کتابخانه روایات شیعه
وَ اعْلَمْ: أَنَّ أَكْرَمَ النَّاسِ عَلَى النَّاسِ- مَنْ كَانَ خَيْرُهُ عَلَيْهِمْ فَائِضاً، وَ كَانَ عَنْهُمْ مُسْتَغْنِياً مُتَعَفِّفاً، وَ أَكْرَمُ النَّاسِ بَعْدَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ عَنْهُمْ مُتَعَفِّفاً، وَ إِنْ كَانَ إِلَيْهِمْ مُحْتَاجاً، فَإِنَّمَا أَهْلُ الدُّنْيَا (يَعْشَقُونَ الْأَمْوَالَ) 104 ، فَمَنْ لَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيمَا يَعْشَقُونَهُ كَرُمَ عَلَيْهِمْ، وَ مَنْ لَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهَا وَ مَكَّنَهُمْ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا- كَانَ أَعَزَّ [عَلَيْهِمْ] وَ أَكْرَمَ. 105 .
9 قَالَ ع ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ:
يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَا مَعْنَى «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّ رَجُلًا قَامَ إِلَيْهِ- فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنْ بِسْمِ «اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» مَا مَعْنَاهُ فَقَالَ ع: إِنَّ قَوْلَكَ: «اللَّهِ» أَعْظَمُ الْأَسْمَاءِ 106 مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ مَخْلُوقٌ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: «اللَّهِ» فَقَالَ ع: هُوَ الَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَوَائِجِ 107 وَ الشَّدَائِدِ- كُلُّ مَخْلُوقٍ، عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ دُونَهُ، وَ تَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُتَرَئِّسٍ 108 فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَوْ مُتَعَظِّمٍ فِيهَا، وَ إِنْ عَظُمَ غَنَاؤُهُ وَ طُغْيَانُهُ وَ 109 كَثُرَتْ حَوَائِجُ مَنْ دُونَهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ سَيَحْتَاجُونَ حَوَائِجَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا هَذَا الْمُتَعَاظِمُ.
وَ كَذَلِكَ هَذَا الْمُتَعَاظِمُ يَحْتَاجُ حَوَائِجَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا- فَيَنْقَطِعُ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِ وَ فَاقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كُفِيَ هَمَّهُ، عَادَ إِلَى شِرْكِهِ. أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ:
صادِقِينَ- بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ- وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ» 110 فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ: أَيُّهَا الْفُقَرَاءُ إِلَى رَحْمَتِي- إِنِّي قَدْ أَلْزَمْتُكُمُ الْحَاجَةَ إِلَيَّ فِي كُلِّ حَالٍ، وَ ذِلَّةَ الْعُبُودِيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَإِلَيَّ فَافْزَعُوا فِي كُلِّ أَمْرٍ تَأْخُذُونَ بِهِ وَ تَرْجُونَ تَمَامَهُ، وَ بُلُوغَ غَايَتِهِ، فَإِنِّي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَكُمْ لَمْ يَقْدِرْ غَيْرِي عَلَى مَنْعِكُمْ وَ إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَمْنَعَكُمْ لَمْ يَقْدِرْ غَيْرِي عَلَى إِعْطَائِكُمْ [فَأَنَا أَحَقُّ مَنْ سُئِلَ، وَ أَوْلَى مَنْ تُضُرِّعَ إِلَيْهِ] فَقُولُوا عِنْدَ افْتِتَاحِ كُلِّ أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ صَغِيرٍ:
« بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أَيْ أَسْتَعِينُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا تَحِقُّ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِهِ، الْمُغِيثِ إِذَا اسْتُغِيثَ، [وَ] الْمُجِيبِ إِذَا دُعِيَ «الرَّحْمَنِ» الَّذِي يَرْحَمُ بِبَسْطِ 111 الرِّزْقِ عَلَيْنَا «الرَّحِيمِ» بِنَا فِي أَدْيَانِنَا وَ دُنْيَانَا وَ آخِرَتِنَا: خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْنَا الدِّينَ، وَ جَعَلَهُ سَهْلًا خَفِيفاً، وَ هُوَ يَرْحَمُنَا بِتَمْيِيزِنَا مِنْ أَعْدَائِهِ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ع: مَنْ أَحْزَنَهُ أَمْرٌ تَعَاطَاهُ- فَقَالَ: « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » وَ هُوَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْفَكَّ مِنْ إِحْدَى اثْنَتَيْنِ: إِمَّا بُلُوغِ حَاجَتِهِ الدُّنْيَاوِيَّةِ 112 وَ إِمَّا مَا يَعْدِلُهُ عِنْدَهُ، وَ يُدَّخَرُ 113 لَدَيْهِ، وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلْمُؤْمِنِينَ. 114 .
[فضل فاتحة الكتاب]
10 وَ قَالَ الْحَسَنُ [بْنُ عَلِيٍ] ع: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ إِنَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ تَمَامُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
[قَالَ]: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ «وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» 115 فَأَفْرَدَ الِامْتِنَانَ [عَلَيَ] بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ جَعَلَهَا بِإِزَاءِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَ إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَشْرَفُ 116 مَا فِي كُنُوزِ الْعَرْشِ.
وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَا مُحَمَّداً ص وَ شَرَّفَهُ [بِهَا] 117 وَ لَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ فِيهَا أَحَداً مِنْ أَنْبِيَائِهِ مَا خَلَا سُلَيْمَانَ ع فَإِنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْهَا «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» أَ لَا تَرَى أَنَّهُ يَحْكِي عَنْ بِلْقِيسَ حِينَ قَالَتْ:
«إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» 118 أَلَا فَمَنْ قَرَأَهَا مُعْتَقِداً لِمُوَالاةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، مُنْقَاداً لِأَمْرِهِمْ، مُؤْمِناً بِظَاهِرِهِمْ وَ بَاطِنِهِمْ، أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا حَسَنَةً، كُلُّ حَسَنَةٍ مِنْهَا أَفْضَلُ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا- مِنْ أَصْنَافِ أَمْوَالِهَا وَ خَيْرَاتِهَا وَ مَنِ اسْتَمَعَ قَارِئاً يَقْرَؤُهَا- كَانَ لَهُ قَدْرُ ثُلُثِ مَا لِلْقَارِئِ، فَلْيَسْتَكْثِرْ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْمُعْرَضِ لَكُمْ، فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا يَذْهَبَنَّ أَوَانُهُ، فَتَبْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْحَسْرَةُ 119 .
قوله عز و جل الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
[تفسير الحمد]
11 قَوْلُهُ تَعَالَى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» قَالَ الْإِمَامُ ع: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضَا ع فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» مَا تَفْسِيرُهُ قَالَ ع: لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَنِ الْبَاقِرِ، عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» مَا تَفْسِيرُهُ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» هُوَ أَنْ عَرَّفَ اللَّهُ عِبَادَهُ بَعْضَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ جُمَلًا، إِذْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِهَا بِالتَّفْصِيلِ، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أَوْ تُعْرَفَ فَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ 120 عَلَيْنَا.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) 121 وَ هُمُ الْجَمَاعَاتُ 122 مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، مِنَ الْجَمَادَاتِ، وَ الْحَيَوَانَاتِ:
فَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ، فَهُوَ يَقْلِبُهَا فِي قُدْرَتِهِ، وَ يَغْذُوهَا مِنْ رِزْقِهِ، وَ يَحُوطُهَا 123 بِكَنَفِهِ وَ يُدَبِّرُ كُلًّا مِنْهَا بِمَصْلَحَتِهِ.
وَ أَمَّا الْجَمَادَاتُ فَهُوَ يُمْسِكُهَا بِقُدْرَتِهِ، يُمْسِكُ مَا اتَّصَلَ مِنْهَا أَنْ يَتَهَافَتَ، وَ يُمْسِكُ الْمُتَهَافِتَ مِنْهَا أَنْ يَتَلَاصَقَ 124 وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَ يُمْسِكُ الْأَرْضَ أَنْ تَنْخَسِفَ إِلَّا بِأَمْرِهِ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
قَالَ ع: وَ (رَبِّ الْعالَمِينَ) مَالِكُهُمْ وَ خَالِقُهُمْ- وَ سَائِقُ أَرْزَاقِهِمْ، إِلَيْهِمْ، مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ، وَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
فَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ، وَ هُوَ يَأْتِي ابْنَ آدَمَ عَلَى أَيِّ سِيرَةٍ سَارَهَا مِنَ الدُّنْيَا، لَيْسَ لِتَقْوَى مُتَّقٍ بِزَائِدَةٍ، وَ لَا لِفُجُورِ فَاجِرٍ بِنَاقِصَةٍ، وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ سِتْرٌ 125 وَ هُوَ طَالِبُهُ.
وَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَفِرُّ مِنْ 126 رِزْقِهِ لَطَلَبَهُ رِزْقُهُ كَمَا يَطْلُبُهُ الْمَوْتُ.
