کتابخانه روایات شیعه
وَ صَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ لِئَلَّا يَنْسَى الْعَبْدُ مُدَبِّرَهُ وَ خَالِقَهُ فَيَبْطَرَ وَ يَطْغَى وَ لِيَكُونَ فِي ذِكْرِ خَالِقِهِ وَ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ زَاجِراً لَهُ عَنِ الْمَعَاصِي وَ حَاجِزاً وَ مَانِعاً عَنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ وَ بُدِئَ بِهِ قِيلَ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْعَبْدُ طَاهِراً إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ إِيَّاهُ مُطِيعاً لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ نَقِيّاً مِنَ الْأَدْنَاسِ وَ النَّجَاسَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْكَسَلِ وَ طَرْدِ النُّعَاسِ وَ تَزْكِيَةِ الْفُؤَادِ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ وَ مسح الرَّأْسِ وَ الرِّجْلَيْنِ قِيلَ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ قَائِماً يَنْكَشِفُ مِنْ جَوَارِحِهِ وَ يَظْهَرُ مَا وَجَبَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِوَجْهِهِ يَسْتَقْبِلُ وَ يَسْجُدُ وَ يَخْضَعُ وَ بِيَدِهِ يَسْأَلُ وَ يَرْغَبُ وَ يَرْهَبُ وَ يَتَبَتَّلُ وَ بِرَأْسِهِ يَسْتَقْبِلُ فِي رُكُوعِهِ وَ سُجُودِهِ وَ بِرِجْلَيْهِ يَقُومُ وَ يَقْعُدُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ وَجَبَ الْغَسْلُ عَلَى الْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ وَ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ لَمْ يُجْعَلْ غَسْلًا كُلَّهُ وَ لَا مَسْحاً كُلَّهُ قِيلَ لِعِلَلٍ شَتَّى مِنْهَا أَنَّ الْعِبَادَةَ إِنَّمَا هِيَ الرُّكُوعُ وَ السُّجُودُ وَ إِنَّمَا يَكُونُ الرُّكُوعُ وَ السُّجُودُ بِالْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ لَا بِالرَّأْسِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ مِنْهَا أَنَّ الْخَلْقَ لَا يُطِيقُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ غَسْلَ الرَّأْسِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ يَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي الْبَرْدِ وَ السَّفَرِ وَ الْمَرَضِ وَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ أَخَفُّ مِنْ غَسْلِ الرَّأْسِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ إِنَّمَا وُضِعَتِ الْفَرَائِضُ عَلَى قَدْرِ أَقَلِّ النَّاسِ طَاقَةً مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ ثُمَّ عُمَّ فِيهَا الْقَوِيُّ وَ الضَّعِيفُ وَ مِنْهَا أَنَّ الرَّأْسَ وَ الرِّجْلَيْنِ لَيْسَ هُمَا فِي كُلِّ وَقْتٍ بَادِيَيْنِ وَ ظَاهِرَيْنِ كَالْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ لِمَوْضِعِ الْعِمَامَةِ وَ الْخُفَّيْنِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ وَجَبَ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ خَاصَّةً وَ مِنَ النَّوْمِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ قِيلَ لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ هُمَا طَرِيقُ النَّجَاسَةِ وَ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقٌ تُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا مِنْهُمَا فَأُمِرُوا بِالطَّهَارَةِ- عِنْدَ مَا تُصِيبُهُمْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَمَّا النَّوْمُ فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ يُفْتَحُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَ اسْتَرْخَى فَكَانَ أَغْلَبَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ مِنْ هَذِهِ النَّجَاسَةِ كَمَا أُمِرُوا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ قِيلَ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ دَائِمٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْخَلْقِ الِاغْتِسَالُ مِنْهُ كُلَّمَا يُصِيبُ ذَلِكَ وَ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَ الْجَنَابَةُ لَيْسَتْ هِيَ أَمْراً دَائِماً إِنَّمَا هِيَ شَهْوَةٌ يُصِيبُهَا إِذَا أَرَادَ وَ يُمْكِنُهُ تَعْجِيلُهَا وَ تَأْخِيرُهَا لِلْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَ الْأَقَلِّ وَ الْأَكْثَرِ وَ لَيْسَ ذَلِكَ هَكَذَا فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ مِنَ الْخَلَاءِ وَ هُوَ أَنْجَسُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَ أَقْذَرُ قِيلَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْجَنَابَةَ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَ هُوَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ جَسَدِهِ وَ الْخَلَاءُ لَيْسَ هُوَ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا هُوَ غِذَاءٌ يَدْخُلُ مِنْ بَابٍ وَ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ صَارَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَرْضاً قِيلَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ وَ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ وَ جَسَدِهِ نَجِسٌ قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ غَلِطَ الْفَضْلُ وَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَ إِنَّمَا هُوَ سُنُّةٌ رَجَعْنَا إِلَى كَلَامِ الْفَضْلِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْأَذَانِ لِمَ أُمِرُوا قِيلَ لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَذْكِيراً لِلسَّاهِي وَ تَنْبِيهاً لِلْغَافِلِ وَ تَعْرِيفاً لِمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ وَ اشْتَغَلَ عَنْهُ وَ دَاعِياً إِلَى عِبَادَةِ الْخَالِقِ مُرَغِّباً فِيهَا مُقِرّاً لَهُ بِالتَّوْحِيدِ مُجَاهِراً بِالْإِيمَانِ مُعْلِناً بِالْإِسْلَامِ مُؤَذِّناً لِمَنْ يَتَسَاهَى وَ إِنَّمَا يُقَالُ مُؤَذِّنٌ لِأَنَّهُ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ بُدِئَ بِالتَّكْبِيرِ قَبْلَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ وَ التَّحْمِيدِ قِيلَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبْدَأَ بِذِكْرِهِ وَ اسْمِهِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ فِي التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الْحَرْفِ وَ فِي التَّسْبِيحِ وَ التَّحْمِيدِ وَ التَّهْلِيلِ اسْمُ اللَّهِ فِي آخِرِ الْحَرْفِ فَبَدَأَ بِالْحَرْفِ الَّذِي اسْمُ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ لَا فِي آخِرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ جُعِلَ مَثْنَى مَثْنَى قِيلَ لِأَنْ يَكُونَ مُكَرَّراً فِي آذَانِ الْمُسْتَمِعِينَ
مُؤَكَّداً عَلَيْهِمْ إِنْ سَهَا أَحَدٌ عَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْهُ عَنِ الثَّانِي وَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ فَكَذَلِكَ جُعِلَ الْأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ جُعِلَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَرْبَعاً قِيلَ لِأَنَّ أَوَّلَ الْأَذَانِ إِنَّمَا يُبْدَأُ غَفْلَةً وَ لَيْسَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُنَبِّهُ الْمُسْتَمِعَ لَهُ فَجَعَلَ الْأَوَّلِينَ تَنْبِيهاً لِلْمُسْتَمِعِينَ لِمَا بَعْدَهُ فِي الْأَذَانِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ جُعِلَ بَعْدَ التَّكْبِيرَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ قِيلَ لِأَنَّ إِكْمَالَ الْإِيمَانِ هُوَ التَّوْحِيدُ وَ الْإِقْرَارُ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَ الثَّانِي الْإِقْرَارُ لِلرَّسُولِ بِالرِّسَالَةِ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا وَ مَعْرِفَتَهُمَا مَقْرُونَتَانِ وَ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ إِنَّمَا هُوَ الشَّهَادَةُ فَجُعِلَتِ الشهادتين [شَهَادَتَيْنِ] شَهَادَتَيْنِ كَمَا جُعِلَ سَائِرُ الْحُقُوقِ شَهَادَتَيْنِ فَإِذَا أُقِرَّ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَ أُقِرَّ لِلرَّسُولِ بِالرِّسَالَةِ فَقَدْ أُقِرَّ بِجُمْلَةِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ جُعِلَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الدُّعَاءُ إِلَى الصَّلَاةِ قِيلَ لِأَنَّ الْأَذَانَ إِنَّمَا وُضِعَ لِمَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَ إِنَّمَا هُوَ نِدَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَجُعِلَ النِّدَاءُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي وَسَطِ الْأَذَانِ فَقَدَّمَ قَبْلَهَا أَرْبَعاً التَّكْبِيرَتَيْنِ وَ الشَّهَادَتَيْنِ وَ أَخَّرَ بَعْدَهَا أَرْبَعاً يَدْعُو إِلَى الْفَلَاحِ حَثّاً عَلَى الْبِرِّ وَ الصَّلَاةِ ثُمَّ دَعَا إِلَى خَيْرِ الْعَمَلِ مُرَغِّباً فِيهَا وَ فِي عَمَلِهَا وَ فِي أَدَائِهَا ثُمَّ نَادَى بِالتَّكْبِيرِ وَ التَّهْلِيلِ لِيُتِمَّ بَعْدَهَا أَرْبَعاً كَمَا أَتَمَّ قَبْلَهَا أَرْبَعاً وَ لِيَخْتِمَ كَلَامَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَ تَحْمِيدِهِ كَمَا فَتَحَهُ بِذِكْرِهِ وَ تَحْمِيدِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ جُعِلَ آخِرُهَا التَّهْلِيلَ وَ لَمْ يُجْعَلْ آخِرُهَا التَّكْبِيرَ كَمَا جُعِلَ فِي أَوَّلِهَا التَّكْبِيرُ قِيلَ لِأَنَّ التَّهْلِيلَ اسْمُ اللَّهِ فِي آخِرِ الْحَرْفِ مِنْهُ فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ يَخْتِمَ الْكَلَامَ بِاسْمِهِ كَمَا فَتَحَهُ بِاسْمِهِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ بَدَلَ التَّهْلِيلِ التَّسْبِيحُ وَ التَّحْمِيدُ وَ اسْمُ اللَّهِ فِي آخِرِ الْحَرْفِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ قِيلَ لِأَنَّ التَّهْلِيلَ إِقْرَارٌ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَ خَلْعُ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ هُوَ أَوَّلُ الْإِيمَانِ وَ أَعْظَمُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَ التَّحْمِيدِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ بَدَأَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ وَ الْقِيَامِ وَ الْقُعُودِ
بِالتَّكْبِيرِ قِيلَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَذَانِ. فَإِنْ قَالَ- فَلِمَ جُعِلَ الدُّعَاءُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَ لِمَ جُعِلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْقُنُوتُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قِيلَ لِأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَحَ قِيَامَهُ لِرَبِّهِ وَ عِبَادَتَهُ بِالتَّحْمِيدِ وَ التَّقْدِيسِ وَ الرَّغْبَةِ وَ الرَّهْبَةِ وَ يَخْتِمَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَ لِيَكُونَ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْقُنُوتِ بَعْضُ الطُّولِ فَأَحْرَى أَنْ يُدْرِكَ الْمُدْرِكُ الرُّكُوعَ فَلَا يَفُوتُهُ الرَّكْعَتَانِ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لِأَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ مَهْجُوراً مُضَيِّعاً بَلْ يَكُونُ مَحْفُوظاً مَدْرُوساً فَلَا يَضْمَحِلَّ وَ لَا يُجْهَلَ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ بَدَأَ بِالْحَمْدِ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ دُونَ سَائِرِ السُّوَرِ قِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَ الْكَلَامِ جُمِعَ فِيهِ مِنْ جَوَامِعِ الْخَيْرِ وَ الْحِكْمَةِ مَا جُمِعَ فِي سُورَةِ الْحَمْدِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنَّمَا هُوَ أَدَاءٌ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الشُّكْرِ لَمَّا وَفَّقَ عَبْدَهُ لِلْخَيْرِ رَبِّ الْعالَمِينَ تَمْجِيداً لَهُ وَ تَحْمِيداً وَ إِقْرَاراً بِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ لَا غَيْرُ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسْتِعْطَافٌ وَ ذِكْرٌ لِرَبِّهِ وَ نَعْمَائِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِقْرَارٌ لَهُ بِالْبَعْثِ وَ الْحِسَابِ وَ الْمُجَازَاةِ وَ إِيجَابٌ لَهُ مُلْكَ الْآخِرَةِ كَمَا أَوْجَبَ لَهُ مُلْكَ الدُّنْيَا إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَغْبَةً وَ تَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ وَ إِخْلَاصاً بِالْعَمَلِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اسْتِزَادَةً مِنْ تَوْفِيقِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ اسْتِدَامَةً لِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَ نَصَرَهُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ اسْتِرْشَاداً لِأَدَبِهِ وَ مُعْتَصِماً بِحَبْلِهِ وَ اسْتِزَادَةً فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ وَ بِعَظَمَتِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ تَوْكِيداً فِي السُّؤَالِ وَ الرَّغْبَةِ وَ ذكر [ذِكْراً] لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ رَغْبَةً فِي مِثْلِ تِلْكَ النِّعَمِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اسْتِعَاذَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُعَانِدِينَ الْكَافِرِينَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِهِ وَ بِأَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ لَا الضَّالِّينَ اعْتِصَاماً مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ جَوَامِعِ الْخَيْرِ وَ الْحِكْمَةِ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَ الدُّنْيَا مَا لَا يَجْمَعُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ التَّسْبِيحُ وَ الرُّكُوعُ وَ السُّجُودُ قِيلَ لِعِلَلٍ
مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَعَ خُضُوعِهِ وَ خُشُوعِهِ وَ تَعَبُّدِهِ وَ تَوَرُّعِهِ وَ اسْتِكَانَتِهِ وَ تَذَلُّلِهِ وَ تَوَاضُعِهِ وَ تَقَرُّبِهِ إِلَى رَبِّهِ مُقَدِّساً لَهُ مُمَجِّداً مُسَبِّحاً مُعَظِّماً شَاكِراً لِخَالِقِهِ وَ رَازِقِهِ وَ لِيَسْتَعْمِلَ التَّسْبِيحَ وَ التَّحْمِيدَ كَمَا اسْتَعْمَلَ التَّكْبِيرَ وَ التَّهْلِيلَ وَ لِيَشْغَلَ قَلْبَهُ وَ ذِهْنَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ الْفِكْرُ وَ الْأَمَانِيُّ غَيْرَ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ أَصْلُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَ لِمَ زِيدَ عَلَى بَعْضِهَا رَكْعَةٌ وَ عَلَى بَعْضِهَا رَكْعَتَانِ وَ لَمْ يُزَدْ عَلَى بَعْضِهَا شَيْءٌ قِيلَ لِأَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ إِنَّمَا هِيَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَدَدِ وَاحِدٌ فَإِذَا نَقَصَتْ مِنْ وَاحِدٍ فَلَيْسَتْ هِيَ صَلَاةً فَعَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ الْعِبَادَ لَا يُؤَدُّونَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ الَّتِي لَا صَلَاةَ أَقَلُّ مِنْهَا بِكَمَالِهَا وَ تَمَامِهَا وَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا فَقَرَنَ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِيَتِمَّ بِالثَّانِيَةِ مَا نَقَصَ مِنَ الْأُولَى فَفَرَضَ اللَّهُ أَصْلَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَّ الْعِبَادَ لَا يُؤَدُّونَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بِتَمَامِ مَا أُمِرُوا بِهِ وَ بِكَمَالِهَا فَضَمَّ إِلَى الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ وَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لِيَكُونَ فِيهَا تَمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ يَكُونُ شُغُلُ النَّاسِ فِي وَقْتِهَا أَكْثَرَ لِلِانْصِرَافِ إِلَى الْإِفْطَارِ وَ الْأَكْلِ وَ الْوُضُوءِ وَ التَّهْيِئَةِ لِلْمَبِيتِ فَزَادَ فِيهَا رَكْعَةً وَاحِدَةً لِتَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِمْ وَ لِأَنْ تَصِيرَ رَكَعَاتُ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ فَرْداً ثُمَّ تَرَكَ الْغَدَاةَ عَلَى حَالِهَا لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ فِي وَقْتِهَا أَكْثَرُ وَ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْحَوَائِجِ فِيهَا أَعَمُّ وَ لِأَنَّ الْقُلُوبَ فِيهَا أَخْلَى مِنَ الْفِكْرِ لِقِلَّةِ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ بِاللَّيْلِ وَ قِلَّةِ الْأَخْذِ وَ الْإِعْطَاءِ فَالْإِنْسَانُ فِيهَا أَقْبَلُ عَلَى صَلَاتِهِ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْفِكْرَ أَقَلُّ لِعَدَمِ الْعَمَلِ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ قِيلَ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا وَاحِدٌ وَ سَائِرَهَا سُنَّةٌ وَ إِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ كُلُّهُ سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ تَكْبِيرَةِ اسْتِفْتَاحٍ وَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَ تَكْبِيرَتَيِ السُّجُودِ وَ تَكْبِيرَةٍ أَيْضاً فِي الرُّكُوعِ وَ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلسُّجُودِ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِنْسَانُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ فَقَدْ عَلِمَ أَجْزَاءَ التَّكْبِيرِ كُلَّهُ فَإِنْ سَهَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ
نَقْصٌ فِي صَلَاتِهِ كَمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَنْ كَبَّرَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ أَجْزَأَهُ وَ تُجْزِي تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ إِنْ لَمْ يُكَبِّرْ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ إِذَا تَرَكَهَا سَاهِياً أَوْ نَاسِياً قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ غَلِطَ الْفَضْلُ إِنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فَرِيضَةٌ وَ إِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ رَجَعْنَا إِلَى كَلَامِ الْفَضْلِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ رَكْعَةً وَ سَجْدَتَيْنِ قِيلَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مِنْ فِعْلِ الْقِيَامِ وَ السُّجُودَ مِنْ فِعْلِ الْقُعُودِ وَ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ فَضُوعِفَ السُّجُودُ لِيَسْتَوِيَ بِالرُّكُوعِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا هِيَ رُكُوعٌ وَ سُجُودٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ جُعِلَ التَّشَهُّدُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا قُدِّمَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ مِنَ الْأَذَانِ وَ الدُّعَاءِ وَ الْقِرَاءَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضاً أُخِّرَ بَعْدَهَا التَّشَهُّدُ وَ التَّحْمِيدُ وَ الدُّعَاءُ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ التَّسْلِيمُ تَحْلِيلَ الصَّلَاةِ وَ لَمْ يُجْعَلْ بَدَلُهَا تَكْبِيراً أَوْ تَسْبِيحاً أَوْ ضَرْباً آخَرَ قِيلَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَ التَّوَجُّهُ إِلَى الْخَالِقِ كَانَ تَحْلِيلُهَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ وَ الِانْتِقَالَ عَنْهَا وَ إِنَّمَا بَدَأَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْكَلَامِ أَوَّلًا بِالتَّسْلِيمِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَ التَّسْبِيحُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عِنْدِهِ وَ مَا فَرَضَهُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِهِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَتِ الْجَمَاعَةُ قِيلَ لِأَنْ لَا يَكُونَ الْإِخْلَاصُ وَ التَّوْحِيدُ وَ الْإِسْلَامُ وَ الْعِبَادَةُ لِلَّهِ لا [إِلَّا] ظَاهِراً مَكْشُوفاً مَشْهُوداً لِأَنَّ فِي إِظْهَارِهِ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَحْدَهُ وَ لِيَكُونَ الْمُنَافِقُ وَ الْمُسْتَخِفُّ مُؤَدِّياً لِمَا أَقَرَّ بِهِ بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَ الْمُرَاقَبَةِ وَ لِأَنْ تَكُونَ شَهَادَاتُ النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ جَائِزَةً مُمْكِنَةً مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ الزَّجْرِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