کتابخانه روایات شیعه
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع: فَمَا ذَا حَقُّهُ عَلَيْكَ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَقَّنَنِي تَوْحِيدَ اللَّهِ وَ نُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَ إِمَامَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَئِمَّةِ ع.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع: فَهَذَا لَا يَفِي بِدَمِ أَبِيكَ! بَلَى وَ اللَّهِ، هَذَا يَفِيَ بِدِمَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ- مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ سِوَى [الْأَنْبِيَاءِ وَ] الْأَئِمَّةِ ع إِنْ قُتِلُوا فَإِنَّهُ لَا يَفِي بِدِمَائِهِمْ شَيْءٌ، أَ وَ تَقْنَعُ مِنْهُ بِالدِّيَةِ قَالَ: بَلَى.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع لِلْقَاتِلِ: أَ فَتَجْعَلُ لِي ثَوَابَ تَلْقِينِكَ لَهُ 2861 حَتَّى أَبْذُلَ لَكَ الدِّيَةَ فَتَنْجُوَ بِهَا مِنَ الْقَتْلِ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَ أَنْتَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا فَإِنَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ، وَ ذَنْبِي إِلَى هَذَا الْمَقْتُولِ أَيْضاً بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، لَا بَيْنِي وَ بَيْنَ وَلِيِّهِ هَذَا.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع: فَتَسْتَسْلِمُ لِلْقَتْلِ- أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ نُزُولِكَ عَنْ ثَوَابِ هَذَا التَّلْقِينِ قَالَ: بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ قَابِلْ بَيْنَ ذَنْبِهِ هَذَا إِلَيْكَ، وَ بَيْنَ تَطَوُّلِهِ عَلَيْكَ، قَتَلَ أَبَاكَ فَحَرَمَهُ لَذَّةَ الدُّنْيَا، وَ حَرَمَكَ التَّمَتُّعَ بِهِ فِيهَا، عَلَى أَنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ وَ سَلَّمْتَ فَرَفِيقُ أَبِيكَ 2862 فِي الْجِنَانِ، وَ لَقَّنَكَ الْإِيمَانَ فَأَوْجَبَ لَكَ بِهِ جَنَّةَ اللَّهِ الدَّائِمَةَ، وَ أَنْقَذَكَ مِنْ عَذَابِهِ الدَّائِمِ، فَإِحْسَانُهُ إِلَيْكَ [أَضْعَافُ] أَضْعَافِ جِنَايَتِهِ عَلَيْكَ فَإِمَّا أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ جَزَاءً عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ! 2863 لِأُحَدِّثَكُمَا بِحَدِيثٍ مِنْ فَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، وَ إِمَّا أَنْ تَأْبَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ- حَتَّى أَبْذُلَ لَكَ الدِّيَةَ لِتُصَالِحَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُحَدِّثُهُ بِالْحَدِيثِ دُونَكَ، وَ لَمَا يَفُوتُكَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لَوِ اعْتَبَرْتَ بِهِ.
فَقَالَ الْفَتَى: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ بِلَا دِيَةٍ، وَ لَا شَيْءٍ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ
وَ لِمَسْأَلَتِكَ فِي أَمْرِهِ، فَحَدِّثْنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بِالْحَدِيثِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً ، جَعَلَتِ الْوُفُودُ تَرِدُ عَلَيْهِ، وَ الْمُنَازِعُونَ يَكْثُرُونَ لَدَيْهِ، فَمِنْ مُرِيدٍ قَاصِدٍ لِلْحَقِّ مُنْصِفٍ مُتَبَيِّنٍ- مَا يُورِدُهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ آيَاتِهِ وَ يُظْهِرُ لَهُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَصِيرَ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ- وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ، وَ مِنْ مُعَانِدٍ يَجْحَدُ مَا يَعْلَمُ وَ يُكَابِرُهُ فِيمَا، يَفْهَمُ- فَيَبُوءُ بِاللَّعْنَةِ عَلَى اللَّعْنَةِ قَدْ صَوَّرَهُ عِنَادُهُ- وَ هُوَ مِنَ الْعَالِمِينَ فِي صُورَةِ الْجَاهِلِينَ.
فَكَانَ مِمَّنْ قَصَدَ رَسُولَ اللَّهِ لِمُحَاجَّتِهِ وَ مُنَازَعَتِهِ طَوَائِفُ- فِيهِمْ مُعَانِدُونَ مُكَابِرُونَ وَ فِيهِمْ مُنْصِفُونَ مُتَبَيِّنُونَ مُتَفَهِّمُونَ، فَكَانَ مِنْهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ يَهُودُ وَ خَمْسَةٌ نَصَارَى وَ أَرْبَعَةٌ صَابِئُونَ وَ عَشَرَةٌ مَجُوسٌ وَ عَشَرَةٌ ثَنَوِيَّةٌ وَ عَشَرَةٌ بَرَاهِمَةٌ وَ عَشَرَةٌ دَهْرِيَّةٌ مُعَطِّلَةٌ وَ عِشْرُونَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ جَمَعَهُمْ مَنْزِلٌ قَبْلَ وُرُودِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ فِي الْمَنْزِلِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ نَفَرٌ- مِنْهُمْ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، 2864 وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَ بِلَالٌ.
