کتابخانه تفاسیر
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 46
الآخرة شيئا، لأنّهم قد جوزوا بها في الدنيا. و أمّا المؤمنون فيوفّون حسناتهم في الآخرة، و أمّا سيّئات المؤمن، فإنّه يحاسب بالحسنات و السيّئات؛ فإن فضلت حسناته سيّئاته بحسنة واحدة ضاعفها اللّه، و هو قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) [النساء: 40]، و إن استوت حسناته و سيّئاته فهو من أصحاب الأعراف يصير إلى الجنّة، و إن فضلت سيّئاته حسناته فقد فسّرنا ذلك في غير هذه السورة «1» ، قال: وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70).
قوله: وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً: أي زمرة زمرة، أي: فوجا فوجا في تفسير الحسن. و في تفسير الكلبيّ: (زمرا): أمما، و كذلك أهل الجنّة. حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71).
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها: أي لا يخرجون منها أبدا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72): أي عن عبادة اللّه.
ذكروا عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: إذا توجّهوا إلى الجنّة مرّوا بشجرة تجري من ساقها عينان، فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النعيم، فلا تتغيّر أبشارهم، و لا تشعث أشعارهم بعدها أبدا، ثمّ يشربون من الأخرى، فيخرج ما في بطونهم من أذى و قذى، ثمّ تستقبلهم الملائكة خزنة الجنّة، فيقولون لهم: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)، ثمّ تتلقّاهم الولدان، فيعرف الولدان من قد جعلهم اللّه له «2» ، يبشّون لهم و يفرحون بهم كما يفرح الحبيب بالحبيب، أو كما يفعل الولدان بالحميم إذا جاءه من غيبة. لم يذهب أحدهم حتّى يأتي أزواجه، أزواج الرجل، فيبشّرهن و يقول: قد جاء فلان فيسمّيه باسمه، فيقلن: أنت رأيته؟ فيقول: نعم،
(1) انظر ما سلف، ج 1، تفسير الآية 40 من سورة النساء.
(2) الصواب أن يكون «لهم» و لكنّ المؤلّف يذكر أحيانا الولدان بالمفرد و أحيانا بالجمع و يقصد كلّ واحد من الولدان كما يذكر أزواج الرجل و يردّ الضمير إلى كلّ واحدة منهنّ.
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 47
فيسبقها الفرح حتّى تقوم على أسكفة بابها تنتظره. فيجيء فيدخل بيتا أسفله على جندل اللؤلؤ و جندل الحصا و حيطانه من كلّ لون، فينظر إلى سقفه، فلو لا أنّ اللّه قدّر له ألّا يذهب بصره لذهب؛ فإذا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) [الغاشية: 13- 16] فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ... [الأعراف: 43] إلى آخر الآية.
و تفسير الحسن في قوله: (وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ): و يفاضل ما بينهم كمثل كوكب بالمشرق و كوكب بالمغرب. و قال بعضهم: يحبس أهل الجنّة حتّى يؤخذ بعضهم من بعض ضغائن كانت بينهم، ثمّ يدخلون الجنّة.
و قال مجاهد: (طبتم) أي: طبتم بطاعة اللّه.
قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ: أي: إنّ اللّه وعد المؤمنين و المؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار و أشباهها. وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ: يعني أرض الجنّة نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ: أي ننزل حيث نشاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74): أي في الدنيا، أي:
إنعام أتاهم به اللّه إذ أثابهم بالجنّة.
ذكروا عن الحسن قال: إنّ أدنى أهل الجنّة منزلا آخرهم دخولا، فيعطى فيقال له: انظر ما أعطاك اللّه. و يفسح له في بصره فينظر إلى مسيرة مائة سنة ليس فيه شبر إلّا و هو عامر بالقصور من الذهب و الفضّة و خيام اللؤلؤ و الياقوت، فيها أزواجه و خدمه، يغدى عليه كلّ يوم بسبعين صحفة من ذهب، و يراح عليه بمثلها؛ في كلّ واحدة لون ليس في الأخرى، يأكل من آخرها كما يأكل من أوّلها، لو نزل به الجنّ و الإنس في غداء واحد لوسعهم، و لا ينقص ذلك ممّا عنده.
ذكروا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: إنّ أسفل أهل الجنّة منزلة لمن يسعى عليه سبعون ألف غلام، و إنّ أرفع أهل الجنّة درجة الذي يسعى عليه سبعمائة ألف غلام «1» . و ذكر في القصص نحو من حديث الحسن.
(1) أخرجه الترمذيّ في صفة أهل الجنّة، باب ما لأدنى أهل الجنّة من الكرامة عن أبي سعيد الخدريّ، و إسناده ضعيف.
