کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 394
و قرأ «1» هشام بإسكان الهاء.
قيل «2» : و لعلّ حسنة الكافر [و سيّئة] «3» المجتنب عن الكبائر تؤثّران في نقص الثّواب و العقاب.
و قيل «4» : الآية مشروطة بعدم الإحباط و المغفرة. أو «من» الأولى مخصوصة بالسّعداء، و الثّانية بالأشقياء «5» ، لقوله: «أشتاتا».
و «الذّرّة» النّملة الصّغيرة، أو الهباء.
و في توحيد المفضل بن عمر «6» : عن جعفر بن محمّد في الرّدّ على منكري الصّانع:
الحمد للّه مدبر الأدوار و معيد الأكوار، طبقا عن طبق و عالما بعد عالم لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «7» عدلا منه- تقدّست أسماؤه، و جلّت آلاؤه- و لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، يشهد بذلك قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ في نظائر لها في كتابه.
و في مجمع البيان «8» : في بعض الرّوايات، عن الكسائيّ خيرا يره و شرا يره بضمّ الياء فيهما، و هو رواية أبان بن عاصم، أيضا، و هي قراءة عليّ- عليه السّلام-.
و عن أبي عثمان المازنيّ «9» ، عن أبي عبيدة قال: قدم صعصعة بن ناجية، جدّ الفرزدق على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في وفد بني تميم، فقال: بأبي أنت و أمّي، يا رسول اللّه، أوصني خيرا.
قال: أوصيك بأمّك و أبيك و ادانيك «10» .
قال: زدني، يا رسول اللّه.
قال: احفظ ما بين لحييك و رجليك. ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ما شيء بلغني عنك فعلته؟
فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- رأيت النّاس يموجون على غير وجه و لم
1 و 2- أنوار التنزيل 2/ 571.
(3) ليس في ق. و في م زيادة: الكافر.
(4) نفس المصدر و الموضع.
(5) المصدر: للأشقياء.
(6) توحيد المفضّل/ 50.
(7) النجم/ 31.
(8) المجمع 5/ 525.
(9) نفس المصدر 527.
(10) أي: أقاربك.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 395
أدر أين الصّواب، غير أنّي علمت أنّهم ليسوا عليه، فرأيتهم يئدون بناتهم، فعرفت أنّ اللّه لم يأمرهم بذلك، فلم أتركهم يئدون و فديت ما قدرت.
و في رواية أخرى: أنّه سمع فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فقال: حسبي، ما أبالي أن [لا] «1» أسمع من القرآن غير هذا.
و قال عبد اللّه بن مسعود «2» : أحكم آية في القرآن فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ليسمّيها:
الجامعة.
و في روضة الكافي «3» ، كلام لعليّ بن الحسين- عليه السّلام- في الوعظ و الزّهد في الدّنيا، يقول فيه: و اعلم يا ابن آدم، أنّ وراء هذا أعظم و أفظع و أوجع للقلوب يوم القيامة، يوم لا تقال فيه عثرة، و لا يؤخذ من أحد فدية، و لا تقبل من أحد معذرة، و لا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلّا الجزاء بالإحسان و الجزاء بالسّيّئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدّنيا مثقال ذرّة من خير وجده، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدّنيا مثقال ذرّة من شرّ وجده.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم «4» : و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام - في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [يقول: إن كان من أهل النّار، و قد كان عمل في الدّنيا مثقال ذرة خيرا، يره] «5» يوم القيامة حسرة أنّه كان عمله لغير اللّه.
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ يقول: إن كان من أهل الجنّة، رأى ذلك الشرّ يوم القيامة ثمّ غفر [اللّه- تعالى-] «6» له.
و في الكافي «7» : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «8» ، [عن محمّد] «9» بن عليّ، عن محمّد بن عمر بن يزيد قال: أخبرت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنّي أصبت بابنين و بقي لي بنيّ صغير.
(1) من المصدر.
(2) نفس المصدر/ 527.
(3) الكافي 8/ 73- 74، ح 29.
(4) تفسير القمّي 2/ 433- 434.
(5) ليس في ن.
(6) من المصدر.
(7) الكافي 4/ 4، ح 10.
(8) المصدر: أبي عبد اللّه.
(9) ليس في ن.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 396
فقال: تصدّق عنه، ثمّ قال حين حضر قيامي: مر الصبيّ فليتصدّق بيده بالكسرة و القبضة و الشيء و إن قلّ، فإنّ كلّ شيء يراد به اللّه و إن قلّ بعد أن تصدق النيّة فيه عظيم. إن اللّه- تعالى- يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في أصول الكافي «1» ، بإسناده إلى مسمع بن عبد الملك: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه: إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، و أنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن.
(1) الكافي 2/ 272، ح 19.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 397
سورة و العاديات
مكّيّة.
و آيها إحدى عشرة بالإجماع.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة العاديات و أدمن قراءتها، بعثه اللّه مع أمير المؤمنين يوم القيامة خاصّة، و كان في حجره و رفقائه.
و في مجمع البيان «2» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: من قرأها، أعطي، من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة و شهد جمعا «3» .
قيل «4» : أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا، و هو صوت أنفاسها عند العدو.
و نصبه بفعله المحذوف، أو بالعاديات، فإنّها تدلّ بالالتزام على الضّابحات. أو ضبحا حال، بمعنى: ضابحة.
فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2): فالّتي توري النّار قدحا. و «الإيراء» إخراج النّار، يقال: قدح الزّند فأورى.
(1) ثواب الأعمال/ 152- 153، ح 1.
(2) المجمع 5/ 527.
(3) أي: عرفة.
(4) أنوار التنزيل 2/ 572.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 398
فَالْمُغِيراتِ : يغير أهلها على العدوّ.
صُبْحاً (3)، أي: في وقته.
فَأَثَرْنَ بِهِ : فهيّجن بذلك الوقت.
نَقْعاً (4): غبارا. أو صياحا.
و في مجمع البيان «1» : وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً قيل: هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل اللّه- إلى قوله-: هي الإبل حين ذهبت «2» إلى غزوة بدر تمدّ أعناقها في السّير، فهي تضبح، [أي تضبع «3» ] «4» روي «5» ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.
و روي «6» - أيضا- أنّها إبل الحاجّ تعدو من عرفة إلى المزدلفة، و من المزدلفة إلى منى.
اختلفت الرّوايات فيه، فروي عن أبي صالح أنّه قال: قاولت فيه عكرمة.
فقال [عكرمة] «7» : قال ابن عبّاس: هي الخيل في القتال.
فقلت أنا: قال عليّ- عليه السّلام-: هي الإبل في الحجّ. و قلت: مولاي أعلم من مولاك.
و في رواية أخرى «8» ، أنّ ابن عبّاس قال: هي الخيل. ألا تراه قال: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً . فهل تثيره «9» إلّا بحوافرها، و هل تضبح الإبل؟ إنّما تضبح الخيل.
فقال عليّ «10» - عليه السّلام-: ليس كما قلت، لقد رأيتنا يوم بدر و ما معنا إلّا فرس أبلق للمقداد بن الأسود.
و في رواية أخرى «11» لمرثد بن أبي مرثد الغنويّ: و روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس أنّه قال: بينما أنا في الحجر «12» جالس، إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا.
فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل اللّه، ثمّ تأوي إلى اللّيل فيصنعون طعامهم
(1) المجمع 5/ 528.
(2) كذا في المصدر. و في النسخ: ذهب.
(3) كذا في المصدر. و في ن، ت، م، ي، ر:
تصبغ.
(4) ليس في ق، ش.
5 و 6- نفس المصدر و الموضع.
(7) من المصدر.
(8) مجمع البيان 5/ 529.
(9) كذا في المصدر. و في النسخ: ينشره.
(10) ليس في ق، ش، ن، ت.
(11) نفس المصدر و الموضع.
(12) المصدر: الحجرة.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 399
و يورون نارهم.
فانفتل «1» عنّي و ذهب إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و هو تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا.
فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟
قال: نعم، سألت عنها ابن عبّاس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه.
قال: فاذهب، فادعه لي.
فلمّا وقف على رأسه قال: تفتي النّاس بما لا علم لك به، و اللّه، إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر، و ما كان «2» معنا إلّا فرسان: فرس للزّبير و فرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات الخيل؟! [بل] «3» العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة، [و من مزدلفة] «4» إلى منى.
قال ابن عبّاس «5» : فنزعت «6» عن قولي و رجعت إلى الّذي قاله عليّ- عليه السّلام-.
فَوَسَطْنَ بِهِ : فتوسّطن «7» بذلك الوقت. أو بالعدوّ. أو بالنّقع، أي: متلبّسات به.
جَمْعاً (5): من جموع الأعداء.
و قيل «8» : يحتمل أن يكون القسم بالنّفوس العاديات «9» أثر كما لهنّ، الموريات بأفكارهنّ أنوار المعارف، و المغيرات على الهوى و العادات إذا ظهر لهنّ مثل أنوار القدس «10» ، فأثرن به شوقا، فوسطن به جمعا [من جموع العلّييّن] «11» .
(1) انفتل: التوى و انصرف.
(2) المصدر: كانت.
3 و 4- من المصدر.
(5) في ق زيادة: قال.
(6) المصدر: فرغبت.
(7) ليس في ق.
(8) أنوار التنزيل 2/ 572.
(9) ن، ت، ي، ر، المصدر: العادية.
(10) كذا في المصدر. و في النسخ: مثل مبدأ أنوار القدس.
(11) من ت، ي، ن، ر. و فيها زيادة: و في مجمع البيان فأثرن به نقعا.
قال: يعني الخيل فآثرون بالوادي نقعا فوسطن به جمعا.
و لا يوجد في المجمع مثلها.
و في جميع النسخ: زيادة اخرى ليست في نفس المصدر و هي: قد شهدا جميعا وادي اليابس.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 400
و في شرح الآيات الباهرة «1» : روى محمّد بن العبّاس، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبان بن عثمان، عن عمر بن دينار، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أقرع بين أهل الصّفّة، فبعث منهم ثمانين رجلا إلى بني سليم و أمّر عليهم أبا بكر، فسار إليهم فلقيهم قريبا من الحرّة، و كانت أرضهم أسنة «2» كثيرة «3» الحجارة و الشّجر «4» ببطن الوادي، و المنحدر إليهم صعب، فهزموه و قتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة. فلمّا قدموا على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- عقد لعمر بن الخطّاب و بعثه، فكمن له بنو سليم بن الحجارة و تحت الشّجر «5» ، فلمّا ذهب ليهبط خرجوا عليه ليلا فهزموه حتّى بلغ جنده سيف البحر، فرجع عمر منهزما.
فقام عمرو بن العاص إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: أنا لهم، يا رسول اللّه، ابعثني إليهم. فقال له خذ في شأنك. فخرج إليهم، فهزموه «6» و قتل من أصحابه [ما شاء اللّه] «7» .
قال: و مكث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أيّاما يدعو عليهم «8» . ثمّ أرسل بلالا، و قال: ائتني ببردي النّجرانيّ و قبائي الخطّيّة. ثمّ دعا عليّا- عليه السّلام- فعقد له. ثمّ قال: أرسلته كرّارا غير فرّار. ثمّ قال: اللّهمّ، إن كنت تعلم أنّي رسولك فاحفظني فيه، و افعل به و افعل، فقال له من ذلك ما شاء اللّه.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: و كأنّي أنظر إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [شيّع عليّا- عليه السّلام-] «9» عند مسجد الأحزاب، و عليّ- عليه السّلام- على فرس أشقر مهلوب «10» ، و هو يوصيه.
قال: فسار و توجّه نحو العراق حتى ظنّوا أنّه يريد بهم [غير ذلك الوجه، فسار بهم] «11» حتّى استقبل الوادي من فمه، و جعل يسير [في] «12» اللّيل و يكمن النّهار حتّى إذا
(1) تأويل الآيات 2/ 841- 843، ح 2.
(2) كذا في المصدر. و في النسخ: أشنة. و أسنة أي: ذات ماء آسن و هو الماء الّذي تغيّر لونه.
(3) ت، ي، ر: كثير.
4 و 5- ق، ش: الشجرة.
(6) ليس في ق، ش، م.
(7) ليس في ق، ش.
(8) كذا في المصدر. و في النسخ: إليهم.
(9) من المصدر.
(10) فرس مهلوب، أي: مستأصل شعر الذّنب.
(11) ليس في ق.