قَالَ [أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع]: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: قُولُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا، وَ ذَكَرَنَا بِهِ مِنْ خَيْرٍ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَكُونَ.
فَفِي هَذَا إِيجَابٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لِمَا فَضَّلَهُ وَ فَضَّلَهُمْ، وَ عَلَى شِيعَتِهِمْ أَنْ يَشْكُرُوهُ بِمَا فَضَّلَهُمْ [بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ].
[تفضيل أمة محمد على جميع الأمم]
14 وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَ اصْطَفَاهُ نَجِيّاً- وَ فَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ فَنَجَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ أَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ وَ الْأَلْوَاحَ- رَأَى مَكَانَهُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ: يَا رَبِّ لَقَدْ أَكْرَمْتَنِي بِكَرَامَةٍ لَمْ تُكْرِمْ بِهَا أَحَداً قَبْلِي.
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مُحَمَّداً أَفْضَلُ عِنْدِي- مِنْ جَمِيعِ مَلَائِكَتِي وَ جَمِيعِ خَلْقِي قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ- فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَكْرَمَ 127 عِنْدَكَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ، فَهَلْ فِي آلِ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمُ مِنْ آلِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ آلِ النَّبِيِّينَ 128 كَفَضْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ 129 فَقَالَ: يَا رَبِّ فَإِنْ كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ كَذَلِكَ، فَهَلْ فِي صَحَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمُ [عِنْدَكَ] مِنْ صَحَابَتِي
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ صَحَابَةِ مُحَمَّدٍ ص عَلَى جَمِيعِ صَحَابَةِ الْمُرْسَلِينَ- كَفَضْلِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ آلِ النَّبِيِّينَ- وَ [كَ] فَضْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ- فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ وَ آلُهُ وَ صَحْبُهُ كَمَا وَصَفْتَ، فَهَلْ فِي أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ عِنْدَكَ مِنْ أُمَّتِي ظَلَّلْتَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَ أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوَى وَ فَلَقْتَ لَهُمُ الْبَحْرَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ كَفَضْلِي 130 عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ لَيْتَنِي كُنْتُ أَرَاهُمْ. (فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ) 131 :
يَا مُوسَى إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُمْ، فَلَيْسَ هَذَا أَوَانُ ظُهُورِهِمْ، وَ لَكِنْ سَوْفَ تَرَاهُمْ فِي الْجَنَّةِ 132 جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ الْفِرْدَوْسِ بِحَضْرَةِ مُحَمَّدٍ فِي نَعِيمِهَا يَتَقَلَّبُونَ، وَ فِي خَيْرَاتِهَا يَتَبَحْبَحُونَ 133 أَ فَتُحِبُّ أَنْ أُسْمِعَكَ كَلَامَهُمْ قَالَ: نَعَمْ يَا إِلَهِي.
: [نداء الرب سبحانه و تعالى أمة محمد (ص)]
قَالَ [اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ] 134 : قُمْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَ اشْدُدْ مِئْزَرَكَ- قِيَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ السَّيِّدِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى.
فَنَادَى [الْمَلِكُ] رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ. فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ، وَ هُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَ أَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ- إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ وَ الْمُلْكَ لَكَ- لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ».
قَالَ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْإِجَابَةَ مِنْهُمْ شِعَارَ الْحَجِ 135 .
ثُمَّ نَادَى رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّ قَضَائِي عَلَيْكُمْ أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، وَ عَفْوِي قَبْلَ 136 عِقَابِي، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي، وَ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَسْأَلُونِي، مَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ 137 :
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، صَادِقٌ فِي أَقْوَالِهِ، مُحِقٌّ فِي أَفْعَالِهِ 138 وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخُوهُ- وَ وَصِيُّهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَلِيُّهُ، يُلْتَزَمُ طَاعَتُهُ [كَمَا يُلْتَزَمُ طَاعَةُ] مُحَمَّدٍ وَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ 139 الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارَ الْمُطَهَّرِينَ- الْمُبَايِنِينَ 140 بِعَجَائِبِ آيَاتِ اللَّهِ وَ دَلَائِلِ حُجَجِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِهِمَا أَوْلِيَاؤُهُ، أَدْخَلْتُهُ جَنَّتِي، وَ إِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.
قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّنَا محمد [مُحَمَّداً] ص قَالَ:
يَا مُحَمَّدُ «وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا» 141 أُمَّتَكَ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ لِمُحَمَّدٍ ص: قُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عَلَى مَا اخْتَصَّنِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ. وَ قَالَ لِأُمَّتِهِ: