کتابخانه روایات شیعه
قوله عز و جل الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
[تفسير الحمد]
11 قَوْلُهُ تَعَالَى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» قَالَ الْإِمَامُ ع: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضَا ع فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» مَا تَفْسِيرُهُ قَالَ ع: لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَنِ الْبَاقِرِ، عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» مَا تَفْسِيرُهُ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» هُوَ أَنْ عَرَّفَ اللَّهُ عِبَادَهُ بَعْضَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ جُمَلًا، إِذْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِهَا بِالتَّفْصِيلِ، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أَوْ تُعْرَفَ فَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ 120 عَلَيْنَا.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) 121 وَ هُمُ الْجَمَاعَاتُ 122 مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، مِنَ الْجَمَادَاتِ، وَ الْحَيَوَانَاتِ:
فَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ، فَهُوَ يَقْلِبُهَا فِي قُدْرَتِهِ، وَ يَغْذُوهَا مِنْ رِزْقِهِ، وَ يَحُوطُهَا 123 بِكَنَفِهِ وَ يُدَبِّرُ كُلًّا مِنْهَا بِمَصْلَحَتِهِ.
وَ أَمَّا الْجَمَادَاتُ فَهُوَ يُمْسِكُهَا بِقُدْرَتِهِ، يُمْسِكُ مَا اتَّصَلَ مِنْهَا أَنْ يَتَهَافَتَ، وَ يُمْسِكُ الْمُتَهَافِتَ مِنْهَا أَنْ يَتَلَاصَقَ 124 وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَ يُمْسِكُ الْأَرْضَ أَنْ تَنْخَسِفَ إِلَّا بِأَمْرِهِ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
قَالَ ع: وَ (رَبِّ الْعالَمِينَ) مَالِكُهُمْ وَ خَالِقُهُمْ- وَ سَائِقُ أَرْزَاقِهِمْ، إِلَيْهِمْ، مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ، وَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
فَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ، وَ هُوَ يَأْتِي ابْنَ آدَمَ عَلَى أَيِّ سِيرَةٍ سَارَهَا مِنَ الدُّنْيَا، لَيْسَ لِتَقْوَى مُتَّقٍ بِزَائِدَةٍ، وَ لَا لِفُجُورِ فَاجِرٍ بِنَاقِصَةٍ، وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ سِتْرٌ 125 وَ هُوَ طَالِبُهُ.
وَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَفِرُّ مِنْ 126 رِزْقِهِ لَطَلَبَهُ رِزْقُهُ كَمَا يَطْلُبُهُ الْمَوْتُ.
قَالَ [أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع]: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: قُولُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا، وَ ذَكَرَنَا بِهِ مِنْ خَيْرٍ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَكُونَ.
فَفِي هَذَا إِيجَابٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لِمَا فَضَّلَهُ وَ فَضَّلَهُمْ، وَ عَلَى شِيعَتِهِمْ أَنْ يَشْكُرُوهُ بِمَا فَضَّلَهُمْ [بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ].
[تفضيل أمة محمد على جميع الأمم]
14 وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَ اصْطَفَاهُ نَجِيّاً- وَ فَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ فَنَجَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ أَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ وَ الْأَلْوَاحَ- رَأَى مَكَانَهُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ: يَا رَبِّ لَقَدْ أَكْرَمْتَنِي بِكَرَامَةٍ لَمْ تُكْرِمْ بِهَا أَحَداً قَبْلِي.
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مُحَمَّداً أَفْضَلُ عِنْدِي- مِنْ جَمِيعِ مَلَائِكَتِي وَ جَمِيعِ خَلْقِي قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ- فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَكْرَمَ 127 عِنْدَكَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ، فَهَلْ فِي آلِ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمُ مِنْ آلِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ آلِ النَّبِيِّينَ 128 كَفَضْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ 129 فَقَالَ: يَا رَبِّ فَإِنْ كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ كَذَلِكَ، فَهَلْ فِي صَحَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمُ [عِنْدَكَ] مِنْ صَحَابَتِي
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ صَحَابَةِ مُحَمَّدٍ ص عَلَى جَمِيعِ صَحَابَةِ الْمُرْسَلِينَ- كَفَضْلِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ آلِ النَّبِيِّينَ- وَ [كَ] فَضْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ- فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ وَ آلُهُ وَ صَحْبُهُ كَمَا وَصَفْتَ، فَهَلْ فِي أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ عِنْدَكَ مِنْ أُمَّتِي ظَلَّلْتَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَ أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوَى وَ فَلَقْتَ لَهُمُ الْبَحْرَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فَضْلَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ كَفَضْلِي 130 عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ لَيْتَنِي كُنْتُ أَرَاهُمْ. (فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ) 131 :
يَا مُوسَى إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُمْ، فَلَيْسَ هَذَا أَوَانُ ظُهُورِهِمْ، وَ لَكِنْ سَوْفَ تَرَاهُمْ فِي الْجَنَّةِ 132 جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ الْفِرْدَوْسِ بِحَضْرَةِ مُحَمَّدٍ فِي نَعِيمِهَا يَتَقَلَّبُونَ، وَ فِي خَيْرَاتِهَا يَتَبَحْبَحُونَ 133 أَ فَتُحِبُّ أَنْ أُسْمِعَكَ كَلَامَهُمْ قَالَ: نَعَمْ يَا إِلَهِي.
