کتابخانه روایات شیعه
الباب الخامس عشر في جوده عليه السلام
1- قال كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السئول»: قد تقدّم في هذا الفصل المعقود لذلك كرم أخيه الحسن عليه السلام، قصة المرأة الّتي ذبحت الشاة و ما وصلها به، لمّا جاءته بعد أخيه الحسن عليه السلام، و أنّه أعطاها ألف دينار، و اشترى لها ألف شاة 5028 .
و قد اشتهر النقل عنه عليه السلام أنّه كان يكرم الضيف، و يمنح الطالب و يصل الرحم، و ينيل الفقير، و يسعف السائل، و يكسو العاري، و يشبع الجائع، و يعطي الغارم 5029 ، و يسدّ على الضعيف، و يشفق على اليتيم، و يعين ذا الحاجة، و قلّ أن وصله مال إلّا فرّقه.
و نقل أنّ معاوية لمّا قدم مكّة وصله بمال كثير، و ثياب وافرة، و كسوات وافية فردّ الجميع عليه، و لم يقبل منه، و هذه سجيّة الجواد، و شنشنة الكريم،
و شيمة ذي السماحة 5030 ، و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة، شاهدة له بوصف الكرم، ناطقة له بأنّه متّصف بمحاسن الشيم. الى هنا كلامه 5031 .
2- و قال المالكي في «الفصول المهمّة»: قال أنس رضي اللّه عنه: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية، فجاءته 5032 بطاقة ريحان، فقال لها 5033 : أنت حرّة لوجه اللّه تعالى، فقلت: تحيّيك 5034 بطاقة ريحان، لا خطر لها و لا مال فتعتقها 5035 ؟ فقال: أ ما سمعت 5036 قول اللّه تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها 5037 فكان أحسن منها عتقها 5038 .
و كتب إليه أخوه الحسن عليه السلام يلومه 5039 على إعطائه الشعراء، فكتب إليه: أنت أعلم منّي أنّ خير المال ما وقى العرض 5040 .
3- و روي عن شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي، أنّه قال: لمّا قتل الحسين 5041
عليه السلام في طفّ كربلاء وجد في ظهره أثر، فسئل زين العابدين عليه السلام ما هذا الأثر الذي نراه في ظهر أبيك؟ فبكى طويلا و قال: هذا أثر ممّا كان يحمل قوتا على ظهره إلى منازل الفقراء 5042 .
4- و جنى بعض أرقائه 5043 جناية توجب التأديب، فأمر بضربه، فقال:
يا مولاي قال اللّه تعالى: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال عليه السلام: خلّوا سبيله قد كظمت غيظي، قال: وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال عليه السلام: قد عفوت عنك، قال: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 5044 قال عليه السلام: أنت حرّ لوجه اللّه تعالى 5045 ، و أمر له بجائزة حسنة إلى هنا كلام العامي المالكي 5046 .
5- و روى الشيخ فخر الدين النجفي و كان من الفضلاء و الزهّاد، قال:
روي أنّ رجلا يسمّى عبد الرحمن 5047 كان معلّما للأولاد في المدينة، فعلّم ولدا للحسين عليه السلام يقال له: جعفر، فعلّمه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فلمّا
قرأ على أبيه الحسين عليه السلام استدعى المعلّم و أعطاه ألف دينار، و ألف حلّة وحشى فاه درّا فقيل له في ذلك؟ فقال عليه السلام: و أنّى تساوي عطيّتي هذا بتعليمه ولدي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 5048 .
6- و روي أنّ الحسين عليه السلام لمّا رأى اشتداد الأمر عليه، و كثرة العساكر عاكفة عليه، كلّ منهم يريد قتله، أرسل إلى عمر بن سعد لعنه اللّه يستعطفه، و يقول: أريد أن ألقاك فأخلو معك ساعة، فخرج عمر بن سعد من الخيمة، و جلس مع الحسين عليه السلام ناحية من الناس فتناجيا طويلا.
فقال له الحسين عليه السلام: و يحك يا بن سعد أ ما تتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أراك تقاتلني و تريد قتلي، و أنا ابن من قد علمت، دون هؤلاء القوم و اتركهم و كن معي، فإنّه أقرب لك إلى اللّه تعالى، فقال له: يا حسين إنّي أخاف أن تهدم داري بالكوفة، و تنهب أموالي، فقال له الحسين عليه السلام أنا أبني لك خيرا من دارك، فقال: أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسواد، فقال له الحسين عليه السلام: أنا أعطيك من مالي البغيبغة، و هي عين عظيمة بأرض الحجاز، و كان معاوية أعطاني في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب، فلم أبعه إيّاها، فلم يقبل عمر بن سعد لعنه اللّه شيئا من ذلك.
