کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 169
تفسير سورة الرّوم
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 171
سورة الرّوم مكّيّة، إلّا قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ . و هي ستّون، أو تسع و خمسون آيه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قراء سورة العنكبوت و الرّوم في شهر رمضان ليلة ثلاث و عشرين، فهو- و اللَّه يا أبا محمّد- من أهل الجنّة. لا أستثني فيه أبدا. و لا أخاف أن يكتب اللَّه عليّ ما في يميني إثما. و إنّ لهاتين السّورتين من اللَّه مكانا.
و في مجمع البيان «2» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- قال: و من قرأها، كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبّح للَّه ما بين السّماء و الأرض.
و أدرك ما ضيّع في يومه و ليلته.
الم (1): مرّ تفسيره.
غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ :
قيل «3» : أَدْنَى الْأَرْضِ من أرض العرب.
و قيل «4» : في أدنى الأرض، من أرض الشّام إلى أرض فارس. يريد الجزيرة. و هي أقرب أرض الرّوم إلى أرض فارس.
(1) ثواب الأعمال/ 136، ح 1.
(2) مجمع البيان 4/ 294.
3 و 4- نفس المصدر و الموضع.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 172
و قيل «1» : يريد أذرعات و كسكر.
و في شرح الآيات الباهرة «2» : محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن الحسن بن القاسم قراءة عن عليّ بن إبراهيم المعلّى، عن فضيل بن إسحاق، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم «3» ، عن عباية، عن عليّ- صلوات اللَّه عليه- قال: قوله- عزّ و جلّ-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ . هي فينا و في بني أميّة.
وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ : من إضافة المصدر إلى المفعول.
و قرئ «غلبهم» و هو لغة. كالجلب. «4» سَيَغْلِبُونَ (3):
و قرئ: «غلبت» بالفتح. و «سيغلبون» بالضّمّ. «5» و معناه: أنّ الرّوم غلبوا على ريف الشّام، و المسلمون سيغلبونهم. و في السّنة التّاسعة من نزوله، غزاهم المسلمون و فتحوا بعض بلادهم. و على هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل.
و في كتاب الاستغاثة، «6» للشّيخ ميثم: و لقد روينا من طريق علماء أهل البيت- عليهم السّلام- في أسرارهم و علومهم الّتي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم: أنّ قوما ينسبون إلى قريش. و ليسوا من قريش بحقيقة النّسب- و هذا ممّا لا يجوز أن يعرفه إلّا معدن النّبوّة و ورثة علم الرّسالة- و ذلك مثل بني أميّة. ذكروا: أنّهم «7» ليسوا من قريش.
و أنّ أصلهم من الرّوم. و فيهم تأويل هذه الآية الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . معناه: أنّهم غلبوا على الملك. و سيغلبهم على ذلك بني العبّاس.
في مجمع البيان «8» : قال: كان المشركون [يجادلون المسلمون، و هم بمكّة. يقولون: إنّ الرّوم أهل الكتاب، و قد غلبهم الفرس. و أنتم تزعمون أنّكم ستغلبون] «9» بالكتاب الّذي نزل
(1) نفس المصدر و الموضع.
(2) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 156.
(3) المصدر: «عمر بن الميثم.» ر. تنقيح المقال 2/ 352، رقم 9123.
(4) أنوار التنزيل 2/ 215. و فيه: «كالحلب» و في مجمع البيان، 4/ 294: قال الزجاج: الغلب و الغلبة مصدر غلبت، مثل: الجلب و الجلبة.
(5) نفس المصدر 2/ 216.
(6) تفسير نور الثقلين 4/ 169، ح 3، نقلا عنه.
(7) هنا زيادة في النسخ و هي: من قريش و.
(8) مجمع البيان 4/ 295. و فيه: عن الزهريّ قال.
(9) ليس في أ.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 173
على نبيّكم فسنغلبكم كما غلب قوم فارس من الرّوم. فأنزل اللَّه- تعالى- الم* غُلِبَتِ الرُّومُ . إلى قوله: فِي بِضْعِ سِنِينَ .
