کتابخانه تفاسیر
تفسير من وحى القرآن
الجزء الأول
سورة الفاتحة مكية و آياتها سبع
الآيات[سورة الفاتحة(1): الآيات 1 الى 7]
سورة البقرة مدنية و آياتها مائتان و سبع و ثمانون
الآيتان[سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 35 الى 39]
الجزء الثاني
بقية سورة البقرة
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 44]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 54]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 57 الى 61]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 74 الى 82]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 110]
الجزء الثالث
بقية سورة البقرة
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 125 الى 129]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 142 الى 152]
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 153 الى 157]
الآيتان[سورة البقرة(2): الآيات 163 الى 164]
الآية[سورة البقرة(2): آية 177]
الآية[سورة البقرة(2): الآيات 178 الى 179]
الجزء الرابع
بقية سورة البقرة
الآيتان[سورة البقرة(2): الآيات 217 الى 218]
الآيتان[سورة البقرة(2): الآيات 219 الى 220]
الجزء الخامس
بقية سورة البقرة
الآيات[سورة البقرة(2): الآيات 275 الى 281]
سورة آل عمران مدنية و آياتها مائتان 1 - 41
الآيات[سورة آلعمران(3): الآيات 7 الى 9]
الآيات[سورة آلعمران(3): الآيات 28 الى 30]
الجزء السادس
بقية سورة آل عمران
الجزء السابع
سورة النساء مدنية و اياتها مائة و ست و سبعون
الآية[سورة النساء(4): آية 1]
الآية[سورة النساء(4): آية 3]
الآيتان[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 35]
الآيات[سورة النساء(4): الآيات 105 الى 113]
الجزء الثامن
سورة المائدة مدنية و آياتها مائة و عشرون
الآيتان[سورة المائدة(5): الآيات 3 الى 4]
الآيات[سورة المائدة(5): الآيات 44 الى 50]
الجزء التاسع
سورة الأنعام مكية و آياتها مائة و خمس و ستون
الآيات[سورة الأنعام(6): الآيات 56 الى 67]
الجزء العاشر
سورة الأعراف مكية و آياتها مائتان و ست
الآيات[سورة الأعراف(7): الآيات 19 الى 25]
الآيات[سورة الأعراف(7): الآيات 26 الى 30]
الآيات[سورة الأعراف(7): الآيات 155 الى 158]
الآيات[سورة الأعراف(7): الآيات 199 الى 206]
سورة الأنفال مدنية و آياتها خمس و سبعون
الآيات[سورة الأنفال(8): الآيات 45 الى 49]
الجزء الحادي عشر
سورة التوبة مدنية و آياتها مائة و تسع و عشرون
سورة يونس مكية و آياتها مائة و تسعة
الجزء الثاني عشر
سورة هود مكية و آياتها مائة و ثلاث و عشرون
سورة يوسف مكية و آياتها مائة و احدى عشرة
الآيات[سورة يوسف(12): الآيات 99 الى 102]
الجزء الثالث عشر
سورة الرعد مدنية و آياتها ثلاث و أربعون
سورة إبراهيم مكية و آياتها اثنان و خمسون
سورة الحجر مكية و آياتها تسعة و تسعون
سورة النحل مكية و آياتها مائة و ثمان و عشرون
الآيات[سورة النحل(16): الآيات 120 الى 128]
الجزء الرابع عشر
سورة الإسراء مكية و آياتها مائة و خمس و ثلاثون
سورة الكهف مكية و آياتها مائة و عشرة
الآيات[سورة الكهف(18): الآيات 1 الى 8]
الجزء الخامس عشر
سورة مريم مكية و آياتها ثمان و تسعون
سورة طه مكية و آياتها مائة و خمس و ثلاثون
سورة الأنبياء مكية و آياتها مائة و اثنتا عشرة
الجزء السادس عشر
سورة الحج مدنية و آياتها ثمان و سبعون
الآيات[سورة الحج(22): الآيات 26 الى 37]
