کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
أراد تهذ القرآن هذا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر و الهذ سرعة القطع و الدقل ردي التمر و يابسه و ما ليس له اسم خاص فيراه ليبسه و رداءته لا يجتمع و يكون هباء منثورا أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هز انتهى.
أقول حمل تلك الفقرتين على الإسراع و يمكن حمل نثر الدقل في رواية الكتاب على كثرة التأني و الفصل بين الحروف كثيرا فتكون كالدقل المنثور واحد هاهنا و آخر في موضع آخر فإن التأسيس أولى من التأكيد و المراد بالسنة هاهنا ما ظهر وجوبه منها كما مر مرارا.
43- كِتَابُ الْعِلَلِ، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَوْلُهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَيْ أَمْتَنِعُ وَ أَحْتَرِزُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَ مَعْنَى الرَّجِيمِ أَيِ الْمَلَائِكَةُ تَرْجُمُهُ بِالنُّجُومِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ - 6498 أَيْ يُرْجَمُ بِالنُّجُومِ.
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ الْبَاءُ بَهَاءُ اللَّهِ وَ السِّينُ سَنَاءُ اللَّهِ وَ الْمِيمُ مُلْكُ اللَّهِ وَ اللَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ وَ الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَ الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- أَحَقُّ مَا جُهِرَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً 6499 .
وَ مِنْهُ قَالَ: تَفْسِيرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يَعْنِي الشُّكْرَ لِلَّهِ وَ هُوَ أَمْرٌ وَ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَ الْأَمْرُ مُضْمَرٌ فِيهِ وَ مَعْنَاهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ مَعْنَى رَبِ أَيْ خَالِقِ وَ الْعالَمِينَ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الرَّحْمنِ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ الرَّحِيمِ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ يَعْنِي يَوْمَ الْحِسَابِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قالُوا
يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ 6500 الْحَقُّ يَوْمَ الْحِسَابِ وَ الْمُجَازَاةِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ مُخَاطَبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مِثْلُ ذَلِكَ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ .
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يَعْنِي النُّصَّابَ وَ لَا الضَّالِّينَ يَعْنِي الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى وَ وَصَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الصِّرَاطَ فَقَالَ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ حُدَالٌ فَأَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ نُبِّئَ الْحَمْدُ.
وَ مِنْهُ قَالَ تَفْسِيرُ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ الصَّادِقُ ع نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ جُمْلَةً ثُمَّ نَزَلَ مِنَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَ مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُقَدِّرُ فِيهَا الْآجَالَ وَ الْأَرْزَاقَ وَ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ جَدْبٍ أَوْ خِصْبٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ عَلَى إِمَامِ الزَّمَانِ مَعَ رُوحِ الْقُدُسِ وَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ وَ يَدْفَعُونَ مَا كَتَبُوهُ إِلَى الْإِمَامِ وَ يُلْقِي اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِلَى الْأَئِمَّةِ ع وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يُلْقُوهُ إِلَى الْإِمَامِ وَ قَوْلُهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص رَأَى فِي نَوْمِهِ كَأَنَّ قُرُوداً تَصْعَدُ مِنْبَرَهُ فَغَمَّهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَ قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ قَالَ تَحِيَّةُ الْإِمَامِ يُحَيَّى بِهَا إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ يَعْنِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ.
وَ مِنْهُ قَالَ: تَفْسِيرُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ص عَنْ نِسْبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ هُوَ اللَّهُ الْأَحَدُ الْوَاحِدُ
الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ فَمَعْنَى الْأَحَدِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضِ جَوَارِحَ مُخْتَلِفَةٍ مُبَعَّضَةٍ وَ لَيْسَ فِيهِ جَوَانِبُ وَ لَا أَطْرَافٌ وَ مَعْنَى الْوَاحِدِ أَنَّهُ نُورٌ وَاحِدٌ بِلَا اخْتِلَافٍ وَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا مَدْخَلَ فِيهِ لَمْ يَلِدْ أَيْ لَمْ يُحْدِثْ مِثْلَ حَدَثِ الْإِنْسَانِ وَ لَمْ يُولَدْ أَيْ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ كُفْوٌ وَ لَا نَظِيرٌ.
وَ مِنْهُ قَالَ تَفْسِيرُ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ قُرَيْشاً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ص تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَ نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً وَ تَعْبُدُ آلِهَتَنَا شَهْراً وَ نَعْبُدُ إِلَهَكَ شَهْراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ فَقَالَ ص رَبِّيَ اللَّهُ وَ دِينِيَ الْإِسْلَامُ ثَلَاثاً.
وَ مِنْهُ قَالَ: أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْحَمْدُ وَ سُورَةٌ ثَلَاثُ آيَاتٍ.