قال: فأخبرني عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أنّ أبا بكر ناصب بعض المشركين قبل أن يحرّم القمار على شيء إن لم تغلب فارس في سبع سنين.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم-: لم فعلت؟ فكلّ ما دون العشر بضع. فكان ظهور فارس على الرّوم في تسع سنين. ثمّ أظهر اللَّه الرّوم على فارس زمن الحديبية، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب.
و روى أبو عبد اللَّه الحافظ «1» بالإسناد: عن ابن عبّاس في قوله: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ . قال: قد مضى. و كان ذلك في أهل فارس و الرّوم. و كانت فارس قد غلبت عليهم، ثمّ غلبت الرّوم بعد ذلك. و لقي نبيّ اللَّه مشركي العرب، و التقت الرّوم و فارس. فنصر اللَّه النّبيّ و من معه على مشركي العرب، و نصر أهل الكتاب على مشركي العجم ففرح المسلمون بنصر اللَّه إيّاهم، و نصر أهل الكتاب على العجم.
قال: عطيّة: و سألت أبا سعيد الخدريّ عن ذلك.
فقال: التقينا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- و مشركو العرب، و التقت الرّوم و فارس فنصرنا اللَّه على مشركي العرب، و نصر أهل الكتاب على المجوس. ففرحنا بنصر اللَّه إيّانا على مشركي العرب، و نصر أهل الكتاب على المجوس. فذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ .
و قيل «2» : لما غلب فارس على الرّوم و بلغ الخبر مكّة، فرح المشركون و شمتوا بالمسلمين. و قالوا: أنتم و النّصارى أهل كتاب. و نحن و فارس أمّيّون. و قد ظهر إخواننا على إخوانكم. و لنظهرنّ عليكم فنزلت.
فقال لهم أبو بكر: لا يقرّنّ اللَّه أعينكم. فو اللَّه ليظهرنّ الرّوم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبّي بن خلف: كذبت اجعل بيننا و بينك أجلا أناحبك عليه. فناحبه على عشر قلائص من كلّ واحد منهما. و جعلا الأجل ثلاث سنين. فأخبر أبو بكر رسول
(1) نفس المصدر و الموضع.
(2) أنوار التنزيل 2/ 216، بتصرف في أوّل المنقول هنا.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 174
اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم-.
فقال: البضع: ما بين الثّلاث إلى التّسع. فزايده في الخطر و مادة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين. و مات أبيّ بن خلف من جرح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- بعد قفوله من أحد. و ظهرت الرّوم على فارس يوم الحديبية. فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبيّ، و جاء به إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم-.
فقال: تصدّق به.
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ : من قبل كونهم غالبين، و من بعد كونهم غالبين.
و هو وقت كونهم غالبين، أي: له الأمر حين غلبوا و حين يغلبون. ليس شيء منهما إلّا بقضائه.
و قرئ: «من قبل و من بعد» من غير تقدير مضاف إليه. كأنّه قيل: قبلا و بعدا، أي: أوّلا و آخرا. «1»
و في الخرائج و الجرائح، «2» في أعلام الحسن العسكريّ- عليه السّلام- و منها ما قال أبوه: سأل محمّد بن صالح أبا محمّد- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى- لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ .
فقال: له الأمر من قبل أن يأمر به. و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.
وَ يَوْمَئِذٍ : و يوم يغلب الرّوم.
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ قيل «3» : من له كتاب على من لا كتاب له. لما فيه من انقلاب التّفاؤل، و ظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، و غلبتهم في رهانهم، و ازدياد يقينهم، و ثباتهم في دينهم.
و قيل «4» : بنصر اللَّه المؤمنين، بإظهار صدقهم. أو بأن ولي بعض أعدائهم بعضا حتّى تفانوا.
يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ : فينصر هؤلاء تارة و هؤلاء أخرى.
و في روضة الكافي «5» : ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ و جلّ-: الم غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ .
(1) نفس المصدر و الموضع.
(2) تفسير نور الثقلين 4/ 170، ح 5، نقلا عنه.
3 و 4- نفس المصدر و الموضع.