کتابخانه روایات شیعه
قال: صاغرين- و أما قوله: أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يقول أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ .
28 سورة القصص مكية آياتها ثمان و ثمانون 88
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ثم خاطب الله نبيه ص فقال: نَتْلُوا عَلَيْكَ يا محمد مِنْ نَبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ إلى قوله إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فأخبر الله نبيه بما لقي موسى و أصحابه- من فرعون من القتل و الظلم ليكون تعزية له- فيما يصيبه في أهل بيته من أمته- ثم بشره بعد تعزيته أنه يتفضل عليهم بعد ذلك- و يجعلهم خلفاء في الأرض و أئمة على أمته- و يردهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم- فقال: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ- وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ- وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم- و قوله مِنْهُمْ أي من آل محمد ما كانُوا يَحْذَرُونَ أي من القتل و العذاب- و لو كانت هذه الآية نزلت في موسى و فرعون لقال- و نري فرعون و هامان و جنودهما منه- ما كانوا يحذرون- أي من موسى و لم يقل منهم- فلما تقدم قوله « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ- وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » علمنا أن المخاطبة للنبي ص و ما وعد الله به رسوله فإنما يكون بعده و الأئمة يكونون من ولده- و إنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى و بني إسرائيل و في أعدائهم بفرعون و هامان و جنودهما- فقال: إن فرعون قتل بني إسرائيل و ظلم من ظلمهم- فأظفر الله موسى بفرعون و أصحابه حتى أهلكهم الله- و كذلك أهل بيت رسول الله ص أصابهم من أعدائهم القتل و الغصب- ثم يردهم الله و يرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم.
وَ قَدْ ضَرَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَثَلًا مِثْلَ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَعْدَائِهِمْ بِفِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ فَقَالَ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ بَغَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ ع خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِينَ إِصْبَعاً- لِكُلِّ إِصْبَعٍ مِنْهَا ظُفُرَانِ طَوِيلَانِ كَالْمِخْلَبَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ- وَ كَانَ مَجْلِسُهَا فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ جَرِيبٍ- فَلَمَّا بَغَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا أَسَداً كَالْفِيلِ- وَ ذِئْباً كَالْبَعِيرِ وَ نَسْراً كَالْحِمَارِ- وَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ- فَسَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَقَتَلُوهَا، أَلَا وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ اللَّهُ بِقَارُونَ
» و إنما هذا مثل لأعدائه- الذين غصبوا حقه فأهلكهم الله،
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع عَلَى أَثَرِ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ «وَ قَدْ كَانَ لِي حَقٌّ حَازَهُ دُونِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ- وَ لَمْ أَكُنْ أُشْرِكُهُ فِيهِ- وَ لَا تَوْبَةَ لَهُ إِلَّا بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ وَ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ- وَ أَنَّى لَهُ بِالرِّسَالَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ [النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ] ص- وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص
» 425 و كذلك مثل القائم ع في غيبته و هربه و استناره- مثل موسى ع خائف مستتر- إلى أن يأذن الله في خروجه و طلب حقه و قتل أعدائه في قوله: « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا- وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ- الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ » و قد ضرب الحسين بن علي ع مثلا في بني إسرائيل بذلتهم من أعدائهم،
حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَقِيَ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: وَيْحَكَ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفَ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْنَا فِي قَوْمِنَا مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا- وَ أَصْبَحَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ يُلْعَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَ أَصْبَحَ عَدُوُّنَا يُعْطَى الْمَالَ وَ الشَّرَفَ، وَ أَصْبَحَ مَنْ يُحِبُّنَا مَحْقُوراً مَنْقُوصاً حَقُّهُ، وَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْمُؤْمِنُونَ- وَ أَصْبَحَتِ الْعَجَمُ تَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا، وَ أَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ لِقُرَيْشٍ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا- وَ أَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً
كَانَ مِنْهَا- وَ أَصْبَحْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَا يُعْرَفُ لَنَا حَقٌّ- فَهَكَذَا أَصْبَحْنَا يَا مِنْهَالُ.
