کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 488
فقال- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-: أدركه فخذ الرّاية منه، و كن أنت الّذي يدخل بها، و أدخلها إدخالا رفيقا «1» . فأخذها عليّ- عليه السّلام- و أدخلها، كما أمر.
و لمّا دخل رسول اللّه [- صلّى اللّه عليه و آله-] «2» مكّة، دخل صناديد قريش الكعبة، و هم يظنّون أنّ السّيف لا يرفع عنهم. و أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و وقف قائما على باب الكعبة، فقال: لا إله إلّا اللّه وحده وحده «3» ، أنجز وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده. ألا إنّ كلّ مال أو مأثرة و دم يدعى «4» فهو تحت قدميّ هاتين، إلّا سدانة الكعبة و سقاية الحاج، فإنّهما مردودتان إلى أهليها. ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم اللّه، لم تحلّ لأحد كان قبلي و لم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار، و هي محرّمة إلى أن تقوم السّاعة، لا يختلى خلاها «5» و لا يقطع شجرها، و لا ينفّر صيدها، و لا تحلّ لقطتها «6» إلّا لمنشد.
ثمّ قال: ألا لبئس جيران النّبيّ [- صلّى اللّه عليه و آله-] «7» كنتم، لقد كذّبتم و طردتم، و أخرجتم و آذيتم، ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطّلقاء.
فخرج القوم، كأنّما انشروا من القبور و دخلوا في الإسلام. و كان اللّه أمكنه من رقابهم عنوة، و كانوا له فيئا «8» ، فلذلك سمّي أهل مكّة الطّلقاء.
و جاء ابن الزّبعريّ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [و أسلم] «9» و قال:
يا رسول اللّه إنّ لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور «10»
(1) ق، ش، م: رقيقا.
(2) من المصدر.
(3) يوجد في ق.
(4) المصدر: تدعى.
(5) الخلا: النّبات الرّقيق ما دام رطبا، و اختلاؤه قطعه.
(6) كذا في المصدر. و في النسخ: لقطها.
(7) ليس في المصدر.
(8) المصدر: فكانوا فيئا.
(9) ليس في ق، ش.
(10) رجل بور، أي: هالك.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 489
إذ أباري «1» الشّيطان في سنن الغيّ
و من مال ميله مثبور «2»
آمن اللّحم و العظام لربّي
ثمّ نفسي الشّهيد أشهد أنت النّذير
و عن ابن مسعود، قال: دخل النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يوم الفتح و حول البيت ثلاثمائة و ستّون صنما، فجعل يطعنها بعود في يده و يقول: جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .
و عن ابن عبّاس قال: لمّا قدم [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-] «3» مكّة أبى أن يدخل البيت و فيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت. و أخرجت صورة إبراهيم و إسماعيل و في أيديهما الأزلام، فقال [- صلّى اللّه عليه و آله-: قاتلهم اللّه] «4» أما و اللّه لقد علموا أنّهما لم يستقسما بها قطّ.
(1) أباري، أي: أعارض و أجاري.
(2) المثبور: الهالك.
3 و 4- ليس في ق.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 491
سورة تبّت
مكّيّة.
و آيها خمس بالإجماع.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في ثواب الأعمال «1» ، بإسناده إلى عليّ بن شجرة: عن بعض أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [عنه- عليه السّلام-] «2» قال: إذا قرأتم تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَ فادعوا على أبي لهب، فإنّه كان من المكذّبين الّذين يكذّبون بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و بما جاء به من عند اللّه.
و في مجمع البيان «3» : في حديث أبي: من قرأها رجوت أن لا يجمع اللّه «4» بينه و بين أبي لهب في دار واحدة.
سعيد بن جبير «5» ، عن ابن عبّاس قال: صعد رسول اللّه [- صلّى اللّه عليه و آله-] «6» ذات يوم الصّفا فقال: يا صباحاه «7» .
فأقبل إليه قريش فقالوا له: مالك؟
(1) ثواب الأعمال/ 155، ح 1.
(2) من المصدر.
(3) المجمع 5/ 558.
(4) ليس في ق، ش.
(5) نفس المصدر و المجلّد/ 559.
(6) من المصدر.
(7) قال ابن منظور: و العرب تقول إذا نذرت بغارة من الخيل تفجؤهم صباحا: يا صباحاه،
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 492
فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسّيكم، أما تصدّقون «1» ؟
قالوا: بلى.
قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تبّا لك، لهذا دعوتنا جميعا. فأنزل اللّه هذه السّورة.
أورده البخاريّ في الصّحيح.
تَبَّتْ : هلكت. أو خسرت. و «و التّباب» خسران يؤدّي إلى الهلاك.
يَدا أَبِي لَهَبٍ : نفسه، كقوله: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .
و قيل «2» : إنّما خصّتا، لأنّه [- عليه الصّلاة و السّلام-] «3» لمّا نزل عليه وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع أقاربه فأنذرهم، فقال أبو لهب: تبّا لك، أ لهذا دعوتنا؟ و أخذ حجرا ليرميه [به. فنزلت].
و قيل «4» : المراد بهما دنيا و آخرته «5» . و إنّما كنّاه، و التّكنية تكرمة، لاشتهاره بكنيته. و لأنّ اسمه عبد العزّى، فاستكره ذكره. و لأنّه لمّا كان من أصحاب النّار، كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: ذاتَ لَهَبٍ .
و قرئ «6» : «أبو لهب»، كما قيل: [عليّ بن] «7» أبو طالب.
و قرأ «8» ابن كثير بإسكان هاء «لهب».
وَ تَبَ (1): إخبار بعد دعاء «9» . و التّعبير بالماضي لتحقّق وقوعه، كقوله:
ينذرون الحيّ أجمع بالنّداء العالي ثمّ ذكر الحديث و قال: هذه كلمة تقولها العرب إذا صاحوا للغارة، لأنّهم أكثر ما يغيرون عند الصّباح و يسمّون يوم الغارة يوم الصّباح، فكأنّ القائل: يا صباحاه، يقول: قد غشينا العدوّ. انتهى قال الشاعر:
نحن الّذون صبّحوا الصّباحا
يوم النّخيل غارة ملحاحا
نحن قتلنا الملك الجحجاحا
و لم نترك لسارح مراحا
(1) المصدر: أما كنتم تصدّقوني.
(2) أنوار التنزيل 2/ 580.
(3) من المصدر.
(4) نفس المصدر و الموضع.
(5) المصدر: ن، ت، ي، ر: أخراه ..
(6) نفس المصدر و الموضع.
(7) ليس في ق.
(8) نفس المصدر و الموضع.
(9) كذا في نفس المصدر و الموضع. و في النسخ:
إخبار.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 493
جزاني جزاه اللّه شرّ جزائه
جزاء الكلاب العاويات و قد فعل
و يدلّ عليه أنّه قرئ «1» : «و قد تبّ «2» ». أو الأوّل إخبار عمّا كسبت يداه، و الثّاني عن عمل نفسه.
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ : نفي لإغناء المال «3» عنه حين نزل به التّباب. أو استفهام إنكار له، و محلّها النّصب «4» .
وَ ما كَسَبَ (2): و كسبه. أو مكسوبه بما له من النّتائج و الأرباح و الوجاهة و الاتّباع. أو عمله الّذي ظنّ أنّه ينفعه. أو ولده عتبة «5» ، و قد افترسه أسد في طريق الشّام و قد أحدق به العير. و مات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيّام معدودة، و ترك ثلاثا حتّى أنتن، ثمّ استأجروا بعض السّودان حتّى دفنوه. فهو إخبار عن الغيب، طابقه وقوعه.
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3): اشتعال، يريد: نار جهنّم.
و قرئ «6» : «سيصلى» بالضّمّ «7» مخفّفا و مشدّدا.
وَ امْرَأَتُهُ عطف على المستكنّ في «سيصلى». أو مبتدأ. و هي أمّ جميل، اخت أبي سفيان.
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)، يعني: حطب جهنّم، فإنّها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرّسول و تحمل زوجها على إيذائه. أو النّميمة، فإنّا توقد نار الخصومة. أو حزمة الشّوك و الحسك «8» كانت تحملها فتنثرها باللّيل في طريق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.
و قرأ «9» عاصم بالنّصب على الشّتم.
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)، أي: ممّا مسد، أي: فتل. و منه رجل ممسود الخلق «10» ، أي: مجدولة. و هي ترشيح «11» للمجاز. أو تصوير لها بصورة الحطّابة الّتي
(1) أنوار التنزيل 2/ 581.
(2) لأنّ «قد» تدلّ على التحقيق.
(3) ق، ش: نفى إناء المال.
(4) و المعنى: أيّ شيء أغنى عنه ماله.
(5) كذا في أنوار التنزيل 2/ 581. و في النسخ:
عتيبة.
(6) نفس المصدر و الموضع.
(7) ليس في ق، ش، م.
(8) كذا في نفس المصدر. و في النسخ: الحسك.
و الحسك: نبات له ثمرة خشنة تتعلّق بأصواف الغنم و أوبار الإبل. و منه حسك السّعدان.
(9) أنوار التنزيل 2/ 581.
(10) كذا في نفس المصدر. و في النسخ: الحلق.
(11) قوله: «و هو ترشيح» مشعر بأنّ الحبل ليس بمعناه الحقيقيّ بل مجاز، و لعلّ المراد السّلسلة الّتي تكون في جيدها في جهنّم. و الفتل ترشيح المجاز باعتبار أنّ الفتل مناسب للمعنى الحقيقي للحبل.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج14، ص: 494
تحمل الحزمة و تربطها في جيدها، تحقيرا لشأنها. أو بيانا لحالها في نار جهنّم، حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنّم، كالزّقّوم و الضّريع، و في جيدها سلسلة من النّار.
و الظّرف في موضع الحال، [أو الخبر] «1» و «حبل» مرتفع به.
و في مجمع البيان «2» : و يروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت هذه السّورة أقبلت العوراء، أمّ جميل بنت حرب، و لها ولولة، و في يدها فهر «3» و هي تقول: «مذممّا أبينا، و دينه قلينا «4» ، و أمره عصينا» و النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- جالس في المجلس، و معه أبو بكر.
فلمّا رآها أبو بكر قال: يا رسول اللّه، قد أقبلت و أنا أخاف أن تراك.
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّها لن تراني، و قرأ قرآن فاعتصم به، كما قال «5» وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً .
فوقفت على أبي بكر، و لم تر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالت: يا أبا بكر «6» ، إنّ صاحبك هجاني.
فقال: لا، و ربّ البيت، ما هجاك.
قال «7» : فولّت و هي تقول: قريش تعلم أنّي بنت سيّدها.
و روي «8» أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: صرف اللّه عنّي أنّهم «9» يذمّون مذمّما، و أنا محمّد.
و في قرب الإسناد للحميريّ «10» ، بإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر - عليهما
(1) ليس في ق، ش. يعني: يكون إمّا حالا عن «امرأته» أو خبرا عن «امرأته». و «حبل» مرتفع بأنّه فاعل الظّرف.
(2) المجمع 5/ 560.
(3) ق، ش، م: حزمة. و الفهر: حجر قد ملأ الكفّ.
(4) كانت قريش تسمّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مذمّما. و قلينا: أبغضنا و هجرنا.
(5) في ن، ت، ي، ر زيادة: و قرأ.
(6) في ن، ت، ي، ر زيادة: أخبرت.
(7) ليس في المصدر.
(8) نفس المصدر و الموضع.
(9) كذا في المصدر. و في النسخ: ثمّ أنّهم.