کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 423
تفسير سورة السّجدة (فصّلت)
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 425
سورة السّجدة مكّيّة.
و آيها ثلاث أو أربع و خمسون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ حم السّجدة كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره و سرورا، و عاش في الدّنيا محمودا مغبوطا.
و في مجمع البيان «2» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- [قال] «3» .
و من قرأ حم السّجدة أعطي بعدد كلّ حرف منها عشر حسنات.
و في كتاب الخصال «4» : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، و النّجم، و تنزيل السّجدة، و حم السّجدة.
حم (1) قد مرّ تفسيره.
و في كتاب معاني الأخبار «5» ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق
(1) ثواب الأعمال/ 140، ح 1.
(2) المجمع 5/ 3.
(3) من المصدر.
(4) الخصال/ 252، ح 124.
(5) المعاني/ 22، ح 1.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 426
- عليه السّلام-: و أمّا حم فمعناه: الحميد المجيد.
و قيل «1» : إن جعلته مبتدا، فخبره تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) و إن جعلته تعديدا للحروف «فتنزيل» خبر محذوف أو مبتدأ لتخصّصه بالصّفة و خبره كِتابٌ . و هو على الأوّلين بدل منه، أو خبر آخر، أو خبر محذوف.
و لعلّ افتتاح هذه السّور السّبع «بحم» و تسميتها به لكونها مصدّرة ببيان الكتاب، متشاكلة في النّظم و المعنى. و إضافة «التّنزيل» إلى الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للدّلالة على أنّه مناط المصالح الدّينيّة و الدّينويّة. «2» فُصِّلَتْ آياتُهُ : ميّزت باعتبار اللّفظ و المعنى.
و قرئ «3» : «فصلت»، أي: فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل و المعاني، أو فصلت بين الحقّ و الباطل.
قُرْآناً عَرَبِيًّا : نصب على المدح، أو الحال من فُصِّلَتْ . و فيه امتنان بسهولة قراءته و فهمه.
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3): العربيّة، أو لأهل العلم و النّظر.
و هو صفة أخرى «لقرآنا»، أو صلة «لتنزيل» أو «لفصّلت». و الأوّل أولى لوقوعه بين الصّفات.
بَشِيراً وَ نَذِيراً للعاملين به «4» و المخالفين له.
و قرئا «5» بالرّفع، على الصّفة «لكتاب» أو الخبر لمحذوف.
فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ : عن تدبّره و قبوله.
فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4): سماع تأمّل و طاعة.
وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ : أغطية. جمع كنان «6» مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ .
وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ : صمم. و أصله: الثّقل.
و قرئ «7» بالكسر.
(1) أنوار التنزيل 2/ 343.
(2) ليس في ق.
(3) نفس المصدر و الموضع.
(4) كذا في أنوار التنزيل 2/ 344. و في النسخ:
«للعالمين» بدل «للعاملين به».
(5) نفس المصدر و الموضع.
(6) كذا في نفس المصدر و الموضع. و في جميع النسخ وردت هذه العبارة بعد مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ .
(7) نفس المصدر و الموضع.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 427
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «1» : و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله «2» : لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها . يقول: طبع اللّه عليها فلا تعقل. وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ عليها غطاء عن الهدى لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها جعل في آذانهم و قر فلن يسمعوا الهدى.
وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ : يمنعنا عن التّواصل.
و «من» للدّلالة على أنّ الحجاب مبتدأ منهم و منه، بحيث استوعب المسافة المتوسّطة و لم يبق فراغ. و هذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه و اعتقادهم، و مجّ «3» أسماعهم له، و امتناع مواصلتهم و موافقتهم للرّسول.
فَاعْمَلْ : على دينك، أو في إبطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ (5): على ديننا، أو في إبطال أمرك.
و في شرح الآيات الباهرة «4» : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- في تفسيره قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلّد الدّهان، عن الحسن بن عليّ بن أحمد العلويّ قال: بلغني عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لداود «5» البرقيّ: أيّكم ينال السّماء؟ فو اللّه، إنّ أرواحنا و أرواح النّبيّين لتنال «6» العرش كلّ ليلة جمعة.
يا داود، قرأ أبي، محمّد بن عليّ حم السّجدة حتّى بلغ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . ثمّ قال:
نزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بأنّ الإمام بعده عليّ [بن أبي طالب] «7» - عليه السّلام. ثمّ قرأ: حم، تَنْزِيلٌ «8» مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ حتّى بلغ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن ولاية عليّ- عليه السّلام- فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ .
و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ «9» ، مثله، إلّا أنّ فيه: أيّكم ينال قطب سماء
(1) تفسير القمّي 1/ 249.
(2) الأعراف/ 179.
(3) مجّ الماء أو الشراب من فيه. و مجّ به: لفظه.
و يقال: كلام تمجّه الأسماع.
(4) تأويل الآيات الباهرة 2/ 533، ح 1. و في النسخ هنا زيادة: قال.
(5) ق، ش: البرقي.
(6) في غير ق: لتناول.
(7) من المصدر.
(8) في غير ن زيادة: الكتاب.
(9) تفسير فرات الكوفي/ 143.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 428
الدّنيا.
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ : لست ملكا و لا جنّيا لا يمكنكم التلقّي منه، و لا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول و أسماع، و إنّما أدعوكم إلى التّوحيد و الاستقامة في العمل و قد يدلّ عليهما دلائل العقل و شواهد النّقل.
فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ : فاستقيموا في أفعالكم متوجّهين إليه. أو فاستووا إليه بالتّوحيد و الإخلاص في العمل.
وَ اسْتَغْفِرُوهُ : ممّا أنتم عليه من سوء العقيدة و العمل.
ثمّ هدّدهم على ذلك فقال: وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6): من فرط جهالتهم و استخفافهم باللّه.
الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ : لبخلهم و عدم إشفاقهم على الخلق، و ذلك من أعظم الرّذائل.
و فيه دليل على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.
و قيل «1» : معناه: لا يفعلون ما يزكّي أنفسهم، و هو الإيمان و الطّاعة.
وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7): حال مشعرة بأنّ امتناعهم عن الزّكاة لاستغراقهم في طلب الدّنيا و إنكارهم للآخرة.
و في شرح الآيات الباهرة «2» : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن سعدان «3» بن مسلم، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام - و قد تلا هذه الآية: يا أبان، هل ترى اللّه- سبحانه- طلب من المشركين زكاة أموالهم و هم يعبدون معه إلها غيره؟
قال: قلت: فمن هم؟
قال: وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ «4» الّذين أشركوا بالإمام الأوّل و لم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل، و هم به كافرون.
و روى «5» أحمد بن محمّد بن بشّار «6» ، بإسناده الى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه
(1) أنوار التنزيل 2/ 344.
(2) تأويل الآيات الباهرة 2/ 533، ح 2.
(3) ق: سعد.
(4) ليس في ق.
(5) نفس المصدر/ 543، ح 3.
(6) المصدر: سيّار.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 429
- عليه السّلام-: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الّذين أشركوا مع الإمام الأوّل غيره و لم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل، و هم به كافرون.
فمعنى الزّكاة هاهنا: زكاة الأنفس، و هي طهارتها من الشّرك المشار إليه، و قد وصف اللّه- سبحانه- المشركين بالنّجاسة، يقول «1» : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ . و من أشرك بالإمام فقد أشرك بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله. و من أشرك بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقد أشرك باللّه.
و قوله- تعالى- لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ «2» ، أي: أعمال الزّكاة، و هي ولاية أهل البيت- عليهم السّلام- لأنّ بها تزكّي «3» الأعمال يوم القيامة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8): لا يمنّ به عليهم، من المنّ: و هو الثّقل. أو القطع، من مننت الحبل: إذا قطعته. [و قيل:] «4» نزلت في المرضى و الهرمى، إذا عجزوا عن الطّاعة كتب لهم الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون.
قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، أي: في مقدار يومين. أو بنوبتين، و خلق في كلّ نوبة ما خلق في أسرع ما يكون.
و قيل «5» : لعل المراد من الأرض: ما في جهة السّفل من الأجرام البسيطة، و من خلقها في يومين: أنّه خلق لها أصلا مشتركا ثمّ خلق لها صورا بها صارت أنواعا، و كفرهم به:
إلحادهم في ذاته و صفاته.
وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً : و لا يصحّ أن يكون له ندّ.
ذلِكَ : الّذي خلق الأرض في يومين رَبُّ الْعالَمِينَ (9): خالق جميع ما وجد من الممكنات و مربّيها.
وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ : استئناف غير معطوف على «خلق» للفصل بما هو خارج عن الصّلة.
مِنْ فَوْقِها : مرتفعة عليها ليظهر للنّاظر ما فيها من وجوه الاستبصار، و تكون منافعها معرضة للطّلّاب.
(1) التّوبة/ 28.
(2) ليس في ق، ش.
(3) كذا في المصدر. و في النسخ: يتزكّي زكاة.
(4) ليس في ش، ق.