کتابخانه روایات شیعه
باختياره. لأنا نقول: تجعل تلك الصفات، لكون ذاته كافية فيها بمنزلة أفعال اختيارية، يستقل بها فاعلها.
و لا يخفى على المتأمل، أن ذلك الجعل، لا يقتضي صحة «الحمد» على الصفات الذاتية. بل يقتضي صحة اطلاق لفظ «الحمد»، على الثناء على صفاته، تجوّزا. و أين أحدهما عن الاخر؟
و حقيقته عند العارفين، اظهار كمال المحمود- قولا أو فعلا أو حالا- سواء كان ذلك الكمال اختياريا، أو غير اختياري.
و الشكر، مقابلة النعمة- قولا و عملا و اعتقادا.
قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي و لساني و الضمير المحجب
فهو أعم منها، من وجه. و أخص من آخر. و لما كان «الحمد» من شعب «الشكر»، أشيع للنعمة، و أدل على مكانها، لخفاء الاعتقاد و ما في آداب الجوارح، من الاحتمال جعل رأس الشكر و العمدة فيه.
فقال- عليه السلام-: «الحمد للّه»، رأس الشكر. ما شكر اللّه من لم يحمده.
«و الذم»، نقيض «الحمد».
و الكفران، نقيض الشكر.
و رفعه بالابتداء، و خبره، للّه. و أصله النصب. و قد قرئ به 249 .
و انما عدل به الى الرفع، دلالة على الدوام و الثبات.
و قرئ «الحمد للّه» باتباع الدال اللام، و بالعكس- تنزيلا لهما- لكثرة استعمالهما معا، بمنزلة كلمة واحدة. كقولهم منحدر 250 الجبل و مغيره.
و «اللام» فيه لتعريف الجنس. و هو الاشارة الى ما يعرفه كل أحد من معنى «الحمد»، بناء على أن الاختصاص، يكون حينئذ مستفادا من جوهر الكلام، من غير استعانة بالأمور الخارجة. و يكون مستلزما، لاختصاص جميع الافراد، أو للاستغراق، بناء على أن المتبادر الى الذهن، من المحلى بلام الجنس، في المقامات الخطابية، هو الاستغراق. و هو الشائع في الاستعمال. و حينئذ يكون اختصاص الأفراد، مصرحا به.
فان قلت: لا يصح تخصيص جنس الحمد، و لا تخصيص أفراده به. فان خلق الأفعال، ان كان من عند اللّه، فللكسب فيه مدخل. فيرجع اليه بهذا الاعتبار.
و أما عند المعتزلة: فلأن خالق الأفعال، هو العبد. و بمجرد تمكين اللّه و أقداره عليها، لا يختص «الحمد» به. بل يرجع اليه سبحانه- أيضا- كل باعتبار.
و هو لا يفيد التخصيص، بل الاشتراك.
قلت: لا يبعد أن يقال: انه جعل الجنس، في المقام الخطابي، منصرفا الى الكامل. كأنه كل الحقيقة. فاختص الجنس، من حيث هو أو أفراده به سبحانه.
فان قلت: كيف يصح قصد تخصيص الجنس، أو أفراده، و الحال ان قوله تعالى: «الحمد للّه»، كان في الأصل: أحمد اللّه حمدا، أو نحمده حمدا. فلا يكون المراد، الا الحمد المستند الى المتكلم الواحد، أو مع الغير. فبعد افادة الكلام التخصيص، لا يفيد الا تخصيص المخصوص، لا مطلقا.
قلت: كما أنه في صورة الرفع، يتجرد الكلام، عن التجدد و الحدوث، كذلك يتجرد عن 251 النسبة الى فاعل مخصوص. و أيضا، يمكن أن يكون، صيغة المتكلم مع الغير، على ألسنة جميع الحامدين، حقا و خلقا.
ثم قيل: اعلم! انه إذا كان الحامد، في مقام الجمع، فالمناسب أن يحمل
اللام على الجنس. و ان كان في مقام الفرق قبل الجمع، فالمناسب الاستغراق، و لكن بالتأويل. و ان كان في مقام الفرق بعد الجمع، فالمناسب، الاستغراق، و لكن بلا تأويل. و ان كان في مقام جمع الجمع، فالمناسب الجنس و الاستغراق- معا- من غير احتجاب بأحدهما، عن الاخر.
ثم اعلم! انه يمكن أن يراد «بالحمد»، الحامدية و المحمودية- جميعا- بناء على أنه مشترك معنوي. فانه فعل واحد بين الحامد و المحمود. و إذا اعتبر نسبته 252 الى الحامد، يكون حامدية. و ان اعتبرت الى المحمود، يكون محمودية. أو لفظي.
و يجوز استعمال المشترك، في معنييه أو معانيه. كما ذهب اليه المحققون. أو يكون مجازا، عن معنى مشترك بين المعنيين.
(و في كتاب الخصال 253 : بإسناده الى علي بن الحسين- عليه السلام- قال: و من قال: «الحمد للّه»، فقد أدى شكر كل نعمة للّه تعالى.
و في أصول الكافي 254 : محمد [بن يحيى] 255 عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال : قال لي: ما أنعم اللّه على عبده 256 بنعمة، صغرت أو كبرت، فقال: «الحمد للّه» الا أدى شكرها.
و بإسناده 257 الى حماد بن عثمان، قال: خرج أبو عبد اللّه- عليه السلام- من المسجد. و قد ضاعت دابته.
