کتابخانه روایات شیعه

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

رسالة في المهر


صفحه قبل

رسالة في المهر، ص: 3

[مقدمة التحقيق‏]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

المهر- في اللغة-: ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتمّ عقد زواجه بها، يقال: مهر المرأة: عيّن و سمّى لها مهرا، و يقال: أمهرها: أعطاها المهر.

و تعيين المهر للزوجة سنّة بشريّة قديمة، لوحظ وجودها عند أكثر الأمم و الشعوب، و في أقدم الحضارات البائدة و الباقية.

و مهما كانت أهداف الالتزام به عند البشر:

- هل هو التعبير عن قدرة الزوج على إدارة الزوجة و إعاشتها، حيث يقدّم لها هذا المال، فيكشف عن امتلاكه «المهارة» التي تعني الدقّة و الحنكة و التدبير الأمور؟ كي يحصل على الأموال؟!

- او هو إبراز لمشاعر الحبّ و الودّ و الغرام الصادق، بتقديم أثمن ما يمتلكه الإنسان، ليرمز الى تضحيته به على طريق مشاعره تلك؟

- أو هو توفير ماليّ لمستقبل الزوجة حتّى تطمئنّ عليه، يقدّمه لها الزوج، لتعيش معه بهدوء خاطر و راحة بال، حيث تجده يرفع اليد من أجلها عن أنفس ما يتنافس عليه الناس؟

رسالة في المهر، ص: 4

- أو هو ترفيع لحرمة الأعراض، أن لا يستهان بها، و لا تبتذل بأرخص الأهواء و الشهوات، بينما لها هذه العزّة و الكرامة؟

فمهما تكن من هذه الأسباب أو غيرها، فإنّ هذه العادة قد أصحبت من الملتزمات و الأعراف الطيّبة المحمودة عند كافّة الناس، سواء أصحاب الأديان و الشرائع، أم غيرهم.

و الديانات السماوية أقرّتها، و لم تعارضها كذلك، إلّا أنّ الإسلام- دين الحضارة و المدنية- قد نظّمها، و أضاف عليها عنصر الأهداف السامية التي يبثّها في كلّ تعاليمه و معاملاته ...

فمثلا: نجد أنّ المهر ربما يكون في الشريعة من غير الأموال و لا الأعيان و البضائع، و إنّما مجرّد أمر معنوي و فكري و أدبيّ مثل تعليم القرآن للمرأة!

و قد يكون إطلاق لفظ المهر على مثل هذا خاصّا بالشريعة الإسلاميّة.

و كذلك تعليم معالم الدين، و المهارات و الحرف، و غير ذلك ممّا يمكن التراضي به، كما يمكن توفيق تلك الاهداف معه أيضا.

أما من حيث الكميّة، فلم يحدّد الإسلام للمهر حدّا معيّنا من حيث الكثرة و القلّة، بل المدار فيه هو رضا الزوجين، فمتى تراضيا على شي‏ء- مهما كان- فهو المهر.

و جاءت هذه الحقيقة على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام، بقولهم:

«إنّ المهر ما تراضى عليه الناس».

و هذا النصّ مطلق في ظاهر لفظه، يشمل جميع أنواع النكاح: الدائم منه و المنقطع- الذي يسمّى بالمتعة-

و بالرغم من ظهوره في الإطلاق فإنّ بعض الفضلاء ممّن عاصر الشيخ‏

رسالة في المهر، ص: 5

المفيد خصّ هذا النصّ بعقد المتعة، دون غيره من النكاح.

و لم يذكر في كلام الشيخ المفيد- و لا غيره- ما يعرف به هذا الشيخ الفاضل، إلّا انّ الذي يظهر من كلام الشيخ المفيد هو مزيد العناية به، حيث قال فيه: ذلك الشيخ الفاضل ... و هذا غلط عظيم من أمثاله، مع ما يرجع إليه من العلم و الفهم ... من تربّى في رياض العلم، و يشار إليه فيما يفتيه من غوامض المسائل في الحلال و الحرام.

و يقول- في آخر الكلام-: و لا يخلو قوله من وجهين: إمّا أن يكون زلّة منه، فهذا يقع من العلماء، فقد قال الحكيم: «لكلّ جواد عثرة و لكل عالم هفوة»، و أمّا أن يكون قد اشتبه عليه، و لو كان هذا من غيره ممّن يتزيّى بزيّ أهل العلم لظنّنا أنّ غرضه ممّا أجاب و أفتى به خلاف أهل العلم و الفقه، و قلنا: إنّ مثل هذا- أكثره- يقع من جهة الاستنكاف من الرجوع فيما يشتبه عليه إلى أهل الفضل و الفقه، و حاشاه أن يكون بهذه الصفة!

إنّ تصدّي الشيخ المفيد للاعتذار لذلك الفاضل بهذه العبارات يدلّ- بلا ريب- على أنّه معترف بفضله، و يكنّ له التقدير و الاحترام.

كما أنّ الشيخ المفيد لم يذكر في هذا الكتاب الوجه الذي دعا هذا الشيخ الفاضل إلى ذلك القول و تخصيصه ذلك الحديث بنكاح المتعة فقط.

و أظنّ أنّ الذي دعاه إلى ذلك ما وجده في بعض أحاديث الباب، من رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: كم المهر- يعني في المتعة-؟ فقال: ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل.

رواه الشيخ الطوسيّ في التهذيب (ج 7 ص 260) الحديث (52).

فظاهر هذا الحديث أنّه خاصّ بالمتعة، لقوله: «يعني في المتعة» و لذكره‏

رسالة في المهر، ص: 6

«الأجل» الذي لا يكون مع النكاح الدائم.

فدلّ على ان كفاية ما يقع عليه التراضي في المهر خاصّ بعقد المتعة، و بهذا الحديث تقيّد الروايات المطلقة الواردة في الباب!

لكنّ هذا ليس صحيحا، لأنّ التقييد بالمتعة بقوله «يعني في المتعة» إنّما جاء في سؤال الراوي، و لازم ذلك أن يكون إنّما خصّ سؤاله عن المهر في عقد المتعة؟ فلذا أجابه الإمام عليه السلام بذكر الأجل.

ثمّ إنّ التقييد إنّما يتحقّق إذا صبّ الحكم- في مورد- على المقيّد بحيث يكون بيانا للمطلق، و مخرجا له عن شيوعه، بأن يظهر منه عدم إرادة غير المقيّد من أفراد المطلق.

و ليس مجرّد تطبيق الحكم على المقيّد كافيا في التقييد، لأن ذلك هو مقتضى الإطلاق أيضا، فلا ينافيه حتّى يرفعه.

و الأمر في المقام، من قبيل التطبيق، حيث أنّ الإمام عليه السلام إنّما طبق حكم المطلق، و هو كفاية ما وقع عليه التراضي، على مورد عقد المتعة الذي ورد في سؤال الراوي، و أضاف إليه ما هو لازمه من ذكر الأجل‏

و قد ذكر الشيخ المفيد إطلاق الحديث، و استند لإثباته الى رواية اخرى جاء فيها التصريح بقوله: «الصداق كلّ ما تراضيا عليه في تمتّع أو تزويج غير متعة».

لكن لم يرد في كلامه ذكر عن ما افترضناه من احتمال التقييد، و لا الجواب عنه.

صفحه بعد