کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب


صفحه قبل

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 60

الذي أجرى حمده على لسانه. ثم يزداد قوة ذلك المحرك، بحسب اجراء تلك الصفات العظام، حتى إذا آل الأمر الى خاتمتها، أوجب إقباله عليه، و خطابه بحصر العبادة و الاستعانة فيه.

و منها: الاعلام بأن «الحمد» «و الثناء»، ينبغي أن يكون على وجه، يوجب ترقّي الحامد، من حضيض، بعد الحجاب و المغايبة، الى ذروة قرب المشاهدة و المخاطبة.

و منها: الاشارة الى أن العبادة المستطابة و الاستعانة المستجابة، في مقام العبودية، انما يليق بهما، ان تعبد ربك كأنك تراه و تخاطبه.

و منها: الاشارة الى أنه ينبغي أن يكون تالي كلامه سبحانه، بحيث يتجلى له المتكلم فيه، و يصير مشهودا له. فيخاطبه بتخصيص العبادة و الاستعانة به.

كما روي عن الصادق- عليه السلام- «1» ، أنه قال‏ : لقد تجلى اللّه تعالى لعباده‏ «2» في كلامه. و لكن لا يبصرون.

و عنه‏ «3» - أيضا -: انه خرّ مغشيا عليه- و هو في الصلاة- فسئل عن ذلك.

فقال: ما زلت أردد الاية، حتى سمعتها من المتكلم بها.

و الضمير المستكن في الفعلين، للقارئ و من معه، من الحفظة أو حاضري الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أو له، فقط، لاستجماعه القوى و الحواس.

فكان‏ «4» لكل منها عبادة و استعانة. (أو لأن العبادة، وسيلة) «5» .

قيل: أو لوصوله الى مقام الجمع. فيرى العبادات و الاستعانات، كلها،

(1) المحجة البيضاء 2/ 247، نقلا عن أسرار الصلاة، للشهيد/ 204.

(2) المصدر: لخلقه.

(3) بحار الأنوار 84/ 247 ح 39 نقلا عن فلاح السائل.

(4) ر: فكأنه.

(5) ما بين القوسين يوجد في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 61

صادرة عنه.

و تقديم العبادة على الاستعانة، لرعاية الفاصلة. أو لأن العبادة، وسيلة الى الاستعانة، ان كان المراد بها الاستعانة على ما عدا العبادة، من المهمات. و لا شك أن تقديم الوسيلة، أدخل في استيجاب الاجابة، و ان كان المراد بها، الاستعانة على العبادة، أو الاستعانة، مطلقا، بحيث يدخل فيه العبادة، أيضا.

فوجه تقديمها ظاهر، أيضا. لأنها مقصودة بالنسبة الى الاستعانة. و ان كان طلب المعونة على الشي‏ء، مقدّما عليه.

و قيل: لا يبعد أن يجعل العبادة، اشارة الى الفناء في اللّه. لأن غاية الخضوع، هي الرجوع الى العدم الأصلي. و الاستعانة، اشارة الى طلب البقاء، بعد الفناء، لتيسر السير في اللّه. و حينئذ وجه التقديم، ظاهر، كما لا يخفى. و فيه ما لا يخفى.

و انما أطلق الاستعانة، و لم يقيدها بكل مستعان فيه و لا ببعض، ليحتمل الكل، و يحمله القارئ على ما يناسب حاله.

«و قرئ «نستعين»، بكسر النون، و هي لغة تميم. فإنهم يكسرون حروف المضارعة، سوى الياء، إذا لم ينضم ما بعدها» «1» .

«و قيل: الواو للحال. و المعنى نعبدك: مستعينين بك» «2» .

فأقول: لما نسب المتكلم العبادة الى نفسه، أو هم ذلك تبجّحا و اعتدادا منه، بما صدر عنه. فعقّبه بقوله: «و إياك نستعين»، ليدل على أن العبادة: أيضا- مما لا يتم و لا يستتب، الا بمعونة اللّه.

(و في من لا يحضره الفقيه‏ «3» : و فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا-

(1) ر. أنوار التنزيل 1/ 9.

(2) نفس المصدر.

(3) من لا يحضره الفقيه 1/ 203- 214، ضمن ح 927، عيون الاخبار 2/ 107.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 62

عليه السلام‏ : إياك نعبد، رغبة و تقرب الى اللّه تعالى ذكره، و اخلاص له بالعمل، دون غيره. و «إياك نستعين»، استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة، لما أنعم اللّه عليه و نصره.