سورة المؤمنون مكية و آياتها مائة و تسع عشرة
سورة النور مدنية و آياتها أربع و ستون
الجزء السابع عشر
سورة الفرقان مكية و آياتها سبع و سبعون
سورة الشعراء مكية و آياتها مائتان و سبع و عشرون
الآيات[سورة الشعراء(26): الآيات 10 الى 22]
سورة النمل مكية و آياتها ثلاث و سبعون
سورة القصص مكية و آياتها ثمان و ثمانون
الجزء الثامن عشر
سورة العنكبوت مكية و آياتها تسع و ستون
الآيات[سورة العنكبوت(29): الآيات 14 الى 27]
سورة الروم مكية و آياتها ستون
سورة لقمان مكية و آياتها أربع و ثلاثون
سورة السجدة مكية و آياتها ثلاثون
سورة الأحزاب مدنية و آياتها ثلاث و سبعون
الآيات[سورة الأحزاب(33): الآيات 28 الى 34]
الآيات[سورة الأحزاب(33): الآيات 37 الى 40]
الآيات[سورة الأحزاب(33): الآيات 53 الى 55]
الجزء التاسع عشر
سورة سبأ مكية و آياتها أربع و خمسون
سورة فاطر مكية و آياتها خمس و أربعون
سورة يس مكية و آياتها ثلاث و ثمانون
سورة الصافات مكية و آياتها مائة و اثنان و ثمانون
سورة ص مكية و آياتها ثمان و ثمانون
سورة الزمر مكية و آياتها خمس و سبعون
الجزء العشرون
سورة غافر مكية و آياتها خمس و ثمانون
سورة فصلت مكية و آياتها أربع و خمسون
سورة الشورى مكية و آياتها ثلاث و خمسون
سورة الزخرف مكية و آياتها تسع و ثمانون
سورة الدخان مكية و آياتها تسع و خمسون
الجزء الحادي و العشرون
سورة الأحقاف مكية و آياتها خمس و ثلاثون
سورة محمد مكية و آياتها ثمان و ثلاثون
سورة الفتح مدنية و آياتها تسع و عشرون
سورة الحجرات مدنية و آياتها ثماني عشرة
سورة ق مكية و آياتها خمس و أربعون
سورة الذاريات مكية و آياتها ستون
سورة الطور مكية و آياتها تسع و أربعون
سورة النجم مكية و آياتها اثنتان و ستون
سورة القمر مكية و آياتها خمس و خمسون
سورة الرحمن مكية و آياتها ثمان و سبعون
الجزء الثاني و العشرون
سورة الحديد مدنية و آياتها تسعه و عشرون
سورة المجادلة مدنية و آياتها اثنتان و عشرون
سورة الحشر مدنية و آياتها أربع و عشرون
سورة الممتحنة مدنية و آياتها ثلاث عشرة
سورة الصف مدنية و آياتها أربع عشرة
سورة المنافقون مدنية و آياتها احدى عشرة
سورة التغابن مدنية و آياتها ثماني عشرة
سورة الطلاق مدنية و آياتها اثنا عشرة
الجزء الثالث و العشرون
سورة الملك مكية و آياتها ثلاثون
سورة القلم مكية و آياتها اثنتان و خمسون
سورة الحاقة مكية و آياتها اثنتان و خمسون
سورة المعارج مكية و آياتها أربع و أربعون
سورة نوح مكية و آياتها ثمان و عشرون
سورة الجن مكية و آياتها ثمان و عشرون
سورة المزمل مكية و آياتها عشرون
سورة المدثر مكية و آياتها ست و خمسون
سورة الإنسان مدنية و آياتها إحدى و ثلاثون
الجزء الرابع و العشرون
سورة النازعات مكية و آياتها ست و أربعون
سورة عبس مكية و آياتها اثنان و أربعون
سورة الانفطار مكية و آياتها تسع عشرة
سورة المطففين مكية و آياتها ست و ثلاثون
سورة الأعلى مكية و آياتها تسع عشرة
الآيات[سورة الأعلى(87): الآيات 1 الى 19]
سورة الفجر مكية و آياتها ثلاثون
سورة البلد مكية و آياتها عشرون
سورة العلق مكية و آياتها تسع عشرة
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 40
العامة للوجه الإسلامي الأصيل، و أن نواجه ذلك كله بالموقف الذي يؤكد على أن المسألة ليست مجرد كلمة تذكر أو تحذف، بل هي عنوان للخط، و حركة في المسيرة، مما يجعل الاستهانة بها استهانة بالمعنى الأصيل الذي تمثله في معنى العقيدة الإسلامية.
