کتابخانه روایات شیعه
تقديم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، و أفضل الصلاة و أتمّ السلام على سيّدنا و نبيّنا محمد و آله الطيّبين الطاهرين.
العلماء الحلبيّون و النهضة الفكريّة
ممّا يميّز القرن الرابع الهجري أنّه شهد نهضة إسلاميّة واسعة، قادها زعماء و علماء شيعة ... و قد شملت أهمّ مناطق الدولتين الحاكمتين في ذلك الوقت العبّاسيّة و الفاطميّة، و امتدّت آثارها إلى ما بعدهم .. خاصّة في المجال الفكري الثقافي.
و يظهر ذلك واضحا في مؤلّف المستشرق السويسري آدم متز الّذي رصد فيه جوانب الحضارة الاسلاميّة في هذا القرن المزدهر، و وثّق تصاويره لها بمصادر عديدة، و سمّاه (الحضارة الاسلاميّة في القرن الرابع).
و من معالم هذه النهضة دولة الحمدانيّين في حلب، و دولة بني عمّار في طرابلس الشام، و دولة طلائع بن رزيك في مصر ... و ما أدّاه تحالف هذه الدول من نجاحات باهرة في ردّ غزوات الروم الشرقيّين، و من آزرهم و ورثهم من الروم الغربيّين.
و من معالمها الثقافيّة علماء الشيعة النابغون، الّذين تجد في مؤلّفاتهم غزارة علميّة و تجديدا، حتى يصحّ القول إنّهم بأفكارهم و إبداعاتهم استوعبوا عصرهم و سبقوه.
صحيح أنّ علماء حلب كانوا تلاميذ مدرسة بغداد الفكريّة بريادة المحدّث الكليني، الّذي كان كتابه الكافي ينسخ أجزاء، و تدرّس أجزاؤه في مسجد براثا و مدارس الشيعة في بغداد و غيرها، و الشيخ الصدوق، الّذي كان يزور بغداد فيلقي دروس الحديث و يحاضر و انتشرت مؤلّفاته فيها، و الشيخ المفيد، الّذي ألّف من الرسائل و الكتب عشرات، و خرّج من التلاميذ الوفا لا مئات، و السيّد المرتضى، الّذي أسّس المدارس و وسّع الجهاز الديني و أرسل الوكلاء و أجاب على الأسئلة من مناطق التشيّع القريبة و البعيدة، و الشيخ الطوسي، الّذي تسلّم مرجعيّة الشيعة في عهد سيطرتهم و نفوذهم .. إلى زمن السلاجقة
و حملات اضطهادهم للشيعة ... صحيح أنّ هؤلاء العظماء أساتذة العلماء من بلاد حلب و الشامات ... لكن من السهل أن ترى أنّ علماء حلب أيضا مراجع في الفكر الشيعيّ، محترمون لدى أساتيذهم و زملائهم من بغداد و الريّ و غيرها .. و أن تلمس منهجا تجديديّا تميّز به علماء حلب في تآليفهم العقيديّة و الكلاميّة. و لعلّ لتنوّع الطوائف في بلادهم، و ذلك الصراع و الاحتكاك بين المسلمين و الروم كان عاملا في ذلك النبوغ و التجديد العلمي، الّذي ورثه منهم علماء جبل عامل.
أبو الفتح الكراجكي
: و العلّامة الكراجكي قدّس سرّه، واحد من كبار علماء المدرسة الحلبيّة ... فقد درّس في بغداد و حلب، و سكن في الرملة بفلسطين، و توفّي في مدينة صور من لبنان، و عاش ما بين هذه المناطق و مصر .. و ألّف في علوم متعدّدة كتبا يفتخر بها التراث العربي و مذهب أهل البيت عليهم السلام.
و كتابه هذا (التعجّب من أغلاط العامّة في مسألة الامامة) يدلّ على سعة اطّلاعه، و موقعه في حركة البحث الّتي كانت تقع بين أتباع أهل البيت عليهم السلام و مخالفيهم ...
فقد طلب إليه أحد المؤمنين أن يوسّع ما كتبه الشيخ المفيد رحمه اللّه في تناقضات المخالفين في مسائل العقيدة و التفسير و الفقه، حتى يصير ذلك دليلا على التناقض في المنهج و الاصول الّتي بنوا عليها مذهبهم، و ابتعدوا به عن أهل بيت النبوّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم.
و إذ اقدّم لهذا الكتاب بهذه الكلمات ... أشكر اللّه تعالى على إعداده للطباعة بحلّة جديدة، و تحقيق نسخه و مصادر أقواله، حيث نهض بذلك الباحث الفاضل فارس حسّون كريم، جزاه اللّه خيرا عن تراث أهل البيت الطاهرين، و صلوات اللّه عليهم في البدء و الختام.
حرّره في قم المشرّفة رابع ذي القعدة الحرام 1421 علي الكوراني العاملي
الأهداء
إلى من كتب اللّه بعظمته منشور ولايته إلى من ختم الباري بعنايته توقيع خلافته إلى من فرض الحقّ إمامته على كافّة بريّته (علي بن ابي طالب عليه السّلام) سيّد الوصيّين، و زوج سيّدة نساء العالمين اقدّم عملي هذا مادّا إليه يدي راجيا أن ينهضني من كبوتي، و ينقذني من هفوتي، بعلوّ مبانيه، و سموّ معانيه فارس