: [نداء الرب سبحانه و تعالى أمة محمد (ص)]
قَالَ [اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ] 134 : قُمْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَ اشْدُدْ مِئْزَرَكَ- قِيَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ السَّيِّدِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى.
فَنَادَى [الْمَلِكُ] رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ. فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ، وَ هُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَ أَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ- إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ وَ الْمُلْكَ لَكَ- لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ».
قَالَ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْإِجَابَةَ مِنْهُمْ شِعَارَ الْحَجِ 135 .
ثُمَّ نَادَى رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّ قَضَائِي عَلَيْكُمْ أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، وَ عَفْوِي قَبْلَ 136 عِقَابِي، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي، وَ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَسْأَلُونِي، مَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ بِشَهَادَةِ 137 :
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، صَادِقٌ فِي أَقْوَالِهِ، مُحِقٌّ فِي أَفْعَالِهِ 138 وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخُوهُ- وَ وَصِيُّهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَلِيُّهُ، يُلْتَزَمُ طَاعَتُهُ [كَمَا يُلْتَزَمُ طَاعَةُ] مُحَمَّدٍ وَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ 139 الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارَ الْمُطَهَّرِينَ- الْمُبَايِنِينَ 140 بِعَجَائِبِ آيَاتِ اللَّهِ وَ دَلَائِلِ حُجَجِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِهِمَا أَوْلِيَاؤُهُ، أَدْخَلْتُهُ جَنَّتِي، وَ إِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.
قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّنَا محمد [مُحَمَّداً] ص قَالَ:
يَا مُحَمَّدُ «وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا» 141 أُمَّتَكَ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ لِمُحَمَّدٍ ص: قُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عَلَى مَا اخْتَصَّنِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ. وَ قَالَ لِأُمَّتِهِ:
[وَ] قُولُوا أَنْتُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عَلَى مَا اخْتَصَّنَا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ 142 .
قوله عز و جل الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
12 قَالَ الْإِمَامُ ع «الرَّحْمنِ» : الْعَاطِفِ عَلَى خَلْقِهِ بِالرِّزْقِ، لَا يَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ رِزْقِهِ، وَ إِنِ انْقَطَعُوا عَنْ طَاعَتِهِ. «الرَّحِيمِ» بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَخْفِيفِهِ عَلَيْهِمْ طَاعَاتِهِ وَ بِعِبَادِهِ الْكَافِرِينَ فِي الرِّفْقِ بِهِمْ- فِي دُعَائِهِمْ إِلَى مُوَافَقَتِهِ.
قَالَ: وَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: «الرَّحْمنِ» هُوَ الْعَاطِفُ عَلَى خَلْقِهِ بِالرِّزْقِ.
قَالَ: وَ مِنْ رَحْمَتِهِ- أَنَّهُ لَمَّا سَلَبَ الطِّفْلَ قُوَّةَ النُّهُوضِ وَ التَّغَذِّي- جَعَلَ تِلْكَ الْقُوَّةَ فِي أُمِّهِ، وَ رَقَّقَهَا 143 عَلَيْهِ لِتَقُومَ بِتَرْبِيَتِهِ وَ حَضَانَتِهِ، فَإِنْ قَسَا قَلْبُ أُمٍّ مِنَ الْأُمَّهَاتِ- أَوْجَبَ تَرْبِيَةَ هَذَا الطِّفْلِ [وَ حَضَانَتَهُ] 144 عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ لَمَّا سَلَبَ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ قُوَّةَ التَّرْبِيَةِ لِأَوْلَادِهَا، وَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا، جَعَلَ تِلْكَ الْقُوَّةَ فِي الْأَوْلَادِ لِتَنْهَضَ حِينَ تُولَدُ وَ تَسِيرَ إِلَى رِزْقِهَا الْمُسَبَّبِ 145 لَهَا.
قَالَ ع: وَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الرَّحْمنِ» : أَنَّ قَوْلَهُ «الرَّحْمنِ» مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّحْمَةِ 146 سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: أَنَا «الرَّحْمَنُ». وَ هِيَ [مِنَ] 147 الرَّحِمِ شَقَقْتُ لَهَا اسْماً مِنِ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَ مَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع:
أَ وَ تَدْرِي مَا هَذِهِ الرَّحِمُ- الَّتِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ الرَّحْمَنُ، وَ مَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الرَّحْمَنُ فَقِيلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: حَثَّ بِهَذَا كُلَّ قَوْمٍ عَلَى أَنْ يُكْرِمُوا أَقْرِبَاءَهُمْ 148
وَ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ.
