کتابخانه روایات شیعه
و من أين يثبت العلم لمن لم يعلم من القرآن الذي عرضوه على رسول الله ص مرارا معنى الأب و الكلالة و غيرهما مما فصل في كتب الجمهور هذا و سيجيء منافي ذكر هذا الرجل للشبهة الثانية من شبه الشيعة ما يزيد المطلوب وضوحا فلا تغفل.
[بيان أن من حارب أمير المؤمنين ع قد مرق من الدين]
قال و من الآيات الدالة على خلافته أيضا قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً فإن قلت يمكن أن يراد بالداعي في الآية النبي ص أو علي ع قلت لا يمكن ذلك مع قوله تعالى قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا و من ثم لم يدعو إلى محاربة في حياته ص إجماعا كما مر و أما علي ع فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة و رعاية حقوقها و أما من بعده فهم عندنا ظلمة و عندهم كفار فتعين أن ذلك الداعي الذي يجب باتباعه الأجر الحسن و بعصيانه العذاب أحد الخلفاء الثلاثة و حينئذ فيلزم عليه خلافة أبي بكر على كل تقدير لأن حقية خلافة الآخرين فرع عن حقية خلافته إذ هما فرعاها الناشئان عنها المترتبان عليها انتهى. أقول قد علم مما قدمنا في تقرير الآية السابقة أن هذه الآية أيضا إنما تنطبق على علي ع في قتاله الطوائف الثلاثة و لو سلم أن مفاد هذه الآية ما فهمه هذا الشيخ الجامد فغاية ما يلزم منه ترتب الثواب على فعل المأمور به في الآية و العقاب على تركه من حيث إنه كان إطاعة أو مخالفة لله تعالى و لا يلزم منه ترتبها على مجرد إطاعة الداعي المذكور في الآية أو على مجرد مخالفته من حيث إنه أطاعته أو مخالفته حتى يلزم منه فضيلة الداعي و كون إطاعته مثلا من حيث إنه أطاعته مستلزما للثواب
و العقاب و كيف يلزم ما ذكر
و قد صح عن النبي ص أن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
و أما ما ذكره من أنه لم يتفق لعلي ع في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة و رعاية حقوقها فبطلانه واضح لأن طلب الإمامة طلب الإسلام لأن الإمامة عندنا من أصول دين الإسلام كما يدل عليه وجوه من الأدلة منها الحديث المشهور المتفق عليه
من قوله ص من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
لظهور أن الجاهل لشيء من الفروع لا يكون ميتته كذلك قال الشريف المرتضى رضي الله عنه قد تعلق أبو علي الجبائي من المعتزلة على عدم كون المراد من الآية من حاربهم أمير المؤمنين ع من أهل الجمل و أهل صفين و أهل النهر بقوله تعالى فيها أَوْ يُسْلِمُونَ و إنهم كانوا مسلمين و أول ما فيه أنهم غير مسلمين عنده و عند أصحابه لأن الكبائر تخرج عن الإسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان إذ كان الإيمان هو الإسلام على مذهبهم ثم مذهبنا في محاربي أمير المؤمنين ع معروف لأنهم عندنا كانوا كفارا لوجوه منها أن من حاربه كان مستحلا لقتله مظهرا أنه في ارتكابه على حق و نحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالإجماع و استحلال دم المؤمن فضلا عن أفاضلهم و أكابرهم أعظم من شرب الخمر و استحلاله فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفارا و منها
أنه ص قال له ع بلا خلاف بين أهل النقل حربك يا علي حربي و سلمك سلمي.
و نحن نعلم أنه لم يرد إلا التشبيه بينهما في الأحكام و من أحكام محاربي النبي ص الكفر بلا خلاف و منها
أنه ص قال له بلا خلاف أيضا اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله.