أي: أبتدئ باسم اللَّه. و هذا هو المعنى المتبادر من جوّ الكلمة في متعلّق الجار و المجرور، لأنّ المقصود هو الابتداء باسم اللَّه في إيحاءاته بارتباط الفعل و هو القراءة، أو الانفتاح على المضمون الذي تشتمل عليه السورة في المعاني العامّة التي أراد اللَّه بيانها في تفاصيل آياتها، لأن البداية عند ما تكون بِسْمِ اللَّهِ ، فإنها تفتح و عي الإنسان على كلام اللَّه النازل من خلال وحيه، مما يجعل من الابتداء باسمه مدخلًا للانفتاح عليه على أساس ما يرمز إليه اسم اللَّه من الذات المقدسة المطلقة التي يرجع إليها الأمر كله، فتكون بداية كل شيء منه و نهايته إليه.
و كلمة الجلالة «اللَّه» لا تدل إلا على ذاته سبحانه، بالوضع، أو لغلبة الاستعمال، و ذلك من خلال التبادر الذي يوحي بذلك.
و على ضوء هذا، فإن الكلمة تحمل الوضوح الصافي المشرق الذي يجعل التصور في مستوى الحقيقة التي لا مجال فيها للغموض أو الاشتباه، بحيث لا يبقى هناك مجال للحاجة إلى أيّ تأويل أو تفسير، و لذلك كانت كلمة التوحيد: «لا إله إلّا اللَّه» تعني الالتزام بالوحدانية من دون حاجة إلى أيّ لفظ آخر يكمل المعنى، لتعيّن المعنى التوحيدي من خلال الكلمة.
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 41
هاتان الكلمتان الدالّتان على وصف واحد هو الرحمة، التي تمثل، في مدلولها الإنساني، حالة انفعال إيجابيّ، تصيب القلب بفعل احتضانه لآلام الآخرين و آمالهم و مشاكلهم، في رعاية محبّبة، و عناية و دودة، و حنان دافق، و تنفذ إلى عمق حاجتهم، إلى العاطفة المنفتحة على كل كيانهم الجائع إلى الحنان الظامئ و إلى الحب المتحرك نحو احتواء الموقف كله.
أمّا في الجانب الإلهي، فهي لا تقترب من مشاعر الانفعال الممتنع على اللَّه، لأنه من حالات الجسد المادّي، و لكنها تنطلق في النتائج العملية المنفتحة على وجود الإنسان الذي يمثل وجها من وجوه حركة الرحمة الإلهية لديه، و على كل تفاصيل حياته في النعم التي يغدقها اللَّه عليه، و على كل مواقع خطاياه التي يغفرها اللَّه له، و على كل مجالات حركته العامة أو الخاصة في آلامه و مشاكله ليخفّفها عنه أو ليبعدها عن حياته، و على كل تطلعاته في أحلامه، ليحقّقها له، و على كل مصيره في الدنيا و الآخرة ليجعل السعادة له في دائرة رضوانه في ذلك كله.
الوجود مظهر الرحمة الإلهية
إن الوجود كله هو مظهر الرحمة الإلهية التي هي صفة من صفات الكمال للَّه في ما تعبّر عنه من الموقع الرحيم الذي يطل به اللَّه على الوجود و على
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 42
الإنسان في كل مواقعه في داخل طبيعة الوجود و في عمق حركته، و هذا ما يريد اللَّه في الإنسان أن يتصوره به، ليشعر- دائماً- بقربه إليه من خلال حركة الرحمة التي وسعت كل شيء، باعتبار أنها تلاحق الإنسان لتضمّد له جراحة، و لتفتح قلبه على الأمل كله و الخير كله، و لتعده بمستقبل مشرق كبير. و هذا هو ما يوحي به
الدعاء المأثور: «اللهم إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني و تسعني لأنها وسعت كل شيء».
