کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 279
تفسير سورة السّجدة
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 281
سورة السجدة مكّيّة.
و في مجمع البيان «1» : ما خلا ثلاث آيات منها. فإنّها نزلت بالمدينة: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [إلى تمام الآيات.
و هي ثلاثون آية.
و قيل «2» : تسع و عشرون آيه.] «3» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال «4» ، بإسناده إلى الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قراء سورة السّجدة في كلّ ليلة «5» جمعة، أعطاه اللَّه كتابه بيمينه و لم يحاسبه بما كان منه. و كان من رفقاء محمّد و أهل بيته- عليهم السّلام-.
و بإسناده، عن الصّادق- عليه السّلام- «6» قال: من اشتاق إلى الجنّة و إلى صفتها، فليقرأ الواقعة. و من أحبّ أن ينظر إلى صفة النّار، فليقرأ سجدة «7» .
(1) مجمع البيان 4/ 324.
(2) أنوار التنزيل 2/ 233.
(3) ليس في أ.
(4) ثواب الأعمال/ 136، ح 1.
(5) ليس في المصدر.
(6) نفس المصدر و الموضع، ح 2.
(7) هكذا في المصدر م و ن. و في سائر النسخ:
سورة لقمان.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 282
و في مجمع البيان «1» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- قال: من قراء الم تنزيل و تبارك الّذي بيده الملك، فكأنّما أحيا ليلة القدر.
و روى ليث بن أبي الزّيد «2» ، عن جابر قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم- لا ينام حتّى يقرأ ألم تنزيل و تبارك الّذي بيده الملك.
و في كتاب الخصال «3» : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، و النّجم، و تنزيل السّجدة، و حم السّجدة.
الم (1) إن جعل اسما للسّورة، أو القرآن، فمبتدأ خبره تَنْزِيلُ الْكِتابِ : على أنّ التنزيل بمعنى: المنزل. و إن جعل تعديد الحروف، كان تنزيل خبر محذوف. أو مبتدأ، خبره لا رَيْبَ فِيهِ : فيكون مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2): حالا من الضّمير في «فيه».
لأنّ المصدر لا يعمل فيها بعد الخبر. و يجوز أن يكون خبرا ثانيا، و الخبر و لا رَيْبَ فِيهِ حال من الكتاب، أو اعتراض. و الضّمير في «فيه» لمضمون الجملة.
و يؤيّده قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ : فإنّه إنكار، لكونه من ربّ العالمين. و قوله:
بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ : فإنّه تقرير له.
و نظم الكلام على هذا، أنّه أشار أوّلا إلى إعجازه. ثمّ رتّب عليه أنّ تنزيله من ربّ العالمين. و قرّر ذلك بنفي الرّيب عنه. ثمّ أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له و تعجيبا منه. فإنّ «أم» منقطعة. ثمّ أضرب عنه إلى إثبات أنّه الحقّ المنزل من اللَّه، و بيّن المقصود من تنزيله فقال: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ : إذ كانوا أهل الفترة.
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3): بإنذارك إيّاهم.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ : مرّ بيانه.
ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ : ما لكم إذا جاوزتم رضا اللَّه، أحد ينصركم و يشفع لكم. أو ما لكم سواه وليّ و لا شفيع، بل هو الّذي يتولّى مصالحكم و ينصركم في مواطن نصركم على أنّ الشّفيع متجوّز به للنّاصر. فإذا خذلكم لم يبق لكم
(1) مجمع البيان 4/ 324- 325.
(2) نفس المصدر و الموضع: و فيه و في ن: ليث بن أبي الزبير.
(3) الخصال/ 252، ح 124.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 283
وليّ و لا ناصر.
أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ (4): بمواعظ اللَّه.
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ : يدبّر أمر الدّنيا بأسباب سماويّة، كالملائكة و غيرها نازلة آثارها إلى الأرض.
قيل «1» : ثمّ يصعد إليه و يثبت في علمه موجود.
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5): في برهة من الزّمان متطاولة، يعني بذلك: استطالة ما بين التّدبير و الوقوع.
و قيل «2» : يدبّر الأمر بإظهاره في اللّوح. فينزل الملك بذلك. ثمّ يعرج إليه في زمان هو كألف سنة.
و قيل «3» : يقضي «4» قضاء ألف سنة. فينزل به الملك. ثمّ يعرج بعد الألف لألف «5» آخر.
و قيل «6» : يدبّر المأمور به من الطّاعات منزلا من السّماء إلى الأرض [بالوحي.] «7» ثمّ لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه، إلّا في مدّة متطاولة، لقلّة المخلصين و الأعمال الخلص «8» .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «9» : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ، يعنى: الأمور الّتي يدبرّها و الأمر و النّهي الّذي أمر به و أعمال العباد كلّ هذا يظهره يوم القيامة. فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدّنيا.
