کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 262
استوهبناه منهم فوهبوه لنا، و ما كان بيننا و بينهم، فنحن أحقّ من عفا و صفح.
و روي «1» مسندا عن المفضّل بن عمر قال: قلت للإمام أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لم صار أمير المؤمنين قسيم الجنّة و النّار؟
قال: لأنّ حبّه إيمان و بغضه كفر، و إنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان و النّار لأهل الكفر، فهو- عليه السّلام- قسيم الجنّة و النّار لهذه العلّة، فالجنّة لا يدخلها إلّا أهل محبّته و النّار لا يدخلها إلّا أهل بغضه.
قال المفضّل: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فالأنبياء و الأوصياء كانوا يحبّونه و أعداؤهم كانوا يبغضونه؟
قال: نعم.
قلت: و كيف ذاك؟
قال: أما علمت أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال يوم خيبر: لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله [و يحبّه اللّه و رسوله] «2» ، لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه.
و دفع الرّاية إلى عليّ- عليه السّلام- ففتح اللّه- عزّ و جلّ- على يديه؟
قلت: بلى.
فقال: أما علمت أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا اتي بالطّائر المشويّ، قال:
اللّهمّ، ائتني بأحبّ خلقك إليك [و إليّ] «3» يأكل معي [من هذا الطّائر] «4» و عنى به:
عليّا؟
قلت: بلى.
قال: فهل يجوز أن لا يحبّ أنبياء اللّه و رسله و أوصياؤهم رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله؟
فقلت: لا.
قال: فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبّون حبيب اللّه و حبيب رسوله و أنبيائه؟
قلت: لا.
(1) نفس المصدر/ 790- 791، ح 10.
(2) من المصدر.
3 و 4- من المصدر مع المعقوفتين.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 263
قال: فقد ثبت أنّ جميع أنبياء اللّه و رسله و جميع المؤمنين محبّون له، و ثبت أنّ أعداءهم و المخالفين لهم كانوا له و لجميع أهل بيته «1» مبغضين؟
قلت: نعم.
قال: فلا يدخل الجنّة إلّا من أحبّه من الأوّلين و الآخرين، [و لا يدخل النّار إلّا من أبغضه من الأوّلين و الآخرين] «2» ، فهو إذا قسيم الجنّة و النّار.
قال المفضّل: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فرّجت عنّي، فرّج اللّه عنك.
(1) المصدر: محبّته.
(2) من المصدر.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 265
سورة الفجر
مكّيّة.
و آيها تسع و عشرون، أو ثلاثون، أو ثنتان و ثلاثون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم، فإنّها سورة الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-. من قرأها، كان مع الحسين- عليه السّلام- يوم القيامة في درجته من الجنّة، إنّ اللّه عزيز حكيم.
و في مجمع البيان «2» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: و من قرأها في ليال عشر، غفر [اللّه] «3» له، و من قرأها سائر الأيّام، كانت له نورا يوم القيامة.
وَ الْفَجْرِ (1).
قيل «4» : أقسم بالصّبح، أو فلقه، كقوله «5» : وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ، [أو بصلاته] «6» .
وَ لَيالٍ عَشْرٍ (2).
(1) ثواب الأعمال/ 150، ح 1.
(2) المجمع 5/ 481.
(3) من المصدر.
(4) أنوار التنزيل 2/ 556.
(5) التكوير/ 18.
(6) ليس في ق، ش، م.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 266
قيل «1» : عشر ذي الحجّة، و لذلك فسّر الفجر بفجر عرفة. أو النّحر. أو عشر رمضان الأخير. و تنكيرها للتّعظيم.
و قرئ «2» : وَ لَيالٍ عَشْرٍ بالإضافة، على أنّ المراد بالعشر: الأيّام.
و في مجمع البيان «3» : «و الفجر» أقسم اللّه بفجر النّهار- إلى قوله-: و قيل: أراد بالفجر النّهار كلّه. عن ابن عبّاس.
وَ لَيالٍ عَشْرٍ ، يعني: العشر من ذي الحجّة. عن ابن عبّاس و الحسن و قتادة و مجاهد و الضّحّاك و السّدّيّ، و روي ذلك مرفوعا.
وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ (3): و الأشياء كلّها شفعها [و وترها] «4» .
و قرأ «5» غير حمزة و الكسائيّ «و الوتر» بالفتح، و هما لغتان، كالحبر و الحبر.
و في مجمع البيان «6» : وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ . قيل: الشَّفْعِ الخلق، لأنّه قال:
وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً . و الْوَتْرِ اللّه. عن ابن عبّاس، و هو رواية أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
و قيل: وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ الصّلاة، منها شفع و منها وتر. و هو رواية ابن حصين، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
و قيل: الشَّفْعِ يوم النحر، و الْوَتْرِ يوم عرفة. [عن ابن عبّاس و عكرمة و الضحّاك. و هو رواية جابر عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
و قيل: الشَّفْعِ يوم التروية و الْوَتْرِ يوم عرفة] «7» . و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «8» : وَ الْفَجْرِ قال: ليس فيها واو، إنّما هو الْفَجْرِ . وَ لَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر ذي الحجّة. و الشَّفْعِ قال: الشفع ركعتان، و الوتر ركعة.
