کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب


صفحه قبل

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 18

و في كتاب علل الشرائع‏ «1» : بإسناده الى الصادق- عليه السلام- حديث طويل- يقول فيه- عليه السلام‏ - بعد أن حكى عن النبي- صلى اللّه عليه و آله- ما رأى، إذ عرج به و علة الأذان و الافتتاح: فلما فرغ من التكبير و الافتتاح قال اللّه- عز و جل: الآن وصلت الي. فسمّ باسمي! فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

فمن ذلك جعل‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ في أول السورة «2» .

ثم قال له: أحمدني.

فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

و قال النبي- صلى اللّه عليه و آله- في نفسه: شكرا.

فقال اللّه: يا محمد! قطعت حمدي. فسم باسمي.

فمن‏ «3» ذلك جعل في‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ مرتين.

فلما بلغ‏ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ ، قال النبي- صلى اللّه عليه و آله-: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، شكرا.

فقال العزيز الجبار: قطعت ذكري. فسم باسمي.

[فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ »] «4» .

فمن [أجل‏] «5» ذلك جعل‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ ، بعد الحمد، في استقبال السورة الأخرى.

(1) علل الشرائع/ 315.

(2) المصدر: كل سورة.

(3) المصدر: فمن أجل.

(4) يوجد في المصدر.

(5) يوجد في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 19

و في تفسير العياشي‏ «1» : قال الحسن بن خرزاد، و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : إذا أم الرجل القوم، جاء شيطان الى الشيطان الذي هو قريب الامام، فيقول: هل ذكر اللّه؟ يعني: [هل‏] «2» قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ؟

فان قال: نعم. هرب منه، و ان قال: لا. ركب عنق الامام، و دلى رجليه في صدره.

فلم يزل الشيطان أمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم.

و في الكافي: «3» علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى- جميعا- عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* ، بسم اللّه و اللّه أكبر».

بِسْمِ اللَّهِ».

«الباء»، متعلقة بمحذوف. تقديره، بسم اللّه أقرأ، لان الذي يتلوه مقروء.

و كذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية، مبدءا له، دون أبدء لعدم ما يطابقه، أو ابتدائي، لزيادة إضمار فيه.

و تقديم المفعول هنا، كما في‏ بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها «4» . لأنه أهم.

لكونه أدل على الاختصاص، و أدخل في التعظيم، و أوفق للوجود.

فان اسمه تعالى، متقدم على القراءة، من حيث أنه جعل آلة لها، من أجل أن الفعل لا يتم و لا يعتد به شرعا، ما لم يصدر باسمه تعالى‏ «5» .

«فالباء» للاستعانة. و قيل‏ «6» : للمصاحبة. و المعنى: متبركا باسم اللّه أقرأ.

(1) تفسير العياشي 1/ 20.

(2) يوجد في المصدر.

(3) الكافي 4/ 285، ضمن ح 2.

(4) هود/ 41.

(5) أنور التنزيل 1/ 5.

(6) نفس المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 20

و هو أحسن، لرعاية الأدب. و لم يزد في هذا المقام على هذين الاحتمالين.

و هذا و ما بعده، مقول على ألسنة العباد، ليعلموا كيف يتبرك باسمه، و يحمد على نعمه.

و يحتمل أنه تعالى، صدر كتابه به للاشعار بأن التصدير به في كل فعل، و تأليف أمر، واجب. و ان كان مؤلفه هو اللّه سبحانه.

و التعبير بلفظ الغائب، للتعظيم. كقول بعض الخلفاء: الأمير، يأمرك بكذا.

و كسر الباء و لام الامر و لام الاضافة، داخلا على المظهر. و حق الحروف المفردة، الفتح، لاختصاصها بلزوم الجر و الامتياز عن لام الابتداء. و انما كان حقها ذلك. لأنه أخت السكون في الخفّة.

و الاسم عند أهل البصرة، من الأسماء المحذوفة الأعجاز، لكثرة الاستعمال المبنية أوائلها على السكون. و هي عشرة: اسم و است و ابن و ابنة و ابن و اثنان و اثنتان و امرؤ و امرأة و أيمن في القسم عند البصرية، أدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل. لان من دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك و يقفوا على الساكن.