فَاجْتَمَعَ أَصْنَافُ الْكَافِرِينَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْآيَاتِ، وَ يَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ مَعَنَا فِي هَذَا الْمَنْزِلِ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَ هَلُمُّوا بِنَا إِلَيْهِمْ نَسْأَلُهُمْ عَنْهُ قَبْلَ مُشَاهَدَتِهِ، فَلَعَلَّنَا أَنْ نَقِفَ مِنْ جِهَتِهِمْ- عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِهِ فِي صِدْقِهِ وَ كِذْبِهِ، فَجَاءُوا إِلَيْهِمْ، فَرَحَّبُوا بِهِمْ وَ قَالُوا: أَنْتُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ قَالُوا: بَلَى، نَحْنُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ، وَ الْمَخْصُوصِ بِأَفْضَلِ الشَّفَاعَاتِ فِي يَوْمِ الدِّينِ، وَ مَنْ لَوْ نَشَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ، فَحَضَرُوهُ لَمْ يَلْقَوْهُ إِلَّا مُسْتَفِيدِينَ مِنْ عُلُومِهِ، آخِذِينَ مِنْ حِكْمَتِهِ، خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ النَّبِيِّينَ،
وَ تَمَّمَ بِهِ الْمَكَارِمَ، وَ كَمَّلَ بِهِ الْمَحَاسِنَ، فَقَالُوا: فَبِمَا ذَا أَمَرَكُمْ مُحَمَّدٌ فَقَالُوا: أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَ أَنْ نُقِيمَ 2865 الصَّلَاةَ، وَ نُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَ نَصِلَ الْأَرْحَامَ، وَ نُنْصِفَ لِلْأَنَامِ، وَ لَا نَأْتِيَ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ بِمَا لَا نُحِبُّ أَنْ يَأْتُوا بِهِ إِلَيْنَا، وَ أَنْ نَعْتَقِدَ وَ نَعْتَرِفَ أَنَّ مُحَمَّداً سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ، وَ أَنَّ عَلِيّاً ع أَخَاهُ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَ أَنَّ الطَّيِّبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الْمَخْصُوصِينَ بِالْإِمَامَةِ- هُمُ الْأَئِمَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ- الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى طَاعَتَهُمْ- وَ أَلْزَمَ مُتَابَعَتَهُمْ وَ مُوَالاتِهِمْ.
فَقَالُوا: يَا هَؤُلَاءِ- هَذِهِ أُمُورٌ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِحُجَجٍ ظَاهِرَةٍ، وَ دَلَائِلَ بَاهِرَةٍ، وَ أُمُورٌ بَيِّنَةٌ- لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهَا أَحَداً بِلَا أَمَارَةٍ 2866 تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَ لَا عَلَامَةٍ صَحِيحَةٍ تَهْدِي إِلَيْهَا، أَ فَرَأَيْتُمْ لَهُ آيَاتٍ بَهَرَتْكُمْ، وَ عَلَامَاتٍ أَلْزَمَتْكُمْ قَالُوا: بَلَى وَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْنَا مَا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَ لَا مَعْدِلَ 2867 وَ لَا مَلْجَأَ، وَ لَا مَنْجَى لِجَاحِدِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَ لَا مَوْئِلَ 2868 فَعَلِمْنَا أَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِرِسَالاتِ اللَّهِ- الْمُؤَيَّدُ بِآيَاتِ اللَّهِ، الْمُشَرَّفُ بِمَا اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ. قَالُوا: فَمَا الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: أَمَّا الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا، فَإِنِّي قَصَدْتُهُ وَ أَنَا فِيهِ شَاكٌّ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ لَا سَبِيلَ إِلَى التَّصْدِيقِ بِكَ- مَعَ اسْتِيلَاءِ الشَّكِّ فِيكَ عَلَى قَلْبِي، فَهَلْ مِنْ دَلَالَةٍ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: مَا هِيَ قَالَ: إِذَا رَجَعْتَ إِلَى مَنْزِلِكَ- فَاسْأَلْ عَنِّي مَا لَقِيتَ مِنَ الْأَحْجَارِ وَ الْأَشْجَارِ- تُصَدِّقُنِي بِرِسَالَتِي، وَ تَشْهَدُ عِنْدَكَ بِنُبُوَّتِي.
