کتابخانه روایات شیعه
فقال: نعم إنّ اللّه خلقني و عليا من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدّة ثم قسّمه نصفين، ثم خلق الأشياء من نوري و نور علي، ثم جعلنا عن يمين العرش فسبّحنا، فسبّحت الملائكة، و هلّلنا فهلّلوا و كبّرنا فكبّروا، فكل من سبّح اللّه و كبّره فإن ذلك من تعليمي و تعليم عليّ 79 .
و من ذلك ما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعا إلى عبد اللّه بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّه قال: إنّ اللّه خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلّها بأربعمائة ألف سنة و أربعة و عشرين ألف سنة، خلق منه اثني عشر حجابا 80 .
و المراد بالحجب الأئمّة فهم الكلمة التي تكلّم اللّه بها ثم أبدى منها سائر الكلم، و النعمة التي أفاضها و أفاض منها سائر النعم و الامة التي أخرجها و أخرج منها سائر الأمم و لسانه المعبّر عنه و يده المبسوطة بالفضل و الكرم و قوامه على عباده بالحكم و الحكم.
و عن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر عليه السّلام فقالت: أخبرني أي شيء كنتم في الأظلة؟ قال: كنّا نورا بين يدي اللّه قبل خلقه الخلق فلما خلق الخلق سبّحنا فسبّحوا، و هللنا فهللوا و كبّرنا فكبّروا، و ذلك قوله تعالى: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً 81 و معناه لو استقاموا على حبّ علي كنّا وضعنا أظلتهم في الماء الفرات، و هو حب علي لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ 82 ، يعني في حب علي، وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ 83 يعني عن ذكر علي عليه السّلام.
و في هذه لغات كثيرة:
(الأوّل) أن الرب هنا المولى و علي هو المولى و معناه من يعرض عن ذكر مولاه.
(الثاني) أن ذكر علي في القرآن.
(الثالث) أن ذكر المولى هو ذكر الرب العلي. دليل ذلك: ما رواه ابن عبّاس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله
(أنه خ ل) كان يكتب إلى شيعة علي عليه السّلام إلى المختارين في الأظلة، المنتجبين في الملة، المسارعين في الطاعة، المبصرين في الكرة، سلام عليكم تحية منّا إليكم، أما بعد. فقد دعاني الكتاب إليكم لاستبصاركم من العمى، و دخولكم في باب الهدى، فاسلكوا في سبيل السلامة، فإنّها جوامع الكرامة، إن العبد إذا دخل حفرته جاءه ملكان فسألاه عن ربّه و نبيّه و وليّه، فإن أجاب نجا، و إن أنكر هوى 84 .
و عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال:
إنّ اللّه لم يزل فردا في وحدانيته ثم خلق محمدا و عليا و فاطمة فمكثوا ألف ألف دهر ثم خلق الأشياء و أشهدهما خلقها، و أجرى عليهم طاعتها و جعل فيهم منه ما شاء و فوّض أمر الأشياء إليهم منّا منه عليهم، فهم يحلّلون ما شاءوا، و يحرّمون ما شاءوا، و لا يفعلون إلّا ما شاء اللّه، فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق، و من تأخّر عنها محق، خذها يا محمد فإنّها من مخزون العلم و مكنونه 85 .
و عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السّلام يقول: إن اللّه خلق محمدا و عليا و الطيبين من نور عظمته، و أقامهم أشباحا قبل المخلوقات؛ ثم قال: أ تظن أن اللّه لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى و اللّه لقد خلق اللّه ألف ألف آدم، و ألف ألف عالم، و أنت و اللّه في آخر تلك العوالم 86 .
و من ذلك ما رواه سعد بن عبد اللّه عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: إن اللّه مدينتين إحداهما بالمشرق و الاخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد له سبعون ألف باب، من الباب إلى الباب فرسخ على كل باب سبعون مصراع من الذهب الأحمر، أهلها يتكلّمون بسبعين ألف لغة، كل لغة بخلاف الأخرى، و أنا و اللّه أعرف لغاتهم، و أنا الحجّة عليهم 87 .
فصل [ما وراء الحجاب من عوالم]
أنكر هذا الحديث من في قلبه مرض، فقلت: أ تنكر القدرة أم النعمة أم ترد على المؤيّدين بالعصمة؟ فإن أنكرت قدرة الرحمن، فقد ورد عن سليمان عليه السّلام أن سماطه في كل يوم ملحه سبعة أكرار فخرجت دابّة من دواب البحر يوما و قالت له: يا سليمان اضفني اليوم، فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا فلمّا اجتمع ذلك على ساحل البحر و صار كالجبل العظيم، أخرجت الحوت رأسها و ابتلعته، و قالت: يا سليمان أين تمام قوتي اليوم فإنّ هذا بعض طعامي، فأعجبت سليمان، و قال لها: هل في البحر دابة مثلك؟ فقالت: ألف أمة. فقال سليمان: سبحان الملك العظيم في قدرته، و يخلق ما لا تعلمون 88 .
و أما نعمته الواسعة فقد قال لداود: يا داود و عزّتي و جلالي لو أن أهل سمواتي و أرضي، أمّلوني فأعطيت كل مؤمل أمله بقدر دنياكم سبعين ضعفا لم يكن ذاك إلّا كما يغمس أحدكم إبرة في البحر و يرفعها فكيف ينقص شيء، أنا أعطيته.
فقل لأعمى البصيرة و العيان، أ في القدرة أم النعمة تمتريان، بل يداه مبسوطتان فبأي آلاء ربكما تكذّبان، و الآلاء محمد و علي خاصة الرحمن.
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: إنّ اللّه خلق هذا النطاق من زبرجدة خضراء، فقيل: و ما النطاق؟ قال: الحجاب و للّه خلف ذلك سبعون ألف عالم أكثر من عدد الجن و الإنس و الكل يدينون بحبّنا أهل البيت و يلعنون فلانا و فلانا 89 .
و عن جابر بن عبد اللّه عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: إنّ من وراء شمسكم هذه أربعين شمسا، من الشمس إلى الشمس أربعون عاما فيها خلق لا يعلمون أن اللّه خلق آدم و لا إبليس فقد
ألهموا في كل الأوقات حبّنا و بغض أعدائنا 90 .
و عن ابن عباس في تفسير قوله رَبِّ الْعالَمِينَ قال: إن اللّه عز و جل خلق ثلاثمائة عالم و بضعة عشر عالم كل عالم منهم يزيدون على ثلاثمائة و ثلاثة عشر مثل آدم و ما ولد آدم، و ذلك معنى قوله رَبِّ الْعالَمِينَ .
قال: و من ذلك من كتاب الواحدة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ للّه مدينتين، إحداهما بالمشرق و الأخرى بالمغرب، يقال لهما جابلصا و جابلقا طول كل مدينة منهما اثنا عشر ألف فرسخ، في كل فرسخ باب يدخل في كل يوم من كل باب سبعون ألفا و يخرج منها مثل ذلك و لا يعودون إلّا يوم القيامة لا يعلمون أنّ اللّه خلق آدم و لا إبليس و لا شمسا و لا قمرا، هم و اللّه أطوع لنا منكم يأتونا بالفاكهة في غير أوانها موكلين بلعنة فرعون و هامان و قارون 91 .
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام من كتاب الواحدة قال: إن اللّه سبحانه تفرّد في وحدانيته، ثم تكلّم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمدا و عليا و عترته، ثم تكلّم بكلمة فصارت روحا، و أسكنها ذلك النور و أسكنه في أبداننا، فنحن روح اللّه في ذلك و كلمته احتجب بنا عن خلقه فما زلنا في ظلة خضراء مسبّحين نسبّحه و نقدّسه حيث لا شمس و لا قمر، و لا عين تطرف، ثم خلق شيعتنا، و إنّما سمّوا شيعة لأنّهم خلقوا من شعاع نورنا 92 .
و من ذلك ما ورد في كتاب التفسير أن اللّه خلق الأرضين السبع و جعل عرش إبليس لعنه اللّه في الرابعة منها و فيها مسكنه و مسكن جنوده بعد أن كان خازن الجنة و كان في يده ملك السماء الرابعة، و إبليس ابن الجان، و الجان هم الذين يصوغون الحلي لأهل الجنّة، و الأرض السابعة على ملك يقال له ارياكيل بين مفصل إبهامه و راحته أربعون عاما، و هو في صورة ثور له أربعون ألف قائمة و سبعمائة ألف قرن مشتبكة إلى العرش، و هو على صخرة من زمردة خضراء، و الصخرة على جناحي حوت، و الحوت في بحر يقال له عقيوس، عمقه عمق السّماوات و الأرض، و البحر على الثرى، و الثرى على الريح و الريح على الهواء، و الهواء على
الظلمة، و الظلمة على جهنم و جهنم على الطمطام، و الطمطام تحت الحوت، و ما وراء ذلك لا يعلمه إلّا اللّه، قال: و في البر ثمانية عشر ألف عالم كأن اللّه لم يخلق في السّماوات و الأرض غيرهم لكثرتهم و خلف البحر السابع قوم يقال لهم الروحانيون في أرض من فضة بيضاء لا تقطعها الشمس إلّا في كل أربعين يوما.
و من ذلك ما رواه ابن بابويه في كتاب الخصال قال: إنّ للّه تبارك و تعالى ملائكة لو أن الملك منهم هبط إلى الأرض لما وسعته لعظم خلقته، و منهم من بين منكبيه و شحمتي أذنيه مسيرة سبعمائة عام، و منهم من سدّ الأفق بجناح من أجنحته، و منهم من السّماوات إلى حجرته و منهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل و الأرضون إلى ركبتيه، و منهم من لو ألقي في نقرة إبهامه مياه البحار بأسرها لما وسعته، و منهم من لو ألقيت السفن في دموع عينه لجرت دهر الداهرين.