و قد ثبت عندنا أن العداوة من الله لا تكون إلا للكفار الذين يعادونه دون فساق أهل الملة انتهى فلا يلزم إسلام هؤلاء قطعا و لا ما زعمه من خلافة أبي بكر و أما تعليله لذلك بأن حقية خلافة الأخيرين
فرع خلافتهما إلى آخره فالخلف فيه ظاهر لأنا لا نسلم أصل خلافة أبي بكر فضلا عن كونه أصلا بالنسبة إلى خلافة علي ع و هل هذا إلا مصادرة ظاهرة.
[الاستخلاف في الأرض منطبق على ظهور المهدي ع لا غير]
قال و من تلك الآيات أيضا قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً قال ابن كثير هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق انتهى. أقول لا انطباق له بما قصده أصلا إذ لم يتحقق إلى يومنا هذا تبديل الخوف بالأمن في أكثر الأقطار و لا انتفاء الشرك بالكلية كما يدل عليه قوله تعالى لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً و إنما تنطبق الآية على خلافة المهدي المنتظر ع لما دل عليه الحديث المتواتر المتفق عليه في شأنه من أنه عند ظهوره يملأ الدنيا قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
[عدم شمول آية للفقراء المهاجرين الخ على كل الصحابة]
قال و منها قوله تعالى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وجه الدلالة أن الله سماهم صادقين و من شهد الله سبحانه له بالصدق لا يكذب فلزم أن ما أطبقوا عليه من قولهم لأبي بكر يا خليفة رسول الله صادقون فيه فحينئذ كانت الآية ناصة على خلافته انتهى. أقول فيه نظر ظاهر لأنه قد وصف الله تعالى بالصدق من تكاملت له الشرائط المذكورة فمنها ما هو مشاهد كالهجرة و الإخراج من الديار و الأموال و منها ما هو باطن لا يعلمه إلا الله تعالى و هو ابتغاء الفضل و الرضوان من الله و نصرة الله و رسوله و لا ريب أن الاعتبار في
ذلك ليس بما يظهر بل بالبواطن و النيات و لا نسلم أن المهاجرين الذين أطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم أن يكونوا متصفين بالصدق فيجب على الخصوم أن يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كل من هاجر و أخرج من دياره و أمواله و لا يثبت ذلك إلا بدليل من خارج و وجوده أبعد من وجود العنقاء و نقول بوجه آخر إن أراد أن الآية تدل على صدق المجموع من أمة محمد ص كما استدل به صاحب الشرح المسمى بالتحقيق في أصول الحنفية فهب أن يكون كذلك لكن هذا في الحقيقة يرجع إلى الاستدلال بالإجماع الذي اثبتوا حجيته بهذه الأمة لا بالآية و قد مر أن الإجماع غير ثابت في حق خلافة أبي بكر و إن أراد به صدق بعضهم فلا يفيد إلا إذا ثبت أن ذلك البعض قالوا لأبي بكر خليفة رسول الله و دون إثباته خرط القتاد على أن القول بذلك إنما يجدي لو قصد القائل به الخلافة الحقيقية الإلهية أما لو قصد به المعنى اللغوي و هو مجيء واحد خلف آخر فلا يثبت مطلوبهم كما لا يخفى.
[في الجواب عن ادعاء الفخر الرازي أن أبا بكر رأس الصديقين و رئيسهم]
قال و منها قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال الفخر الرازي هذه الآية تدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا أن تقدير الآية اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم و الله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم عليهم من هم بقوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ و لا شك أن رأس الصديقين و رئيسهم أبو بكر فكان معنى الآية أن الله تعالى أمر أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر و سائر الصديقين و لو كان أبو بكر ظالما لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر انتهى. أقول تسمية أبي بكر بالصديق إنما كان من عند أوليائه الكذابين الذين صدقوه لأغراض لا تخفى على أولي النهى و قصدوا بهذه التسمية ترويج أمره لا من عند الله
تعالى و عند النبي ص فكونه داخلا في الآية غير مسلم و لو ثبت ما زعمه من كون أبي بكر رأس الصديقين و رئيسهم لكفى ذلك في إثبات خلافته و لا حاجة معه إلى انضمام الآية إليه كما لا يخفى.
