کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب


صفحه قبل

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 49

قال: فجعل اللّه- عز و جل- تلك الاجابة، شعار الحج‏ «1» . ثم نادى ربنا عز و جل: يا أمة محمد! ان قضائي عليكم، أن رحمتي سبقت غضبي. و عفوي قبل عقابي. فقد استجبت لكم، من قبل أن تدعوني. و أعطيتكم من قبل أن تسألوني.

من لقيني منكم بشهادة أن لا اله الا اللّه، وحده لا شريك له. و أن محمدا، عبده و رسوله، صادق في أقواله، محق في أفعاله، و أن علي بن أبي طالب، أخوه و وصيه من بعده، و وليه، و يلتزم طاعته، كما يلتزم طاعة محمد، و أن أولياءه، المصطفين الطاهرين المطهرين المنبئين‏ «2» بعجائب آيات اللّه و دلائل حجج اللّه من بعدهما، أولياؤه، أدخلته جنتي، و ان كانت ذنوبه مثل زبد البحر.

قال- عليه السلام-: فلما بعث اللّه- عز و جل- نبينا، محمدا- صلى اللّه عليه و آله-، قال: يا محمد! و ما كنت بجانب الطور، إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة.

ثم قال اللّه- عز و جل- لمحمد- صلى اللّه عليه و آله- قل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، على ما اختصني به، من هذه الفضيلة، و قال لأمته: قولوا أنتم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

(و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام أبو محمد الحسن العسكري‏ «3» - عليه السلام:- حدثني أبي عن جدي، عن الباقر، عن زين العابدين- عليهم السلام‏ -:

أن رجلا أتى أمير المؤمنين- عليه السلام- فقال له: أخبرني عن قول اللّه- عز و جل- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، ما تفسيره؟

فقال: «الحمد للّه»، هو أن اللّه قد عرّف عباده بعض نعمه عليهم، جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها، بالتفصيل. لأنها أكثر من أن تحصى، أو تعرف.

(1) المصدر و أ: الحاج.

(2) أ: المبانين.

(3) تفسير العسكري/ 13- 14. مع تفاوت في النقل.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 50

فقال لهم: قولوا: «الحمد للّه» على ما أنعم به علينا، و ذكرنا به من خير، في كتب الأولين، من قبل أن نكون.

ففي هذا إيجاب على محمد و آل محمد، «لما فضلهم به» «1» ، و على شيعتهم، أن يشكروه، بما فضلهم به على غيرهم.

و في كتاب الخصال‏ «2» : عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله‏ - أربع من كنّ فيه، كان في نور اللّه الأعظم- الى قوله- و من أصاب خيرا، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

و في تفسير علي بن ابراهيم‏ «3» : في الموثق عن أبي عبد اللّه- عليه السلام‏ - في قوله: «الحمد للّه»، قال: الشكر للّه. و في قوله: «رب العالمين»، قال:

خالق المخلوقين.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «4» : و فيما ذكره الفضل، من العلل، عن الرضا- عليه السلام- انه قال: «الحمد للّه»، انما هو أداء لما أوجب اللّه- عز و جل- على خلقه، من الشكر. و شكر لما وفق عبده من الخير.

«رب العالمين»، توحيد له. و تحميد «5» و اقرار بأنه هو الخالق المالك، لا غيره.

و في مجمع البيان‏ «6» : و قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله‏ -: ان اللّه تعالى،

(1) المصدر: بما فضله و فضلهم.

(2) الخصال 1/ 222، ح 49.

(3) تفسير القمي 1/ 28.

(4) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، ضمن ح 927، عيون الاخبار 2/ 107، ح 1.

(5) المصدر: تمجيد.

(6) مجمع البيان 1/ 31.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 51

منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ دعوى أهل الجنة، حين شكروا اللّه، حسن الثواب.

و في أصول الكافي‏ «1» : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : من قال أربع مرات، إذا أصبح: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، فقد أدى شكر يومه. و من قالها، إذا أمسى، فقد أدى شكر ليلته.

و بإسناده‏ «2» الى أبي عبد اللّه- عليه السلام-: قال‏ كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- إذا أصبح، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ كثيرا، على كل حال، ثلاثمائة و ستين مرة. و إذا أمسى قال مثل ذلك.

علي بن ابراهيم‏ «3» ، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال‏ : عطس رجل عند أبي جعفر- عليه السلام- فقال: «الحمد للّه». فلم يشمّته أبو جعفر- عليه السلام- و قال: نقصنا حقنا. ثم قال: إذا عطس أحدكم، فليقل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ و صلى اللّه على [نبيه‏] «4» محمد و أهل بيته.

قال: فقال الرجل. فشمّته أبو جعفر- عليه السلام.

و بإسناده‏ «5» الى مسمع بن عبد الملك، قال‏ : عطس أبو عبد اللّه- عليه السلام- فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . ثم جعل إصبعه على أنفه، فقال: رغم أنفي للّه، رغما داخرا.

و بإسناده‏ «6» الى محمد بن مروان، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-:

(1) الكافي 2/ 503، ح 5.

(2) نفس المصدر 2/ 503، ح 4.

(3) نفس المصدر 2/ 654، ح 9.

(4) في ر.

(5) نفس المصدر 2/ 655، ح 14.

(6) نفس المصدر 2/ 655، ح 15.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 52

من قال إذا عطس‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» على كل حال، لم يجد وجع الأذنين و الأضراس.

و بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [حمدا]» «1» كثيرا «2» ، كما هو أهله و صلى اللّه على محمد النبي و آله و سلم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش، يستغفر اللّه له الى يوم القيامة) «3» .

(و في الحديث‏ «4» : إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، قال اللّه:

حمدني عبدي. و علم أن النعم التي له من عندي. و أن البلايا التي اندفعت‏ «5» عنه، بتطوّلي. أشهدكم أني أضيف له الى نعم الدنيا، نعم الاخرة. و أدفع عنه بلايا الاخرة، كما دفعت عنه بلايا الدنيا) «6» .

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : قد مر تفسيرهما. و كرره للتفصيل.

9 و قيل: يحتمل أن يكون المراد «بالرحمن الرحيم»، في البسملة، هو المتجلّي بصور الأعيان الثابتة، بفيضه الأقدس. فانه تعالى، باعتبار عموم هذا الفيض و إطلاقه، هو «الرحمن». و باعتبار تخصصه و تخصصه، هو «الرحيم». و المراد بهما فيما بعدها، هو المتجلي بصور الأعيان الوجودية، بالاعتبارين المذكورين.

و قيل: ذكر الرحمة بعد ذكر «العالمين» و قبل ذكر مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ ،

(1) موجود في المصدر.

(2) ليس في ر.

(3) ما بين القوسين ليس في أ.

(4) عيون الاخبار 1/ 300.

(5) المصدر: دفعت.

(6) ما بين القوسين يوجد في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 53

ينطوي على فائدتين عظيمتين، في تفصيل مجاري الرحمة:

إحداهما: تنظر الى الرحمة في خلق العالمين. و أنه خلقه على أكمل أنواعها و أتاها كلما احتاجت اليه.

و أخراهما: يشير الى الرحمة في المعاد، يوم الجزاء، عند الانعام بالملك المؤبد، في مقابلة كلمة و عبادة.

و هو يلائم ما ورد من قولهم: يا رحمن الدنيا و رحيم الاخرة، حيث قورن «الرحمن»، «برب العالمين»، المشير الى المبدأ، و «الرحيم»، «بملك يوم الدين»، المشير الى المعاد.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1» : فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا- عليه السلام- أنه قال‏ - بعد أن شرح رب العالمين: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ ، استعطاف، و ذكر لآلائه و نعمائه، على جميع خلقه.

و في تفسير علي بن ابراهيم‏ «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، أنه قال‏ - بعد أن شرح‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ : «الرحمن»، بجميع خلقه.

«الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.

(و في الحديث‏ «3» : إذا قال العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ ، قال اللّه تعالى:

شهد لي بأني‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ . أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، و لأجزلن من عطائي نصيبه) «4» .