فقال: لئن ردها اللّه عليّ، لأشكرن اللّه حق شكره.
قال: فما لبث ان أتي بها.
فقال: «الحمد للّه».
فقال «قائل له» 258 : جعلت فداك. أليس قلت: لأشكرن اللّه حق شكره؟
فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: ألم تسمعني قلت: «الحمد للّه»؟) 259
«الرب» في الأصل، هو المالك.
فهو اما صفة مشبهة، من فعل متعد، لكن بعد جعله لازما من «ربه» «يربه» بفتح العين في الماضي، و ضمها في الغابر.
و اما وصف بالمصدر، للمبالغة. كما وصف بالعدل. و هو مفردا. لا يطلق على غير اللّه، الا نادرا.
و قرئ بالنصب على المدح، أو النداء، أو بالفعل الذي دل عليه الحمد.
«قيل: هذا الاسم، يفيد اثبات خمسة أحكام للحق- سبحانه و تعالى-.
و هي: الثبات و السيادة و الإصلاح و الملك و التربية. لأن «الرب» في اللغة، هو المصلح و السيد و المالك و الثابت و المربي. ففيه دليل على أن الممكنات، كما هي مفتقرة الى المحدث، حال حدوثها، مفتقرة الى المبقي، حال بقائها.
«و العالم»، اسم لما يعلم به. كالخاتم، لما يختم به. غلب فيما «يعلم به»، «الصانع» مما سوى اللّه، من الجواهر و الاعراض. فإنها لأمكانها، و افتقارها الى مؤثر، واجب لذاته، تدل على وجوده.
و قيل: اسم، [وضع] 260 لذوي العلم، من الملائكة و الثقلين. و تناوله لغيرهم، على سبيل الاستتباع.
و قيل: عني به، «الناس»، هنا 261 . فان كل واحد منهم، عالم من حيث أنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير، (من جنس واحد مما سمي به، أو الى حقيقة القدر)، 262 من الجواهر و الأعراض، يعلم بها الصانع. كما يعلم بما أبدعه في العالم. و لذلك سوّى بين النظر فيهما. و قال 263 : وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ 264 و انما جمع، لئلا يتوهم أن القصد الى استغراق أفراد جنس واحد، مما سمي به. أو الى حقيقة القدر المشترك.
فلما جمع و أشير بصيغة الجمع، الى تعدد الأجناس، و بالتعريف الى استغراق أفرادها، أزال التوهّم بلا شبهة.
و انما جمعه بالواو و النون، مع أنه مختص بصفات العقلاء، أو ما في حكمها من أعلامهم، لمشابهته الصفة في دلالته على الذات، باعتبار معنى هو كونه يعلم أو يعلم به.
و اختصاصه بأولي العلم، حقيقة أو تغليبا.
و قيل: وصفيّة «العالمين» انما هي بتقدير ياء النسبة. يعني، العالميين، كالاعجمين. بمعنى، الأعجميين، و اختصاصه بأولي العلم، على سبيل التغليب.
و يمكن أن يجعل جمعه بالواو و النون، اشارة الى سريان الصفات الكمالية من العلم و الحياة و غيرهما، في كل موجود من الموجودات. فالكل أولو العلم.
و قد ذهب اليه بعض، كما يعلم من عبارة بعض.
(و في كتاب التوحيد 265 ، كلام للرضا- عليه السلام- في التوحيد و فيه: و رب إذ لا مربوب.
و فيه 266 ، عن علي- عليه السلام- مثله) 267 .
و عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث طويل 268 و فيه: لعلك ترى أن اللّه انما خلق هذا العالم الواحد، أو 269 ترى أن اللّه لم يخلق بشرا غيركم. بلى و اللّه لقد خلق ألف ألف عالم، و ألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم، و أولئك الآدميين.
و في كتاب الخصال 270 : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- انه قال- في حديث طويل-: ان [علم] 271 عالم المدينة 272 ينتهي الى حيث لا يقفو الأثر و يزجو 273 الطير. و يعلم في اللحظة الواحدة، مسيرة الشمس. تقطع اثني عشر «برجا، و اثني عشر برا، و اثني عشر بحرا، و اثني عشر عالما» 274 .
و بإسناده 275 الى العباد 276 بن عبد الخالق، عمن حدثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ان للّه- عز و جل- اثني عشر ألف عالم. كل عالم منهم 277 اكبر من سبع سماوات و سبع أرضين. ما يرى 278 عالم منهم ان للّه- عز و جل- عالما غيرهم. و أنا الحجة عليهم.
و في عيون الأخيار 279 : حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر- رضي اللّه عنه- قال: حدثني 280 يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، «عن أبيه عن جده» 281 - عليهم السلام- قال: جاء رجل الى الرضا- عليه السلام- فقال له: يا ابن رسول اللّه! أخبرني عن قول اللّه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ما تفسيره؟.
فقال: لقد حدثني أبي، عن جدي، عن الباقر، عن زين العابدين، عن أبيه- عليهم السلام-: ان رجلا جاء الى أمير المؤمنين- عليه السلام- فقال:
أخبرني عن قول اللّه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ما تفسيره؟
فقال: «الحمد للّه»، هو أن عرّف عباده بعض نعمه عليهم، جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها، بالتفصيل. لأنها أكثر من أن تحصى، أو تعرف، فقال لهم: