کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 290
لمجاهدة النّفس و الهوى و الشّيطان في أعمال الخير و الشّر- إلى قوله-: و ثانيها، أنّها عقبة حقيقة.
قال الحسن و قتادة «1» : هي عقبة شديدة في النّار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة اللّه.
و روي «2» عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال: إنّ أمامكم عقبة كؤودا لا يجوزها المثقلون، و أنا أريد أن أخفّف «3» عنكم لتلك العقبة.
و روي «4» مرفوعا، عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه، علّمني عملا يدخلني الجنّة.
قال: إن كنت أقصرت الخطبة «5» لقد أعرضت «6» المسألة، أعتق النّسمة و فكّ الرّقبة.
فقال: ا و ليسا واحدا؟
قال: لا، عتق النّسمة أن تنفرد بعتقها، و فكّ الرّقبة أن تعين في ثمنها. و الفيء على ذي الرّحم الظّالم، فإن لم يكن ذلك فأطعم الجائع و اسق الظّمآن و أمر بالمعروف و أنه عن المنكر، فإنّ لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير.
و روى «7» محمّد بن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-:
إنّ لي ابنا شديد العلّة.
قال: مره يتصدّق بالقبضة من الطّعام بعد القبضة، فإنّ اللّه- تعالى- يقول:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ و قرأ الآيات.
و في محاسن البرقيّ «8» : عنه، عن أبيه، عن معمّر بن خلّاد «9» قال: رأيت أبا الحسن
(1) المجمع 5/ 495.
(2) نفس المصدر و الموضع.
(3) كذا في المصدر. و في النسخ: أتحفّف.
(4) نفس المصدر و الموضع.
(5) كذا في المصدر. و في النسخ: الخطيئة.
(6) المصدر: لقد عرضت. و في ق، ش، م.
زيادة: عن.
(7) نفس المصدر و الموضع.
(8) المحاسن/ 389، ح 20.
(9) كذا في المصدر. و في النسخ: «عن سعدان ابن مسلم العامريّ، عن بعض أصحابه». و هذه العبارة يوجد في المصدر في سند الحديث المقدّم على حديث المتن.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 291
الرّضا- عليه السّلام- [يأكل] «1» فتلا هذه الآية فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ الآية.
ثمّ قال: علم اللّه أنّه ليس كلّ خلقه يقدر أن يعتق رقبة، فجعل لهم سبيلا إلى الجنّة بالطّعام «2» .
و في مجمع البيان «3» : فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ و
في الحديث عن معاذ بن جبل قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من أشبع جائعا في يوم سغب، أدخله اللّه يوم القيامة من باب من أبواب الجنان «4» لا يدخلها إلّا من فعل مثل ما فعل.
و عن جابر بن عبد اللّه «5» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السّغبان «6» .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «7» : يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-، و المقربة أقرباؤه. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ، يعني: أمير المؤمنين متربا بالعلم.
و فيه «8» : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ قال: لا يقيه من التّراب شيء.
و في أصول الكافي «9» : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أطعم مؤمنا حتّى يشبعه، لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل إلّا اللّه ربّ العالمين.
ثمّ قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السّغبان، ثمّ تلا قول اللّه- تعالى-:
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ .
و في المحاسن «10» ، مثله سواء
، مع زيادة «الجنّة» بعد «موجبات».
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا : عطف على «اقتحم» أو «فكّ» «بثمّ» لتباعد
(1) من المصدر.
(2) المصدر: باطعام الطّعام.
(3) المجمع 5/ 495.
(4) ق، المصدر: الجنّة.
(5) نفس المصدر و الموضع.
(6) أي الجائع.
(7) تفسير القمّي 2/ 423.
(8) نفس المصدر/ 422.
(9) الكافي 2/ 201، ح 6.
(10) المحاسن/ 389، ح 17.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 292
الإيمان عن العتق و الإطعام في الرّتبة لاستقلاله و اشتراط سائر الطّاعات به.
وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ : و أوصى بعضهم بعضا بالصّبر على طاعة اللّه.
وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17): بالرّحمة على عباده. أو بموجبات رحمة اللّه.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18): اليمين. أو اليمن.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا : بما نصبنا دليلا على الحقّ من كتاب و حجة، أو بالقرآن.
هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19): الشّمال، أو الشّوم.
و لتكرير ذكر المؤمنين باسم الإشارة، و الكفّار بالضّمير شأن «1» لا يخفى.
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20): مطبقة. من أوصدت الباب: إذا أطبقته و أغلقته.
و قرأ «2» أبو عمرو و حمزة و حفص بالهمزة، من آصدته.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «3» : قوله: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ قال: أصحاب أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا قال: الّذين خالفوا أمير المؤمنين هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ و قال: الْمَشْأَمَةِ أعداء آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-. عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ، أي: مطبقة.
(1) كذا في أنوار التنزيل 2/ 560. و في النسخ:
«بضمير الشأن» بدل «بالضمير شأن».
(2) أنوار التنزيل 2/ 560.
(3) تفسير القمّي 2/ 423.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 293
سورة الشّمس
مكّيّة.
و آيها خمس، أو ستّ عشرة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أكثر قراءة و الشمس و و الليل إذا يغشى و الضحى و أ لم نشرح في يوم أو «2» ليلة، لم يبق شيء بحضرته إلّا شهد له يوم القيامة، حتّى شعره و بشره و لحمه و دمه و عروقه و عصبه و عظامه و جميع ما أقلّت الأرض منه، و يقول الرّبّ: قبلت شهادتكم لعبدي و أجزتها له، انطلقوا به إلى جنّاتي حتّى يتخيّر منها ما أحبّ، فأعطوه [أيّاها] «3» من غير منّ، و لكن رحمة منّي و فضلا منّي عليه، [فهنيئا] «4» هنيئا «5» لعبدي.
و في مجمع البيان «6» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: من قرأها فكأنّما تصدّق بكلّ شيء طلعت عليه الشّمس و القمر.
قيل «7» : وضوئها إذا أشرقت.
(1) ثواب الأعمال/ 151، ح 1.
(2) كذا في المصدر. و في النسخ: و.
3 و 4- من المصدر.
(5) في ن، ي، زيادة: و هنيئا.
(6) المجمع 5/ 496.
(7) أنوار التنزيل 2/ 561.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 294
و قيل «1» : «الضّحوة» ارتفاع النّهار، و «الضّحى» فوق ذلك، و «الضّحاء» بالفتح و المدّ: امتدّ النّهار و كاد أن ينتصف «2» .
في «3» : تلا طلوعه طلوع الشّمس أوّل الشّهر، أو غروبها ليلة البدر، أو في الاستدارة و كمال النّور.
وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها (3).
قيل «4» : جلّى الشّمس، فإنّها تتجلّى: إذا انبسط النّهار. أو الظّلمة. أو الدّنيا أو الأرض، و إن لم يجر «5» ذكرها، للعلم بها.
وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4): يغشى الشّمس فيغطّي ضوءها. أو الآفاق. أو الأرض.
و لمّا كانت واوات العطف نوائب للواو الأولى القسميّة الجارّة بنفسها النّائبة مناب فعل القسم، من حيث استلزمت طرحه معها، ربطن المجرورات و الظّروف بالمجرور و الظّرف المقدّمين ربط الواو لما بعدها في قولك: ضرب زيد عمرا، و بكر خالدا، على الفاعل و المفعول من غير عطف على عاملين مختلفين «6» .
و في روضة الكافي «7» : جماعة، عن سهل، عن محمّد، عن أبيه، عن أبي محمّد،
(1) أنوار التنزيل 2/ 561.
(2) أي: قرب أن تصل الشمس إلى نصف النّهار.
(3) نفس المصدر و الموضع.
(4) نفس المصدر و الموضع.
(5) كذا في المصدر. و في النسخ: لم يجز.
(6) قوله: «و لمّا كانت واوات العطف» (الخ) جواب سؤال و هو أنّه يلزم من عطف هذه الجمل العطف على عاملين مختلفين، لأنّ قوله:
وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها في تقدير قوله: أقسم بالشمس و ضحاها. فلزم العطف على عاملين مختلفين و هو أقسم و الباء. و أجاب بأنّ الواو القسميّة نائبة عن الفعل و الباء، فها هنا عامل واحد، و هو الباء، و الواوات العاطفة نوائب تلك الواو صارت سببا لربط المجرورات الّتي هي القمر و النهار و اللّيل، و الظّروف إِذا تَلاها و إِذا جَلَّاها و إِذا يَغْشاها بالمجرور و الظّرف المقدّمين اللّذين هما الشَّمْسِ وَ ضُحاها . و إنّما جعل الضّحى ظرفا- مع أنّه فسّره بالضّوء- لأنّ له وقتا مخصوصا، فكأنّه ظرف و لهما عامل واحد هو الواو، فلا يلزم العطف على عاملين مختلفين، كما أنّ بكر و خالد عطف على زيد و عمرو من غير عطف على عاملين مختلفين.
