کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة المحقق]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، و خير الصّلاة و السّلام على رسوله المصطفى محمّد و آله الطيّبين الطاهرين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
و بعد: لقد أمر اللّه سبحانه و تعالى المسلمين بالسؤال عمّا لا يعلمون، فقال مكرّرا:
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 1 . لذلك ترى المسلمين في الصدر الأوّل كانوا يسألون الرسول صلّى اللّه عليه و آله عمّا لا يعلمون و عمّا يشتبه عليهم، و هذا ما نجد مصاديقه في القرآن الكريم من خلال كلمة «يسألونك»، حيث وردت هذه الصيغة في السؤال عن مختلف الظواهر، كالسؤال عن الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالأهلّة و الإنفاق و القتال و الخمر و الميسر و اليتامى و المحيض و الأنفال:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ ... سورة البقرة (2): 189 يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ ... سورة البقرة (2): 215 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ... سورة البقرة (2): 217 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ... سورة البقرة (2): 219 وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ... سورة البقرة (2): 219 وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ... سورة البقرة (2): 220
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ... 2 سورة البقرة (2): 222 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ ... سورة الأنفال (8): 1
كما وردت الصيغة المذكورة في السؤال عن الظواهر الطبيعيّة كالجبال، و عن قصص بعض الشخصيّات الغابرة مثل ذي القرنين، و عن حقيقة الروح و عن قيام الساعة:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ... سورة طه (20): 105 يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ... سورة الكهف (18): 83 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ... سورة الإسراء (17): 85 يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ... سورة الأعراف (7): 187
و لمّا استشكل بعض الصحابة قوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ 3 ، و قالوا: أيّنا لم يظلم؟ بيّن لهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّ المراد بالظلم الشرك، و استدلّ بقوله سبحانه في آية أخرى:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 4 . 5
و إذا تجاوزنا صدر الإسلام، نجد أنّ أهل الذكر الّذين أمر اللّه تعالى بتوجيه
الأسئلة إليهم و هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، يتكفّلون بالإجابة على مختلف الأسئلة الّتي كانت ترد إليهم من الأصحاب أو من الأعداء أيضا.
و إذا انتقلنا إلى عصر الغيبة، نجد أنّ الفقهاء و المتكلّمين و هم النوّاب عن أهل الذكر يتكفّلون أيضا بالإجابة على الأسئلة الّتي تثار أمامهم، حيث ألّفوا رسائل و كتبا تتناول أسئلة الآخرين و الإجابة عليها. و قد اتّخذ تأليف هذه الرسائل و الكتب «عناوين» منتزعة من نفس المادّة المتّصلة ب (السؤال) و (الجواب) عن الأمور الشرعية و غيرها، فجاءت هذه الرسائل و الكتب تحمل عناوين مثل (السؤال و الجواب) أو (السؤالات و الجوابات) أو (الأسئلة و الأجوبة) أو غيرها.
و بامكاننا أن نلقى نظرة سريعة على موسوعة العلّامة الطهرانيّ الّتي ذكرت مصنّفات علمائنا في هذا الميدان لنجدها شاهدا على ما نقول، و في هذا الصدد يوضّح صاحب الموسوعة الملابسات الّتي تكتنف تأليف هذه الرسائل و الكتب من حيث الأسئلة و أجوبتها، فيقول:
«إذا علم ان الكتاب في جواب شخص خاصّ، أو في جواب اعتراض معين، أو أنّه جواب عن سؤال مخصوص، أو عن شبهة معلومة، أو أنّه جواب عن مسألة مخصوصة، أو عن مسائل متعدّدة كما هو الشائع من إلقاء المسألة الواحدة، أو المسائل من القرب، أو من البلاد البعيدة الى العلماء و هم يكتبون جواباتها بغير عنوان خاصّ، أو علم أنّه جواب رسالة أو كتاب، أو مكتوب، يصحّ أن يعبّر عنه بالجواب المضاف الى ما يعلم من احدى هذه الأمور» 6 .
و إليك نماذج من تلك العناوين الّتي أوردها العلّامة الطهرانيّ:
(الأجوبة ...) 7 .
(جواب ... أو جوابات ...) 8 .
(السؤال و الجواب أو سؤال و جواب) 9 .
(المسائل ... أو المسائل و الجوابات) 10 .
(مسألة ...) 11 .
حيث نرى أنّه ذكر تحت هذه العناوين مئات من الكتب، الّتي دوّن فيها المصنّف نفسه أو أمر من دوّن فيها مجموع السؤالات أو الاستفتاءات الّتي القيت إليه على الدفعات التدريجيّة و ما كتبه من جواباتها في أوقات متطاولة فإنّه بعد التدوين في مجلّد يسمّى باحد هذه العناوين 12 .
و في ضوء هذه الحقيقة الّتي ذكرناها عن المسائل و أجوبتها، نجد أنّ واحدا من أكبر فقهاء الطائفة و متكلّميها و هو الشيخ المفيد يتكفّل بالإجابة على مختلف الأسئلة، و منها أجوبة المسائل الحاجبيّة أو العكبريّة و هي أجوبة كتبها الشيخ لأحد و خمسين سؤالا سألها الحاجب أبو الليث بن سراج الأواني، الّذي دعا له الشيخ بطول البقاء و دوام التوفيق.
و أكثر ما فيها السؤال عن معاني آيات و أحاديث و توجيهها، و دفع ما ورد عند السائل حولها من شبهات. و فيها مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالنبوّة و الإمامة و شئونهما.