کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كتاب الله العزيز

الجزء الرابع

تفسير سورة ص و هي مكية كلها تفسير سورة الزمر، و هي مكية كلها تفسير سورة المؤمن، و هي مكية كلها تفسير سورة حم السجدة، و هي مكية كلها تفسير سورة حم عسق، و هي مكية كلها تفسير سورة الزخرف، و هي مكية كلها تفسير سورة الدخان، و هي مكية كلها تفسير سورة الجاثية، و هي مكية كلها تفسير سورة الأحقاف، و هي مكية كلها تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الفتح، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحجرات، و هي مدنية كلها تفسير سورة ق، و هي مكية كلها تفسير سورة الذاريات، و هي مكية كلها تفسير سورة الطور، و هي مكية كلها تفسير سورة النجم، و هي مكية كلها تفسير سورة اقتربت الساعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الرحمن، و هي مكية كلها تفسير سورة الواقعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الحديد، و هي مدنية كلها تفسير سورة المجادلة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحشر، و هي مدنية كلها تفسير سورة الممتحنة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الصف، و هي مدنية كلها تفسير سورة الجمعة، و هي مدنية كلها تفسير سورة المنافقون، و هي مدنية كلها تفسير سورة التغابن، و هي مدنية كلها تفسير سورة الطلاق، و هي مدنية كلها تفسير سورة التحريم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الملك، و هي مكية كلها تفسير سورة ن، و هي مكية كلها تفسير سورة الحاقة، و هي مكية كلها تفسير سورة سأل سائل، و هي مكية كلها تفسير سورة نوح، و هي مكية كلها تفسير سورة الجن، و هي مكية كلها تفسير سورة المزمل، و هي مكية كلها تفسير سورة المدثر، و هي مكية كلها تفسير سورة القيامة، و هي مكية كلها تفسير سورة الإنسان، و هي مكية كلها تفسير سورة المرسلات، و هي مكية كلها تفسير سورة عم يتساءلون، و هي مكية كلها تفسير سورة النازعات، و هي مكية كلها تفسير سورة عبس، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا الشمس كورت(1)، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا السماء انفطرت، و هي مكية كلها تفسير سورة المطففين، و هي مكية كلها تفسير سورة الانشقاق و هي مكية كلها تفسير سورة و السماء ذات البروج و هي مكية كلها تفسير سورة و الطارق، و هي مكية كلها تفسير سورة سبح اسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة الغاشية، و هي مكية كلها تفسير سورة الفجر، و هي مكية كلها تفسير سورة لا أقسم بهذا البلد، و هي مكية كلها تفسير سورة و الشمس و هي مكية كلها تفسير سورة و الليل إذا يغشى، و هي مكية كلها تفسير سورة و الضحى، و هي مكية كلها تفسير سورة أ لم نشرح، و هي مكية كلها تفسير سورة التين، و هي مكية كلها تفسير سورة اقرأ باسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة القدر، و هي مكية كلها تفسير سورة لم يكن، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا زلزلت، و هي مدنية تفسير سورة و العاديات، و هي مكية كلها، و قيل: إنها مدنية تفسير سورة القارعة، و هي مكية كلها تفسير سورة ألهاكم، و هي مكية كلها تفسير سورة و العصر، و هي مكية كلها تفسير سورة الهمزة، و هي مكية كلها تفسير سورة الفيل، و هي مكية كلها تفسير سورة قريش، و هي مكية كلها تفسير سورة أ رأيت الذي، و هي مكية كلها تفسير سورة الكوثر، و هي مكية كلها تفسير سورة الكافرين، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا جاء نصر الله، و هي مدنية كلها تفسير سورة تبت يدا، و هي مكية كلها تفسير سورة الإخلاص، و هي مكية كلها تفسير سورة الفلق، و هي مكية كلها تفسير سورة الناس، و هي مكية كلها فهرس الجزء الرابع

تفسير كتاب الله العزيز


صفحه قبل

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 257

وَ أَحْسِنْ: أي فيما افترض اللّه عليك‏ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ‏ (77): أي المشركين في هذا الموضع‏ «1» .