و لعل هذا هو الأسلوب التربوي الذي يعمل على تأكيد التصور الإنساني للَّه من موقع الرحمة، بيبقى قريبا منه في مواقع حاجته إليه، من حيث الأفق الواسع المليء بالعطف و الطف و الحنان و الرضوان. و لعل هذا الأسلوب أيضا، هو الذي أوجب التعبير عن الرحمة بكلمتين، ليزداد تأكيد هذا المضمون في الوعي الشعوري للإنسان تجاه ربه.
و إذا كان التأكيد يمثل لونا من التكرار للفكرة، فإنّ الحاجة إليه لا تقتصر على دفع احتمال الاشتباه، كما يقرر النحويون، بل قد تكون المسألة فيه هي الحاجة إلى تعميق المعنى الذي تتضمنه الكلمة بشكل عميق واسع، مما لا يحصل الإنسان عليه بالكلمة الواحدة فلا ينافي ذلك بلاغة القرآن، لأن التأكيد في مدلوله التصويري التعميقي لا يكرّر المعنى بشكل جامد، بل يعمقه بشكل حيّ متحرك.
المفسرون و الفرق بين الرحمن و الرحيم
و قد أفاض المفسرون في توضيح الفرق بين الكلمتين، فذهب بعض
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 43
منهم إلى أن الرَّحْمنِ هو المنعم بجلائل النعم، و أن الرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها، و ذهب آخرون إلى أن الرَّحْمنِ هو المنعم على جميع الخلق، و أن الرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصة، و ذهب رأي ثالث إلى أن الوصفين بمعنى واحد، و أن الثاني تأكيد للأول.
و ذكر بعض المفسرين أن صيغة الرحمن مبالغة في الرحمة، و يعلّق السيد الخوئي (قده) عليه فيقول:
«و هو كذلك في خصوص هذه الكلمة، سواء أ كانت هيئة فعلان مستعملة في المبالغة أم لم تكن، فإن كلمة الرَّحْمنِ في جميع موارد استعمالها محذوفة المتعلق، فيستفاد منها العموم و أن رحمته وسعت كل شيء، و مما يدلنا على ذلك، أنه لا يقال: إن اللَّه بالناس أو بالمؤمنين لرحمن، كما يقال:
إن اللَّه بالناس أو بالمؤمنين لرحيم».
أمّا صفة الرَّحِيمِ فهي «صفة مشبّهة أو صيغة مبالغة. و من خصائص هذه الصيغة أنها تستعمل غالباً في الغرائز و اللوازم غير المنفكّة عن الذات كالعليم و القدير و الشريف و الوضيع و السخي و البخيل و العلي و الدانيّ.
فالفارق بين الصفتين: أن الرحيم يدل على لزوم الرحمة للذات و عدم انفكاكها عنها، و الرحمن يدل على ثبوت الرحمة فقط، و مما يدلّ على أن الرحمة في كلمة «الرَّحِيمِ» غريزة و سجيّة: أن هذه الكلمة، لم ترد في القرآن عند ذكر متعلقها إلّا متعدية بالباء، فقد قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143]، وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43].
فكأنها عند ذكر متعلقها انسلخت عن التعدية إلى اللزوم» «1» .
(1) الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء، ط: 6، 1412 ه- 1992 م، ص: 429- 430.
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 44
و هناك وجوه أخرى، و لكنا لا نجد وجها واضحا لهذه الاحتمالات، فهي لم ترتكز إلى دليل واضح.
نقاش رأي السيد الخوئي (قده)
أمّا ما ذكره أستاذنا المحقق السيد الخوئي- قده-، من دلالة كلمة الرَّحْمنِ على المبالغة في الرحمة، إمّا لكونها من صيغ المبالغة، كما ذكر البعض، و إمّا لحذف المتعلق مما يفيد العموم، فهو غير واضح، لأنّ دلالتها على المبالغة لم تثبت، و ربما كانت ملاحظة ما كان على هذا الوزن من الكلمات الأخرى تدفع ذلك، كما أن حذف المتعلق لا يفيد العموم دائما، فربما كان ذلك من أجل التركيز على المبدأ. أمّا بالنسبة إلى صيغة «فعيل» فقد تستعمل في ما يكون من قبيل الغرائز، و لكنها قد تستعمل في غيره.