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ] بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ مُوسَى لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ- لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا إِلَّا عِنْدَ وَضْعِهِ- وَ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِنَسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نِسَاءً مِنَ الْقِبْطِ يَحْفَظْنَهُنَّ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يُولَدُ فِينَا رَجُلٌ- يُقَالُ لَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ يَكُونُ هَلَاكُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى يَدِهِ- فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّ ذُكُورَ أَوْلَادِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ مَا يُرِيدُونَ- وَ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ- وَ حَبَسَ الرِّجَالَ فِي الْمَحَابِسِ، فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ مُوسَى بِمُوسَى ع نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَ اغْتَمَّتْ وَ بَكَتْ وَ قَالَتْ يُذْبَحُ السَّاعَةَ، فَعَطَفَ اللَّهُ بِقَلْبِ الْمُوَكَّلَةِ بِهَا عَلَيْهِ- فَقَالَتْ لِأُمِّ مُوسَى: ما لَكِ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُكِ فَقَالَتْ: أَخَافُ أَنْ يُذْبَحَ وَلَدِي فَقَالَتْ: لَا تَخَافِي وَ كَانَ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: « وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي » فَأَحَبَّتْهُ الْقِبْطِيَّةُ الْمُوَكَّلَةُ بِهِ- وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى التَّابُوتَ وَ نُودِيَتْ أُمُّهُ «ضَعِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ » وَ هُوَ الْبَحْرُ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ- وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ وَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ- وَ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ وَ كَانَ لِفِرْعَوْنَ قَصْرٌ عَلَى شَطِّ النِّيلِ مُنْتَزِهاً، فَنَظَرَ مِنْ قَصْرِهِ وَ مَعَهُ آسِيَةُ امْرَأَتُهُ- فَنَظَرَ إِلَى سَوَادٍ فِي النِّيلِ تَرْفَعُهُ الْأَمْوَاجُ وَ الرِّيَاحُ تَضْرِبُهُ- حَتَّى جَاءَتْ بِهِ إِلَى بَابِ قَصْرِ فِرْعَوْنَ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِأَخْذِهِ فَأُخِذَ التَّابُوتُ وَ رُفِعَ إِلَيْهِ- فَلَمَّا فَتَحَهُ وَجَدَ فِيهِ صَبِيّاً، فَقَالَ: هَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ- وَ أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى مَحَبَّةً شَدِيدَةً، وَ كَذَلِكَ فِي قَلْبِ آسِيَةَ وَ أَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَتْ آسِيَةُ لَا تَقْتُلْهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أَنَّهُ مُوسَى، وَ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وَلَدٌ- فَقَالَ
ائْتُوا ظِئْراً تُرَبِّيهِ- فَجَاءُوا بِعِدَّةِ نِسَاءٍ قَدْ قَتَلَ أَوْلَادَهُنَّ- فَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ- وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ وَ بَلَغَ أُمَّهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ أَخَذَهُ- فَحَزِنَتْ وَ بَكَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً يَعْنِي كَادَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرِهِ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ ضَبَطَتْ نَفْسَهَا- فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ أَيْ لِأُخْتِ مُوسَى قُصِّيهِ أَيِ اتَّبِعِيهِ فَجَاءَتْ أُخْتُهُ إِلَيْهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أَيْ عَنْ بُعْدٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ مُوسَى ثَدْيَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ- اغْتَمَّ فِرْعَوْنُ غَمّاً شَدِيداً فَقالَتْ أُخْتُهُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ- وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ فَقَالَ: نَعَمْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ- فَلَمَّا أَخَذَتْهُ فِي حَجْرِهَا وَ أَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا الْتَقَمَهُ وَ شَرِبَ- فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَ أَهْلُهُ أَكْرَمُوا أُمَّهُ فَقَالُوا لَهَا رَبِّيهِ لَنَا- فَإِنَّا نَفْعَلُ بِكِ مَا نَفْعَلُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ- وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ- وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَ كَانَ فِرْعَوْنُ يَقْتُلُ أَوْلَادَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّمَا يَلِدُونَ- وَ يُرَبِّي مُوسَى وَ يُكْرِمُهُ وَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَلَاكَهُ عَلَى يَدِهِ، فَلَمَّا دَرَجَ مُوسَى كَانَ يَوْماً عِنْدَ فِرْعَوْنَ فَعَطَسَ مُوسَى فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فَأَنْكَرَ فِرْعَوْنُ عَلَيْهِ وَ لَطَمَهُ وَ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُ فَوَثَبَ مُوسَى عَلَى لِحْيَتِهِ وَ كَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ فَهَلَبَهَا أَيْ قَلَعَهَا- فَآلَمَهُ أَلَماً شَدِيداً بِلَطْمَتِهِ إِيَّاهُ فَهَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ- هَذَا غُلَامٌ حَدَثٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ بَلْ يَدْرِي، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ ضَعْ بَيْنَ يَدَيْهِ تَمْراً وَ جَمْراً- فَإِنْ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ الَّذِي تَقُولُ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ وَ جَمْرٌ- وَ قَالَ لَهُ كُلْ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى التَّمْرِ- فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ فَصَرَفَهَا إِلَى الْجَمْرِ- فَأَخَذَ الْجَمْرَ فِي فِيهِ فَاحْتَرَقَ لِسَانُهُ وَ صَاحَ وَ بَكَى- فَقَالَتْ آسِيَةُ لِفِرْعَوْنَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ لَا يَعْقِلُ فَعَفَا عَنْهُ فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع فَكَمْ مَكَثَ مُوسَى غَائِباً عَنْ أُمِّهِ حَتَّى رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهَا قَالَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ- فَقُلْتُ كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسَى لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ- قَالَ: نَعَمْ أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي فَقُلْتُ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْبَرَ سِنّاً قَالَ: هَارُونُ قُلْتُ: فَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً قَالَ: الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى وَ مُوسَى يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَحْكَامِ وَ الْقَضَاءِ وَ الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ- أَ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا- قَالَ كَانَ مُوسَى الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَكْتُبُ [هَارُونُ] الْعِلْمَ- وَ يَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ هَارُونُ يَخْلُفُهُ إِذَا غَابَ مِنْ قَوْمِهِ لِلْمُنَاجَاةِ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى ع وَ مَاتَا جَمِيعاً فِي التِّيهِ، قُلْتُ فَكَانَ لِمُوسَى وَلَدٌ- قَالَ لَا كَانَ الْوَلَدُ لِهَارُونَ وَ الذُّرِّيَّةُ لَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي أَكْرَمِ كَرَامَةٍ- حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مُوسَى مِنَ التَّوْحِيدِ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ- فَإِذَا رَجُلَانِ يَقْتَتِلَانِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى وَ الْآخَرُ يَقُولُ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ فَجَاءَ مُوسَى فَوَكَزَ صَاحِبَ فِرْعَوْنَ فَقَضى عَلَيْهِ وَ تَوَارَى فِي الْمَدِينَةِ- فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ آخَرُ- فَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى فَلَمَّا نَظَرَ صَاحِبُهُ إِلَى مُوسَى قَالَ لَهُ:
أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ فَخَلَّى عَنْ صَاحِبِهِ وَ هَرَبَ- وَ كَانَ خَازِنُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِناً بِمُوسَى قَدْ كَتَمَ إِيمَانَهُ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ- وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: « وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ- أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ » وَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ خَبَرُ قَتْلِ مُوسَى الرَّجُلَ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ- فَبَعَثَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ- فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها كَمَا حَكَى اللَّهُ خائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمْنَةٍ وَ يَسْرَةٍ وَ يَقُولُ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
وَ مَرَّ نَحْوَ مَدْيَنَ وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَدْيَنَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ- فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ مَدْيَنَ رَأَى بِئْراً- يَسْتَقِي النَّاسُ مِنْهَا لِأَغْنَامِهِمْ وَ دَوَابِّهِمْ فَقَعَدَ نَاحِيَةً- وَ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ شَيْئاً، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَتَيْنِ فِي نَاحِيَةٍ- وَ مَعَهُمَا غُنَيْمَاتٌ لَا تَدْنُوَانِ مِنَ الْبِئْرِ، فَقَالَ لَهُمَا مَا لَكُمَا لَا تَسْتَقِيَانِ
قَالَتَا كَمَا حَكَى اللَّهُ لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَرَحِمَهُمَا مُوسَى وَ دَنَا مِنَ الْبِئْرِ- فَقَالَ لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ أَسْتَقِي لِي دَلْواً وَ لَكُمْ دَلْواً- وَ كَانَ الدَّلْوُ يَمُدُّهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَاسْتَقَى وَحْدَهُ دَلْواً لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ- وَ دَلْواً لِبِنْتَيْ شُعَيْبٍ وَ سَقَى أَغْنَامَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ- رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَ كَانَ شَدِيدَ الْجُوعِ.
