة اقتربت الساعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الرحمن، و هي مكية كلها تفسير سورة الواقعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الحديد، و هي مدنية كلها تفسير سورة المجادلة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحشر، و هي مدنية كلها تفسير سورة الممتحنة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الصف، و هي مدنية كلها تفسير سورة الجمعة، و هي مدنية كلها تفسير سورة المنافقون، و هي مدنية كلها تفسير سورة التغابن، و هي مدنية كلها تفسير سورة الطلاق، و هي مدنية كلها تفسير سورة التحريم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الملك، و هي مكية كلها تفسير سورة ن، و هي مكية كلها تفسير سورة الحاقة، و هي مكية كلها تفسير سورة سأل سائل، و هي مكية كلها تفسير سورة نوح، و هي مكية كلها تفسير سورة الجن، و هي مكية كلها تفسير سورة المزمل، و هي مكية كلها تفسير سورة المدثر، و هي مكية كلها تفسير سورة القيامة، و هي مكية كلها تفسير سورة الإنسان، و هي مكية كلها تفسير سورة المرسلات، و هي مكية كلها تفسير سورة عم يتساءلون، و هي مكية كلها تفسير سورة النازعات، و هي مكية كلها تفسير سورة عبس، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا الشمس كورت(1)، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا السماء انفطرت، و هي مكية كلها تفسير سورة المطففين، و هي مكية كلها تفسير سورة الانشقاق و هي مكية كلها تفسير سورة و السماء ذات البروج و هي مكية كلها تفسير سورة و الطارق، و هي مكية كلها تفسير سورة سبح اسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة الغاشية، و هي مكية كلها تفسير سورة الفجر، و هي مكية كلها تفسير سورة لا أقسم بهذا البلد، و هي مكية كلها تفسير سورة و الشمس و هي مكية كلها تفسير سورة و الليل إذا يغشى، و هي مكية كلها تفسير سورة و الضحى، و هي مكية كلها تفسير سورة أ لم نشرح، و هي مكية كلها تفسير سورة التين، و هي مكية كلها تفسير سورة اقرأ باسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة القدر، و هي مكية كلها تفسير سورة لم يكن، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا زلزلت، و هي مدنية تفسير سورة و العاديات، و هي مكية كلها، و قيل: إنها مدنية تفسير سورة القارعة، و هي مكية كلها تفسير سورة ألهاكم، و هي مكية كلها تفسير سورة و العصر، و هي مكية كلها تفسير سورة الهمزة، و هي مكية كلها تفسير سورة الفيل، و هي مكية كلها تفسير سورة قريش، و هي مكية كلها تفسير سورة أ رأيت الذي، و هي مكية كلها تفسير سورة الكوثر، و هي مكية كلها تفسير سورة الكافرين، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا جاء نصر الله، و هي مدنية كلها تفسير سورة تبت يدا، و هي مكية كلها تفسير سورة الإخلاص، و هي مكية كلها تفسير سورة الفلق، و هي مكية كلها تفسير سورة الناس، و هي مكية كلها فهرس الجزء الرابع

تفسير كتاب الله العزيز


صفحه قبل

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 243

يوانب‏ «1» السلطان، و لكن الرجل تكون عنده الشهادة فيشهد بها.

ذكروا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: إنّ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها «2» .

قوله: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (284): قال بعض المفسّرين: نزلت هذه الآية فجهدتهم، و كبرت عليهم، فأنزل اللّه بعدها آية فيها يسر و تخفيف و عافية، فنسختها: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286].

ذكروا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم به‏ «3» . و تفسير مجاهد: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏ أى: من اليقين أو الشكّ.

قوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285): قال الحسن: هذا دعاء أمر اللّه رسوله و المؤمنين أن يدعوا به. ذكر بعضهم أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: إنّ اللّه كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات و الأرض بألفي سنة، فوضعه تحت العرش، فأنزل اللّه منه آيتين ختم بها سورة البقرة، لا تقرآن في بيت فيقربه الشيطان ثلاث ليال: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ... إلى آخر السورة «4» .

ذكروا عن الحسن قال: كان فيما منّ اللّه به على النبيّ عليه السّلام: ألم أعلّمك خواتم سورة

(1) كذا وردت هذه الكلمة «يوانب» و لم أهتد لما فيها من تصحيف لأصحّحها.