فانصرف عنه الحسين عليه السلام، و هو غضبان عليه، و هو يقول:
ذبحك اللّه في فراشك عاجلا، و لا غفر اللّه لك يوم حشرك و نشرك، فو اللّه إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيرا فقال له عمر بن سعد مستهزئا: يا
حسين إنّ في الشعير عوضا عن البرّ 5049 .
قال مؤلّف هذا الكتاب: إعطاؤه عليه السلام عمر بن سعد لعنه اللّه هذا المبلغ الجزيل مع علمه عليه السلام أنّ إعطاءه ذلك له ليس بدافع عنه عليه السلام القتل، لعلمه عليه السلام إنّه يقتل، و أيضا إنّه لو رضي ابن سعد بأخذ هذا المال الجزيل، و رضي بعزل نفسه عن قتاله، كان عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه يجعل أميرا سواه في قتال الحسين عليه السلام، و إنّما عمر بن سعد واحد من جملة الألوف و العساكر: فإعطاؤه عليه السلام ذلك للذي حقّت عليه كلمة العذاب إنّما هو من جملة جوده الواسع، و هذا واضح بيّن.
الباب السادس عشر ذكره عليه السلام ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أخيه و نفسه عليهم السلام
1- سليم بن قيس الهلالي في كتابه، و الحديث عن سليم بن قيس، و عمر ابن أبي سلمة، حديثهما واحد، شهد ذلك سليم و عمر، قالا: قدم معاوية حاجّا في إمارته، بعد ما قتل عليّ عليه السلام، و بايعه الحسن عليه السلام، و استقبله أهل المدينة، فنظر فإذا الّذين قد استقبلوه من قريش أكثر من الانصار فسأل عن ذلك 5050 ، فقالوا: إنّهم احتاجوا ليس لهم دوابّ، قال: فأين نواضحهم.
قال قيس بن سعد بن عبادة، و كان سيّد الأنصار و ابن سيّدهم: أفنوها يوم بدر و احد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين ضربوك و أباك على الإسلام حتى ظهر أمر اللّه و أنتم كارهون، قال معاوية: اللّهمّ غفرا 5051 ، قال قيس: أما إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال سترون بعدي أثرة 5052 ثم قال: يا معاوية تعيّرنا بنواضحنا، أما و اللّه لقد لقيناكم عليها يوم
و سلّم.
قال عنبسة: فلمّا قبض أبو جعفر عليه السلام دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر، ثمّ قال: لعلّكم ترون أن ليس كلّ أمام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله. 6589
6- و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أبي عليه السلام إستودعني ما هناك فلمّا حضرته الوفاة، قال: ادع لي شهودا، فدعوت له أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 6590 و أوصى محمّد بن علي إلى جعفر بن محمّد، و أمره أن يكفنّه في برده الّذي كان يصلّي فيه الجمعة، و أن يعمّمه بعمامته، و أن يربّع قبره، و يرفعه أربع أصابع، و أن يحلّ عنه أطماره عند دفنه، ثمّ قال للشهود: إنصرفوا رحمكم اللّه.
فقلت له: يا أبت (بعد ما إنصرفوا) ما كان في هذا بأن تشهد عليه 6591 فقال: يا بنيّ كرهت أن تغلب و أن يقال: إنّه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجة. 6592
7- و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أبي قال لي ذات يوم في مرضه: يا بنيّ أدخل اناسا من قريش من أهل المدينة حتى اشهدهم.
قال: فأدخلت عليه اناسا منهم، فقال: يا جعفر إذا أنا متّ فغسلّني و كفّني و إرفع قبري أربع أصابع و رشّه بالماء، فلمّا خرجوا قلت: يا أبة لو أمرتني بهذا لصنعته، و لم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم.
فقال: يا بني أردت أن لا تنازع 6593 . 6594
8- و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبد الحميد 6595 بن أبي جعفر الفرّاء، قال: إنّ أبا جعفر عليه السلام إنقلع ضرس من أضراسه فوضعه في كفّه، ثم قال:
ألحمد للّه، ثمّ قال: يا جعفر اذا أنا متّ و دفنتني فادفنه معي، ثمّ مكث بعد حين ثمّ إنقلع أيضا آخر، فوضعه على كفّه ثمّ قال: ألحمد للّه يا جعفر إذا متّ فادفنه معي. 6596 .
