کتابخانه ادبیات عرب
الجزء الأول
بسم اللّه الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السّلام على آله و صحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فقد حظيت مؤلفات ابن مالك رحمه اللّه من اهتمام العلماء، دراسة و شرحا و تعليقا، قديما و حديثا- بما لم تحظ به مصنفات غيره، و تنافسوا في تقديم مصنفاته للمتعلمين بأيسر الطرق و أسهلها.
و لعلّ انقطاع ابن مالك للعلم، و صلاح نيته و إخلاصه، و ما رزق من توفيق اللّه، و من سهولة الأسلوب، و قرب المأخذ، و تفرغه للعلم و التعليم، كان سببا في تميز مؤلفاته، و إقبال الناس عليها.
و في مقدمة ما اهتم به العلماء من مؤلفاته: (الخلاصة) المشتهرة بالألفية، فقد أقبلوا عليها حفظا، و دراسة، و شرحا، و إعرابا، و تيسيرا لطلاب العلم في مختلف العصور حتى يومنا هذا، فهي لا تزال تدرّس في الجامعات و الكليات المتخصصة، من خلال شروحها المتعددة التي زادت على الخمسين 1 ، فضلا عن النظم و الاختصار و الحواشي على تلك الشروح التي زادت
على العشرين حاشية 2 ، و من تلك الشروح شرح ابن الوردي الموسوم ب: (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة) الذي نحن بصدد دراسته و إخراجه للقراء و الدارسين.
و قد تعرّفت على ابن الوردي و مؤلفاته من خلال دراستي لكتابه (شرح التحفة الوردية) فوجدته عالما فذّا، و أديبا متميزا، له أسلوبه الخاص في طرح القضايا النحوية و الصرفية، و لم تحظ مؤلفاته في اللغة بالنشر، لغلبة شهرته الأدبية على غيرها. لذا عقدت العزم على متابعة دراسة ما أمكن لي من مؤلفاته، و إخراجها للقراء و محبي العربية، فكان أن اطلعت في أثناء عملي في شرح التحفة على شرحه ألفية ابن مالك، و ما يتميّز به هذا الشرح من الوسطية في تناول أبيات المنظومة، فتح به مغلقها، و فصّل مجملها، و قيّد مطلقها، فلا هو بالطويل الممل، و لا بالمختصر المخل، مما يحتاجه طالب العلم، فيشفي غلته، و يشبع نهمته، إضافة لما يتميز به من سهولة العرض، و نصاعة الأسلوب، فهو الأديب العالم، البارع في جميع فنون عصره، إضافة إلى أن ابن الوردي من أوائل شرّاح الألفية.
كل ذلك شجعني على دراسة هذا الكتاب الجليل و نشره، و ضمه إلى ما سبقه من شروح الألفية الثلاثة عشر التي نشرت حتى الآن؛ ليستفيد منه العالم، و ينهل منه المتعلم.
و إذا كان لاسم الكتاب دلالة على مضمونه، فإن ابن الوردي قصد إلى ذلك عند ما سمّى شرحه للخلاصة ب (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة) فقد برز في عمله هذا المعنى، فهو لا يقف في شرحه عند تحليل ألفاظ الخلاصة و عباراتها كما فعل كثير من شرّاحها، بل تجاوزه إلى الاستدراك على عبارات الناظم، و وضع البديل، و إكمال ما يراه من نقص تدعو الحاجة إليه، بما يضيفه من شروط و محترزات، و تتمات، إضافة إلى مناقشة بعض المسائل النحوية و الرد على الناظم و ابنه في شرحه لألفية والده.
و قد تمت دراسة هذا العمل الجليل من خلال ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الدراسة و تشتمل على فصلين:
الفصل الأول: ابن الوردي: حياته و آثاره.
الفصل الثاني: دراسة الكتاب، و تشمل: منهجه في الشرح، مصادره، استدراكاته على آراء ابن مالك في الألفية و غيرها، و كذا على شرح ابن الناظم، ثم مذهبه النحوي، و توثيق اسم الكتاب.
القسم الثاني: إلمامة مختصرة عن ابن مالك: حياته و آثاره.
القسم الثالث: تحقيق كتاب (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة)
و يشمل: مقدمة التحقيق، وصف نسخ الكتاب، عملي في التحقيق.