(2) حديث صحيح أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده في كتاب الأحكام (رقم 594) من طريق عائشة رضي اللّه عنها عن النبيّ عليه السّلام قال: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأل عنها». و أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود (1716) عن زيد بن خالد الجهنيّ.

(3) حديث متّفق على صحّته، أخرجه البخاري في كتاب الأيمان و النذور، باب إذا حلف ناسيا في الأيمان، و أخرجه مسلم في كتاب الأيمان، باب تجاوز اللّه عن حديث النفس ... (127) كلاهما عن أبي هريرة.

و رواه يحيى بن سلّام عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة يرفعه.

(4) أخرجه الترمذيّ و النسائيّ عن النعمان بن بشير.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 244

البقرة؟ «1» .

قوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها: أى إلّا طاقتها. و هذا في حديث النفس. لَها ما كَسَبَتْ: أى من خير وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ: أى من شرّ.

قوله: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا: هذا فيما يتخوّف فيه العبد المأثم، أن ينسى أن يعمل بما أمر به، أو ينسى فيعمل بما نهي عنه.

أَوْ أَخْطَأْنا: هذا فيما يتخوّف فيه العبد المأثم، أن يخطئ فيكون منه أمر يخاف فيه المأثم لم يتعمّده، فوضع اللّه ذلك عنه، كقوله: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏ [البقرة: 225] أى: ما تعمّدت فيه المأثم.

قوله: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا: يعني ما كان شدّد به على بني إسرائيل، و الإصر العهد، فيما كانوا نهوا عنه. و هذا دعاء أمر اللّه المؤمنين أن يدعوا به. و قد وضع اللّه عن المؤمنين ما كان شدّده على بني إسرائيل؛ فقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ‏ أى يجدونه مكتوبا عند أهل الكتاب في كتابهم‏ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ (157) [الأعراف: 157] و قال: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ‏ [الأنعام: 155] أى: اتّبعوا ما أحلّ فيه‏ وَ اتَّقُوا أى ما حرّم فيه.

و كان من ذلك الإصر ما حرّم عليهم من الشحوم، و كلّ ذي ظفر، و أمر السبت، و كلّ ما عهد إليهم ألّا يفعلوه ممّا أحلّ لنا.

قوله: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ: و هو الوسوسة في تفسير ابن عبّاس.

ذكروا عن الحسن أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، إنّي لأحدّث نفسي بالشي‏ء ما يسرّني أنّي تكلّمت به و أنّ لي الدنيا. قال: ذلك محض الإيمان‏ «2» .

(1) روى الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهنّ نبيّ قبلي».

(2) أخرج مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان و ما يقوله من وجدها (132) عن أبي هريرة-

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 245

قوله: وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ (286): قال الحسن: هذا دعاء أمر اللّه به النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين في هاتين الآيتين:

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ... إلى آخر السورة. و قد أخبر اللّه النبيّ عليه السّلام أنّه قد غفر له.

قال: جاء ناس من أصحاب النبيّ فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به، قال: و قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. و في رواية لمسلم في الباب (133) عن عبد اللّه قال: سئل النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الوسوسة. قال: «تلك محض الإيمان».

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 246

تفسير سورة آل عمران. و هي مدنيّة كلّها «1» .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

قوله: الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏ (2): أى الحيّ الذي لا يموت.

قوله: الم‏ قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة «2» . و قال بعضهم: الْقَيُّومُ: القائم على كلّ شي‏ء. و هو تفسير مجاهد. و قال الحسن: القائم على كلّ نفس بكسبها حتّى يجازيها.

قوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ: أى القران‏ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: أى من التوراة و الإنجيل.

وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ: أى من قبل القرآن. هُدىً لِلنَّاسِ: أى أنزل هذه الكتب جميعا هدى للناس‏ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ: أى: أنزل اللّه الحلال و الحرام، فرّق اللّه في الكتاب بين الحلال و الحرام. و قال بعضهم: فرّق اللّه فيه بين الحقّ و الباطل.

