کتابخانه ادبیات عرب
و على الكوفية: قام و قعدا أخواك، و رأيت و أكرمتهما أبويك، و ضربني و ضربتهما الزيدان.
يشهد للبصريين: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً، هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ و قوله:
و كمتا مدمّاة كأنّ متونها
جرى فوقها و استشعرت لون مذهب
و مثله:
و لكنّ نصفا إن سببت و سبّني
بنو عبد شمس من مناف و هاشم
و يشهد للكوفيين قوله:
إذا هي لم تستك بعود أراكة
تنخّل فاستاكت به عود إسحل 212 »
كما أنه ذكر رأي عدد من العلماء المخالفين لجمهور البصريين و الكوفيين، فيؤيد الرأي حينا و يردّه حينا، و يعرضه أحيانا دون تعليق، و مما اختار من آراء سيبويه:
1- قوله في أفعال المقاربة: «و الأصح أنّ كاد مثل كرب؛ لأنّ سيبويه لم يذكر في كرب إلّا تجريدها، كقوله:
كرب القلب من جواه يذوب
حين قال الوشاة هند غضوب 213 »
2- و كقوله في (نعم ما و بئس ما): «و قد قيل في (ما) من نحو: نعم ما يقول الفاضل، و بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: إنه
يجوز أن تكون نكرة موصوفة في موضع نصب على التمييز مفسّرة لفاعل الفعل قبلها، و أن تكون موصولة في موضع رفع بالفاعلية وفاقا لسيبويه، بدليل قول العرب: بئسما تزويج لا مهر، فتزويج مبتدأ خبره بئسما و (ما) فيه فاعل 214 ».
3- و قوله في (حبذا): «و الفاعل (ذا) وفاقا لسيبويه، و خلافا للمبرد و ابن السراج، حيث قالا: حبّ و ذا، ركّبا و جعلا اسما مرفوعا بالابتداء 215 ».
4- و قوله فيما كان على (فعال): «و منه ما عدل إلى فعال في سبّ المؤنث، كيا خباث، و لكاع، و فساق، و هو مقيس عند سيبويه في وصف من ثلاثي، و يجب كسره تشبيها بنزال.
و قاس أيضا بناء فعال أمرا من ثلاثي كنزال و حذار 216 ».
5- و قال في ترخيم العلم المركب تركيبا إسناديّا: «و يرخّم العلم المركب ... مع قلّة، المركب إسنادا، كتأبّط، في تأبط شرّا. (و ذا عمرو) هو سيبويه، نقله فلا التفات إلى من منعه 217 ».
و مما ردّ من آراء سيبويه إمام البصريين:
1- قوله في الاستثناء: «و سوى و سواء لغتان في سوى، و الأصح أنها مثل غير خلافا لسيبويه فإنه جعلها ظرفا غير متصرف، و لا شكّ أنها تستعمل ظرفا مجازا، فيقال: رأيت الذي سواك، كما يقال رأيت الذي مكانك 218 ».
2- و قوله في الباب نفسه: «و خولف سيبويه حيث التزم حرفية حاشى، و فعليّة عدا 219 ».
3- و قوله في تعدّي الفعل و لزومه: «النوع الثاني: مطّرد، و هو في التعدية إلى (أن و أنّ)، بشرط أمن اللبس، نحو: عجبت أن يدوا، أي: من أن يغرموا الدّية، و محلّهما بعد الحذف عند الخليل جرّ، و عند سيبويه نصب، دليل الخليل قوله:
و ما زرت ليلى أن تكون حبيبة
إليّ و لا دين بها أنا طالبه
بجرّ دين، و هو معطوف، فعلم أنّ محلّه جرّ 220 ».
4- و قوله في (الفاعل): «و حكم المقصود به الجنس في اختيار الحذف حكم المفصول بإلّا، كنعم الفتاة. و أغرب سيبويه فحكى أنّ بعض العرب يقول: قال فلانة. بحذف التاء دون فصل أو غيره ممّا تقدم 221 ».
5- و قوله في نائب الفاعل: «و لا ينوب بعض هذه إن وجد مفعول به عند سيبويه، و أجازه الأخفش و الكوفيون و احتجوا بقراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون و بنحو قوله:
لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا
و لا شفى ذا الغيّ إلّا ذو هدى 222 »
6- و قوله في المعرب و المبني: «و قد يستعمل باب سنين مثل حين، فيعرب بالحركات على النون منوّنة، لا تسقطها إضافة، و هي لغة مطردة، حكاها جماعة منهم الفراء، دليله قول الشاعر:
دعاني من نجد فإنّ سنينه
لعبن بنا شيبا و شيّبننا مردا
و في الحديث على بعض الروايات: «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف 223 ».
ما يوهم أنها آراء نحوية لابن الوردي:
قد تشعر بعض عبارات ابن الوردي بأن ما يذكر من مخالفة لرأي جمهور المدرستين البصرية و الكوفية و غيرهم من العلماء المتأخرين، يعدّ رأيا ينفرد به، و ليس مسبوقا إليه، إلا أنّ المطلع على شرحه للألفية، يظهر له جليّا أنه في كل أقواله تلك، ما هو
إلا تابع لمن سبقه، و هذه سمة علماء القرن الثامن و ما بعده، فقد تبعوا من سبقهم في القضايا النحوية، و اقتصروا على الاختيار و الترجيح، و من ذلك:
1- قوله في (اسم الإشارة): «و قول من زعم أن المقرون بالكاف دون اللام للمتوسط، و بهما للبعيد تحكّم لا دليل عليه.
فلاسم الإشارة إذا رتبتان: قرب و بعد 224 ».
و ممن سبقه إلى هذا القول ابن الناظم في شرح الألفية قال:
«و زعم الأكثرون أن المقرون بالكاف دون اللام للمتوسط، و أن المقرون بالكاف مع اللام للبعيد، و هو تحكم لا دليل عليه، و يكفي في ردّه أن الفراء حكى أن إخلاء ذلك و تلك من اللام لغة تميم 225 ».
2- و قوله في حذف أحد مفعولي (ظنّ): «و يقتصر على أحد المفعولين إن دلّ دليل، و إن منعه أكثر النحويين بدليل: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ تقديره: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بخلهم هُوَ خَيْراً لَهُمْ ف (هو) فصل 226 ». و قد ذكره الناظم في قوله:
و لا تجز هنا بلا دليل
سقوط مفعولين أو مفعول 227
و فصل ذلك ابن الناظم عند شرحه لهذا البيت 228 .
3- و قوله في (الفاعل): «فلو كان الفاعل متلبّسا بضمير المفعول وجب عند أكثر النحويين تأخيره، نحو: زان الشجر نوره وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ و أجازه بعضهم، و الحقّ أنه قليل، كقوله:
كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد
و رقّى نداه ذا الندى في ذرى المجد
و مثله:
و لو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا
من الناس أبقى مجده الدهر مطعما 229 »
قال ابن الناظم: «فلو كان الفاعل متلبسا بضمير المفعول وجب عند الأكثرين تأخير المفعول، نحو: زان نوره الشجر ...، و منهم من أجازه ...، و الحق أن ذلك جائز في الضرورة، و لا غير 230 ». و أورد ثلاثة شواهد منها، منها شاهدا ابن الوردي.
4- و قوله في اشتغال العامل: «الثاني: لازم الرفع؛ و ذلك حيث يتقدم على الاسم مختصّ بالابتداء، كإذا المفاجأة، نحو:
خرجت فإذا زيد يضربه عمرو.
و كثير من غفل عن هذا و أجاز النصب، و لا سبيل إلى جوازه؛ إذ لم تولها العرب إلّا مبتدأ 231 ».
و هذه عبارة ابن الناظم، قال: «و قد غفل عن هذا كثير من النحويين فأجازوا خرجت فإذا زيدا يضربه عمرو، و لا سبيل إلى جوازه 232 ».
5- و قوله في التمييز: «و يجب نصبه إذا فصل بإضافة نحو:
زيد أكرم الناس رجلا و أفضلهم، فليتنبّه لهذه القاعدة فهي من المغفول عنها عند الأكثر 233 ».
ذكر هذه المسألة ابن الناظم فقال: «فلو أضفت أفعل إلى غير المييز قلت زيد أكرم الناس رجلا و أفضلهم عالما بالنصب لا غير 234 ».
6- و قوله في (مع): «و زعم بعضهم أنها حرف إذا سكّنت، و ليس بصحيح 235 ».
و هذه عبارة ابن الناظم 236 .