کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 50
فقال لهم: قولوا: «الحمد للّه» على ما أنعم به علينا، و ذكرنا به من خير، في كتب الأولين، من قبل أن نكون.
ففي هذا إيجاب على محمد و آل محمد، «لما فضلهم به» «1» ، و على شيعتهم، أن يشكروه، بما فضلهم به على غيرهم.
و في كتاب الخصال «2» : عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله - أربع من كنّ فيه، كان في نور اللّه الأعظم- الى قوله- و من أصاب خيرا، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
و في تفسير علي بن ابراهيم «3» : في الموثق عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - في قوله: «الحمد للّه»، قال: الشكر للّه. و في قوله: «رب العالمين»، قال:
خالق المخلوقين.
و في من لا يحضره الفقيه «4» : و فيما ذكره الفضل، من العلل، عن الرضا- عليه السلام- انه قال: «الحمد للّه»، انما هو أداء لما أوجب اللّه- عز و جل- على خلقه، من الشكر. و شكر لما وفق عبده من الخير.
«رب العالمين»، توحيد له. و تحميد «5» و اقرار بأنه هو الخالق المالك، لا غيره.
و في مجمع البيان «6» : و قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله -: ان اللّه تعالى،
(1) المصدر: بما فضله و فضلهم.
(2) الخصال 1/ 222، ح 49.
(3) تفسير القمي 1/ 28.
(4) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، ضمن ح 927، عيون الاخبار 2/ 107، ح 1.
(5) المصدر: تمجيد.
(6) مجمع البيان 1/ 31.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 51
منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ دعوى أهل الجنة، حين شكروا اللّه، حسن الثواب.
و في أصول الكافي «1» : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال : من قال أربع مرات، إذا أصبح: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فقد أدى شكر يومه. و من قالها، إذا أمسى، فقد أدى شكر ليلته.
و بإسناده «2» الى أبي عبد اللّه- عليه السلام-: قال كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- إذا أصبح، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا، على كل حال، ثلاثمائة و ستين مرة. و إذا أمسى قال مثل ذلك.
علي بن ابراهيم «3» ، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال : عطس رجل عند أبي جعفر- عليه السلام- فقال: «الحمد للّه». فلم يشمّته أبو جعفر- عليه السلام- و قال: نقصنا حقنا. ثم قال: إذا عطس أحدكم، فليقل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى اللّه على [نبيه] «4» محمد و أهل بيته.
قال: فقال الرجل. فشمّته أبو جعفر- عليه السلام.
و بإسناده «5» الى مسمع بن عبد الملك، قال : عطس أبو عبد اللّه- عليه السلام- فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . ثم جعل إصبعه على أنفه، فقال: رغم أنفي للّه، رغما داخرا.
و بإسناده «6» الى محمد بن مروان، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-:
(1) الكافي 2/ 503، ح 5.
(2) نفس المصدر 2/ 503، ح 4.
(3) نفس المصدر 2/ 654، ح 9.
(4) في ر.
(5) نفس المصدر 2/ 655، ح 14.
(6) نفس المصدر 2/ 655، ح 15.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 52
من قال إذا عطس الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» على كل حال، لم يجد وجع الأذنين و الأضراس.
و بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال : من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [حمدا]» «1» كثيرا «2» ، كما هو أهله و صلى اللّه على محمد النبي و آله و سلم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش، يستغفر اللّه له الى يوم القيامة) «3» .
(و في الحديث «4» : إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، قال اللّه:
حمدني عبدي. و علم أن النعم التي له من عندي. و أن البلايا التي اندفعت «5» عنه، بتطوّلي. أشهدكم أني أضيف له الى نعم الدنيا، نعم الاخرة. و أدفع عنه بلايا الاخرة، كما دفعت عنه بلايا الدنيا) «6» .
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : قد مر تفسيرهما. و كرره للتفصيل.
9 و قيل: يحتمل أن يكون المراد «بالرحمن الرحيم»، في البسملة، هو المتجلّي بصور الأعيان الثابتة، بفيضه الأقدس. فانه تعالى، باعتبار عموم هذا الفيض و إطلاقه، هو «الرحمن». و باعتبار تخصصه و تخصصه، هو «الرحيم». و المراد بهما فيما بعدها، هو المتجلي بصور الأعيان الوجودية، بالاعتبارين المذكورين.
و قيل: ذكر الرحمة بعد ذكر «العالمين» و قبل ذكر مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،
(1) موجود في المصدر.
(2) ليس في ر.
(3) ما بين القوسين ليس في أ.
(4) عيون الاخبار 1/ 300.
(5) المصدر: دفعت.
(6) ما بين القوسين يوجد في أ.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 53
ينطوي على فائدتين عظيمتين، في تفصيل مجاري الرحمة:
إحداهما: تنظر الى الرحمة في خلق العالمين. و أنه خلقه على أكمل أنواعها و أتاها كلما احتاجت اليه.
و أخراهما: يشير الى الرحمة في المعاد، يوم الجزاء، عند الانعام بالملك المؤبد، في مقابلة كلمة و عبادة.
و هو يلائم ما ورد من قولهم: يا رحمن الدنيا و رحيم الاخرة، حيث قورن «الرحمن»، «برب العالمين»، المشير الى المبدأ، و «الرحيم»، «بملك يوم الدين»، المشير الى المعاد.
و في من لا يحضره الفقيه «1» : فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا- عليه السلام- أنه قال - بعد أن شرح رب العالمين: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، استعطاف، و ذكر لآلائه و نعمائه، على جميع خلقه.
و في تفسير علي بن ابراهيم «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، أنه قال - بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : «الرحمن»، بجميع خلقه.
«الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.
(و في الحديث «3» : إذا قال العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال اللّه تعالى:
شهد لي بأني الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، و لأجزلن من عطائي نصيبه) «4» .
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : و قرئ «مالك» و «ملك»- بتخفيف اللام-، و «ملك»، بصيغة الفعل. و نصب «اليوم».
(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، مقطع من ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.
(2) تفسير القمي 1/ 28.
(3) عيون الاخبار 1/ 300.
(4) بين القوسين غير موجود في ر.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 54
و ملك و مالك، بالنصب على المدح و الحال. و يحتمل النداء.
و «مالك»، بالرفع، منوّنا و مضافا، على أنه خبر مبتدأ محذوف.
و يعضد قراءته على اسم الفاعل، قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «1» . و على الصفة المشبّهة، قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ «2» . و هي أولى. لأنه قراءة أهل الحرمين. و لأن بعض معاني «الرب»، هو المالك.
فذكره ثانيا، لا يخلو عن تكرار. و لان الاخر و هو سورة الناس، نظير الأول.
و المذكور فيها بعد ذكر «الرب» هو «الملك». لا «المالك». و لأن للملك، زيادة عموم، ليست للمالك. لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث أنه ملك، أكثر مما تحت حياطة المالك.
فان الشخص، يوصف بالمالكية، نظرا الى أقل قليل. و لا يوصف بالملكية، الا بالنظر الى أكثر كثير» و للتناسب الحاصل بينه و بين الآيتين الأولتين.
و يوم الدين: يوم الجزاء. و قيل «3» : زمان الجزاء. و منه: كما تدين تدان. و بيت الحماسة: و لم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا».
و في اختياره على سائر الأسامي، رعاية للفاصلة، و افادة للعموم. فان الجزاء، يتناول جميع أحوال القيامة، الى السرمد.
و «للدين» معان أخر، مثل العبادة و الطاعة و الشريعة و الشأن.
و «دانه»- في اللغة-: أذلّه و استعبده و ساسة و ملكه.
و يمكن حمله على كل واحد، بل على الكل بالمرة. و قد يظهر وجهه بصدق التأمّل.
(1) الانفطار/ 19.
(2) غافر/ 16.
(3) الكشاف 1/ 11، أنوار التنزيل 1/ 8.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 55
و اما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، فمن قبيل اضافة الصفة المشبّهة، الى غير معمولها. كما في «رب العالمين». فتكون حقيقية، لا لفظية. فان اللفظية، اضافتها الى الفاعل. لا غير. فيصح جعله صفة للّه.
و أما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [فمن قبيل اضافة اسم الفاعل الى الظرف، على سبيل التجويز. و هي أيضا حقيقية. لان المراد به الاستمرار أو الماضي لا الحال أو الاستقبال. و يصح جعل مالكية اليوم مستمرة، مع أن يوم الدين] «1» و ما فيه، ليس مستمرا في جميع الأزمنة، لكونه لتحقق وقوعه و بقائه أبدا، كالمتحقق المستمر كما يصح جعله لتحقق وقوعه. كالماضي. و تخصيص «اليوم»، بالاضافة، اما لتعظيمه أو لتفرده تعالى، بنفوذ الأمر فيه.
و لما دل بلامي التعريف و الاختصاص، على أن جنس الحمد، مختص به، و حق له، أجرى عليه تلك الأوصاف العظام، ليكون حجة قاطعة، على انحصار الحمد فيه، و استحقاقه إياه، فذكر أولا: ما يتعلق بالابداء، من كونه ربّا مالكا للأشياء، كلها، بافاضة الوجود عليها، و أسباب الكمالات لها.
و ثانيا: ما يتعلق بالبقاء، من اسباغه عليها، نعما ظاهرة و باطنة جليلة و دقيقة.
و ثالثا: ما يتعلق بالاعادة من كونه مالكا للأمر، كله، يوم الجزاء. فلا يستأهل غيره أن يحمد فضلا عن أن يعبد.
(و في تفسير علي بن ابراهيم «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - انه بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال: يوم الحساب.
(1) ليس في أ.
(2) تفسير القمي 1/ 28.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 56
و في مجمع البيان «1» : و قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله -: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قول مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - قال جبرئيل: ما قاله مسلم الا صدّقه اللّه و أهل سمائه.
و فيه «2» : و قيل: «الدين»: الحساب.
و هو المروي عن أبي جعفر- عليه السلام.
و في أصول الكافي «3» : بإسناده الى الزهري، قال : كان علي بن الحسين- عليهما السلام- إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، يكررها حتى كاد «4» أن يموت.
و في من لا يحضره الفقيه «5» : و فيما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام-، انه قال : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، اقرار له بالبعث [و الحساب] «6» و المجازاة. و إيجاب ملك الاخرة له، كإيجاب ملك الدنيا.
و في شرح الآيات الباهرة: «7» قال الامام الحسن العسكري عليه السلام «8» :
قال، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه -: يوم الدين، هو يوم الحساب.
سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقى؟.
قالوا: بلى يا رسول اللّه!
(1) مجمع البيان 1/ 31.
(2) نفس المصدر 1/ 24.
(3) الكافي 2/ 602، ح 13.
(4) النسخ: يكاد، و المتن موافق المصدر.
(5) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، ضمن ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.
(6) يوجد في المصدر.
(7) ما بين القوسين ليس في أ.