و قال بعضهم: الفرقان: القرآن.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ: قال الحسن: بدين اللّه‏ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ: في نقمته‏ ذُو انْتِقامٍ‏ (4): من أعدائه.

قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ: أى خلق اللّه كلّ إنسان على صورة واحدة، و صوّره كيف يشاء. و هو كقوله: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ‏ (8) [الانفطار: 8]. ذكر بعض المفسّرين قال: يشبه الرجل الرجل ليس بينهما قرابة إلّا من قبل الأب الأكبر: آدم. قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (6): أى العزيز في ملكه و في نقمته، الحكيم في أمره.

(1) كذا في مخطوطة د، و في أصلها المنسوخة منه. و في ق و ع زيادة ذكر فيها عدد حروف السورة و كلماتها و فيها:

«و عدد آياتها مائتا آية ليس في جملتها اختلاف». و هذه الزيادة هي و لا شكّ من إضافات بعض النسّاخ المتأخّرين، لذلك لم أثبتها. و ربّما زاد بعض النسّاخ أحيانا دعاء في عنوان السورة مثلما كتبوا في أوّل هذه السورة، بعد البسملة: «و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله و سلّم ما دام ظلام الليل».

(2) انظر ما سلف، تفسير الآية الأولى من سورة البقرة.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 247

قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ: قال بعضهم: المحكم هو الناسخ الذي يعمل به، فأحلّ اللّه فيه حلاله و حرّم و حرامه، و المتشابه هو المنسوخ الذي لا يعمل به و يؤمن به. و تفسير الكلبيّ: هو الم،* و الر،* و المر، و المص، و أشباه ذلك.

و بلغنا عن أبي حازم عن ابن عبّاس قال: هو التقديم و التأخير، و المقطوع و الموصول، و الخاصّ و العامّ، و تفسير مجاهد: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، يعني ما فيه من الحلال و الحرام، و ما سوى ذلك فهو المتشابه.

قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: و الزيغ: الشكّ. و تفسير الكلبيّ أنّها في النفر من اليهود الذين دخلوا على النبيّ عليه السّلام: كعب بن الأشرف و أصحابه.

و قد فسّرنا ذلك في سورة البقرة «1» .

ذكروا عن عائشة أنّها قالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قرأ هذه الآية فقال: قد سمّاهم اللّه لكم؛ فإذا رأيتموهم فاحذروهم. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الآية فقال: أرأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين سمّى اللّه؛ فإذا رأيتموهم فلا تجالسوهم، أو قال: فاحذروهم‏ «2» .

قوله: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا: كان الكلبيّ يقول: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أى: ابتغاء الشرك‏ «3» يعني أولئك اليهود. و قال الحسن: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أى: ابتغاء الضلالة، وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ‏ أى ابتغاء الحرابة «4» . و قال الكلبيّ: هو ما نظر فيه أولئك اليهود من‏ الم* و أشباه ذلك، و كانوا

(1) انظر ما سلف من هذا الجزء، تفسير الآية الأولى من سورة البقرة.

(2) أخرجه البخاري و مسلم و أصحاب السنن؛ أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة آل عمران من طريق ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمّد عن عائشة. و أخرجه الطبريّ في تفسيره ج 6 ص 189- 195 بأحد عشر سندا كلّها من طريق ابن أبي مليكة، و ليس في أى منها ذكر لابن عبّاس عن عائشة، أو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مباشرة كما هو مرويّ هنا. أما يحيى بن سلّام فأخرجه بهذا السند: «يحيى عن الحارث بن نبهان عن أيّوب عن عبد اللّه بن أبي مليكة عن ابن عبّاس» كما في ز، ورقة 42.

(3) لم يرتض الطبريّ هذا التأويل، وردّ عليه في تفسيره ج 6 ص 197 فقال: «معناه: إرادة الشبهات و اللبس».

(4) كذا في ق و ع و د: «الحرابة». و لم أفهم للحرابة هنا معنى، و لعلّها تصحيف لكلمة لم أهتد إليها. و للفظ-

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 248

حملوه على حساب الجمّل، حساب بقاء هذه الأمّة- زعموا- حين التبس عليهم، قال: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ‏ أى: تأويل ما كتب اللّه لهذه الأمّة من الأكل، إِلَّا اللَّهُ، فقال عند ذلك عبد اللّه بن سلام و النفر الذين أسلموا من اليهود، و هم الراسخون في العلم: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا. هذا تفسير الكلبيّ.