و هناك وجه آخر قد يكون أقرب الوجوه إلى الاعتبار، و هو الذي ذكره بعض المتأخرين؛ و خلاصته أن الوصفين متغايران تمام التغاير، فالرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة و الإحسان، و الرحيم صفة فعل تدل على وصول الرحمة و الإحسان و تعدّيهما إلى المنعم عليه. و يدلّ على هذا أن الرحمن لم تذكر في القرآن إلّا مجرى عليها الصفات كما هو شأن أسماء الذات: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ [الزخرف: 33] أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مريم: 91] إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ [مريم: 45] الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1- 2] الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه:
5] و هكذا ...
أمّا الرَّحِيمِ فقد كثر استعمالها و صفا فعليا، و جاءت بأسلوب
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 45
التعدية و التعلق بالمنعم عليه: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143] وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43] وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:
107]، كما جاءت الرحمة كثيرا على هذا الأسلوب: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف: 16]، و لم ير في القرآن تعبير ما برحمانية اللَّه «1» .
و قد نستطيع التعبير عن هذا الوجه بأن كلمة الرَّحْمنِ هي صفته في ذاته، بينما الرَّحِيمِ تمثل صفته في حركة الرحمة في خلقه. و لعلّ هذا هو المتبادر للذهن من موارد استعمالها؛ و اللَّه العالم.
موقع البسملة في القرآن
و يبقى لنا سؤال آخر و هو: هل البسملة آية من القرآن أو أنها آية من الفاتحة فقط، أو أنها آية مستقلة نزلت للفصل بين السور مرّة واحدة؟
يذكر بعض المفسرين، في ما نقله عن كثير من العلماء، أنها لم تعرف بتمامها عند المسلمين، إلّا بعد أن نزلت سورة «النمل»، و أنهم كانوا يقولون أولا: «باسمك اللهم»، ثم قالوا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» تبعاً لما جاء في السورة من قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «2» [النمل:
30].
و نحن لم نجد لهذا القول مصدراً ثابتا من الناحية التاريخية التي ذكرها هؤلاء.
(1) شلتوت، محمود، تفسير القرآن الكريم، ص: 26.
(2) م. ن، ص: 18.
تفسير من وحى القرآن، ج1، ص: 46
و قد «اتفقت الشيعة الإمامية على أن البسملة آية من كل سورة بدئت بها.
و ذهب إليه ابن عباس، و ابن المبارك، و أهل مكة كابن كثير، و أهل الكوفة كعاصم، و الكسائي، و غير هما ما سوى حمزة، و ذهب إليه أيضا غالب أصحاب الشافعي، و جزم به قرّاء مكة و الكوفة، و حكي هذا القول عن ابن عمر، و ابن الزبير، و أبي هريرة، و عطاء و طاوس، و سعيد بن جبير، و مكحول، و الزهري، و أحمد بن حنبل في رواية عنه، و إسحاق بن راهويه، و أبو عبيد القاسم بن سلام، و عن البيهقي نقل هذا القول عن الثوري، و محمد بن كعب، و اختاره الرازي في تفسيره و نسبه إلى قرّاء مكة و الكوفة و أكثر فقهاء الحجاز، و إلى ابن المبارك و الثوري، و اختاره أيضا جلال الدين السيوطي مدّعيا تواتر الروايات الدّالة عليه معنى.
و قال بعض الشافعية و حمزة: إنها آية من فاتحة الكتاب خاصة دون غيرها. و نسبت ذلك إلى أحمد بن حنبل، كما نسبت إليه القول الأول.
و ذهب جماعة منهم: مالك، و أبو عمرو، و يعقوب إلى أنها آية فذّة، و ليست جزءاً من فاتحة الكتاب و لا من غيرها، و قد أنزلت لبيان رؤوس السور تيمناً و للفصل بين السورتين، و هو مشهور بين الحنفية.
غير أن أكثر الحنفية ذهبوا إلى وجوب قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة، و ذكر الزاهدي عن المجتبى أن وجوب القراءة في كل ركعة هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة.
و أمّا مالك فقد ذهب إلى كراهة قراءتها في نفسها، و استحبابا لأجل الخروج من الخلاف» «1» .
و قد نلاحظ في هذه المسألة، أن المشكلة المطروحة التي تخضع لها