[تصريح الفيروزآبادي بأن ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات]
قال و أما النصوص الواردة عنه المصرحة بخلافته و المشيرة إليها فكثيرة جدا. أقول إن كان مرجع الضمير في عنه هو أبا بكر كما هو الظاهر فتوجه التهمة و المصادرة إليه ظاهر و إن كان المرجع هو النبي ص فجميع ما روي في شأنه عنه ص موضوعات عندنا لا تنهض أيضا حجة علينا خصوصا و قد ساعدنا في ذلك إمام محدثي أهل السنة و أفضل متأخريهم الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتابه المشهور الموسوم بسفر السعادة حيث قال إن ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبها انتهى فتدبر. قال الأول
أخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال أتت امرأة إلى النبي ص فأمرها أن ترجع إليه فقالت أ رأيت إن جئت و لم أجدك كأنها تقول الموت قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي ص تسأله شيئا فقال لها تعودين فقالت يا رسول الله ص إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي.
أقول لا نسلم صحة الحديث كسائر ما رووه في مدحه و لو سلم جاز حمل الخليفة على المعنى اللغوي كما مر إذ لم يتبين في الحديث أن أمر النبي ص برجوع السائل إليه أولا و إلى أبي بكر ثانيا كان في أمر ديني يتعلق بالخليفة الشرعية فجاز أن
يكون في أمر دنيوي لا اختصاص له بالخلفاء الحقيقية.
[في طرق قول النبي ص: حتى يمضى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش]
قال الثاني
أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله ص يقول يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا.
قال الأئمة صدر هذا الحديث مجمع على صحته وارد من عدة طرق أخرجه الشيخان و غيرهما فمن تلك الطرق
لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش رواه عبد الله بن أحمد بسند صحيح
و منها
لا يزال هذا الأمر صالحا.
و منها
لا يزال هذا الأمر ماضيا رواه أحمد
و منها
لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا.
و منها
أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.
و منها
لا يزال الإسلام عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة رواها مسلم
و منها
للبزار لا يزال أمر أمتي قائما حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش زاد أبو داود فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا ثم يكون ما ذا قال ثم يكون الهرج.
و منها
لأبي داود لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم يجتمع عليه الأمة.
و
عن ابن مسعود بسند حسن أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة فقال سألنا عنها رسول الله ص فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.
[بيان القاضي عياض و صاحب فتح الباري المراد من الاثني عشر خليفة بزعمهما]
قال القاضي عياض لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها إنهم يكونون في مدة عزة الخلافة و قوة الإسلام و استقامة أموره و الاجتماع على من يقوم بالخلافة و قد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية و وقعت بينهم الفتنة في زمن الوليد بن يزيد فاتصلت تلك الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم قال شيخ الإسلام في فتح الباري كلام القاضي هذا أحسن ما قيل في هذا الحديث و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس و المراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته و الذي اجتمعوا عليه هم الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر
الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم على ولده يزيد و لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم على أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام و تخلل بين سليمان و يزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمعوا عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه و انتشرت الفتن و تغيرت الأحوال من يومئذ و لم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية و لخروج المغرب الأقصى عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة و انفطر الأمر إلى أن لم يبق في الخلافة إلا الاسم بعد أن كان يخطب لعبد الملك في جميع أقطار الأرض شرقا و غربا يمينا و شمالا مما غلب عليه المسلمون و لا يتولى أحد في بلد إمارة في شيء إلا بأمر الخليفة و قيل المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق و إن لم يتولوا و يؤيده قول أبي الجلد كلهم يعمل بالهدى و دين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد ص فعليه المراد بالهرج الفتن الكبار كالدجال و ما بعده و بالاثني عشر الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز و قيل يحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين و الطاهر العباسي أيضا لما أوتيه من العدل و يبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل بيت المصطفى ص و حمل بعض المحدثين الحديث السابق على من يأتي بعد المهدي لرواية
ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا ستة من ولد الحسن و خمسة من ولد الحسين ع و آخر من غيرهم.