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 48
قوله: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ: [أي محدقين] «1» مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ذكر بعضهم قال: قال اللّه لآدم عليه السّلام: يا آدم أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف به آدم و من بعده، حتّى إذا كان الطوفان، زمان أغرق اللّه فيه قوم نوح، رفعه من أن يصيبه عقوبة، فبناه [إبراهيم] «2» على أساس قديم كان قبله.
قوله: وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ: أي فصل بينهم وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75):
قاله المؤمنون؛ حمدوا اللّه على ما أعطاهم و على ما صيّرهم إليه من النعيم و السرور الذي لا انقطاع له. و (الحمد للّه ربّ العالمين).
(1) زيادة من ز، ورقة 301.
(2) زيادة لا بدّ منها، و لعلّها سهو من الناسخ.
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 49
تفسير سورة المؤمن «1» ، و هي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله: حم (1): ذكروا أنّ عليّا رضي اللّه عنه قال:
(الم)* ، (حم)* و (ن): الرحمن. و كان الحسن يقول: لا أدري ما تفسير (حم)* و (طسم)* و أشباه ذلك، غير أنّ قوما من السلف كانوا يقولون: أسماء السور و فواتحها.
قال: تَنْزِيلُ الْكِتابِ: أي القرآن، مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ في ملكه، الذي ذلّ من دونه لعزّته. الْعَلِيمِ (2): بخلقه.
غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ: أي التوبة شَدِيدِ الْعِقابِ: أي إذا عاقب «2» .
ذِي الطَّوْلِ: أي ذي الغنى «3» ، أي: إنّه الغنيّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: أي لا معبود سواه، و لا ربّ إلّا هو إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3): أي البعث.
قوله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ: فيجحدها إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ: أي إقبالهم و إدبارهم فِي الْبِلادِ (4): يعني في الدنيا بغير عذاب، فإنّ اللّه معذّبهم.
قوله: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ: أي قبل قومك يا محمّد قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ: يعني عادا و ثمودا و من بعدهم، الذين أخبر بهلاكهم لتكذيبهم رسلهم. وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ: فيقتلوه. وَ جادَلُوا: أي و خاصموا بِالْباطِلِ: أي بالشرك، جادلوا به الأنبياء و المؤمنين. لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: أي ليدفعوا به الحقّ؛ أي: الإيمان فَأَخَذْتُهُمْ: أي بالعذاب فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5): أي كان شديدا.
(1) في ع: «سورة المؤمنين»، و هو خطأ. صوابه: «المؤمن» كما جاءت في كتب التفسير الأولى مثل مجاز أبي عبيدة و معاني الفرّاء، و معاني الأخفش، و تفسير ابن قتيبة. و هي سورة غافر. و في بعض المصاحف: «حم المؤمن».
(2) كذا في ع: « (شديد العقاب) أي: إذا عاقب»، و في ز، ورقة 301: « (شديد العقاب) لمن لم يؤمن».
(3) و قال أبو عبيدة في المجاز، ج 2 ص 194: « (ذِي الطَّوْلِ) ذي التفضّل، تقول العرب للرجل: إنّه لذو طول على قومه، أي: ذو فضل عليهم». و قال ابن قتيبة: «الطّول التفضّل؛ يقال: طل عليّ برحمتك، أي: تفضّل».
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 50
قوله: وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: أي سبقت كلمات ربّك عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6): أي بكفرهم.
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ: أي و من حول العرش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ. ذكر بعضهم قال: قال اللّه لآدم: يا آدم أهبط بيتي معك يطاف حوله كما يطاف على العرش.
قال: وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يقولون رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً: أي ملأت كلّ شيء رحمة و علما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا من الشرك و النفاق و أعمال السيّئات وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ: أي الهدى، يعني الإسلام، و هو السبيل، أي الطريق إلى الجنّة. وَ قِهِمْ: أي و اصرف عنهم عَذابَ الْجَحِيمِ (7).
رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ: و عدن أرفع الجنّة و بطنانها، إليها تنسب الجنان. الَّتِي وَعَدْتَهُمْ: أي إنّ اللّه وعد المؤمنين في كتابه الجنّة فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ... [التوبة: 72] إلى آخر الآية، و غير ذلك ممّا وعدهم فيها، أي: في الجنّة.
قال: وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ: أي و من آمن و عمل صالحا منهم إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8). و قال في سورة الطور: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور: 21] أي: و ما انتقصناهم من عملهم من شيء. إنّ اللّه يرفع إلى المؤمن ولده في الجنّة و إن كان دونه في العمل ليقرّ به عينه، و كذلك الآباء يرفعون إلى الأبناء في درجاتهم في الجنّة إذا كانت الآباء دونهم في العمل. و ولدان المسلمين الذين لم يبلغوا العمل أيضا مع آبائهم من أهل الجنّة.
ذكروا عن سعيد بن المسيّب قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا، امرأة من تكون في الجنّة؟ قال: امرأة الآخر.
قال: وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ: أي جهنّم، و هذا جزاء الشرك و النفاق «1» وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ
(1) كذا في ع، و في ز ورقة 302: «يعني جهنّم، هي جزاء الشرك». و كلمة النفاق زيادة من الشيخ هود، و لا-
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 51
يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ. قال: وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9): أي هي النجاة العظيمة من النار إلى الجنّة.
قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ و هم في النار لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: أي لمقت اللّه إيّاكم في معصيته أكبر من مقتكم أنفسكم في النار، و ذلك أنّ أحدهم يمقت نفسه و يقول: مقتّك يا نفسي. قال: إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ: أي في الدنيا فَتَكْفُرُونَ (10).
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ: و هو قوله في سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] يقول:
(وَ كُنْتُمْ، أَمْواتاً) في أصلبة آبائكم نطفا، (فَأَحْياكُمْ)، يعني هذه الحياة في الدنيا، (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) يعني بهذا موتكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يعني البعث فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11).
تفسير الحسن: إنّ فيها إضمارا: قال اللّه: [لا، ثمّ قال] «1» :
ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا: أي تصدّقوا بعبادة الأوثان.
و قال بعضهم: ليس فيها إضمار، و لكن قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ، أَنْفُسَكُمْ) لأنكم كنتم تدعون في الدنيا (إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ). قال: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ: أي لا أعلى منه الْكَبِيرِ (12): أي لا أكبر منه.
قوله: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) أي حكمه على العباد بأن أدخل المؤمنين الجنّة و أدخل المشركين النار.
قوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ: أي ما يرى العباد من قدرته وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً: أي مطرا؛ أي في المطر أرزاق العباد. وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13): أي إلّا من يرجع إلى اللّه فيخلص العبادة له، يعبده لا يشرك به شيئا.
- شكّ، و هي غير واردة في ز.
(1) زيادة سقطت من ع، و هي موجودة في ز، و إثباتها لا بدّ منه و إلّا لما ظهر الإضمار الذي رآه الحسن، و الذي أشار إليه الطبريّ في تفسيره، ج 24 ص 48، و هو وجه من وجوه تأويل الآية؛ و يذكر المؤلّف الوجه الآخر بعد هذا مباشرة.
تفسير كتاب الله العزيز، ج4، ص: 52
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14). كان المشركون يكرهون أن يظهر دين اللّه، كقوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) [التوبة: 33].
قوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ: أي هو رفيع الدرجات، أي: درجات المؤمنين في الجنّة ذُو الْعَرْشِ: ربّ العرش يُلْقِي الرُّوحَ: أي ينزل الوحي «1» مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: أي الأنبياء مع جبريل لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15): أي يوم القيامة، يوم يلتقي فيه الخلائق من أهل السماء و أهل الأرض عند اللّه يوم القيامة.
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ: أي: لا يتوارى عنه شيء في الدنيا و الآخرة. لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ يسأل الخلائق فلا يجيبه أحد، فيردّ على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16): قهر العباد بالموت و بما شاء من أمره. قال بعضهم: هذا ما بين النفختين، حين لا يبقى أحد غيره، حيث تكون الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويّات بيمينه. و قال بعضهم: هذا بعد البعث حين يجمع الخلائق، و لا أدري لعلّه في الموطنين جميعا، و اللّه أعلم.
قوله: الْيَوْمَ: يعني في الآخرة تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17). قال بعضهم: يفرغ من حساب الخلائق في مقدار أقلّ من نصف يوم من أيّام الدنيا.
قوله: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ: أي يوم القيامة «2» إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ: قال بعضهم: انتزعت القلوب فغصّت بها الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها و لا هي تخرج.
قال: ما لِلظَّالِمِينَ: أي المشركين مِنْ حَمِيمٍ: من قرابة. و قال مجاهد: الحميم:
(1) قال الفرّاء في المعاني، ج 3 ص 6: «الروح في هذا الموضع النبوّة؛ لينذر من يلقي عليه الروح يوم القيامة».
و القول الأوّل قول قتادة. و قال بعضهم: الروح هنا هو جبريل.
(2) قال ابن أبي زمنين في ز، ورقة 303: «إنّما قيل للقيامة آزفة لأنّها قريبة و إن استبعد الناس مداها. يقال: