کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و إن البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شيء وصلت إليه منها و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قوم أمرا بغير الحق و تأولوه 1485 على الله جل و عز فأكذبهم و متعهم قليلا ثم اضطرهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ فاحذر يوما يغتبط فيه من حمد عاقبة عمله و يندم فيه من أمكن الشيطان من قياده [و لم يحاده] 1486 و غرته الدنيا و اطمأن إليها ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقد علمت أنك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ فقد أجبنا القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا و من لم يرض بحكم القرآن فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً 1487 فكتب معاوية إلى علي ع أما بعد عافانا الله و إياك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و ألفة بيننا و قد فعلت الذي فعلت و أنا أعرف حقي و لكني اشتريت بالعفو صلاح الأمة و لم أكثر فرحا بشيء جاء و لا ذهب و إنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا و بينك فإنه لا يجمعنا و إياك إلا هو نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام 1488 .
قال نصر فكتب علي ع إلى عمرو بن العاص يعظه و يرشده
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها و لن يصيب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغ 1489 و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أبا عبد الله أجرك و لا تجار معاوية في باطله و السلام فكتب إليه عمرو الجواب أما بعد أقول فالذي 1490 فيه صلاحنا و ألفتنا الإنابة إلى الحق و قد جعلنا القرآن بيننا حكما و أجبنا إليه فصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة و السلام.
فكتب إليه علي ع أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي و انتفعت منها بما وعظت به و السلام 1491 فأجابه عمرو أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن إماما و دعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن فإنا غير منيليك إلا ما أنالك القرآن و السلام..
قال نصر و جاء الأشعث إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين ما أرى الناس إلا قد رضوا و سرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن
فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد و نظرت ما الذي يسأل قال فأته إن شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأي شيء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به فيها 1492 فابعثوا رجلا منكم ترضون به و نبعث منا رجلا و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله و لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث هذا هو الحق.
و انصرف إلى علي ع فأخبره فبعث علي ع قراء من أهل العراق و بعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوا 1493 و اجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن و يميتوا ما أمات القرآن و رجع كل فريق إلى صاحبه فقال أهل الشام إنا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد قد رضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي ع فإني لا أرضى بأبي موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و زيد بن حصين و مسعر بن فدكي في عصابة من القراء إنا لا نرضى إلا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه فقال علي ع فإنه ليس لي برضا و قد فارقني و خذل الناس عني و هرب مني حتى أمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا و الله ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس و لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر قال علي ع فإني أجعل الأشتر فقال الأشعث و هل سعر الأرض علينا إلا الأشتر و هل نحن إلا في حكم الأشتر قال علي ع و ما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتى يكون ما أردت و ما أراد 1494 .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي قال لما أراد الناس عليا أن يضع الحكمين قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و إنه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبد الله بن العباس فارموه به فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة إلا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث لا و الله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال علي ع إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمرا ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما و هما مضريان.
قال و ذكر الشعبي أيضا مثل ذلك 1495 .
قال نصر فقال علي ع قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسى و هو بأرض من أرض الشام يقال لها عرض 1496 قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال إن الناس قد اصطلحوا فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال و قد جعلوك حكما فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .
فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي ع و جاء الأشتر عليا فقال يا أمير المؤمنين ألزني 1497 بعمرو بن العاص فو الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه
و جاء الأحنف بن قيس عليا فقال يا أمير المؤمنين إنك قد رميت بحجر 1498 الأرض و من حارب الله و رسوله أنف 1499 الإسلام و إني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى و حلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر و إنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم 1500 فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني و إن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا 1501 فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حللتها و لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها.
فعرض علي ع ذلك على الناس فأبوه و قالوا لا يكون إلا أبا موسى 1502 .
قال نصر مال الأحنف إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين إني خيرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني أو أكف عنك بني سعد فقلت كف قومك فكفى بكفك نصيرا فأقمت بأمرك و إن عبد الله بن قيس 1503 رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية و هو رجل يمان و قومه مع معاوية و قد رميت بحجر الأرض و بمن حارب الله و رسوله و إن صاحب القوم من ينأى حتى يكون مع النجم و يدنو حتى يكون في أكفهم فابعثني فو الله لا يحل عنك عقدة إلا عقدت لك أشد منها فإن قلت إني لست من أصحاب رسول الله فابعث رجلا من أصحاب رسول الله و ابعثني معه.
فقال علي ع إن القوم أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا فقالوا ابعث هذا رضينا به و الله بالغ أمره 1504 .
قال نصر و روى أن ابن الكواء قام إلى علي ع فقال هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله ص و صاحب مقاسم أبي بكر 1505 و عامل عمر و قد رضي به القوم و عرضنا عليهم ابن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك ظنون 1506 في أمرك.
فبلغ ذلك أهل الشام فبعث أيمن بن خزيم الأسدي و كان معتزلا لمعاوية بهذه الأبيات و كان هواه أن يكون الأمر لأهل العراق
لو كان للقوم رأي يعصمون به
من الضلال رموكم بابن عباس
لله در أبيه أيما رجل
ما مثله لفصال الخطب في الناس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن
لا يهتدي ضرب أخماس لأسداس 1507
إن يخل عمرو به يقذفه في لجج
يهوي به النجم تيسا بين أتياس
أبلغ لديك عليا غير عاتبه 1508
قول امرئ لا يرى بالحق من باس
ما الأشعري بمأمون أبا حسن
فاعلم هديت و ليس العجز كالرأس
فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم
إن ابن عمك عباس هو الآسي .
فلما بلغ الناس هذا الشعر طارت أهواء قوم من أولياء علي ع و شيعته إلى ابن عباس و أبت القراء إلا أبا موسى 1509 .
قال نصر و كان أيمن بن خزيم رجلا عابدا مجتهدا و قد كان معاوية جعل له فلسطين على أن يتابعه و يشايعه على قتال علي ع فقال أيمن و بعث بها إليه
و لست مقاتلا رجلا يصلي
على سلطان آخر من قريش
له سلطانه و علي إثمي
معاذ الله من سفه و طيش
أ أقتل مسلما في غير جرم
فليس بنافعي ما عشت عيشي .