قالَ‏ قارون‏ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ عِنْدِي: أي إنّما أعطيته، يعني ما أعطي من الدنيا، (على علم عندى) أي: بقوّتي و علمي، و هي مثل قوله: ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ قال اللّه: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ أي: بليّة وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ (49) [الزمر: 49].

قوله: أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ‏ قارون، أي: بلى قد علم، و هذا على الاستفهام‏ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ: من قبل قارون‏ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً: أي من الجنود و الرجال.

قال اللّه: وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ‏ (78): أي المشركون و المنافقون، أي:

ليعلم ذنوبهم منهم، أي: يعرفون بسواد وجوههم و زرقة عيونهم، كقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ (39) [الرحمن: 39]، و كقوله: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ) الرحمن: 41] أي: يجمع بين ناصيته و قدمه.

قوله: فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ: يعني قارون‏ فِي زِينَتِهِ: قال الكلبيّ: خرج و عليه ثياب حمر مصبوغة بالأرجوان على بغلة بيضاء. و قال الحسن: خرج في صنوف ماله من درّ و ذهب و فضّة، و قيل: خرج في الحمرة و الصفرة.

قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا: أي المشركون الذين لا يقرّون بالآخرة:

يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏ (79): أي لذو نصيب واف.

وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: و هم المؤمنون للمشركين‏ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ: أي جزاء اللّه، أي: الجنّة خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ممّا أوتي قارون، وَ لا يُلَقَّاها:

- أقرب إلى حقيقة التأويل.

(1) اللفظ يشمل كلّ مفسد في الأرض، من مشرك، و باغ، و ظالم، و مفسد بين الناس و غيرهم من الذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 258

[أي: يعطاها، أي: الجنّة] «1» إِلَّا الصَّابِرُونَ‏ (80): أي العاملون بطاعة اللّه، و هم المؤمنون‏ «2» .

قال اللّه: فَخَسَفْنا بِهِ: أي بقارون‏ وَ بِدارِهِ: أي و بمسكنه‏ الْأَرْضَ‏ فهو يخسف به كلّ يوم قامة إلى أن تقوم الساعة. فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ‏ (81): أي من الممتنعين من عذاب اللّه.

قوله: وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ: [أي إنّ اللّه‏] «3» يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ‏ (82): [أي: و إنّه لا يفلح الكافرون‏] «4» .

بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لرجل يكلّمه في شي‏ء: و يكأنّك لم تكن لتفعله.

و قال بعضهم: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) أي: و لكنّ اللّه، (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي: و لكنّه لا يفلح الكافرون‏ «5» .

قوله: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ: يعني الشرك‏ وَ لا فَساداً: أي قتل الأنبياء و المؤمنين و انتهاك حرمتهم‏ «6» . وَ الْعاقِبَةُ: أي الثواب‏

(1) زيادة من سح، ورقة 62، و من ز ورقة 257.

(2) هذا وجه من وجوه تأويل قوله تعالى: (وَ لا يُلَقَّاها) أي: الجنّة. و أورد الفرّاء في المعاني، ج 2 ص 311 وجها آخر له قيمته فقال: «يقول: و لا يلقّى أن يقول ثواب اللّه خير لمن آمن و عمل صالحا إلّا الصابرون. و لو كانت: و لا يلقاه لكان صوابا؛ لأنّه كلام، و الكلام يذهب به إلى التأنيث و التذكير».

(3) زيادة من سح و من ز.

(4) زيادة من سح و من ز.

(5) قال أبو عبيدة في المجاز، ج 2 ص 112: « (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) مجازه: أ لم تر أنّ اللّه». و قال الفرّاء في المعاني، ج 2 ص 312: «و قوله: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) في كلام العرب تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلى صنع اللّه». و قد أورد الفرّاء بعض معاني‏ (وَيْكَأَنَّ) و وجوه استعمالها مفصّلة في ص 212- 213، و انظر ابن الأنباريّ، البيان في إعراب غريب القرآن، ج 2 ص 237. و انظر ابن جنّي، المحتسب، ج 2 ص 155- 156.

(6) هذا قول رواه القرطبيّ في تفسيره، ج 13 ص 320 و نسبه إلى يحيى بن سلّام. و هذا دليل آخر على أنّ تفسير ابن سلّام كان متداولا في إفريقية و الأندلس، و كان من مصادر المفسّرين.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 259

لِلْمُتَّقِينَ‏ (83): و هي الجنّة.

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: و هي الإيمان، أي: إكمال الفرائض‏ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها: أي فله منها خير، و فيها تقديم: فله منها خير، و هي الجنّة. وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ: أي بالشرك و النفاق و كلّ كبيرة موبقة. فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (84): أي إلّا ثواب ما عملوا.

قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ: أي نزّل عليك القرآن. و قال مجاهد: الذي أعطاكه‏ لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ: قال مجاهد: لرادّك إلى مولدك، إلى مكّة.

ذكر بعضهم قال: إنّ النبيّ عليه السّلام، و هو مهاجر متوجّه إلى المدينة حين هاجر، نزل عليه جبريل عليه السّلام، و هو بالجحفة، فقال: أتشتاق يا محمّد إلى بلادك التي ولدت بها؟ قال: نعم.

فقال: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ) أي: إلى مولدك الذي خرجت منه ظاهرا على أهله. و قال ابن عبّاس: (لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ) أي: إلى الجنّة التي إليها معادك.

قال اللّه للنبيّ عليه السّلام: قُلْ‏ يا محمّد رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى‏: أي إنّ محمّدا جاء بالهدى، و إنّه على الهدى. وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ: (85) أي المشركون و المنافقون.

قوله: وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا: يقول للنبيّ‏ أَنْ يُلْقى‏: أي أن ينزل‏ إِلَيْكَ الْكِتابُ: أي القرآن‏ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: أي و لكن أنزل إليك الكتاب رحمة من ربّك‏ «1» فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ‏ (86): أي عوينا للكافرين.

وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ: أي عن حجج اللّه‏ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَ ادْعُ إِلى‏ رَبِّكَ: أي إلى عبادة ربّك‏ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ: يعني إلّا هو، كقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ (27) [الرحمن: 26- 27] لَهُ الْحُكْمُ: أي له القضاء وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏ (88): أي إليه يرجع الخلق يوم القيامة.

(1) هذا ما يسمّيه النحاة بالاستثناء المنقطع.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 260

تفسير سورة العنكبوت و هي مكّيّة كلّها إلّا عشر آيات مدنيّة من أوّلها إلى قوله: (وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

قوله: الم‏ (1): قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة.

أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا: أي صدّقنا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ‏ (2): أي بالجهاد في سبيل اللّه، و بالفرائض التي أمرهم اللّه بها و ابتلاهم بها.

و هم قوم كانوا بمكة ممّن أسلم و أجاب النبيّ عليه السّلام إلى دينه؛ كان قد وضع عنهم النبيّ عليه السّلام الجهاد، و النبيّ بالمدينة بعدما افترض عليه الجهاد، و قبل منهم أن يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة، و لا يجاهدوا. ثمّ افترض عليهم الجهاد، و أمرهم به، و أذن لهم فيه، و ذلك حين أخرجهم أهل مكّة فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) [الحج: 39]. فلمّا أمروا بالجهاد كره قوم القتال فقال اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ‏ أي: فلمّا فرض عليهم القتال‏ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ‏ أي: لم فرضت علينا القتال‏ لَوْ لا أي: هلّا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ [النساء: 77]، و أنزل اللّه في هذه الآية في أوّل السورة: (الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) أي: صدّقنا فقط (وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي:

و هم لا يبتلون بالجهاد في سبيل اللّه.

