کتابخانه روایات شیعه
كافي (ط - دار الحديث)
[الجزء الأول]
إرشادات و توجيهات سماحة آية اللَّه السيد موسى الشبيري الزنجاني (دامت بركاته)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قد سألني بعض المشرفين على تصحيح كتاب الكافي الشريف في مؤسسة دارالحديث عن المنهج الصحيح في تصحيح هذا الكتاب و كيفية نقل نسخه المختلفة، فرأيت من المناسب الإشارة إلى نكت تنبغي مراعاتها في تصحيح الكتب الحديثيّة خصوصاً هذا الكتاب:
1. بعد اختيار النسخ المعتبرة، من الضروري نقل جميع نسخ البدل التي يحتمل صحّتها حتى و إن لم يكن لها تأثير على المعنى على ما يبدو. نعم يتحاشى عن نقل النسخ الخاطئة التي يكون خطؤها واضحاً جليّاً و لا تترتّب فائدة على نقلها، و أمّا الاختلافات الاخرى فاللازم نقلها لما يلي:
أ. قداسة كلام المعصومين عليهم السلام و أهميّته الفائقة تستدعي الحفاظ على ألفاظ الحديث قدر الإمكان، و لهذا يلزم نقل كل ما يحتمل صدوره عن تلك الشخصيات العظيمة.
ب. نقل بعض النسخ دون غيرها- و الذي يكون على أساس استنباط مصحّح الكتاب- يوجب الحطّ من قيمة الكتاب، كما يسدّ الطريق على بقية الباحثين، فمن الممكن أن يستظهر بعض الباحثين صحّة نسخة اخرى غير ما اوردت في المتن، فمن دون نقل النسخ المعتبرة لا تتهيّأ الأرضية لأمثال هذه الأبحاث.
ج. النسخ التي تبدو أنّها غير مؤثّرة على المعنى لأوّل وهلة، قد تكون مؤثّرة عليه عند البحث الدقيق.
2. من المفيد ذكر بعض الأمثلة للاختلافات التي يبدو عدم تأثيرها على المعنى، مع أنّ الواقع بخلافه:
أ. في كتابة اسم «محمّد بن علي بن الحنفية» ربما يغفل عن وجود الفرق بين كتابته بهذا الشكل أو بالشكل التالي: «محمّد بن علي ابن الحنفية» (أي بالألف)، مع أنّ «ابن الحنفية» في العنوان الثاني وصف لمحمّد لا لعلي، و بما أنّ «الحنفية» ليس اسماً لُامّ علي عليه السلام بل هو وصف لُامّ محمّد، فالصحيح أن يكتب «محمّد بن علي ابن الحنفية» بالألف.
و بهذا تتبيّن أهمّية ذكر الاختلافات في مثل ذلك فيما لو وردت كلتا العبارتين في النسخ المخطوطة.
ب. المثال الآخر شبيه بالمثال السابق و هو عنوان «أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقدة» فاللازم إثبات الف ابن- قبل عقدة- حيث أنّ «عقدة» لقب محمّد (والد أحمد) و ليس اسماً لوالد سعيد كما يبدو لأوّل وهلة، فلو حصلنا على نسخة لهذا العنوان مع إثبات الألف فاللازم الاهتمام بها.
ج. نقرأ في باب أصحاب الصادق من كتاب رجال الشيخ الطوسي (ص 133، الرقم 1376/ 55) العبارة التالية: «الحجّاج بن أرطاة أبو أرطاة النخعي الكوفي، مات بالري في زمن أبي جعفر» و قد نقله الشيخ المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال، ج 18، ص 11 مضيفاً إلى أبي جعفر عبارة «عليه السلام» فاعترض عليه في قاموس الرجال، ج 3، ص 110 بقوله:
«ليس في رجال الشيخ رمز «عليه السلام» و كيف؟ و المراد بأبي جعفر فيه المنصور، لا الباقر عليه السلام ...».
ففي النظر البدوي قد يتصوّر عدم أهمّية نقل اختلافات النسخ في التحيات، و لكن بالنظر الدقيق تظهر أهمّية نقلها، و لهذا نلاحظ في إحدى نسخ الاستبصار (التي تمّ مقابلتها على نسخة المؤلّف) الخط على لفظة «عليه السلام» غالباً؛ لعدم وجودها في النسخة الأصلية.
3. يهتمّ الفقهاء و المحدّثون بذكر اختلاف النسخ، حتى أنّهم قد يشيرون إلى اختلاف نسخ الحديث بالواو و الفاء (على سبيل المثال راجع: روضة المتقين، ج 3، ص 277؛ و ج 4، ص 546؛ مرآة العقول، ج 4، ص 285؛ الرسائل الأحمدية، ج 1، ص 187)، بل ربما يبدون هذا الاهتمام في اختلاف نسخ الكتب الفقهية (جامع المقاصد، ج 4، ص 55؛ و ج 11 ص 130؛ و مسالك الأفهام، ج 5، ص 246؛ جواهر الكلام، ج 19، ص 32) و من الثمرات المترتّبة على هذا الاختلاف في متن الحديث أنّ لفظ الحديث إذا كان بالفاء ربما أمكن استفادة الحكم العام من التعليل، و إذا ما ابدلت الفاء واواً لم يبق ما يدلّ على ذلك.
4. من مشاكل النقل في بعض الجوامع الحديثيّة هو عدم إشارتها إلى جميع اختلافات نسخ الحديث و مصادره، ففي وسائل الشيعة لا تذكر غالباً اختلافات الكتب الأربعة في نقل الرواية فضلًا عن غيرها من الكتب، و في جامع أحاديث الشيعة تذكر خصوص اختلافات الكتب الأربعة في نقل الرواية دون غيرها من المصادر، فالاعتماد على هذه الجوامع في نقل
الرواية و عدم الرجوع إلى أصل المصدر ربما يصير سبباً لاستنتاج خاطئ، فمثلًا وردت هذه الفقرة في الصحيحة الثانية لزرارة: «قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا ...» فربما استنتج منها عدم لزوم الفحص- حتى اليسير منه- في الشبهات الموضوعية، إلّاأنّ هذا الاستنتاج- على فرض صحّته- مبني على هذه النسخة، مع أنّ الرواية وردت في علل الشرائع، ج 2، ص 361، و فيها بعد عبارة «أنظر فيه» زيادة قوله:
«فاقلبه» و لا يصحّ الاستنتاج المتقدّم بناء على هذا النقل، كما هو ظاهر.
راجع: وسائل الشيعة، ج 3، ص 46، ح 4192، باب 37 من أبواب النجاسات، ح 1؛ جامع أحاديث الشيعة، ج 2، ص 165، ح 1588، باب 23 من أبواب النجاسات، ح 6.
5. ربما كان الالتفات إلى النسخ الخاطئة نافعاً في معرفة أصل العبارة و كيفية تبديلها إلى النسخ الخاطئة الموجودة بالفعل، و هذه الفائدة تظهر في أسماء الرواة بشكل أجلى، و توضيح ذلك خارج عن نطاق هذا المختصر و لهذا كان من اللازم التوسّع أكثر في بيان اختلاف النسخ فيما يخصّ الأسناد؛ من أجل فتح الباب أكثر أمام الباحثين في هذا المجال.
6. إذا أردنا عرض كتبنا الحديثة بشكل مناسب على المستوى العالمي فنظراً لاهتمام المستشرقين بنسخ البدل و ما ورد في مخطوطات الكتب، فإنّ استعراض نسخ البدل بشكل مفصّل سيكون ذا أهمّية بالغة و حيوية و ستضفي على الكتاب قيمة أكثر و لا تحطّ من قيمته و أهمّيته تباتاً.
7. ما ذكرناه من النقاط إنّما هو فيما يتعلّق بنشر الكتب الحديثيّة ك الكافي لانتفاع الباحثين و أهل التحقيق بها، و أمّا عامّة الناس فلا ينتفعون بنشرها بهذا الشكل، و لهذا فمن المناسب أن يطبع الكافي بشكلين مختلفين: أحدهما مشتمل على بيان اختلاف النسخ كلّها إلّا النسخ الواضحة الفساد التي لا يترتّب على نقلها فائدة. ثانيهما طبعة مقصورة على النسخة المختارة من النسخ.