کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْحَكَمَيْنِ، تَحَمَّلَ إِلَيْهِ مُقْبِلًا هَالَهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ مُعَسْكَراً، وَ بَعَثَ إِلَى كُوَرِ الشَّامِ، فَصَاحَ بِهَا [فِيهَا «خ ل»] أَنَّ عَلِيّاً قَدْ سَارَ إِلَيْكُمْ. وَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ نُسْخَةً وَاحِدَةً، فَقُرِئَتْ عَلَى النَّاسِ؛ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ عَلِيٍّ كِتَاباً، وَ شَرَطْنَا فِيهِ شُرُوطاً، وَ حَكَّمْنَا رَجُلَيْنِ يَحْكُمَانِ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكِتَابِ، لَا يَعْدُوَانِهِ، وَ جَعَلْنَا عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ عَلَى مَنْ نَكَثَ الْعَهْدَ، وَ لَمْ يُمْضِ الْحُكْمَ، وَ إِنَّ حَكَمِيَ الَّذِي كُنْتُ حَكَّمْتُهُ أَثْبَتَنِي، وَ إِنَّ حَكَمَهُ خَلَعَهُ، وَ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ ظَالِماً، « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » تَجَهَّزُوا لِلْحَرْبِ، بِأَحْسَنِ الْجَهَازِ، وَ أَعِدُّوا آلَةَ الْقِتَالِ، وَ أَقْبِلُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ كُسَالَى وَ نَشَاطاً، يَسَّرَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ.
فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنْ كُلِّ كُورَةٍ، وَ أَرَادُوا الْمَسِيرَ إِلَى صِفِّينَ، فَاسْتَشَارَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَمَكَثُوا يُجِيلُونَ الرَّأْيَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ عُيُونُهُمْ، أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَفَارَقَتْهُ مِنْهُ فِرْقَةٌ أَنْكَرَتْ أَمْرَ الْحُكُومَةِ، وَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْكُمْ إِلَيْهِمْ، فَكَبَّرَ النَّاسُ سُرُوراً لِانْصِرَافِهِ عَنْهُمْ، وَ مَا أُلْقِيَ مِنَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ.
فَلَمْ يَزَلْ مُعَاوِيَةُ مُعَسْكَراً فِي مَكَانِهِ، حَتَّى جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ قَتَلَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجَ، وَ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيْهِ بِالنَّاسِ، وَ أَنَّهُمْ اسْتَنْظَرُوهُ وَ دَافَعُوهُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ هُوَ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنَ النَّاسِ.
وَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعَدَةَ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِنَ الْكُوفَةِ، وَ نَحْنُ مُعَسْكَرُونَ مَعَ مُعَاوِيَةَ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَفْرُغَ عَلِيٌّ مِنْ خَارِجَتِهِ، ثُمَّ يُقْبِلَ إِلَيْنَا، وَ كَانَ فِي كِتَابِهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَلِيّاً خَرَجَ عَلَيْهِ عِلِيَّةُ أَصْحَابِهِ وَ نُسَّاكُهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ، وَ قَدْ فَسَدَ عَلَيْهِ جُنْدُهُ وَ أَهْلُ مِصْرِهِ، وَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَ تَفَرَّقُوا أَشَدَّ الْفُرْقَةِ، فَأَحْبَبْتُ إِعْلَامَكَ. وَ السَّلَامُ.
قَالَ فَقَرَأَهُ [مُعَاوِيَةُ] عَلَى أَخِيهِ وَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَ قَالَ: لَقَدْ رَضِيَ أَخُوكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا عَيْناً. قَالَ: فَضَحِكَ الْوَلِيدُ وَ قَالَ:
إِنَّ فِي ذَلِكَ أَيْضاً لَنَفْعاً.
فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ، وَ قَالَ لَهُ: سِرْ حَتَّى تَمُرَّ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ، وَ تَرْتَفِعَ عَنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ، فَمَنْ وَجَدْتَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ، فَأَغِرْ عَلَيْهِ، وَ إِنْ وَجَدْتَ لَهُ مَسْلَحَةً أَوْ خَيْلًا فَأَغِرْ عَلَيْهِمَا، وَ إِذَا أَصْبَحْتَ فِي بَلْدَةٍ، فَأَمْسِ فِي أُخْرَى، وَ لَا تُقِيمَنَّ لِخَيْلٍ بَلَغَكَ عَنْهَا أَنَّهَا قَدْ سُرِّحَتْ إِلَيْكَ لِتَلْقَاهَا فَتُقَاتِلَهَا. فَسَرَّحَهُ فِيمَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ إِلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ.
فَأَقْبَلَ الضَّحَّاكُ لِنَهْبِ الْأَمْوَالِ، وَ قَتْلِ مَنْ لَقِيَ مِنَ الْأَعْرَابِ، حَتَّى مَرَّ بِالثَّعْلَبِيَّةِ فَأَغَارَ عَلَى الْحَاجِّ، فَأَخَذَ أَمْتِعَتَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيَ عَمْرَو بْنَ عُمَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الذُّهْلِيِّ وَ هُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَتَلَهُ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ، عِنْدَ الْقُطْقُطَانَةِ، وَ قَتَلَ مَعَهُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَصَعِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمِنْبَرَ وَ قَالَ:
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ! اخْرُجُوا إِلَى [الْعَبْدِ] الصَّالِحِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْسٍ وَ إِلَى جُيُوشٍ لَكُمْ قَدْ أُصِيبَ مِنْهُمْ طَرَفٌ، اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوَّكُمْ، وَ امْنَعُوا حَرِيمَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.
فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدّاً ضَعِيفاً وَ رَأَى مِنْهُمْ عَجْزاً وَ فَشَلًا فَقَالَ:
وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُلِّ مِائَةٍ مِنْكُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ، وَيْحَكُمْ اخْرُجُوا مَعِي، ثُمَّ فِرُّوا عَنِّي مَا بَدَا لَكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا أَكْرَهُ لِقَاءَ رَبِّي عَلَى نِيَّتِي وَ بَصِيرَتِي، وَ فِي ذَلِكَ رَوْحٌ لِي عَظِيمٌ، وَ فَرَجٌ مِنْ مُنَاجَاتِكُمْ وَ مُعَانَاتِكُمْ وَ مُقَاسَاتِكُمْ وَ مُدَارَاتِكُمْ، مِثْلَ مَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ، وَ الثِّيَابُ الْمُتَهَتِّرَةُ، كُلَّمَا خِيطَتْ مِنْ جَانِبٍ، تَهَتَّكَتْ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ.
ثُمَّ نَزَلَ، فَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى بَلَغَ الْغَرِيَّيْنِ، ثُمَّ دَعَا حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ فَعَقَدَ لَهُ رَايَةً عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَخَرَجَ حُجْرٌ حَتَّى مَرَّ بِالسَّمَاوَةِ وَ هِيَ
أَرْضٌ كَلِبٌ، فَلَقِيَ بِهَا إِمْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ أَوْسٍ الْكَلْبِيَّ، وَ هُمْ أَصْهَارُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانُوا أَدِلَّاءَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَ عَلَى الْمِيَاهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُغِذّاً فِي أَثَرِ الضَّحَّاكِ، حَتَّى لَقِيَهُ بِنَاحِيَةِ تَدْمُرَ فَوَاقَعَهُ؛ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الضَّحَّاكِ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ حُجْرٍ رَجُلَانِ، وَ حَجَزَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ، فَمَضَى الضَّحَّاكُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ يَجِدُوا لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ أَثَراً، فَكَتَبَ عَقِيلٌ هَذَا الْكِتَابَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَثَرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ.
[905] 5465 - وَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ أَيْضاً: ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْغَارَاتِ، أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَدِمَ هُوَ وَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ، بَعْدَ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَدْفَعَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، لِيُقِيدَهُمْ بِعُثْمَانَ. وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَا لَهُ عَلَيْهِ أَهْلَ الشَّامِ بِذَلِكَ، وَ أَنْ يُظْهِرَا عُذْرَهُ، فَلَمَّا أَتَيَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَ أَدَّيَا الرِّسَالَةَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنُّعْمَانِ: حَدِّثْنِي عَنْكَ أَ أَنْتَ أَهْدَى مِنْ قَوْمِكَ سَبِيلًا؟ يَعْنِي الْأَنْصَارَ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَكُلُّ قَوْمِكَ قَدِ اتَّبَعَنِي، إِلَّا شُذَّاذٌ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَتَكُونُ أَنْتَ مِنَ الشُّذَّاذِ؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَكُونَ مَعَكَ، وَ قَدْ طَمِعْتُ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَكُمَا صُلْحاً، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ رَأْيُكَ، فَإِنِّي مُلَازِمُكَ.
فَأَقَامَ النُّعْمَانُ، وَ لَحِقَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالشَّامِ. وَ فَرَّ النُّعْمَانُ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الشَّامِ، فَأَخَذَهُ فِي الطَّرِيقِ مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ الْأَرْحَبِيُّ، وَ كَانَ عَامِلَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَتَضَرَّعَ وَ اسْتَشْفَعَ [لَهُ قَرَظَةُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ] حَتَّى خَلَّى سَبِيلَهُ، وَ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ خَبَّرَ بِمَا لَقِيَ وَ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ.
فَلَمَّا غَزَى الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَرْضَ الْعِرَاقِ، بَعَثَ مُعَاوِيَةُ النُّعْمَانَ مَعَ
أَلْفَيْ رَجُلٍ وَ أَوْصَاهُ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْمُدُنَ وَ الْجَمَاعَاتِ، وَ أَنْ لَا يُغِيرَ عَلَى مَسْلَحَةٍ، وَ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ، فَأَقْبَلَ النُّعْمَانُ حَتَّى دَنَا مِنْ عَيْنِ التَّمْرِ وَ بِهَا مَالِكٌ، وَ مَعَ مَالِكٍ أَلْفُ رَجُلٍ، وَ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا مِائَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَعِدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ! الْمِنْسَرُ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ، إِذَا أَظَلَّ عَلَيْكُمْ انْجَحَرْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَغْلَقْتُمْ أَبْوَابَكُمْ، انْجَازَ الضَّبَّةُ فِي جُحْرِهَا، وَ الضَّبُعُ فِي وِجَارِهَا، الذَّلِيلُ وَ اللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَ مَنْ رَمَى بِكُمْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ، أُفٍّ لَكُمْ، لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ تَرَحاً!! وَيْحَكُمْ يَوْماً أُنَاجِيكُمْ، وَ يَوْماً أُنَادِيكُمْ، فَلَا أَحْرَارَ عِنْدَ النِّدَاءِ 5466 ، وَ لَا إِخْوَانَ صَدَقَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، أَنَا وَ اللَّهِ مُنِيتُ بِكُمْ، صُمٌّ لَا تَسْمَعُونَ، بُكْمٌ لَا تَعْقِلُونَ، عُمْيٌ لَا تُبْصِرُونَ!! فَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَيْحَكُمْ اخْرُجُوا هَدَاكُمُ اللَّهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ أَخِيكُمْ، فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ فِي جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، فَانْهَضُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يَقْطَعُ بِكُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ طَرَفاً.
ثُمَّ نَزَلَ.
فَلَمْ يَخْرُجُوا، فَأَرْسَلَ إِلَى وُجُوهِهِمْ وَ كُبَرَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْهَضُوا وَ يَحُثُّوا النَّاسَ عَلَى الْمَسِيرِ، فَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئاً. وَ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ دُونِهَا فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:
أَلَا إِنِّي مُنِيتُ بِمَنْ لَا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ، وَ لَا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ، لَا أَبَا لَكُمْ، مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ؟ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ؟ وَ لَا حَمِيَّةٌ تُحْمِشُكُمْ؟ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً، وَ أُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً، فَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا، وَ لَا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً، حَتَّى تَكْشِفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ، فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ، وَ لَا يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ!!
دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ، وَ تَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ.
فَقَامَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: هَذَا وَ اللَّهِ الْخِذْلَانُ، مَا عَلَى هَذَا بَايَعْنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. [ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ] إِنَّ مَعِي مِنْ طَيٍّ أَلْفَ رَجُلٍ لَا يَعْصُونِي، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَسِيرَ بِهِمْ سِرْتُ. قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَعْرِضَ قَبِيلَةً وَاحِدَةً مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ لِلنَّاسِ، وَ لَكِنِ اخْرُجْ إِلَى النُّخَيْلَةِ وَ عَسْكِرْ بِهِمْ.
فَخَرَجَ [عَدِيٌ] فَعَسْكَرَ وَ فَرَضَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ.
فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَلْفُ فَارِسٍ، عَدَا طَيّاً أَصْحَابُ عَدِيٍّ. وَ وَرَدَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْخَبَرُ بِهَزِيمَةِ النُّعْمَانِ وَ نُصْرَةِ مَالِكٍ.
وَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَوْزَةَ الْأَزْدِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ حِينَ نَزَلَ بِنَا النُّعْمَانُ، وَ هُوَ فِي أَلْفَيْنِ وَ مَا نَحْنُ إِلَّا مِائَةٌ؛ فَقَالَ لَنَا: قَاتِلُوهُمْ فِي الْقَرْيَةِ وَ اجْعَلُوا الْجُدُرَ فِي ظُهُورِكُمْ، وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصُرُ الْعَشَرَةَ عَلَى الْمِائَةِ، وَ الْمِائَةَ عَلَى الْأَلْفِ، وَ الْقَلِيلَ عَلَى الْكَثِيرِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ مَنْ هَاهُنَا إِلَيْنَا مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ، وَ مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ، فَارْكُضْ إِلَيْهِمَا فَأَعْلِمْهُمَا حَالَنَا، وَ قُلْ لَهُمَا فَلْيَنْصُرَانَا.