الباب التاسع و العشرون في صبره و رضائه بقضاء اللّه تعالى باحسن القبول
1- إبن بابويه، حدّثنا أبو الحسن بن محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسيني 6597 ، عن الحسن بن علي (أي العسكري عليه السلام) عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: نعي إلى الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام إسماعيل بن جعفر، و هو أكبر أولاده، و هو يريد أن يأكل و قد إجتمع ندماؤه، فتبسّم ثمّ دعا بطعامه و قعد مع ندمائه، و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيّام، و يحثّ ندمائه و يضع بين أيديهم، و يعجبون منه أن لا يروا للحزن في وجهه أثرا.
فلمّا فرغ قالوا: يا بن رسول اللّه لقد رأينا عجبا، أصبت بمثل هذا الإبن و أنت كما ترى؟
قال: و مالي لا أكون كما ترون، و قد جائني خبر أصدق الصادقين
أنّي ميّت و إيّاكم إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم و لم ينكروا من يخطفه الموت منهم و سلّموا الأمر خالقهم عزّ و جلّ 6598 .
2- محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن عبد اللّه بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسن بن محمد بن مهزيار، عن قتيبة الأعشى 6599 ، قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام أعود إبنا له، فوجدته على الباب فإذا هو مهتّم حزين.
فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟
فقال: و اللّه إنه لما به 6600 ثمّ دخل فمكث ساعة.
ثم خرج إلينا و قد اسفر وجهه 6601 و ذهب التغيّر و الحزن.
قال: فطمعت أن يكون قد صلح الصبي.
فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟
فقال: قد مضى لسبيله.
فقلت: جعلت فداك لقد كنت و هو حي مهتمّا حزينا 6602 و قد رأيت حالك الساعة و قد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟
فقال: إنّا أهل بيت إنّما نجزع قبل المصيبة، فإذا وقع أمر اللّه رضينا بقضائه و سلّمنا لأمره. 6603
3- و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن العلاء بن كامل، قال: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فصرخت صارخة من الدار فقام أبو عبد اللّه عليه السلام ثم جلس فاسترجع و عاد في حديثه حتّى فرغ منه ثم قال: إنّا لنحبّ أن نعافى أنفسنا و أموالنا و أولادنا، فاذا وقع القضاء فليس لنا أن نحبّ مالم يحبّ اللّه لنا. 6604
4- و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا قال: حدّثني يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام نعزّيه بإسماعيل، فترحّم عليه ثم قال: إن اللّه عزّ و جلّ نعى الى نبيه صلّى اللّه عليه و آله نفسه فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 6605 و قال كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 6606 ثمّ أنشأ يحدّث، فقال: إنه يموت أهل الارض حتى لا يبقى أحد، ثم يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرائيل و ميكائيل.
قال: فجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقال
له: من بقي؟ و هو أعلم فيقول: يا رب لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش، و جبرئيل، و ميكائيل فيقال له: قل لجبرائيل و ميكائيل:
فليموتا، فتقول الملائكة عند ذلك: رسوليك و أمينيك فيقول: إنّي قد قضيت على كلّ نفس فيها الروح الموت ثمّ يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقال له: من بقي؟ و هو أعلم، فيقول: يا رب لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش:
فليموتوا.
قال: ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال: من بقي؟ فيقول: يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت، فيقال له: مت يا ملك الموت فيموت، ثم يأخذ الأرض بيمينه و السموات بيمينه 6607 و يقول: أين الذين كانوا يدعون معي شريكا؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟! 6608
الباب الثلاثون حديثه مع القدري
1- العيّاشي في «تفسيره» بإسناده عن الحسن بن محمّد الجمّال، عن بعض أصحابنا قال: بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجّه الى محمّد بن علي بن الحسين و لا تهيجّه و لا تروعّه و اقض له حوائجه و قد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا فقال: ما لهذا إلّا محمّد بن عليّ، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمّد بن علي إليه، فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنّي شيخ كبير لا أقوى على الخروج و هذا جعفر إبني يقوم مقامي فوجّهه إليه.
فلمّا قدم على الأموي أزراه لصغره و كره أن يجمع بينه و بين القدري مخافة أن يغلبه و تسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القدري، فلمّا كان من الغد إجتمع الناس بخصومتهما فقال الأموي لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّه قد أعيانا أمر هذا القدري و إنّما كتبت إليك لأجمع بينك و بينه فانّه لم يدع أحدا إلّا خصمه فقال: إنّ اللّه يكفيناه.
قال: فلمّا إجتمعوا قال القدري لأبي عبد اللّه عليه السلام: سل عمّا شئت فقال له: إقرأ سورة الحمد.