کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة الناشر]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف بريّته أبى القاسم محمّد و على آله الطيبين الطاهرين.
لا شكّ أنّ القرآن المجيد هو الكتاب الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو الوحي المنزل على خاتم الرسل محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو كتاب الهداية و الرشاد و تبيانا لكلّ شيء و فرقانا بين الحق و الباطل، و هو الذي تحدّى البشريّة على أن تأتي بمثله و لو سورة واحدة و أخبر بعجزها عن ذلك الأمر بقوله «فلم تفعلوا و لن تفعلوا»، و هو أحد الثقلين اللذين تركهما الرسول الأعظم صلوات اللّه عليه و آله في امّته.
و حيث إنّ القرآن الكريم يشتمل على متشابه و محكم و مطلق و مقيّد و ظاهر و باطن و ليس بإمكان أحد التوصّل الى كنه مفاهيمه و تأويلاته إلّا اللّه و الراسخون في العلم و هم أهل بيت الوحي، فإنّهم قاموا سلام اللّه عليهم بتبيين معانيه و ألفاظه و تمييز متشابهه من محكمه و تفسير مبهماته و غوامضه، و من بعد ذلك أخذ علماء الإسلام من مكتب بيت الوحي علوم القرآن و ألّفوا التفاسير الكثيرة كلّ منهم استعرض جانبا أو جوانب مختلفة من المسائل التي بيّنها الكتاب العزيز، و من اولئك المفسّرين العالم الفاضل السيّد شرف الدين عليّ الحسينيّ الأسترآباديّ «قدّس سرّه» و هو تلميذ المحقّق الكركي «رضوان اللّه عليه» صاحب كتاب جامع المقاصد، و قد ذكره العلّامة الكبير و المحقّق الحبير الآغا بزرگ الطهرانيّ في الذريعة عند ترجمته للكتاب قائلا «جمع فيه تأويل
الآيات التي تتضمّن مدح أهل البيت عليهم السلام و مدح أوليائهم و ذمّ أعدائهم من طرقنا و طرق أهل السنّة».
و قد قامت المؤسّسة بطبع هذا السفر المبارك و نشره بعد تصحيحه و مقابلته مع النسخ الخطيّة المختلفة و سرد موارد الاختلاف، و تحمد اللّه على ما وفّقها لنشر هذا الكتاب كما و تشكر سماحة الأستاذ حسين أستاد وليّ على ما بذل من الجهود الكثيرة في إنجاز تحقيق هذا التفسير سائلة المولى جلّ و علا الغفران و الرضوان لمؤلّفه و أن يوفّق المحقّق و إيّاها لبثّ معارف القرآن العظيم إنّه وليّ التوفيق.
مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
[مقدمة المحقق]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حمدا لك يا بارئ النّسم، و مقدّر القسم، الّذي أخرجنا في أفضل الأمم، و أنزل فينا كتابا لنهتدي بما فيه من فنون الأمثال و ضروب الحكم، و جعلنا من المتمسّكين بأوثق العرى و أوفى الذّمم، ولاية عترة نبيّه المفترضة على العرب و العجم.
و صلاة على رسولك المصطفى المختار، و آله المنتجبين الأخيار، الّذين سيماهم سيما الصّدّيقين و كلامهم كلام الأبرار، و على من تابعهم و اقتدى بهداهم من المهاجرين و الأنصار، ما وشّحت كفّ الصّبا السّحّار عواتق القضبان بالأزهار. ثمّ بعدا و سحقا لمن أبغضهم و ناواهم من المنافقين الفجّار، يوم هم يسحبون على وجوههم في النّار.
أمّا بعد: فإنّ القرآن كتاب اللّه الّذي فيه تبيان كلّ شيء، هدى و رحمة للمحسنين، و هو- كما ينبئنا عنه أمير المؤمنين عليه السّلام- «نور لا تطفأ مصابيحه، سراج لا يخبو توقّده، بحر لا يدرك قعره، منهاج لا يضلّ نهجه، شعاع لا يظلم ضوؤه، فرقان لا يخمد برهانه، شفاء لا تخشى أسقامه، فهو معدن الإيمان و بحبوحته، و ينابيع العلم و بحوره، و رياض العدل و غدرانه، و أثافيّ الإسلام و بنيانه و أودية الحقّ و غيطانه.
جعله اللّه ريّا لعطش العلماء، و ربيعا لقلوب الفقهاء، و محاجّ لطرق الصّلحاء، و نورا ليس معه ظلمة، و حبلا وثيقا عروته، و معقلا منيعا ذروته، و هدى لمن ائتمّ به، و آية لمن توسّم، و جنّة لمن استلأم، و علما لمن وعى، و حديثا لمن روى، و حكما لمن قضى» 1 و «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» 2 .
و إنّه كتاب خالد لا يخلق على ماضية الأيّام و خالية الأعوام، بل يكون غضّا طريّا جيّدا يتجدّد بتجدّد الأزمان. و إنّه لمعجزة خالدة هي أمّ المعجزات من وجوه شتّى: من اشتماله على التاريخ الصّحيح، و نهج الاحتجاج القويم، و الاستقامة و السّلامة من الاختلاف و التّناقض، و بنائه التّشريع العادل و نظام المدنيّة الفاضلة و التّربويّة الصالحة، و من احتفاله بالسّجايا الكريمة و الخلق العظيمة، و إخباره بالغيب، و شموله دقائق المعارف و أحوال المبدأ و المعاد، و حظّه الكامل من الفصاحة و البلاغة في أقصى الغاية، و تحدّيه مصاقع البلغاء و الفصحاء من العرب العرباء مع كثرتهم كثرة رمال الدّهناء، و حصى البطحاء، و شهرتهم بغاية العصبيّة و حميّة الجاهليّة، و تهالكهم على المباهاة و المباراة، و الدّفاع عن الأحساب و ركوب الشّطط في هذا الباب، فعجزوا حتّى آثروا المقارعة على المعارضة، و بذلوا المهج و الأرواح دون المدافعة، إلى غير ذلك من وجوه الإعجاز.
و مع ذلك كلّه «إنّما هو خطّ مستور (مسطور) بين الدّفّتين، لا ينطق بلسان، و لا بدّ له من ترجمان، و إنّما ينطق عنه الرّجال» 3 . ثمّ إنّه لا يخلو من «آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ» 4 ، «فكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب اللّه كما يزخرف الدّرهم النّحاس بالفضّة» 5 ، و هكذا شأن القرآن، و من جرّاء ذلك يظهر مسيس الحاجة إلى التّفسير و البيان.