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع : إِنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَيْثُ سَقَى لَهُما- ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ- فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَ اللَّهِ مَا سَأَلَ اللَّهَ إِلَّا خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ- وَ لَقَدْ رَأَوْا خُضْرَةَ الْبَقْلِ فِي صِفَاقِ بَطْنِهِ 426 مِنْ هُزَالِهِ
فَلَمَّا رَجَعَتَا ابْنَتَا شُعَيْبٍ إِلَى شُعَيْبٍ قَالَ لَهُمَا أَسْرَعْتُمَا الرُّجُوعَ- فَأَخْبَرَتَاهُ بِقِصَّةِ مُوسَى ع وَ لَمْ تَعْرِفَاهُ- فَقَالَ شُعَيْبٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اذْهَبِي إِلَيْهِ- فَادْعِيهِ لِنَجْزِيَهُ أَجْرَ مَا سَقَى لَنَا- فَجَاءَتْ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَقَامَ مُوسَى مَعَهَا وَ مَشَتْ أَمَامَهُ- فَسَفَقَتْهَا الرِّيَاحُ فَبَانَ عَجُزُهَا 427 فَقَالَ لَهَا مُوسَى تَأَخَّرِي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ- بِحَصَاةٍ تُلْقِيهَا أَمَامِي أَتْبَعُهَا فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لَا يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ- فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْبٍ قَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَى بَنَاتِ شُعَيْبٍ يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فَقَالَ لَهَا شُعَيْبٌ أَمَّا قُوَّتُهُ فَقَدْ عَرَفْتِيهِ أَنَّهُ يَسْتَقِي الدَّلْوَ وَحْدَهُ- فَبِمَ عَرَفْتِ أَمَانَتَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ لَمَّا قَالَ لِي تَأَخَّرِي عَنِّي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ- فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لَا يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ- عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ أَعْجَازَ النِّسَاءِ- فَهَذِهِ أَمَانَتُهُ- فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ- عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ- فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ- وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ- سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
فَقَالَ لَهُ مُوسَى ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ- أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ أَيْ لَا سَبِيلَ عَلَيَّ إِنْ عَمِلْتُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ- فَقَالَ مُوسَى وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى قَالَ أَتَمَّهَا عَشْرَ حِجَجٍ قُلْتُ لَهُ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْأَجَلَ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ: قَبْلُ- قُلْتُ فَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ- وَ يَشْتَرِطُ لِأَبِيهَا إِجَارَةَ شَهْرَيْنِ أَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ إِنَّ مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ يُتِمُّ لَهُ شَرْطَهُ- فَكَيْفَ لِهَذَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَفِيَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيَّتَهُمَا زَوَّجَهُ شُعَيْبٌ مِنْ بَنَاتِهِ قَالَ: الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِ فَدَعَتْهُ- وَ قَالَتْ لِأَبِيهَا يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ- إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