و منهم: من ابتدأ بتحريك الساكن، فقال: سم و سم. فقال: «بسم» الذي في كل سورة، سمه. و اشتقاقه من السموّ، لأنه رفعة للمسمى، و اشارة اليه.

و يدل عليه تصريفه على أسماء و أسامي و سمى و سميت. و مجي‏ء سمى كهدى. قال:

و اللّه أسماك سمى مباركا

آثرك اللّه به تباركا

و من المقلوبة الأوائل عند الكوفيين أصله «وسم»، قلبت و اوه همزة.

و قيل‏ «1» : حذفت واوه، و عوضت عنها همزة الوصل، ليقل إعلاله.

ورد بأن الهمزة لم يعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم.

ورد بأن كلمة «أنصر» قد حذفت منها التاء و أدخلت عليها الهمزة. ورد ذلك بأن غير المعهود، ما حذف صدره، و أدخلت عليه الهمزة و هو ليس كذلك. و أجيب‏

(1) البيضاوي، أنوار التنزيل 1/ 6.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 21

بكلمة «أكرم». فانه حذف منه الهمزة التي صدره، و أدخل عليه همزة المتكلم.

فتأمل! و المراد منه اللفظ المغاير «1» للمسمى، الغير المألف من الأصوات، المتحد باختلاف الأمم و الأعصار. و ارادة المسمى منه، بعيد لعدم اشتهاره بهذا المعنى.

و قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏ «2» ، المراد منه، تنزيه اللفظ. أو هو مقحم فيه، كقوله: الى الحول ثم اسم السلام عليكما.

قيل‏ «3» : رأي أبي الحسن الأشعري، أن المراد بالاسم، الصفة و هي ينقسم عنده، الى ما هو نفس المسمى، و الى ما هو غيره، و الى ما ليس هو، و لا غيره.

قيل: و هو عند أهل الظاهر، من الألفاظ.

فعلى هذا لا يصح قوله: الاسم عين المسمى.

و عند الصوفية: عبارة عن ذات الحق، و الوجود المطلق. إذا اعتبرت مع صفة معينة، و تجلي خاص. «فالرحمن»- مثلا- هو مع الذات الالهية، مع صفة الرحمة. «و القهار» مع صفة القهر.

فعلى هذا، الاسم عين المسمى- بحسب التحقق و الوجود، و ان كان غيره بحسب التعقل. و الأسماء الملفوظة، هي أسماء هذه الأسامي.

و اضافته الى اللّه- على التقديرين- لامية، و المراد به، بعض أفراده، الذي من جملتها «اللّه» و الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

و يمكن أن يراد به، هذه الأسماء بخصوصها، بقرينة التصريح بها. و يحتمل أن تكون الاضافة بيانية. أما على التقدير الثاني، فظاهرة. و أما على الأول، فبأن يراد بالأسماء الثلاث، أنفسها، لا معانيها. و يكون‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ جاريين‏

(1) من أول الكتاب الى هنا ليس في نسخة أ.

(2) الأعلى/ 1.

(3) أنوار التنزيل 1/ 6.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 22

على اللّه، على سبيل الحكاية، عما أريد به من المعنى و الاستعانة و التبرك بالألفاظ، باجرائها على اللسان، و اخطار معانيها بالبال، و بالمعاني باخطارها بالبال، و اجراء أساميها على اللسان. و أقحم الاسم، لكون التبرك و الاستعانة باسمه، و الفرق بين اليمين و التيمن. و لم يكتب الألف لكثرة الاستعمال و تطويل الباء، عوض عنه.

و «اللّه»: أصله «الاله». فحذفت الهمزة و عوضت عنها حرف التعريف.

و لذلك قيل: يا اللّه- بالقطع- علم للذات الواجب المستحق لجميع المحامد.

و قد يستعمل في المعبود بالحق، مجازا.

و الدليل على الأول: ان كلمة «لا اله الا اللّه» تفيد التوحيد، من غير اعتبار عهد و غلبة- ضرورة، و بالاتفاق من الثقات. فلو لم يكن علما لم يكن مفيدا. و هو الظاهر.

و على الثاني: قوله تعالى: وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ‏ .

قيل: لو لم يكن علما، فالمراد بكلمة «اله» الواقعة اسم «لا»، اما مطلق المعبود، فيلزم الكذب. أو المعبود بالحق، فيلزم استثناء الشي‏ء عن نفسه.