قوله: وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أي و لقد ابتلينا الذين من قبلهم، أي: بعد تصديقهم و إقرارهم‏ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا: أي أهل الوفاء و الاستكمال لما ابتلاهم اللّه به من الأعمال‏ «1» ، وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ‏ (3): أي أهل الخيانة و الكذب فيما ابتلوا به من الأعمال و هم المنافقون. و هذا علم الفعال‏ «2» .

(1) كذا في ب و ع، و جاء في سح ورقة 65، و في ز ورقة 258 ما يلي: « (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) بما أظهروا من الإيمان‏ (وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) الذين يظهرون الإيمان و قلوبهم على الكفر، و هم المنافقون». و قال أبو عبيدة في المجاز، ج 2 ص 112: « (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) مجازه: فليميّزنّ اللّه، لأنّ اللّه قد علم ذلك من قبل».

(2) جاء في ز ورقة 258 ما يلي: «قال محمّد: معنى علم الفعال العلم الذي تقوم به الحجّة، و عليه يكون الجزاء،-

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 261

قوله: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي: الذين آمنوا فاعلين الجهاد و لكلّ ما تعبّدهم به من طاعته، و ليعلمنّ المنافقين التاركين للجهاد و لكثير ممّا تعبّدهم به. و قد علم اللّه ذلك قبل أن يفترض عليهم ما افترض أنّهم سيفعلون و سيتركون، و لكنّه قال: و ليعلمنّكم كاذبين فاعلين و تاركين‏ «1» .

قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ: أي الشرك و النفاق و العمل السيّئ‏ أَنْ يَسْبِقُونا: أي حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم، أي: قد حسبوا ذلك، و ليس كما حسبوا و ظنّوا.

قال: ساءَ: أي بئس‏ ما يَحْكُمُونَ‏ (4): أي أنّ اللّه خلقهم و تعبّدهم بطاعته ثمّ لا يبعثهم فيجزيهم بأعمالهم. إنهما ظنّان: ظنّ المشركون أن لن يبعثوا و لن يعذّبوا، و ظنّ المنافقون ألّا يعذبوا بعد التصديق و الإقرار إذا ضيّعوا الأحكام و الفرائض، فقال اللّه: ألا ساء ما يحكمون، أي:

بئس ما يحكمون.

قوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ: أي من كان يخشى البعث، و هذا المؤمن، فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ: أي كائن بعد الموت‏ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ (5): أي لا أسمع منه و لا أعلم منه.

قال: وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ: أي يعطيه اللّه ثواب ذلك في الجنّة إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ (6): أي عن عبادتهم.

قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (7): أي يجزيهم به الجنّة.

قوله: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ: يعني جميع الناس‏ بِوالِدَيْهِ حُسْناً: أي برّا، كقوله:

- فقد علم اللّه الصادق و الكاذب قبل خلقهما». و في اللسان: «الفعال، بفتح الفاء فعل الواحد، خاصّة في الخير و الشرّ، يقال: فلان كريم الفعال، و فلان لئيم الفعال ... و قال المبرّد: الفعال يكون في المدح و الذمّ، قال: و هو مخلّص لفاعل واحد، فإذا كان من فاعلين فهو فعال، قال: و هذا هو الجيّد».

(1) هذه الفقرة الأخيرة في تأويل قوله تعالى: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) لم ترد إلّا في مخطوطة ب و ع، و هي زيادة من الشيخ هود و لا شكّ و من رأيه. و جاء في سع و في سح قول رواه الحسن بن دينار عن الحسن قال: «و اللّه ما قال عبد في هذا الدين من قول إلّا و على قوله دليل من عمله يصدّقه أو يكذّبه». و صدق الحسن.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 262

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [النساء: 36]، قال: وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي: أي إن أراداك على أن تشرك بي‏ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما: أي إنّك لا تعلم أنّ معي شريكا، يعني المؤمنين. إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ: يعني يوم القيامة فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ (8).

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ‏ (9): أي في أهل الجنّة.

قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ: أي صدّقنا باللّه و أقررنا باللّه‏ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ: ببعض ما يدخل عليه في إيمانه باللّه و بمحمّد جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ. رجعت القصّة إلى الكلام الأوّل: (الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)؛ فوصف المنافق في هذه الآية الآخرة فقال: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ) أي:

إذا أمر بالجهاد في سبيل اللّه فدخل عليه أذى رفض ما أمر به، يعني المنافق، و اجترأ على عذاب اللّه، أي: و أقام عن الجهاد، فتبيّن نفاقه، أي: جعل فتنة الناس، يعني ما يدخل عليه من البليّة في القتال، إذا كانت بليّة، كعذاب اللّه في الآخرة، [فترك القتال في سبيل اللّه و اجترأ على عذاب اللّه‏] «1» و إن اللّه قد خوّفه عذاب الآخرة، و هو لا يقرّ به.

[و قال مجاهد: هم أناس آمنوا بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو في أموالهم افتتنوا فجعلوا ما أصابهم في الدنيا كعذاب اللّه في الآخرة] «2» .

قوله: وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ: أي نصر على المشركين، فجاءت غنيمة لَيَقُولُنَّ: يعني جماعتهم‏ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ: أي يطلبون الغنيمة. قال اللّه: أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ‏ (10): أي إنّه يعلم ما في صدور العالمين، و يعلم ما في صدور المنافقين من التضييع للفرائض و ترك الوفاء بما أقرّوا له به‏ «3» .

وَ لَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَ‏

(1) ما بين المعقوفين ساقط من ب و ع فأثبتّه من سع و من سح. و في الفقرة اضطراب و تكرار أصلحته حسبما يقتضيه المعنى.

(2) قول مجاهد هذا من أحسن ما أوّلت به الآية الكريمة، لذا رأيت من المناسب و من الفائدة إثباته هنا من تفسير مجاهد ص 493، و من سح و سع، و من تفسير الطبريّ، ج 20 ص 132.

(3) كذا في ب و ع. و في سع، و ز، و سح جاءت العبارة هكذا: «و العالمون الخلق كلّهم، أي: إنّه يعلم أنّ هؤلاء-

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏3، ص: 263

الْمُنافِقِينَ‏ (11): و هي مثل قوله: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)، و قد فسّرنا ذلك في الآية الأولى. و هذا كلّه علم الفعال.

و ما بعد هذه العشر الآيات مكّيّة كلّها، و هذه العشر مدنيّة، نزلت بعد ما بعدها من هذه السورة، و هي قبل ما بعدها في التأليف.

قوله: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا: الذي نحن عليه‏ وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ: أي فيما اتّبعتمونا فيه، أي: ما كان فيه من إثم فهو علينا، و هذا منهم إنكار للبعث و الحساب.

قال اللّه: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ: أي من خطايا المؤمنين‏ مِنْ شَيْ‏ءٍ لو اتّبعوهم‏ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ (12): أي لا يحملون خطاياهم.

قال: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ: يعني آثامهم، أي آثام أنفسهم‏ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ: أي يحملون مثل ذنوب من اتّبعهم على الضلالة، و لا ينقص ذلك من ذنوب من اتّبعوهم شيئا.

ذكروا عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أيّما داع دعا إلى هدى فاتّبع عليه كان له مثل أجر من اتّبعه و لا ينقص من أجورهم شيئا. و أيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع عليها كان عليه وزر من عمل بها و لا ينقص من أوزارهم شيئا «1» .

ذكروا عن ابن مسعود في قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ‏ (5) [الانفطار: 5] مثل حديث الحسن عن النبيّ عليه السّلام.

قال: وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ‏ (13): [أي يكذبون و يخترعون‏] «2» .

- المنافقين في صدورهم التكذيب باللّه و برسوله و هم يظهرون الإيمان».

(1) حديث رواه ابن ماجه في مقدّمة سننه، باب من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة، عن أنس بن مالك و عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة، (رقم 205- 206). و أخرجه أبو داود في كتاب السنّة، باب لزوم السنّة (رقم 4609)، عن أبي هريرة.

صفحه بعد