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ : و قرئ «مالك» و «ملك»- بتخفيف اللام-، و «ملك»، بصيغة الفعل. و نصب «اليوم».

(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، مقطع من ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.

(2) تفسير القمي 1/ 28.

(3) عيون الاخبار 1/ 300.

(4) بين القوسين غير موجود في ر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 54

و ملك و مالك، بالنصب على المدح و الحال. و يحتمل النداء.

و «مالك»، بالرفع، منوّنا و مضافا، على أنه خبر مبتدأ محذوف.

و يعضد قراءته على اسم الفاعل، قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ «1» . و على الصفة المشبّهة، قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ‏ «2» . و هي أولى. لأنه قراءة أهل الحرمين. و لأن بعض معاني «الرب»، هو المالك.

فذكره ثانيا، لا يخلو عن تكرار. و لان الاخر و هو سورة الناس، نظير الأول.

و المذكور فيها بعد ذكر «الرب» هو «الملك». لا «المالك». و لأن للملك، زيادة عموم، ليست للمالك. لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث أنه ملك، أكثر مما تحت حياطة المالك.

فان الشخص، يوصف بالمالكية، نظرا الى أقل قليل. و لا يوصف بالملكية، الا بالنظر الى أكثر كثير» و للتناسب الحاصل بينه و بين الآيتين الأولتين.

و يوم الدين: يوم الجزاء. و قيل‏ «3» : زمان الجزاء. و منه: كما تدين تدان. و بيت الحماسة: و لم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا».

و في اختياره على سائر الأسامي، رعاية للفاصلة، و افادة للعموم. فان الجزاء، يتناول جميع أحوال القيامة، الى السرمد.

و «للدين» معان أخر، مثل العبادة و الطاعة و الشريعة و الشأن.

و «دانه»- في اللغة-: أذلّه و استعبده و ساسة و ملكه.

و يمكن حمله على كل واحد، بل على الكل بالمرة. و قد يظهر وجهه بصدق التأمّل.

(1) الانفطار/ 19.

(2) غافر/ 16.

(3) الكشاف 1/ 11، أنوار التنزيل 1/ 8.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 55

و اما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ ، فمن قبيل اضافة الصفة المشبّهة، الى غير معمولها. كما في «رب العالمين». فتكون حقيقية، لا لفظية. فان اللفظية، اضافتها الى الفاعل. لا غير. فيصح جعله صفة للّه.

و أما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ [فمن قبيل اضافة اسم الفاعل الى الظرف، على سبيل التجويز. و هي أيضا حقيقية. لان المراد به الاستمرار أو الماضي لا الحال أو الاستقبال. و يصح جعل مالكية اليوم مستمرة، مع أن يوم الدين‏] «1» و ما فيه، ليس مستمرا في جميع الأزمنة، لكونه لتحقق وقوعه و بقائه أبدا، كالمتحقق المستمر كما يصح جعله لتحقق وقوعه. كالماضي. و تخصيص «اليوم»، بالاضافة، اما لتعظيمه أو لتفرده تعالى، بنفوذ الأمر فيه.

و لما دل بلامي التعريف و الاختصاص، على أن جنس الحمد، مختص به، و حق له، أجرى عليه تلك الأوصاف العظام، ليكون حجة قاطعة، على انحصار الحمد فيه، و استحقاقه إياه، فذكر أولا: ما يتعلق بالابداء، من كونه ربّا مالكا للأشياء، كلها، بافاضة الوجود عليها، و أسباب الكمالات لها.

و ثانيا: ما يتعلق بالبقاء، من اسباغه عليها، نعما ظاهرة و باطنة جليلة و دقيقة.

و ثالثا: ما يتعلق بالاعادة من كونه مالكا للأمر، كله، يوم الجزاء. فلا يستأهل غيره أن يحمد فضلا عن أن يعبد.

(و في تفسير علي بن ابراهيم‏ «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام‏ - انه بعد أن شرح‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ ، قال: يوم الحساب.

(1) ليس في أ.

صفحه بعد