و في مجمع البيان‏ «1» : قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله‏ : ان اللّه- تبارك و تعالى- منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، اخلاص للعبادة.

وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ، أفضل ما طلب به العباد، حوائجهم.

و في تفسير العياشي‏ «2» : عن الحسن بن محمد الجمّال، عن بعض أصحابنا، قال‏ : بعث عبد الملك بن مروان الى عامل المدينة، أن وجه الي محمد بن علي بن الحسين و لا تهيجه و لا تروعه. و اقض له حوائجه. و قد كان ورد على عبد الملك، رجل من القدرية. فحضر جميع من كان بالشام. فأعياهم جميعا.

فقال: ما له‏ «3» الا محمد بن علي.

فكتب الى صاحب المدينة، أن يحمل محمد بن علي اليه. فأتاه صاحب المدينة، بكتابه.

فقال له أبو جعفر- عليه السلام-: اني شيخ كبير لا أقوى على الخروج. و هذا جعفر، ابني، يقوم مقامي. فوجهه اليه.

فلما قدم على الأموي ازدراه‏ «4» لصغره. و كره أن يجمع بينه و بين القدري، مخافة أن يغلبه. و تسامع الناس، بالشام، بقدوم جعفر، لمخاصمة القدري. فلما كان من الغد، اجتمع الناس، لخصومتهما.

(1) مجمع البيان 1/ 31.

(2) تفسير العياشي 1/ 23، ح 24.

(3) المصدر: لهذا.

(4) المصدر: إذ دراه.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 63

فقال الأموي لأبي عبد اللّه- عليه السلام: انه قد أعيانا، أمر هذا القدري. و انما كتبت اليك لأجمع بينك و بينه. فانه لم يدع عندنا أحدا، الا خصمه.

فقال: ان اللّه يكفيناه.

[قال:] «1» فلما اجتمعوا قال القدري لأبي عبد اللّه- عليه السلام: سل عما شئت! فقال له: اقرأ سورة الحمد! قال: فقرأها. فقال الأموي- أنا معه: ما في سورة الحمد علينا. إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. [قال:] «2» فجعل القدري يقرأ سورة الحمد، حتى بلغ قول اللّه- تبارك و تعالى- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ .

فقال له جعفر- عليه السلام: قف! بمن تستعين؟ و ما حاجتك الى المعونة؟

ان الأمر اليك. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ «3» .

و في كتاب الاحتجاج، للطبرسي‏ «4» - رحمه اللّه- حديث عن النبي- صلى اللّه عليه و آله- و فيه: يقول لأصحابه‏ : قولوا! إياك نعبد، أي: [نعبد] «5» وحدك‏ «6» . و لا نقول كما قالت الدهرية: ان الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة. و لا كما قالت الثنوية «الذين قالوا» «7» : ان النور و الظلمة، هما المدبران. و لا كما قال مشركو العرب: ان أوثاننا، آلهة.

فلا نشرك بك شيئا. و لا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، «و لا

1 و 2- يوجد في المصدر.

(3) البقرة/ 258.

(4) الاحتجاج 1/ 25.

(5) يوجد في المصدر.

(6) المصدر: واحدا.

(7) ليس في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 64

كما تقول النصارى و اليهود» «1» ، ان لك ولدا. تعاليت عن ذلك «علوا كبيرا» «2» .

و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام‏ «3» - عليه السلام‏ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: قال اللّه تعالى: قولوا أيها الخلق المنعم عليهم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أيها المنعم علينا. و نطيعك مخلصين، مع التذلل و الخضوع، بلا رياء و لا سمعة. و إياك نستعين، منك نسأل المعونة على طاعتك، لنؤديها كما أمرت. و نتّقي من دنيانا، ما «عنه نهيت» «4» . و نعتصم من الشيطان [الرجيم‏] «5» و من سائر مردة [الجن و] «6» الانس، المضلين و [من‏] «7» المؤذين الظالمين، بعصمتك) «8» .

(و في الحديث‏ «9» : إذا قال العبد: إياك نعبد، قال اللّه: صدق عبدي، اياي يعبد. أشهدكم، لأثيبه على عبادته، ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال: و إياك نستعين، قال اللّه: بي استعان. و الي التجأ. أشهدكم «لأعيننّه في شدائده‏ «10» و لآخذن بيده، يوم نوائبه) «11» .

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ : بيان للمعونة المطلوبة، أو افراد، لما هو المقصود الأعظم.

