کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ قَالَ آخَرُ مِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتَ أَنَّ عَلِيّاً ع كَانَ بَالِغاً حِينَ دَعَاهُ النَّبِيُّ ص فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ صَبِيّاً حِينَ دَعَا وَ لَمْ يَكُنْ جَازَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَ لَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ فَقَالَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَعْرَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ص لِيَدْعُوَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّكْلِيفِ قَوِيٌّ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِ فَقَدْ لَزِمَ النَّبِيَّ ص قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ 3400 وَ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ كَلَّفَ النَّبِيُّ ص عِبَادَ اللَّهِ مَا لَا يُطِيقُونَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ وَ لَا يَأْمُرُ بِهِ حَكِيمٌ وَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمُحَالِ وَ جَلَّ الرَّسُولُ عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ فِي حِكْمَةِ الْحَكِيمِ فَسَكَتَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ جَمِيعاً فَقَالَ الْمَأْمُونُ قَدْ سَأَلْتُمُونِي وَ نَقَضْتُمْ عَلَيَّ أَ فَأَسْأَلُكُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ أَ لَيْسَ رَوَتِ الْأُمَّةُ بِإِجْمَاعٍ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ 3401 قَالُوا بَلَى قَالَ وَ رَوَوْا عَنْهُ ع أَنَّهُ قَالَ مَنْ عَصَى اللَّهَ بِمَعْصِيَةٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ ثُمَّ اتَّخَذَهَا دِيناً وَ مَضَى مُصِرّاً عَلَيْهَا فَهُوَ مُخَلَّدٌ بَيْنَ أَطْبَاقِ الْجَحِيمِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَخَبِّرُونِي عَنْ رَجُلٍ يَخْتَارُهُ الْعَامَّةُ فَتَنْصِبُهُ خَلِيفَةً هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ الرَّسُولُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ كَابَرْتُمْ وَ إِنْ قُلْتُمْ لَا وَجَبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ص وَ أَنَّكُمْ مُتَعَرِّضُونَ لِأَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ وَسَمَهُ النَّبِيُّ ص بِدُخُولِ النَّارِ وَ خَبِّرُونِي فِي أَيِّ قَوْلَيْكُمْ صَدَقْتُمْ أَ فِي قَوْلِكُمْ مَضَى ص وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَوْ فِي قَوْلِكُمْ لِأَبِي بَكْرٍ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ كُنْتُمْ صَدَقْتُمْ فِي الْقَوْلَيْنِ فَهَذَا
مَا لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ إِذْ كَانَ مُتَنَاقِضاً وَ إِنْ كُنْتُمْ صَدَقْتُمْ فِي أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْآخَرُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ انْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ دَعُوا التَّقْلِيدَ وَ تَجَنَّبُوا الشُّبُهَاتِ فَوَ اللَّهِ مَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا مِنْ عَبْدٍ لَا يَأْتِي إِلَّا بِمَا يَعْقِلُ وَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَ الرَّيْبُ شَكٌّ وَ إِدْمَانُ الشَّكِّ كُفْرٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ وَ خَبِّرُونِي هَلْ يَجُوزُ ابْتِيَاعُ أَحَدِكُمْ عَبْداً فَإِذَا ابْتَاعَهُ صَارَ مَوْلَاهُ وَ صَارَ الْمُشْتَرِي عَبْدَهُ قَالُوا لَا قَالَ كَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ لِهَوَاكُمْ وَ اسْتَخْلَفْتُمُوهُ صَارَ خَلِيفَةً عَلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ وَلَّيْتُمُوهُ أَ لَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْخُلَفَاءَ عَلَيْهِ بَلْ تُوَلُّونَ خَلِيفَةً وَ تَقُولُونَ إِنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ إِذَا سَخِطْتُمْ عَلَيْهِ قَتَلْتُمُوهُ كَمَا فُعِلَ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا رَضُوا عَنْهُ وَلَّوْهُ وَ إِذَا سَخِطُوا عَلَيْهِ عَزَلُوهُ قَالَ فَلِمَنِ الْمُسْلِمُونَ وَ الْعِبَادُ وَ الْبِلَادُ قَالُوا الله [لِلَّهِ] عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَ بِلَادِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ مَنْ أَحْدَثَ فِي مُلْكِ غَيْرِهِ حَدَثاً فَهُوَ ضَامِنٌ وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فَإِنْ فَعَلَ فَآثِمٌ غَارِمٌ ثُمَّ قَالَ خَبِّرُونِي عَنِ النَّبِيِّ ص هَلِ اسْتَخْلَفَ حِينَ مَضَى أَمْ لَا فَقَالُوا لَمْ يَسْتَخْلِفْ قَالَ فَتَرْكُهُ ذَلِكَ هُدًى أَمْ ضَلَالٌ قَالُوا هُدًى قَالَ فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَّبِعُوا الْهُدَى وَ يَتَنَكَّبُوا الضَّلَالَةَ قَالُوا قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ فَلِمَ اسْتَخْلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ وَ قَدْ تَرَكَهُ هُوَ فَتَرْكُ فِعْلِهِ ضَلَالٌ وَ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ خِلَافُ الْهُدَى هُدًى وَ إِذَا كَانَ تَرْكُ الِاسْتِخْلَافِ هُدًى فَلِمَ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ وَ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ ص وَ لِمَ جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافاً عَلَى صَاحِبِهِ زَعَمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ص لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ وَ عُمَرَ لَمْ يَتْرُكِ الِاسْتِخْلَافَ كَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ ص بِزَعْمِكُمْ وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَ جَاءَ بِمَعْنًى ثَالِثٍ فَخَبِّرُونِي أَيُّ ذَلِكَ تَرَوْنَهُ صَوَاباً فَإِنْ رَأَيْتُمْ فِعْلَ النَّبِيِّ ص صَوَاباً فَقَدْ خَطَّأْتُمْ أَبَا بَكْرٍ وَ كَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَقَاوِيلِ
وَ خَبِّرُونِي أَيُّهُمَا أَفْضَلُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ ص بِزَعْمِكُمْ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ مَا صَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ وَ خَبِّرُونِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ مِنَ الرَّسُولِ ص هُدًى وَ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ هُدًى فَيَكُونَ هُدًى ضِدَّ هُدًى فَأَيْنَ الضَّلَالُ حِينَئِذٍ وَ خَبِّرُونِي هَلْ وُلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ ص بِاخْتِيَارِ الصَّحَابَةِ مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ ص إِلَى الْيَوْمِ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَمِلُوا ضَلَالَةً بَعْدَ النَّبِيِّ ص وَ إِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ كَذَّبْتُمُ الْأُمَّةَ وَ أَبْطَلَ قَوْلَكُمْ الْوُجُودُ الَّذِي لَا يُدْفَعُ وَ خَبِّرُونِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ 3402 أَ صِدْقٌ هَذَا أَمْ كِذْبٌ قَالُوا صِدْقٌ قَالَ أَ فَلَيْسَ مَا سِوَى اللَّهِ لِلَّهِ إِذْ كَانَ مُحْدِثَهُ وَ مَالِكَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَفِي هَذَا بُطْلَانُ مَا أَوْجَبْتُمْ مِنِ اخْتِيَارِكُمْ خَلِيفَةً تَفْتَرِضُونَ طَاعَتَهُ إِذَا اخْتَرْتُمُوهُ وَ تُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنْتُمُ اسْتَخْلَفْتُمُوهُ وَ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْكُمْ إِذَا غَضِبْتُمْ عَلَيْهِ وَ عَمِلَ بِخِلَافِ مَحَبَّتِكُمْ وَ هُوَ مَقْتُولٌ إِذَا أَبَى الِاعْتِزَالَ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَتَلْقَوْا وَبَالَ ذَلِكَ غَداً إِذَا قُمْتُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ كَذَّبْتُمْ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدِينَ وَ قَدْ قَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ نَصَحْتُ لَهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَرْشَدْتُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ مَا وَجَبَ عَلَيَّ إِخْرَاجُهُ مِنْ عُنُقِي اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَدَعْهُمْ فِي رَيْبٍ وَ لَا فِي شَكٍّ اللَّهُمَّ إِنِّي أَدِينُ بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْكَ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ ع عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ نَبِيِّكَ ص كَمَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُكَ صَلَوَاتُكَ وَ سَلَامُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ ثُمَّ افْتَرَقْنَا فَلَنْ نَجْتَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قُبِضَ الْمَأْمُونُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْأَشْعَرِيُّ وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ لِمَ سَكَتُّمْ قَالُوا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَالَ يَكْفِينِي هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ
قَالَ فَخَرَجْنَا مُتَحَيِّرِينَ خَجِلِينَ ثُمَّ نَظَرَ الْمَأْمُونُ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ هَذَا أَقْصَى مَا عِنْدَ الْقَوْمِ فَلَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ جَلَالَتِي مَنَعَتْهُمْ مِنَ النَّقْضِ عَلَيَ 3403 .
بيان: قال الجوهري قولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة قوله من كان المختار هذا مبني على أن المأمور بالاختيار يجب أن يكون مغايرا للمختار للزوم المغايرة بين الفاعل و المحل و فيه نظر قوله و البينة لا تعرى حاصله أنكم لما ادعيتم أن لكم الاختيار و العزل فالبينة عليكم و لا يمكنكم إقامة البينة إذ البينة إن كان ممن يوافقكم فهو مدع و لا يقبل قوله و إن كان من غيركم فالغير مفقود لدعواكم الإجماع أو لأن الغير لا يشهد لكم قوله و لا من عبد وثنا بإجماع حاصله أن الظالم و عابد الوثن لا يستحق الإمامة في تلك الحالة اتفاقا و الأصل استصحاب هذا الحكم بعد زوال تلك الحالة أيضا.
3- يف، الطرائف مِنَ الطَّرَائِفِ الْمَشْهُورَةِ مَا بَلَغَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ فِي مَدْحِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ مَدْحِ أَهْلِ بَيْتِهِ ع ذَكَرَهُ ابْنُ مِسْكَوَيْهِ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْمُسَمَّى بِحَوَادِثِ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ نَدِيمَ الْفَرِيدِ يَقُولُ فِيهِ حَيْثُ ذَكَرَ كِتَاباً كَتَبَهُ بَنُو هَاشِمٍ يَسْأَلُونَ جَوَابَهُمْ مَا هَذَا لَفْظُهُ فَقَالَ الْمَأْمُونُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الرَّاغِمِينَ أَمَّا بَعْدُ عَرَفَ الْمَأْمُونُ كِتَابَكُمْ وَ تَدْبِيرَ أَمْرِكُمْ وَ مَخْضَ زُبْدَتِكُمْ وَ أَشْرَفَ عَلَى قُلُوبِ صَغِيرِكُمْ وَ كَبِيرِكُمْ وَ عَرَفَكُمْ مُقْبِلِينَ وَ مُدْبِرِينَ وَ مَا آلَ إِلَيْهِ كِتَابُكُمْ قَبْلَ كِتَابِكُمْ فِي مُرَاوَضَةِ الْبَاطِلِ وَ صَرْفِ وُجُوهِ الْحَقِّ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَ نَبْذِكُمْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْآثَارَ وَ كُلَّ مَا جَاءَكُمْ بِهِ الصَّادِقُ مُحَمَّدٌ ص حَتَّى كَأَنَّكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّتِي هَلَكَتْ بِالْخَسْفَةِ وَ الْغَرَقِ وَ الرِّيحِ وَ الصَّيْحَةِ وَ الصَّوَاعِقِ وَ الرَّجْمِ أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها وَ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَأْمُونِ
مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ لَوْ لَا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إِنَّ الْمَأْمُونَ تَرَكَ الْجَوَابَ عَجْزاً لَمَا أَجَبْتُكُمْ مِنْ سُوءِ أَخْلَاقِكُمْ وَ قِلَّةِ أَخْطَارِكُمْ وَ رَكَاكَةِ عُقُولِكُمْ وَ مِنْ سَخَافَةِ مَا تَأْوُونَ إِلَيْهِ مِنْ آرَائِكُمْ فَلْيَسْتَمِعْ مُسْتَمِعٌ فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدٌ غَائِباً أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً ص عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ قُرَيْشٌ فِي أَنْفُسِهَا وَ أَمْوَالِهَا لَا يَرَوْنَ أَحَداً يُسَامِيهِمْ وَ لَا يُبَارِيهِمْ فَكَانَ نَبِيُّنَا ص أَمِيناً مِنْ أَوْسَطِهِمْ بَيْتاً وَ أَقَلِّهِمْ مَالًا وَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ فَوَاسَتْهُ بِمَالِهَا ثُمَّ آمَنَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَبْعَ سِنِينَ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً طَرْفَةَ عَيْنٍ وَ لَمْ يَعْبُدْ وَثَناً وَ لَمْ يَأْكُلْ رِبًا وَ لَمْ يُشَاكِلِ الْجَاهِلِيَّةَ فِي جَهَالاتِهِمْ وَ كَانَتْ عُمُومَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص إِمَّا مُسْلِمٌ مَهِينٌ أَوْ كَافِرٌ مُعَانِدٌ إِلَّا حَمْزَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ لَا يَمْتَنِعُ الْإِسْلَامُ مِنْهُ فَمَضَى لِسَبِيلِهِ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ أَمَّا أَبُو طَالِبٍ فَإِنَّهُ كَفَلَهُ وَ رَبَّاهُ وَ لَمْ يَزَلْ مُدَافِعاً عَنْهُ وَ مَانِعاً مِنْهُ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَهَمَّ الْقَوْمُ وَ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَهَاجَرَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَلَمْ يَقُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَقِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَإِنَّهُ آزَرَهُ وَ وَقَاهُ بِنَفْسِهِ وَ نَامَ فِي مَضْجَعِهِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُتَمَسِّكاً بِأَطْرَافِ الثُّغُورِ وَ يُنَازِلُ الْأَبْطَالَ وَ لَا يَنْكُلُ عَنْ قَرْنٍ وَ لَا يُوَلِّي عَنْ جَيْشٍ مَنِيعُ الْقَلْبِ يُؤَمَّرُ عَلَى الْجَمِيعِ وَ لَا يُؤَمَّرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَشَدُّ النَّاسِ وَطْأَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَ أَعْظَمُهُمْ جِهَاداً فِي اللَّهِ وَ أَفْقَهُهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ وَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَعْرَفُهُمْ بِالْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ وَ هُوَ صَاحِبُ الْوَلَايَةِ فِي حَدِيثِ غَدِيرِ خُمٍّ وَ صَاحِبُ قَوْلِهِ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَ صَاحِبُ يَوْمِ الطَّائِفِ 3404
وَ كَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ صَاحِبَ الْبَابِ فُتِحَ لَهُ وَ سُدَّ أَبْوَابُ الْمَسْجِدِ وَ هُوَ صَاحِبُ الرَّايَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَ صَاحِبُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ فِي الْمُبَارَزَةِ وَ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ ص حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ هُوَ مَنِيعٌ جَزِيلٌ وَ هُوَ صَاحِبُ آيَةِ وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً 3405 وَ هُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ هُوَ خَتَنُ خَدِيجَةَ ع وَ هُوَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ص رَبَّاهُ وَ كَفَلَهُ وَ هُوَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ ع فِي نُصْرَتِهِ وَ جِهَادِهِ وَ هُوَ نَفْسُ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي يَوْمِ الْمُبَاهَلَةِ وَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ يُنْفِذَانِ حُكْماً حَتَّى يَسْأَلَانِهِ عَنْهُ فَمَا رَأَى إِنْفَاذَهُ أَنْفَذَاهُ وَ مَا لَمْ يَرَهُ رَدَّاهُ وَ هُوَ دَخَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فِي الشُّورَى وَ لَعَمْرِي لَوْ قَدَرَ أَصْحَابُهُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ ع كَمَا دُفِعَ الْعَبَّاسُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا لَدَفَعُوهُ فَأَمَّا تَقْدِيمُكُمُ الْعَبَّاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ 3406 وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ مَا فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمَنَاقِبِ وَ الْفَضَائِلِ وَ الْآيِ الْمُفَسِّرَةِ فِي الْقُرْآنِ خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ أَوْ غَيْرِهِ لَكَانَ مُسْتَأْهِلًا مُتَأَهِّلًا لِلْخِلَافَةِ مُقَدَّماً عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ بِتِلْكَ الْخَلَّةِ ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْأُمُورُ تَتَرَاقَى بِهِ إِلَى أَنْ وَلِيَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَعْنِ بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ تَعْظِيماً لِحَقِّهِ وَ صِلَةً لِرَحِمِهِ وَ ثِقَةً بِهِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ الَّذِي يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ نَحْنُ وَ هُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ كَمَا زَعَمْتُمْ حَتَّى قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَمْرِ إِلَيْنَا فَأَخَفْنَاهُمْ وَ ضَيَّقْنَا عَلَيْهِمْ وَ قَتَلْنَاهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ إِيَّاهُمْ وَيْحَكُمْ إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ إِنَّمَا قَتَلُوا مِنْهُمْ مَنْ سَلَّ سَيْفاً وَ إِنَّا مَعْشَرَ بَنِي الْعَبَّاسِ قَتَلْنَاهُمْ جُمَلًا فَلَتُسْأَلَنَّ أَعْظُمُ الْهَاشِمِيَّةِ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَ لَتُسْأَلَنَّ نُفُوسٌ أُلْقِيَتْ