فَرَجَعْتُ فَمَا مِنْ حَجَرٍ لَقِيتُهُ، وَ لَا شَجَرٍ رَأَيْتُهُ إِلَّا نَادَيْتُهُ: يَا أَيُّهَا الْحَجَرُ، يَا أَيُّهَا الشَّجَرُ، إِنَّ مُحَمَّداً يَدَّعِي شَهَادَتَكَ بِنُبُوَّتِهِ، وَ تَصْدِيقَكَ لَهُ بِرِسَالَتِهِ، فَبِمَا ذَا تَشْهَدُ لَهُ
فَنَطَقَ الْحَجَرُ وَ الشَّجَرُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ص رَسُولُ رَبِّنَا 2869 .
[خاتمة]
[هذا آخر ما وجد من هذا التفسير في هذا الموضع، و نرجو من الله أن يرزقنا تمام هذا التفسير، و جملة ذلك الكتاب الكبير- سيما هذا الحديث الشريف- المشتمل على المعجزات الظاهرة و الآيات الباهرة- الشاهدة على حقية نبوة البشير النذير و السراج المنير، عليه و على آله صلوات الله الملك الكبير] 2870 .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ شيء آخر [مما وقع إلينا] من هذا التفسير- من موضع آخر من هذه السورة أيضا [و هو آخر تفسير قوله تعالى.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
357 قَالَ ص فَكَيْفَ 2871 تَجِدُ قَلْبَكَ لِإِخْوَانِكَ الْمُؤْمِنِينَ- الْمُوَافِقِينَ لَكَ فِي مَحَبَّتِهِمَا 2872 وَ عَدَاوَةِ أَعْدَائِهِمَا قَالَ: أَرَاهُمْ كَنَفْسِي، يُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُمْ، وَ يَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهُمْ، وَ يُهِمُّنِي مَا يُهِمُّهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: فَأَنْتَ إِذاً وَلِيُّ اللَّهِ لَا تُبَالِ، فَإِنَّكَ قَدْ تُوَفَّرُ عَلَيْكَ مَا ذَكَرْتَ مَا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ رِبْحٌ كَرِبْحِكَ 2873 إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِكَ، فَلْيَكُنْ لَكَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنَ الْأَمْوَالِ فَافْرَحْ بِهِ، وَ بَدَلًا مِنَ الْوَلَدِ وَ الْعِيَالِ فَأَبْشِرْ بِهِ، فَإِنَّكَ مِنْ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ، وَ أَحْيِ أَوْقَاتِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ آلِهِمَا الطَّيِّبِينَ.
فَفَرِحَ الرَّجُلُ وَ جَعَلَ يَقُولُهَا.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي هَقَاقِمَ 2874 وَ قَدْ رَآهُ-: يَا فُلَانُ قَدْ زَوَّدَكَ مُحَمَّدٌ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ.
وَ قَالَ لَهُ أَبُو الشُّرُورِ: قَدْ زَوَّدَكَ مُحَمَّدٌ الْأَمَانِيَّ الْبَاطِلَةَ، مَا أَكْثَرَ مَا يَقُولُهَا
وَ لَا يَجِيءُ بِطَائِلٍ 2875 .
وَ قَدْ حَضَرَ الرَّجُلُ السُّوقَ فِي غُدُوٍّ، وَ قَدْ حَضَرَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: هَلُمَّ نَطْنُزُ 2876 بِهَذَا الْمَغْرُورِ بِمُحَمَّدٍ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو الشُّرُورِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ- قَدِ اتَّجَرَ النَّاسُ الْيَوْمَ وَ رَبِحُوا، فَمَا ذَا كَانَتْ تِجَارَتُكَ قَالَ الرَّجُلُ: كُنْتُ مِنَ النَّظَّارَةِ، وَ لَمْ يَكُنْ لِي مَا أَشْتَرِي وَ لَا مَا أَبِيعُ، لَكِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ آلِهِمَا الطَّيِّبِينَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو الشُّرُورِ: قَدْ رَبِحْتَ الْخَيْبَةَ، وَ اكْتَسَبْتَ الْخِرْقَةَ 2877 وَ الْحِرْمَانَ، وَ سَبَقَكَ إِلَى مَنْزِلِكَ مَائِدَةُ الْجُوعِ- عَلَيْهَا طَعَامٌ مِنَ التَّمَنِّي 2878 وَ إِدَامٌ- وَ أَلْوَانٌ مِنْ أَطْعِمَةِ الْخَيْبَةِ الَّتِي تَتَّخِذُهَا لَكَ الْمَلَائِكَةُ- الَّذِينَ يَنْزِلُونَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالْخَيْبَةِ- وَ الْجُوعِ وَ الْعَطَشِ وَ الْعُرْيِ وَ الذِّلَّةِ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: كَلَّا وَ اللَّهِ إِنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ إِنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ فَمِنَ الْمُحِقِّينَ السَّعِيدِينَ، سَيُوَفِّرُ 2879 اللَّهُ مَنْ آمَنَ بِهِ بِمَا يَشَاءُ- مِنْ سَعَةٍ يَكُونُ بِهَا مُتَفَضِّلًا، وَ مِنْ 2880 ضِيقٍ يَكُونُ بِهِ عَادِلًا وَ مُحْسِناً لِلنَّظَرِ لَهُ، وَ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَحْسَنُهُمْ تَسْلِيماً لِحُكْمِهِ.
فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ بِيَدِهِ سَمَكَةٌ قَدْ أَرَاحَتْ، 2881 فَقَالَ أَبُو الشُّرُورِ وَ هُوَ يَطْنُزُ: بِعْ هَذِهِ السَّمَكَةَ مِنْ صَاحِبَنَا هَذَا. يَعْنِي صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ص.
فَقَالَ الرَّجُلُ: اشْتَرِهَا مِنِّي فَقَدْ بَارَتْ 2882 عَلَيَّ. فَقَالَ: لَا شَيْءَ مَعِي.
فَقَالَ أَبُو الشُّرُورِ: اشْتَرِهَا- لَيُؤَدِّي ثَمَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَ هُوَ يَطْنُزُ- أَ لَسْتَ تَثِقُ بِرَسُولِ
اللَّهِ أَ فَلَا تَبَسَّطُ 2883 إِلَيْهِ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَقَالَ: نَعَمْ بِعْنِيهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ بِعْتُكَهَا بِدَانِقٍ 2884 . فَاشْتَرَاهَا بِدَانِقَيْنِ عَلَى أَنْ يُحِيلَهُ 2885 عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص.
فَبَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أُسَامَةَ [بْنَ حَارِثٍ] أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَماً.
فَجَاءَ الرَّجُلُ فَرِحاً مَسْرُوراً بِالدِّرْهَمِ- وَ قَالَ: إِنَّهُ أَضْعَافُ 2886 قِيمَةِ سَمَكَتِي.
فَشَقَّهَا الرَّجُلُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَوَجَدَ فِيهَا جَوْهَرَتَيْنِ نَفِيسَتَيْنِ- قُوِّمَتَا مِائَتَيْ أَلْفِ 2887 دِرْهَمٍ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي الشُّرُورِ وَ ابْنِ أَبِي هَقَاقِمَ، فَسَعَيَا 2888 إِلَى الرَّجُلِ صَاحِبِ السَّمَكَةِ وَ قَالا لَهُ: أَ لَمْ تَرَ الْجَوْهَرَتَيْنِ إِنَّمَا بِعْتَهُ السَّمَكَةَ لَا مَا فِي جَوْفِهَا فَخُذْهُمَا مِنْهُ. فَتَنَاوَلَهُمَا الرَّجُلُ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَأَخَذَ إِحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ، وَ الْأُخْرَى بِشِمَالِهِ، فَحَوَّلَهُمَا اللَّهُ عَقْرَبَيْنِ لَدَغَتَاهُ، فَتَأَوَّهُ وَ صَاحَ وَ رَمَى بِهِمَا مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ: 2889 مَا أَعْجَبَ سِحْرَ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ أَعَادَ الرَّجُلُ نَظَرَهُ إِلَى بَطْنِ السَّمَكَةِ، فَإِذَا جَوْهَرَتَانِ أُخْرَيَانِ، فَأَخَذَهُمَا، فَقَالا لِصَاحِبِ السَّمَكَةِ: خُذْهُمَا فَهُمَا لَكَ أَيْضاً. فَذَهَبَ يَأْخُذُهُمَا فَتَحَوَّلَتَا حَيَّتَيْنِ، وَ وَثَبَتَا عَلَيْهِ وَ لَسَعَتَاهُ، فَصَاحَ وَ تَأَوَّهَ وَ صَرَخَ، وَ قَالَ لِلرَّجُلِ: خُذْهُمَا عَنِّي.
فَقَالَ الرَّجُلُ: هُمَا لَكَ عَلَى مَا زَعَمْتَ، وَ أَنْتَ أَوْلَى بِهِمَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: خُذْ وَ اللَّهِ جَعَلْتُهُمَا لَكَ. فَتَنَاوَلَهُمَا الرَّجُلُ عَنْهُ، وَ خَلَّصَهُ مِنْهُمَا، فَإِذَا هُمَا قَدْ عَادَتَا جَوْهَرَتَيْنِ وَ تَنَاوَلَ الْعَقْرَبَيْنِ فَعَادَتَا جَوْهَرَتَيْنِ.