فَمَرَرْتُ بِقَرَظَةَ فَاسْتَصْرَخْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا صَاحِبُ خَرَاجٍ، وَ لَيْسَ عِنْدِي مَنْ أُغِيثُهُ بِهِ!! فَمَضَيْتُ إِلَى مِخْنَفٍ، فَسَرَّحَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مِخْنَفٍ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، وَ قَاتَلَ مَالِكٌ وَ أَصْحَابُهُ، النُّعْمَانَ وَ أَصْحَابَهُ إِلَى الْعَصْرِ، فَأَتَيْنَاهُ وَ قَدْ كَسَرَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، وَ اسْتَقْبَلُوا الْمَوْتَ، فَلَوْ أَبْطَأْنَا مِنْهُمْ هَلَكُوا، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَآنَا أَهْلُ الشَّامِ وَ قَدْ أَقْبَلْنَا عَلَيْهِمْ، أَخَذُوا يَنْكُصُونَ عَنْهُمْ وَ يَرْتَفِعُونَ، وَ رَآنَا مَالِكٌ وَ أَصْحَابُهُ، فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ حَتَّى دَفَعُوهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ، فَاسْتَعْرَضْنَاهُمْ فَصَرَعْنَا
مِنْهُمْ رِجَالًا ثَلَاثَةً، فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّ لَنَا مَدَداً، وَ حَالَ اللَّيْلُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ، فَانْصَرَفُوا إِلَى أَرْضِهِمْ.
وَ كَتَبَ مَالِكٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِنَا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَالظَّاهِرِ عَلَيْنَا، وَ كَانَ عِظَمُ أَصْحَابِي مُتَفَرِّقِينَ، وَ كُنَّا لِلَّذِي كَانَ مِنْهُمْ آمِنِينَ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِمْ رِجَالًا مُصْلِتِينَ، فَقَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى الْمَسَاءِ، وَ اسْتَصْرَخْنَا مِخْنَفَ بْنَ سُلَيْمٍ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رِجَالًا مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وُلْدِهِ، فَنِعْمَ الْفَتَى، وَ نِعْمَ الْأَنْصَارُ كَانُوا، فَحَمَلْنَا عَلَى عَدُوِّنَا وَ شَدَدْنَا عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا نَصْرَهُ، وَ هَزَمَ عَدُوَّهُ، وَ أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَ السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ..
وَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ، قَالَ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ دَخَلْتُ إِلَيْكُمْ وَ لَيْسَ لِي سَوْطٌ إِلَّا الدِّرَّةُ، فَرَفَعْتُمُونِي إِلَى السَّوْطِ، ثُمَّ رَفَعْتُمُونِي إِلَى الْحِجَارَةِ، أَوْ قَالَ: الْحَدِيدِ، أَلْبَسَكُمُ اللَّهُ شِيَعاً، وَ أَذَاقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ بِالْقِدْحِ الْأَخْيَبِ.
وَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُ، وَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَرَقَ يَتَقَعْقَعُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ مَنَعُونِي مَا فِيهِ، فَأَعْطِنِي مَا فِيهِ، اللَّهُمَّ قَدْ أَبْغَضْتُهُمْ وَ أَبْغَضُونِي، وَ مَلِلْتُهُمْ وَ مَلُّونِي وَ حَمَلُونِي عَلَى غَيْرِ خُلُقِي وَ طَبِيعَتِي وَ أَخْلَاقٍ لَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ لِي.
اللَّهُمَّ فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وَ أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي. اللَّهُمَّ أَمِثْ قُلُوبَهُمْ مَيْثَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ.
وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدِ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ حَتَّى أَدْمَوْا رِجْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ كَرِهْتُهُمْ وَ كَرِهُونِي، فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ، وَ أَرِحْهُمْ مِنِّي.
وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فُرَاتٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي وَ ضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي. أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَ الْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَ آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَ عُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَ يَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتَ فَانْصُرُوهُ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْحَقِّ.
قَالَ: فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ زَيْدٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] 5467 .
. بيان: أحمشته: أي أغضبته. و المستصرخ: المستنصر. و المتغوّث: القائل: وا غوثاه.
و الثار: الدّم و الطلب به، و قاتل حميمك. ذكره الفيروزآبادي.
و الجرجرة: صوت يردّده البعير في حنجرته، و أكثر ما يكون ذلك عند الإعياء و التّعب. و السرر: داء يأخذ البعير في سرّته، يقال منه: جمل أسرّ. و النضو:
البعير المهزول. و الأدبر: الذي به دبر و هي القروح في ظهره. و الجنيد: تصغير الجند.
و قال السّيّد الرضيّ رضي اللّه عنه: «متذائب»: أي مضطرب، من قولهم:
تذاءبت الريح أي: اضطرب هبوبها، و منه سمّي الذئب لاضطراب مشيه.