فَقَالَ لَهُمْ: أَ يَحُثُّهُمْ عَلَى أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمُ الْكَافِرِينَ، وَ أَنْ يُعَظِّمُوا مَنْ حَقَّرَهُ اللَّهُ، وَ أَوْجَبَ احْتِقَارَهُ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالُوا: لَا-، وَ لَكِنَّهُ حَثَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقَالَ:
أَوْجَبَ حُقُوقَ أَرْحَامِهِمْ، لِاتِّصَالِهِمْ بِآبَائِهِمْ وَ أُمَّهَاتِهِمْ قُلْتُ: بَلَى يَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَهُمْ إِذَنْ إِنَّمَا يَقْضُونَ فِيهِمْ 149 حُقُوقَ الْآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ.
قُلْتُ: بَلَى يَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ ص. قَالَ: فَآبَاؤُهُمْ وَ أُمَّهَاتُهُمْ- إِنَّمَا غَذَّوْهُمْ فِي الدُّنْيَا- وَ وَقَوْهُمْ مَكَارِهَهَا، وَ هِيَ نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ، وَ مَكْرُوهٌ يَنْقَضِي، وَ رَسُولُ رَبِّهِمْ سَاقَهُمْ إِلَى نِعْمَةٍ دَائِمَةٍ لَا تَنْقَضِي، وَ وَقَاهُمْ مَكْرُوهاً مُؤَبَّداً لَا يَبِيدُ، فَأَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ قُلْتُ: نِعْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَعْظَمُ وَ أَجَلُّ وَ أَكْبَرُ.
قَالَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحُثَّ عَلَى قَضَاءِ حَقِّ- مَنْ صَغَّرَ [اللَّهُ] 150 حَقَّهُ، وَ لَا يَحُثَّ عَلَى قَضَاءِ حَقِّ مَنْ كَبَّرَ [اللَّهُ] 151 حَقَّهُ قُلْتُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَإِذاً حَقُّ رَسُولِ اللَّهِ ص أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ، وَ حَقُّ رَحِمِهِ أَيْضاً أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ رَحِمِهِمَا، فَرَحِمُ رَسُولِ اللَّهِ ص 152 أَوْلَى بِالصِّلَةِ، وَ أَعْظَمُ فِي الْقَطِيعَةِ.
فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ قَطَعَهَا، وَ الْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ لَمْ يُعَظِّمْ حُرْمَتَهَا.
أَ وَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ حُرْمَةَ رَحِمِ رَسُولِ اللَّهِ ص حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَ أَنَّ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَ أَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ حَقّاً مِنْ كُلِّ مُنْعِمٍ سِوَاهُ، وَ أَنَّ كُلَّ مُنْعِمٍ سِوَاهُ إِنَّمَا أَنْعَمَ حَيْثُ قَيَّضَهُ لِذَلِكَ 153 رَبُّهُ، وَ وَفَّقَهُ لَهُ.
أَ مَا عَلِمْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا الَّذِي قَالَ لَهُ
قَالَ ع: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى أَ تَدْرِي مَا بَلَغَتْ بِرَحْمَتِي 154 إِيَّاكَ فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبِي وَ أُمِّي.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى وَ إِنَّمَا رَحِمَتْكَ أُمُّكَ لِفَضْلِ رَحْمَتِي، فَأَنَا الَّذِي رَقَّقْتُهَا 155 عَلَيْكَ، وَ طَيَّبْتُ قَلْبَهَا لِتَتْرُكَ طَيِّبَ وَسَنِهَا 156 لِتَرْبِيَتِكَ، وَ لَوْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ بِهَا لَكَانَتْ هِيَ وَ سَائِرُ النِّسَاءِ 157 سَوَاءً.
[ما يكون كفارة للذنوب]
1 يَا مُوسَى أَ تَدْرِي أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي 158 يَكُونُ لَهُ ذُنُوبٌ وَ خَطَايَا- تَبْلُغُ أَعْنَانَ السَّمَاءِ فَأَغْفِرُهَا لَهُ، وَ لَا أُبَالِي قَالَ: يَا رَبِّ وَ كَيْفَ لَا تُبَالِي قَالَ تَعَالَى: لِخَصْلَةٍ شَرِيفَةٍ تَكُونُ فِي عَبْدِي أُحِبُّهَا، وَ هِيَ أَنْ يُحِبَّ إِخْوَانَهُ الْفُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَتَعَاهَدَهُمْ، وَ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِهِمْ، وَ لَا يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ.
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَ لَا أُبَالِي.
يَا مُوسَى إِنَّ الْفَخْرَ 159 رِدَائِي وَ الْكِبْرِيَاءَ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ بِنَارِي.