و سئل عليه السّلام عن الحجب فقال: الحجب سبعة كل حجاب منها مسيرة سبعمائة عام ما بين كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوّة كل ملك منها قوّة الثقلين، و منها نور و منها نار، و منها دخان و منها ظلمة، و منها برق و منها رعد، و منها ضوء و منها عجاج، و منها ماء و منها أنهار، و هي حجب مختلفة كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام، ثم سرادقات الجلال و هي ستون سرادقا، كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق خمسمائة عام، ثم سرادق العزّة ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الأبيض، ثم سرادق الوحدانية، و هي مسيرة سبعين ألف عام، ثم الحجاب الأعلى و ليست هذه الحجب مضروبة على اللّه و لكنّها مضروبة على العظمة العليا من خلقه، فتبارك أحسن الخالقين 93 .
و من ذلك ما رواه ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنّ من وراء قاف عالما لا يصل إليه أحد غيري و أنا المحيط بما وراءه، و العلم به كعلمي بدنياكم هذه، و أنا الحفيظ الشهيد عليها، و لو أردت أن أجوب الدنيا بأسرها، و السّماوات السبع كالأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت؛ لما عندي من الاسم الأعظم، و أنا الآية العظمى، و المعجز الباهر 94 .
فصل [منزلة الولي و معاني الولاية]
و إلى هذا السرّ إشارة من كلامه البليغ في نهج البلاغة فقال: و هو يعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحى 95 ، و هذه إشارة إلى انّه عليه السّلام غاية الفخار و منتهى الشرف و ذروة العزّ، و قطب الوجود و عين الوجود، و صاحب الدهر و وجه الحق و جنب العلى، فهو القطب الذي دار به كل دائر و سار به كل سائر، لأنّ سريان الولي في العالم كسريان الحق في العالم لأن الولاية هي الكلمة الجارية السارية فهي لكل موجود مولاه و معناه، لأن المولى هو الاسم الأعظم المتقبل لأفعال الربوبية و المظهر القائم بالأسرار الإلهية، و النقطة التي أدير عليها بركار 96 النبوّة فهي حقيقة كل موجود فهي باطن الدائرة و النقطة السارية السائرة، التي بها ارتباط سائر العوالم، و إلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال:
تقبلت أفعال الربوبية التي
عذرت بها من شك أنك مربوب
و يا علة الدنيا و من بدء خلقها
إليه سيتلو البدء في الحشر تعقيب 97
فهو قطب الولاية و نقطة الهداية، و خطة البداية و النهاية، يشهد بذاك أهل العناية و ينكره أهل الجهالة، و العماية، و قد ضمنه أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا في قوله: «كالجبل ينحدر عنّي السيل و لا يرقى إليّ الطير»، و هذا رمز شريف لأنّه شبه العالم في خروجهم من كتم العدم بالسيل و شبّه ارتفاعهم في ترقيهم بالطير لأنّ الأوّل ينحدر من الأعلى إلى الأدنى، و الثاني يرتفع من الأدنى إلى الأعلى فقوله ينحدر عنّي السيل إشارة إلى أنّه باطن النقطة التي عنها ظهرت الموجودات و لأجلها تكوّنت الكائنات، و قوله «و لا يرقى إليّ الطير» إشارة إلى انّه
أعلى الموجودات مقاما و لسائر البريات إماما، و لهم في الحشر قايدا و قساما، فهو قسيم نور الحضرة النبوية المحمدية صاحب الولاية الإلهية فهو الكلمة الربّانية و مولى سائر البرية، و لقد أحسن ابن أبي الحديد إذ فوق سهم التوفيق راميا لهذا المرمى الدقيق عن قوس التحقيق فقال:
و اللّه لو لا حيدر ما كانت ال
دنيا و لا جمع البرية مجمع
و إليه في يوم المعاد حسابنا
و هو الملاذ لنا غدا و المفزع
أقول: هذا رجل من المعتزلة اعتقاده عن الإقرار بالحق ما عزله، و أنت حوشيت من الرد تزعم أنك مولى من العبيد و الموالي فما لي كلّما أراك حاوي الأراك بشراك و شراك من شراك الإشراك، و بان لك باني البيّنات دراك حيث الإدراك و ما أدراك فعلك علك تشيم نور الأزهار، و عشاك غشاك عظيم أنوار الأسرار؛ قال: ما غشاك فعانقت ابتكار الأفكار في هاوية هواك فأهواك فهذا يا هذا أو ذاك و رأيك و رأيك، فأنت كما قيل من لا يحرّكه الربيع و أزهاره و العود و أوتاره، فقد فسد مزاجه و امتنع علاجه.
و لا ينفع مسموع