ورد بأن المراد المعبود بالحق. و لا يلزم استثناء الشي‏ء عنه. لأن كلمة «اللّه» صارت بالغلبة، مختصة بفرد من مفهومها.

و قيل‏ «1» : لأنه يوصف و لا يوصف به. و لأنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته.

و لا يصلح له مما يطلق عليه سواه.

ورد بأنه يمكن أن يقال أنه كان في الأصل وصفا. لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، و صار كالعلم، مثل: الثريا و الصعق، أجري مجراه في اجراء الوصف عليه.

(1) أنوار التنزيل 1/ 6.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 23

و استدل الذاهبون الى أنه كان في الأصل وصفا، فغلب، بأن ذاته- من حيث هو- بلا اعتبار أمر حقيقي أو غيره، غير معقول للبشر. فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ. و بأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة، لما أفاد ظاهر قوله تعالى: وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ‏ «1» ، معنى صحيحا. و بأن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للاخر في المعنى و التركيب، و هو حاصل بينه و بين بعض الألفاظ.

و الجواب عن الأول: أنه يكفي في الوضع ملاحظة الذات المخصوصة بوجه، أو هو معقول للبشر.

و عن الثاني: بأنا قد بينا أنه قد يطلق على مفهوم المعبود، مجازا.

و عن الثالث: بأن اشتقاقه من لفظ آخر، لا ينافي علميته لجواز اشتقاق لفظ من لفظ، ثم وضعه لشي‏ء مخصوص.

و اشتقاقه من «أله»، «آلهة» و «ألوهة» و «ألوهية» بمعنى «عبد» و منه «تأله» و «استأله». فالاله: المعبود.

أو من أله، إذا تحير، إذ العقول تحير في معرفته.

أو من ألهت «فلانا» أي، سكنت اليه. لأن القلوب تطمئن بذكره و الأرواح تسكن الى معرفته.

أو من «أله»، إذا فزع من أمر نزل عليه.

أو «إلهه»: أجاره، إذ العابد يفزع اليه. أو هو يجيره حقيقة، أو بزعمه، إذا أطلق على غير «2» اللّه، كاطلاقهم الاله على الصبح.

أو من «أله» الفصيل، إذا ولع بأمه، إذ العباد يولعون بالتضرع اليه في الشدائد.

(1) الانعام/ 3.

(2) ليس في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 24

أو من «وله»، إذا تحير و تخبط عقله. و كان أصله «ولاه» فقلبت الواو، همزة، لاستثقال الكسرة عليها، استثقال الضمة في وجوه.

فقيل «اله»، كاعأد و أشاح. و يرده الجمع على «آلهة» دون «أولهة».

و قيل: أصله «لاه» مصدر «لاه يليه»، «ليها» «و لاها»، إذا احتجب و ارتفع لأنه تعالى محجوب عن ادراك الأبصار، و مرتفع على كل شي‏ء، و عما لا يليق به.

و يشهد له قول الشاعر:

كحلفة من أبي رباح‏

يسمعها لاهه الكبار

و قيل: أصله «لاها»، بالسريانية. فعرّب بحذف الالف الاخيرة و إدخال اللام عليه.

و قيل: تفخيم لامه، إذا انفتح ما قبله، أو انضم سنّة.

و قيل: مطلقا، و حذف ألفه، لحن يفسد به الصلاة. و لا ينعقد به صريح اليمين. و قد جاء لضرورة الشعر:

ألا لا بارك اللّه في سهيل‏

إذا ما بارك اللّه في الرجال‏

هذا أصله. ثم وضع علما للذات المخصوصة «1» .

قيل: و هو اسم اللّه الأعظم، لأنه لا يخرج بالتصرف فيه ما أمكن عن معنى.

(و في عيون الأخبار «2» ، حديث ذكرته في شرح‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . و فيه:

قلت: «الأحد»، «الصمد». و قلت: لا يشبه شيئا. و اللّه، واحد، و الإنسان، واحد. أليس قد تشابهت الوحدانية؟

قال: يا فتح! أحلت- ثبتك اللّه- انما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء، فهي واحدة. و هي دلالة على المسمى.

(1) البيضاوي، أنوار التنزيل 1/ 6.

صفحه بعد