و بلغنا عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: أنزل القرآن على أربعة أوجه: حلال و حرام لا يسع الناس جهله، و تفسير يعلمه العلماء، و عربيّة يعرفها العرب، و تأويل لا يعلمه إلّا اللّه، يقول الراسخون في العلم: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا. ذكر بعض المفسّرين قال: نزل القرآن على ستّ آيات: آية مبشّرة، و آية منذرة، و آية فريضة، و آية تأمرك، و آية تنهاك، و آية قصص و أخبار «1» .

قوله: وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ‏ (7): أى أولو العقول، و هم المؤمنون.

قوله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ (8): قال الحسن: هذا دعاء أمر اللّه المؤمنين أن يدعوا به. و قال الكلبيّ: هم النفر الذين أسلموا من اليهود: عبد اللّه بن سلام و أصحابه. و قد فسّرناه في الآية الأولى من تفسير الكلبيّ.

قوله: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ: ذكروا عن ابن مسعود أنّه قال:

التأويل هنا معنيان ذكر هما المفسّرون، فالتأويل يكون بمعنى التفسير، و يكون بمعنى العاقبة المنتظرة، و ما يؤول إليه الشي‏ء.

(1) جمهور الأمّة، و منهم الإباضيّة، يقفون عند لفظ الجلالة من قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا جملة مستأنفة. روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد و عن أبي نهيك الأسديّ أنّهما قالا: إنّكم تصلون هذه الآية و هي مقطوعة: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، إِلَّا اللَّهُ، وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ؛ فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا. انظر السيوطي، الدر المنثور ج 2 ص 6، و انظر تلخيصا مهمّا أورده القرطبيّ في الموضوع في تفسيره، ج 4 ص 16، و اقرأ كذلك ملخّص رسالة قيّمة لشيخ الإسلام تقيّ الدين ابن تيمية أوردها الشيخ محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره: محاسن التأويل ج 4 ص 8- 53. و اقرأ كذلك كلاما نفيسا لأبي المعالي الجويني و ذكره ابن القيّم في كتابه: إعلام الموقّعين، ج 4 ص 311، و تحقيقا عاليا مفيدا للإمام ابن عاشور في التحرير و التنوير، ج 3، ص 163- 169.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 249

ليوم لا شكّ فيه، و هو يوم القيامة: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9).

قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ: أى لن تنفعهم‏ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10): أى: حطب النار. هو مثل قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ‏ (88) [الشعراء: 88].

قوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ: الدأب: العادة و الحال. وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ‏ (11): يعني ما أهلك به الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم.

و قال بعضهم: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ‏ أى: كفعل آل فرعون و الذين من قبلهم. و قال الحسن: هذا مثل ضربه اللّه لمشركي العرب؛ يقول: كفروا و صنعوا كصنيع آل فرعون‏ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ من الكفّار كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، و هو عذابه أتاهم حين كذّبوا رسله.

قال: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى‏ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (12): أى: بئس الفراش. و قال في آية أخرى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ‏ [الأعراف: 41] و قال في آية أخرى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ‏ [الزمر:

16]؛ و هو واحد كلّه. و قال الحسن: فهزمهم اللّه يوم بدر و حشرهم إلى جهنم‏ «1» .

قوله: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: و هما فئتا بدر، فئة المؤمنين، و فئة مشركي العرب في تفسير الحسن و مجاهد و غيرهما. فقال: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: يعني النبيّ عليه السّلام و أصحابه‏ وَ أُخْرى‏ كافِرَةٌ: يعني المشركين‏ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ: قال الحسن: يقول: قد كان لكم أيّها المشركون آية في فئتكم و فئة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه إذ ترونهم مثليهم رأي العين لما أراد اللّه أن يرعب قلوبهم [و يخذلهم‏] «2» و يخزيهم، و كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الملائكة و جبريل، بما أراد اللّه‏ «3» .

(1) كذا في ز: «و حشرهم ...». و في ق و ع و د: «فذلك حشرهم إلى جهنم».

(2) زيادة من ز، ورقة 43.

صفحه بعد