وَ مِنْهُ قَالَ: عِلَّةُ إِسْقَاطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أَمَانٌ وَ الْبَرَاءَةَ كَانَتْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأُسْقِطَ مِنْهَا الْأَمَانُ.
في القاموس قوس حدال كغراب تطامنت إحدى سيتيها قوله ثلاث آيات لعل المراد به سوى البسملة فإن أقصر السور الكوثر و مع البسملة أربع آيات.
44- الْمُعْتَبَرُ، نَقْلًا مِنْ جَامِعِ الْبَزَنْطِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ أَقُولُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آمِينَ قَالَ لَا.
45- السَّرَائِرُ، نَقْلًا مِنْ كِتَابِ النَّوَادِرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الْفَرِيضَةِ فَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا بَأْسَ 6501 .
وَ مِنْهُ مِنَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَرَوِيِّ عَنْ أَبَانٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَقْرَأُ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَ لَيْسَ يُقَالُ أَعْطِ كُلَّ سُورَةٍ حَقَّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ فَقَالَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ فَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ 6502 .
46- الْعِلَلُ، وَ الْعُيُونُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عُبْدُوسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا ع فَإِنْ قَالَ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لِئَلَّا يَكُونَ الْقُرْآنُ مَهْجُوراً مُضَيَّعاً وَ لِيَكُونَ مَحْفُوظاً مَدْرُوساً فَلَا يَضْمَحِلَّ وَ لَا يُجْهَلَ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ بُدِئَ بِالْحَمْدِ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ دُونَ سَائِرِ السُّوَرِ قِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَ الْكَلَامِ جُمِعَ فِيهِ مِنْ جَوَامِعِ الْخَيْرِ وَ الْحِكْمَةِ مَا جُمِعَ فِي سُورَةِ الْحَمْدِ وَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنَّمَا هُوَ أَدَاءٌ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الشُّكْرِ وَ شُكْرٌ لِمَا وَفَّقَ عَبْدَهُ لِلْخَيْرِ رَبِّ الْعالَمِينَ تَمْجِيدٌ لَهُ وَ تَحْمِيدٌ وَ إِقْرَارٌ بِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ لَا غَيْرُهُ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسْتِعْطَافٌ وَ ذِكْرٌ لِآلَائِهِ وَ نَعْمَائِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِقْرَارٌ بِالْبَعْثِ وَ الْحِسَابِ وَ الْمُجَازَاةِ وَ إِيجَابٌ لَهُ مُلْكَ الْآخِرَةِ كَمَا أَوْجَبَ لَهُ مُلْكَ الدُّنْيَا إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَغْبَةٌ وَ تَقَرُّبٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِخْلَاصٌ بِالْعَمَلِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اسْتَزَادَةٌ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ اسْتِدَامَةٌ لِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَ نَصَرَهُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ اسْتِرْشَادٌ بِهِ وَ اعْتِصَامٌ بِحَبْلِهِ وَ اسْتِزَادَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ وَ بِعَظَمَتِهِ وَ بِكِبْرِيَائِهِ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ تَوْكِيدٌ فِي السُّؤَالِ وَ الرَّغْبَةِ وَ ذِكْرٌ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ رَغْبَةٌ فِي مِثْلِ تِلْكَ النِّعَمِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اسْتِعَاذَةٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُعَانِدِينَ الْكَافِرِينَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِهِ وَ بِأَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ لَا الضَّالِّينَ اعْتِصَامٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ جَوَامِعِ الْخَيْرِ وَ الْحِكْمَةِ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَ الدُّنْيَا مَا لَا يَجْمَعُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ 6503 .
تبيين قوله ع لئلا يكون القرآن مهجورا أي لو لم يجب قراءته في الصلاة لتركوها لتساهلهم في المندوبات و ليكون محفوظا لحفظ المعجز و المواعظ و الأخبار و الحقائق و الأحكام التي اشتمل القرآن عليها.
و ذلك أن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ إنما هو أداء أي لما علم الله سبحانه عجز عبيده عن الإتيان بحمده حمد نفسه بدلا عن خلقه أو أنه تعالى علمهم ليشكروه و إلا لم يعرفوا طريق حمده و شكره و قوله و شكر تخصيص بعد التعميم أي شكر له على جميع نعمه لا سيما نعمة التوفيق للعبادة تمجيد له و تحميد التمجيد ذكر ما يدل على المجد و العظمة و التحميد ذكر ما يدل على النعمة و دلالته عليهما ظاهرة و أما الإقرار بالتوحيد فلأن العالم ما يعلم به الصانع و هو كل ما سوى الله و جمع ليدل على جميع أنواعه فإذا كان الله خالق الجميع و مدبرهم و مربيهم فيكون هو الواجب و غيره من آثاره و الاستعطاف لأن ذكره تعالى بالرحمانية و الرحيمية نوع من طلب الرحمة بل أكمله.
و أقول لما أشار الشهيدان رفع الله درجتهما في النفلية و شرحها إلى ما احتوى عليه هذا الخبر من الحكم و الفوائد نذكر كلامهما لإيضاحه قالا و يلزمه استحضار التوفيق للشكر عند أول الفاتحة و عند كل شكر لأن التوفيق لقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ المشتمل على غرائب المعاني و جلائل الشكر نعمة من الله تعالى على القارئ وفقه لها بتعليمه الشكر له بهذه الصيغة الشريفة و ليستحضر أن جملة الأفراد المحمود عليها و النعم الظاهرة و الباطنة عليه كلها من الله تعالى إما بواسطة أو بغير واسطة فإن الواسطة فيها كلها رشحة من رشحات جوده و نفحة من نفحات فضله ليناسب كون جملة الحمد لله الجواد و يطابق المعنى المدلول عليه للاعتقاد.
و استحضار التوحيد الحقيقي عند قوله رَبِّ الْعالَمِينَ حيث وصفه بكونه ربا و مالكا لجميع العالمين من الإنس و الجن و الملائكة و غيرهم و استحضار
التمجيد و هو النسبة إلى المجد و الكرم و ذكر الآلاء و هي هنا النعماء مطلقا على جميع الخلق عند الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الدالين على إفاضة النعم الدقيقة و الجليلة على القوابل في الدنيا و الآخرة إذ كل من ينسب إليه الرحمة فهو مستفيض من لطفه و إنعامه و مرجع الكل إلى ساحل جوده و إكرامه و عند ذلك ينبعث الرجاء و هو أحد المقامين العليين.
و استحضار الاختصاص لله تعالى بالخلق و الملك عند مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فإنه و إن كان مالكا لغيره من الأيام و غيرها إلا أنه ربما يظهر على الجاهل مشاركة غيره بواسطة تغلب ظاهري بخلاف ذلك اليوم فإنه المنفرد فيه بنفوذ الأمر و حقيقة الملك بغير منازع لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.
مع إحضار البعث و الجزاء و الحساب و ملك الآخرة الواقعة في ذلك اليوم فينبعث لذلك الخوف و هو المقام الثاني و يثبت في القلب لطروه و عدم المعارض له فيغلب على الرجاء و هي الحالة اللائقة بالسالكين عند المحققين و في هذا الترتيب العجيب إشارة إلى برهانه و ليعلم أن هذه الأوصاف الثلاثة جامعة لمراتب الوجود من ابتدائه إلى انتهائه متصلا باليوم الآخر الذي هو الغاية الدائمة.
فالأول إشارة إلى وصف الإبداع و الإيجاد و هو أول النعم المستحقة للحمد و الوصفان الوسطان إشارة إلى حالة دوامه و ما يشتمل عليه من النعم في حالة بقائه و الثالث إشارة إلى آخر حالاته و نهاية أمره التي لا آخر لها و حقيق لمن جرت عليه هذه الأوصاف من كونه موجدا منعما بالنعم كلها ظاهرها و باطنها و عاجلها و آجلها على جميع العالمين مالكا لأمورهم يوم الدين من ثواب و عقاب أن يكون مختصا بالحمد لا أحد يشاركه فيه على الحقيقة.
و إذا أحطت بذلك و فزت بفضيلتي الرجاء و الخوف فترق منه إلى استحضار الإخلاص و الرغبة إلى الله وحده عند إِيَّاكَ نَعْبُدُ حيث قد خصصته تعالى بالعبادة التي هي أقصى غاية الخضوع و التذلل و من ثم لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى و ارتقيت من مقام البعد عن مقاربة جنابه إلى مقام الفوز بلذيذ خطابه و الاستزادة من
توفيقه و عبادته و استدامة ما أنعم الله على العباد عند إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حيث قدمت الوسيلة على طلب الحاجة ليكون أدعى للإجابة و استعنت به في جميع أمورك من غير التفات إلى فرد منها و لا إلى جميعها لقصور العبادة و حسور الوهم عن الإحاطة بتفاصيل ما تحتاج إليه و تفتقر إلى عونه عليه.
و استحضار الاسترشاد به و الاعتصام بحبله و الاستزادة في المعرفة به سبحانه و الإقرار بعظمته و كبريائه عند اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ و أشار بكون طلب الهداية متناولا للاسترشاد و الاعتصام و الاستزادة من المعرفة و الإقرار بالنعمة إلى مطلب شريف و هو أن هداية الله تعالى متنوعة أنواعا كثيرة تجمعها أربعة أجناس مرتبة أولها إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية و الحواس الباطنة و المشاعر الظاهرة.