و «الهداية»: دلالة، بلطف. و لذلك يستعمل في الخير. فقوله تعالى:

(1) المصدر: لا نقول كما قالت اليهود و النصارى.

(2) ليس في المصدر.

(3) تفسير العسكري/ 18.

(4) المصدر: نهيت عنه.

5 و 6 و 7- يوجد في المصدر.

(8) ما بين القوسين ليس في أ.

(9) عيون الاخبار 1/ 301.

(10) المصدر: لأعيننه على أمره و لأغيثنه في شدائده.

(11) ما بين القوسين مشطوب في المتن و ليس في ر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 65

فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ «1» ، على التهكّم. و منه «الهداية»، و هوادي الوحش لمقدماتها. و الفعل منه هدى. و أصله أن يعدى باللام و «الى». فعومل معه، معاملة «أختار»، في قوله تعالى: وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ‏ «2» «3» .

و من هنا يظهر أن لا فرق بين المتعدي بنفسه و المتعدي بالحرف.

لكن، نقل عن صاحب الكشاف: أن هداه لكذا و الى كذا، انما يقال: إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه. و هداه كذا، لمن يكون فيه. (فيزداد أو يثبت و لمن لا يكون فيصل. و قد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث، الا أن منهم، من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه، هو الإيصال الى المطلوب، و لا يكون الا فعل اللّه. فلا يسند الا اليه. كقوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «4» . و معنى المتعدي بحرف الجر، هو الدلالة على ما يوصل اليه. فيسند تارة الى القرآن و أخرى الى النبي- صلى اللّه عليه و آله-.

«قيل» «5» و هداية اللّه تعالى، تتنوع أنواعا. لا يحصيها عدّ. لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:

الأول- افاضة القوى التي يتمكن بها من العبد، الاهتداء الى مصالحه، كالقوى العقلية و الحواس الباطنة و المشاعر الظاهرة.

و الثاني- نصب الدلائل الفارقة، بين الحق و الباطل، و الصلاح و الفساد.

و الثالث- الهداية بإرسال الرسل و انزال الكتب.

الرابع- أن يكشف على قلوبهم السرائر. و يريهم الأشياء، كما هي، بالوحي‏

(1) الصافات/ 23.

(2) الاعراف/ 155.

(3) ر. أنوار التنزيل 1/ 9.

(4) العنكبوت/ 69.

(5) ر. أنوار التنزيل 1/ 10- 9.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 66

و المنامات الصادقة. و هذا القسم يختص بنيله الأنبياء و الأولياء.

و طلب الهداية و غيرها، من المطالب قد يكون بلسان القول. و قد يكون بلسان الاستعداد. فما يكون بلسان الاستعداد، لا يتخلف عنه المطلوب. و ما يكون بلسان القول و وافقه الاستعداد، استجيب. و الا فلا.

فان قلت: فعلى هذا، لا حاجة الى لسان القول.

قلت: يمكن أن يحصل في بعض استعداد المطلوب، من الطلب بلسان القول.

فالاحتياط أن لا يترك الطالب الطلب، بلسان القول. فبالنسبة الى بعض المراتب، يطلب بلسان الاستعداد، و في بعضها بلسان القول- انتهى كلامه.

و طلب الهداية، بعد الاهتداء، فان من خصص «الحمد»، باللّه سبحانه.

و أجرى عليه تلك الصفات العظام. و حصر العبادة و الاستعانة فيه، كان مهتديا، محمول على طلب زيادة الهداية أو الثبات عليها.

و قيل: إذا كان السالك، في مقام السير الى اللّه، و لم يصل الى مطلوبه، فلا شك أن بينه و بين مطلوبه، مسافة، ينبغي أن يقطعها، حتى يصل اليه، فلا بد له من طلب الهداية، ليقطع تلك المسافة. و إذا كان في السير في اللّه، فليس لمطلوبه نهاية. و لا ينتهي سيره أبد الآبدين، فلا بد له- أيضا- من طلب الهداية.

و لا يخفى عليك، أن هذا و ما سبق من التأويل و ما سيأتي منه مبني على ما ذهب اليه الصوفية، من الأصول الفاسدة. و الغرض من نقله، الاطلاع على فساده.

فبالجملة، لا بد من طلبها، و ان كانت حاصلة في بعض المراتب. و هذه الصيغة، موضوعة لطلب الفعل، مطلقا. لكنه من الأعلى أمر، و من الأدنى دعاء، و من المساوي التماس. و اعتبر بعضهم في الامر الاستعلاء، و في الدعاء التضرع، و في الالتماس عدمهما.

صفحه بعد