و في مجمع البيان «10» : معناه: أنّه ينزّل الملك بالتّدبير أو الوحي: و يصعد إلى السّماء.
فيقطع في يوم واحد من أيّام الدّنيا مسافة ألف سنة ممّا تعدّونه أنتم. لأنّ ما بين السّماء و الأرض مسيرة خمسمائة عام.
(1) أنوار التنزيل 2/ 233.
(2) نفس المصدر 2/ 233- 234.
(3) نفس المصدر 2/ 234.
(4) المصدر: يقض.
(5) المصدر: الألف.
(6) نفس المصدر و الموضع.
(7) من المصدر.
(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: المخلصة.
(9) تفسير القمي 2/ 168.
(10) مجمع البيان 4/ 326.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 284
فهذه ستّة احتمالات لا ينافي قوله «1» : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ خمسة منها.» لأنّ المراد منه يوم القيامة. و المراد في الاحتمالات غيره.
و أمّا الاحتمال الخامس: و هو ما ذكره عليّ بن إبراهيم فينافيه. و قد قيل في التّوجيه بينهما «2» : إنّه جعل- سبحانه- ذلك اليوم على الكافر مقدار خمسين ألف سنة. فإنّ المقامات في يوم القيامة مختلفة.
و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه- «3» بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في كلام طويل: فإنّ للقيامة خمسين موقفا. كلّ «4» موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون. ثمّ تلا هذه الآية: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .
ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ : فيدبّر أمرها على وفق الحكمة «5» .
الْعَزِيزُ : الغالب على أمره.
الرَّحِيمُ (6): على العباد في تدبيره.
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ : خلقه موّفرا عليه ما يستعدّه و يليق به على وفق الحكمة و المصلحة.
و «خلقه» بدل من «كلّ» بدل الاشتمال.
و قيل «6» : علم كيف يخلقه من
قوله- عليه الصّلاة و السّلام-: «قيمة المرء ما يحسنه»
، أي: يحسن معرفته. و «خلقه» مفعول ثان.
و قرأ نافع و الكوفيّون بفتح اللّام على الوصف. «فالشّيء» على الأوّل مخصوص بمنفصل، و على الثّاني بمتّصل. «7» وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7):
في تفسير عليّ بن إبراهيم «8» قال: هو آدم.
و في عيون الأخبار «9» ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ يقول
(1) المعارج/ 4.
(2) نفس المصدر و الموضع، ببعض الاختلاف.
(3) أمالي الطوسي 1/ 34.
(4) المصدر: لكلّ.
(5) ن: على وفق الحكمة و المصلحة.
(6) أنوار التنزيل 2/ 234.
(7) نفس المصدر و الموضع.
(8) تفسير القمي 2/ 168.
(9) عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 1/ 180- 181.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج10، ص: 285
فيه المأمون بعد كلام طويل: يا عمران هذا سليمان المروزيّ متكلّم خراسان.
قال عمران: يا أمير المؤمنين، إنّه يزعم انّه واحد خراسان في النّظر. و ينكر البداء.
قال: فلم لا تناظر «1» .
قال عمران: ذلك إليك «2» .
فدخل الرّضا- عليه السّلام- فقال: في أيّ شيء أنتم «3» ؟
قال عمران: يا ابن رسول اللَّه، هذا سليمان المروزيّ.
فقال له سليمان: أ ترضى بأبي الحسن و بقوله فيه؟
فقال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء، على أن يأتيني فيه. بحجّة أحتجّ بها على نظرائي من أهل النّظر.
قال المأمون: يا أبا الحسن، ما تقول فيما تشاجرا فيه؟
قال: و ما أنكرت من البداء، يا سليمان؟ و اللَّه- عزّ و جلّ- يقول «4» : أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً؟ و يقول- عزّ و جلّ- «5» وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ و يقول «6» : بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و يقول- عزّ و جلّ «7» -: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ .
و يقول «8» : وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ . و يقول- عزّ و جلّ- «9» : وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . و يقول- عزّ و جلّ- «10» : ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ .
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ : ذرّيّته سمّيت به لأنّها تنسل منه، أي: تنفصل.
مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8): ممتهن.
ثُمَّ سَوَّاهُ : قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغي.
وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ : أضافه إلى نفسه تشريفا و إشعارا بأنّه خلق عجيب،
(1) المصدر: لا تناظروه.
(2) المصدر: «إليه.» و فيه: و في بعض النسخ «اليك».
(3) المصدر: كنتم.
(4) مريم/ 67.
(5) الروم/ 27.
(6) البقرة/ 117.
(7) فاطر/ 1.
(8) السجدة/ 7.
(9) التوبة/ 106.