کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 52
من قال إذا عطس الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» على كل حال، لم يجد وجع الأذنين و الأضراس.
و بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال : من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [حمدا]» «1» كثيرا «2» ، كما هو أهله و صلى اللّه على محمد النبي و آله و سلم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش، يستغفر اللّه له الى يوم القيامة) «3» .
(و في الحديث «4» : إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، قال اللّه:
حمدني عبدي. و علم أن النعم التي له من عندي. و أن البلايا التي اندفعت «5» عنه، بتطوّلي. أشهدكم أني أضيف له الى نعم الدنيا، نعم الاخرة. و أدفع عنه بلايا الاخرة، كما دفعت عنه بلايا الدنيا) «6» .
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : قد مر تفسيرهما. و كرره للتفصيل.
9 و قيل: يحتمل أن يكون المراد «بالرحمن الرحيم»، في البسملة، هو المتجلّي بصور الأعيان الثابتة، بفيضه الأقدس. فانه تعالى، باعتبار عموم هذا الفيض و إطلاقه، هو «الرحمن». و باعتبار تخصصه و تخصصه، هو «الرحيم». و المراد بهما فيما بعدها، هو المتجلي بصور الأعيان الوجودية، بالاعتبارين المذكورين.
و قيل: ذكر الرحمة بعد ذكر «العالمين» و قبل ذكر مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،
(1) موجود في المصدر.
(2) ليس في ر.
(3) ما بين القوسين ليس في أ.
(4) عيون الاخبار 1/ 300.
(5) المصدر: دفعت.
(6) ما بين القوسين يوجد في أ.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 53
ينطوي على فائدتين عظيمتين، في تفصيل مجاري الرحمة:
إحداهما: تنظر الى الرحمة في خلق العالمين. و أنه خلقه على أكمل أنواعها و أتاها كلما احتاجت اليه.
و أخراهما: يشير الى الرحمة في المعاد، يوم الجزاء، عند الانعام بالملك المؤبد، في مقابلة كلمة و عبادة.
و هو يلائم ما ورد من قولهم: يا رحمن الدنيا و رحيم الاخرة، حيث قورن «الرحمن»، «برب العالمين»، المشير الى المبدأ، و «الرحيم»، «بملك يوم الدين»، المشير الى المعاد.
و في من لا يحضره الفقيه «1» : فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا- عليه السلام- أنه قال - بعد أن شرح رب العالمين: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، استعطاف، و ذكر لآلائه و نعمائه، على جميع خلقه.
و في تفسير علي بن ابراهيم «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، أنه قال - بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : «الرحمن»، بجميع خلقه.
«الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.
(و في الحديث «3» : إذا قال العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال اللّه تعالى:
شهد لي بأني الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، و لأجزلن من عطائي نصيبه) «4» .
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : و قرئ «مالك» و «ملك»- بتخفيف اللام-، و «ملك»، بصيغة الفعل. و نصب «اليوم».
(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، مقطع من ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.
(2) تفسير القمي 1/ 28.
(3) عيون الاخبار 1/ 300.
(4) بين القوسين غير موجود في ر.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 54
و ملك و مالك، بالنصب على المدح و الحال. و يحتمل النداء.
و «مالك»، بالرفع، منوّنا و مضافا، على أنه خبر مبتدأ محذوف.
و يعضد قراءته على اسم الفاعل، قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «1» . و على الصفة المشبّهة، قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ «2» . و هي أولى. لأنه قراءة أهل الحرمين. و لأن بعض معاني «الرب»، هو المالك.
فذكره ثانيا، لا يخلو عن تكرار. و لان الاخر و هو سورة الناس، نظير الأول.
و المذكور فيها بعد ذكر «الرب» هو «الملك». لا «المالك». و لأن للملك، زيادة عموم، ليست للمالك. لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث أنه ملك، أكثر مما تحت حياطة المالك.
فان الشخص، يوصف بالمالكية، نظرا الى أقل قليل. و لا يوصف بالملكية، الا بالنظر الى أكثر كثير» و للتناسب الحاصل بينه و بين الآيتين الأولتين.
و يوم الدين: يوم الجزاء. و قيل «3» : زمان الجزاء. و منه: كما تدين تدان. و بيت الحماسة: و لم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا».
و في اختياره على سائر الأسامي، رعاية للفاصلة، و افادة للعموم. فان الجزاء، يتناول جميع أحوال القيامة، الى السرمد.
و «للدين» معان أخر، مثل العبادة و الطاعة و الشريعة و الشأن.
و «دانه»- في اللغة-: أذلّه و استعبده و ساسة و ملكه.
و يمكن حمله على كل واحد، بل على الكل بالمرة. و قد يظهر وجهه بصدق التأمّل.
(1) الانفطار/ 19.
(2) غافر/ 16.
(3) الكشاف 1/ 11، أنوار التنزيل 1/ 8.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 55
و اما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، فمن قبيل اضافة الصفة المشبّهة، الى غير معمولها. كما في «رب العالمين». فتكون حقيقية، لا لفظية. فان اللفظية، اضافتها الى الفاعل. لا غير. فيصح جعله صفة للّه.
و أما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [فمن قبيل اضافة اسم الفاعل الى الظرف، على سبيل التجويز. و هي أيضا حقيقية. لان المراد به الاستمرار أو الماضي لا الحال أو الاستقبال. و يصح جعل مالكية اليوم مستمرة، مع أن يوم الدين] «1» و ما فيه، ليس مستمرا في جميع الأزمنة، لكونه لتحقق وقوعه و بقائه أبدا، كالمتحقق المستمر كما يصح جعله لتحقق وقوعه. كالماضي. و تخصيص «اليوم»، بالاضافة، اما لتعظيمه أو لتفرده تعالى، بنفوذ الأمر فيه.
و لما دل بلامي التعريف و الاختصاص، على أن جنس الحمد، مختص به، و حق له، أجرى عليه تلك الأوصاف العظام، ليكون حجة قاطعة، على انحصار الحمد فيه، و استحقاقه إياه، فذكر أولا: ما يتعلق بالابداء، من كونه ربّا مالكا للأشياء، كلها، بافاضة الوجود عليها، و أسباب الكمالات لها.
و ثانيا: ما يتعلق بالبقاء، من اسباغه عليها، نعما ظاهرة و باطنة جليلة و دقيقة.
و ثالثا: ما يتعلق بالاعادة من كونه مالكا للأمر، كله، يوم الجزاء. فلا يستأهل غيره أن يحمد فضلا عن أن يعبد.
(و في تفسير علي بن ابراهيم «2» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - انه بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال: يوم الحساب.
(1) ليس في أ.
(2) تفسير القمي 1/ 28.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 56
و في مجمع البيان «1» : و قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله -: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قول مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - قال جبرئيل: ما قاله مسلم الا صدّقه اللّه و أهل سمائه.
و فيه «2» : و قيل: «الدين»: الحساب.
و هو المروي عن أبي جعفر- عليه السلام.
و في أصول الكافي «3» : بإسناده الى الزهري، قال : كان علي بن الحسين- عليهما السلام- إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، يكررها حتى كاد «4» أن يموت.
و في من لا يحضره الفقيه «5» : و فيما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام-، انه قال : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، اقرار له بالبعث [و الحساب] «6» و المجازاة. و إيجاب ملك الاخرة له، كإيجاب ملك الدنيا.
و في شرح الآيات الباهرة: «7» قال الامام الحسن العسكري عليه السلام «8» :
قال، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه -: يوم الدين، هو يوم الحساب.
سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقى؟.
قالوا: بلى يا رسول اللّه!
(1) مجمع البيان 1/ 31.
(2) نفس المصدر 1/ 24.
(3) الكافي 2/ 602، ح 13.
(4) النسخ: يكاد، و المتن موافق المصدر.
(5) من لا يحضره الفقيه 1/ 203، ضمن ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.
(6) يوجد في المصدر.
(7) ما بين القوسين ليس في أ.
(8) تفسير العسكري 17.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 57
قال: أكيس الكيسين، من حاسب نفسه، و عمل لما بعد الموت. و ان أحمق الحمقى، من اتبع نفسه هواها، و تمنى على اللّه تعالى الأماني.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! فكيف يحاسب الرجل نفسه؟
قال: إذا أصبح ثم أمسى، رجع الى نفسه، فقال: يا نفس! ان هذا يوم مضى عليك، لا يعود اليك، أبدا. و اللّه تعالى يسألك عنه «1» ، بما أفنيته و ما الذي عملت فيه. أذكرت اللّه؟ أحمدته «2» ؟ أقضيت «حق أخ» «3» مؤمن؟ أ نفّست عنه كربته؟ أ حفظته بظهر الغيب في أهله و ولده؟ أ حفظته بعد الموت في مخلفيه؟
أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أ أعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه. فان ذكر أنه جرى منه خير، حمد اللّه تعالى و شكره «4» ، على توفيقه.
و ان ذكر معصية أو تقصيرا، استغفر اللّه تعالى. و عزم على ترك معاودته. و محى ذلك عن نفسه، بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين، و عرض بيعة أمير المؤمنين علي- عليه السلام- على نفسه و قبولها «5» لها، و اعادة لعن أعدائه و شانئيه و دافعيه عن حقوقه. فإذا فعل ذلك، قال اللّه- تعالى عز و جل-: لست أناقشك في شيء من الذنوب، مع موالاتك أوليائي و معاداتك أعدائي.
و في تفسير العياشي «6» : عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - أنه كان يقرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، عن فرقد.
قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام - يقرأ ما لا أحصى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
(1) أ: منه.
(2) المصدر: حمدته.
(3) المصدر و أ: حوائج، و هو الظاهر.
(4) المصدر: كبره.
(5) المصدر: قيوله.
(6) تفسير العياشي 1/ 22. و هي ليس في أ.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص: 58
و في الحديث «1» : إذا قال العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال اللّه تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني مالك يوم الدين، لأسهّلن يوم الحساب، حسابه. و لأثقّلن حسناته.
و لأتجاوزن عن سيّئاته) «2» .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ : ذهب الزجاج، الى أن «ايّا»، مظهر مبهم، أضيف الى الشيء بعده، ازالة لابهامه. و كان «إياك» بمعنى، نفسك.
و الخليل، الى أنه مضمر مضاف الى ما بعده. و احتج بما حكاه عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين، فإياه و أيا الشواب.
ورد بأن الضمير لا يضاف، و ما نقل عن بعض العرب، شاذ. لا يعتمد عليه.
و ابن كيسان و بعض الكوفيّة، الى أن الكاف و أخواته، هي الضمائر التي كانت متصلة. و «أيا» دعامة لها، لتصيّرها منفصلة.
و قوم من الكوفة، الى أن «إياك» بكماله هو الضمير.
و الأخفش، الى أن «أيا» ضمير منفصل، و لواحقه حروف، لا محل لها من الاعراب، تدل على أحوال ما أريد به من الخطاب و التذكير و الافراد و ما يقابلها «3» .
و قرئ «إياك»، بتخفيف الياء. و «أياك»، بفتح الهمزة، و تشديد الياء.
و «هياك» بقلبها هاء.
و «العبادة»، هي أقصى غاية الخضوع و التذلل. و منه. طريق معبد، أي:
مذلل. و ثوب ذو عبدة، إذا كان في غاية الصفاقة. و لذلك لا يستعمل الا في الخضوع للّه.
«و الاستعانة»، طلب المعونة. و هي اما ضرورية، لا يتأتى الفعل بدونه.
(1) عيون الاخبار 1/ 301.
(2) ما بين القوسين مشطوب في المتن و غير موجود في ر.