و في حديث آخر «9» قال: الشَّفْعِ الحسن و الحسين- عليهما السّلام-. و الْوَتْرِ أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
1 و 2- نفس المصدر و الموضع.
(3) المجمع 5/ 484- 485.
(4) ليس في ق.
(5) أنوار التنزيل 2/ 556.
(6) المجمع 5/ 485.
(7) ليس في ق، ش، م.
8 و 9 تفسير القمّي 2/ 419.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 267
و في شرح الآيات الباهرة «1» : روي بالإسناد مرفوعا، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ و جلّ-: وَ الْفَجْرِ الفجر «2» هو القائم. و الليالي العشر «3» الأئمّة من الحسن إلى الحسن. وَ الشَّفْعِ أمير المؤمنين و فاطمة. وَ الْوَتْرِ هو اللّه وحده لا شريك له. وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هي دولة حبتر، فهي تسري إلى قيام القائم- عليه السّلام-.
و روى محمّد بن العبّاس «4» ، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس ابن يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الشَّفْعِ هو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و عليّ. و الْوَتْرِ هو اللّه الواحد.
وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4): إذا يمضي، كقوله «5» : و الليل إذا أدبر. و التّقييد بذلك، لما في التّعاقب من قوّة الدّلالة على كمال القدرة و وفور النّعمة.
أو يسري فيه، من قولهم: صلّى المقام.
و حذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا. و قد خصّه نافع و أبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل، و لم يحذفها ابن كثير و يعقوب أصلا.
و قرئ «6» : «يسر» بالتّنوين المبدّل من حرف الإطلاق «7» .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «8» : وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ قال: هي ليلة جمع «9» .
هَلْ فِي ذلِكَ : القسم، أو المقسم به.
قسم: حلف، أو محلوف به.
لِذِي حِجْرٍ (5): يعتبره و يؤكّد به ما يريد تحقيقه.
و «الحجر» العقل، سمّي به، لأنّه يحجر عمّا لا ينبغي، كما يسمّى: عقلا، و نهية، و حصاة من الإحصاء و هو الضّبط.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «10» : [و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه
(1) تأويل الآيات الباهرة 2/ 792، ح 1.
(2) ليس في المصدر.
(3) المصدر: «و ليال عشر».
(4) نفس المصدر/ 793، ح 3.
(5) المدّثّر/ 33.
(6) أنوار التنزيل 2/ 557.
(7) حرف الإطلاق الألف و الواو و الياء. و المراد هاهنا: الياء.
(8) تفسير القمّي 2/ 419.
(9) أي: ليلة عرفة.
(10) تفسير القمّي 2/ 419.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 268
السّلام-] «1» في قوله: لِذِي حِجْرٍ يقول: لذي «2» عقل.
و المقسم عليه محذوف، و هو: ليعذبنّ. يدلّ عليه:
أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6)، يعني: أولاد عاد بن عوص بن [إرم بن] «3» سام بن نوح، قوم هود. سمّوا باسم أبيهم، كما سمّي بنو هاشم باسمه.
« إِرَمَ »: عطف بيان «لعاد» على تقدير مضاف، أي: سبط إرم، أو أهل إرم، إن صحّ أنّه اسم بلدتهم.
و قيل «4» : سمّي أوائلهم، و هم عاد الأولى، باسم جدّهم.
و منع صرفه، للعلميّة و التّأنيث.
ذاتِ الْعِمادِ (7): ذات البناء الرّفيع. أو القدود «5» الطّوال. أو الرّفعة و الثّبات.
و قيل «6» : كان لعاد ابنان: شدّاد و شديد، فملكا و قهرا. ثمّ مات شديد، فخلص الأمر لشدّاد و ملك المعمورة و دانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنّة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنّة، و سمّاها: إرم. فلمّا تمّت سار إليها بأهله، فلمّا كان منها على مسيرة يوم و ليلة بعث اللّه عليهم صيحة من السّماء فهلكوا.
و عن عبد اللّه بن قلابة «7» ، أنّه خرج في طلب إبله فوقع عليها.
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8): صفة أخرى «لإرم». و الضّمير لها، سواء جعلت اسم القبيلة أو البلدة.
وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ : قطّعوه و اتّخذوه منازل، لقوله «8» : وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً .
بِالْوادِ (9): وادي القرى.
وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10): لكثرة جنوده و مضاربهم الّتي كانوا يضربونها
(1) ليس في المصدر.
(2) المصدر: الّذي له.
(3) من أنوار التنزيل 2/ 557.
(4) أنوار التنزيل 2/ 557.
(5) كذا في نفس المصدر و الموضع. و في النسخ:
القدور.
(6) نفس المصدر و الموضع.
(7) نفس المصدر و الموضع.