(7) الكافي 8/ 50، ح 12.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 295
عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها .
قال: الشّمس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- به أوضح اللّه للنّاس دينهم.
قال: قلت: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها .
قال: ذلك أمير المؤمنين تلا رسول اللّه، و نفثه بالعلم نفثا.
قال: قلت: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها .
قال: ذلك أئمّة الجور الّذين استبدّوا بالأمر دون آل الرّسول أولى به منهم، فغشوا دين اللّه بالظّلم و الجور، فحكى اللّه فعلهم فقال: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها .
قال: قلت: وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها .
[قال: ذاك الإمام من ذرّيّة فاطمة- عليها السّلام- يسأل عن دين رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فيجلّيه لمن سأله، فحكى اللّه- عزّ و جلّ- قوله: فقال: وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها ] «1» .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «2» : أخبرني أبي، عن سليمان الدّيلميّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها و نقل نحو ما نقلنا عن الرّوضة.
وَ السَّماءِ وَ ما بَناها (5): و من بناها.
و إنّما أوثرت «ما» على «من» لإرادة معنى الوصفيّة، كأنّه قيل: و الشّيء القادر الّذي بناها و دلّ على وجوده و كمال قدرته بناها. و لذلك أفرد ذكره، و كذا الكلام في قوله: وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها (6) وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها (7).
و لا يجوز جعل الماءات مصدريّة، لأنّه يبقى الفعل مجرّدا عن الفاعل و يخلّ بنظم قوله: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها (8): بقوله: وَ ما سَوَّاها إلّا أنّ يضمر فيها اسم اللّه [للعلم به] «3» .
و تنكير «نفس» للتّكثير كما في قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ أو للتّعظيم، و المراد:
نفس آدم.
(1) ليس في ق، ش.
(2) تفسير القمّي 2/ 424.
(3) ليس في ق، ش، م.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 296
و إلهام الفجور و التقوى: إفهامهما، و تعريف حالهما، و التّمكين من الإتيان بهما.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «1» ، متّصلا بآخر ما نقل- أعني: إِذا جَلَّاها -:
و قوله: وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها قال: خلقها و صوّرها. و قوله: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ، أي: عرّفها و ألهمها، ثمّ خيّرها فاختارت.
و في أصول الكافي «2» ، بإسناده إلى حمزة بن محمد الطّيار «3» : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام-: و قال: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها .
قال: بيّن لها ما تترك و ما تأتي.
[و في مجمع البيان «4» : و روى زرارة و حمران و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام - في قوله- فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قال: بيّن لها ما تأتي و تترك] «5» .
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9): أنماها بالعلم و العمل.
جواب القسم. و حذف اللّام للطّول، و كأنّه لمّا أراد به الحثّ على تكميل النّفس و المبالغة فيه، أقسم عليه بما يدلّهم على العلم بوجود الصّانع- تعالى- و وجوب ذاته و كمال صفاته الّذي هو أقصى درجات القوة النّظريّة، و يذكّرهم عظائم آلائه ليحملهم على الاستغراق في شكر نعمائه الّذي هو منتهى كمالات القوّة العمليّة.
و قيل «6» : استطراد بذكر بعض أحوال النّفس، و الجواب محذوف تقديره: ليدمدمنّ اللّه على كفّار مكّة لتكذيبهم رسوله، كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا.
وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10): نقصها و أخفاها بالجهالة و الفسوق. و أصل دسّى، دسس، كتقضّى و تقضّض.
و في مجمع البيان «7» : و في قوله: [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها قال:] «8» قد أفلح من أطاع. وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها قد خاب من عصى.
(1) تفسير القمّي 2/ 424.
(2) الكافي 1/ 163، ح 3.
(3) كذا في المصدر و جامع الرواة 1/ 281. و في النسخ: إلى أبي حمزة بن محمّد الطيّار.
(4) المجمع 5/ 498.
(5) ليس في ق، ش.
(6) أنوار التنزيل 2/ 561.
(7) المجمع 5/ 498.