کتابخانه روایات شیعه
وَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ الشُّكْرِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِقَةِ رَآهَا النَّاسُ وَ قَدْ حَمَلَتْ حَمْلًا حَسَناً فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ وَ أَكَلُوا مِنْهَا فَوَجَدُوهُ نَبِقاً حُلْواً لَا عَجَمَ لَهُ وَ وَدَّعُوهُ وَ مَضَى ع مِنْ وَقْتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى أَشْخَصَهُ الْمُعْتَصِمُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ إِلَى بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلًا مَحْبُوساً أُتِيَ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ مَكْبُولًا وَ قَالُوا إِنَّهُ تَنَبَّأَ فَأَتَيْتُ الْبَابَ وَ دَارَيْتُ الْبَوَّابِينَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ فَهْمٌ وَ عَقْلٌ فَقُلْتُ لَهُ يَا هَذَا مَا قِصَّتُكَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا بِالشَّامِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ نُصِبَ فِيهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَوْضِعِي مُقْبِلٌ عَلَى الْمِحْرَابِ أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إِذْ رَأَيْتُ شَخْصاً بَيْنَ يَدَيَّ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي قُمْ فَقُمْتُ مَعَهُ فَمَشَى بِي قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ قَالَ فَصَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفْتُ مَعَهُ فَمَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ صَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ فَمَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَ طُفْتُ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ وَ مَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ بِالشَّامِ وَ غَابَ الشَّخْصُ عَنْ عَيْنِي فَبَقِيتُ حَوْلًا مِمَّا رَأَيْتُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّخْصَ فَاسْتَبْشَرْتُ بِهِ وَ دَعَانِي فَأَجَبْتُ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتِي بِالشَّامِ قُلْتُ لَهُ سَأَلْتُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَقْدَرَكَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع فَحَدَّثْتُ مَنْ كَانَ يَصِيرُ إِلَى الْحِيرَةِ فَرَقَى ذَلِكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ فَبَعَثَ إِلَيَّ وَ أَخَذَنِي فَكَبَّلَنِي فِي الْحَدِيدِ وَ حَمَلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ وَ حُبِسْتُ كَمَا تَرَى وَ ادَّعَى عَلَيَّ الْمَحَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَرْفَعُ عَنْكَ الْقِصَّةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ فَقَالَ افْعَلْ فَكَتَبْتُ عَنْهُ قِصَّةً شَرَحْتُ أَمْرَهُ فِيهَا وَ رَفَعْتُهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِهَا قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ إِلَى الْكُوفَةِ وَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنَ السِّجْنِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ فَغَمَّنِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَ رَقَقْتُ لَهُ وَ انْصَرَفْتُ مَحْزُوناً عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ بَاكَرْتُ الْحَبْسَ لِأُعْلِمَهُ بِالْحَالِ وَ آمُرَهُ بِالصَّبْرِ وَ الْعَزَاءِ فَوَجَدْتُ الْجُنْدَ وَ أَصْحَابَ السِّجْنِ وَ خَلْقاً عَظِيماً مِنَ النَّاسِ يُهْرَعُونَ فَسَأَلْتُ عَنْ حَالِهِمْ فَقِيلَ لِي الْمَحْمُولُ مِنَ الشَّامِ الْمُتَنَبِّئُ افْتُقِدَ الْبَارِحَةَ مِنَ الْحَبْسِ فَلَا نَدْرِي أَ خَسَفَ بِهِ الْأَرْضُ أَوِ اخْتَطَفَهُ الطَّيْرُ وَ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ خَالِدٍ زَيْدِيّاً فَقَالَ بِالْإِمَامَةِ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَ حَسُنَ اعْتِقَادُهُ.
قَالَ الْمُطَرِّفِيُ مَضَى أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع وَ لِي عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا غَيْرِي وَ غَيْرُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِذَا كَانَ غَدٌ فَأْتِنِي فَأَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ لِي مَضَى أَبُو الْحَسَنِ وَ لَكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَرَفَعَ الْمُصَلَّى الَّذِي كَانَ تَحْتَهُ فَإِذَا تَحْتَهُ دَنَانِيرُ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ وَ كَانَ قِيمَتُهَا فِي الْوَقْتِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ.
وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الْهَاشِمِيُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع صَبِيحَةَ عِرْسِهِ بِبِنْتِ الْمَأْمُونِ وَ كُنْتُ تَنَاوَلْتُ مِنَ اللَّيْلِ دَوَاءً فَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ صَبِيحَةً أَنَا وَ قَدْ أَصَابَنِي الْعَطَشُ فَكَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ فَنَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فِي وَجْهِي وَ قَالَ أَرَاكَ عَطْشَاناً قُلْتُ أَجَلْ قَالَ يَا غُلَامٌ اسْقِنَا مَاءً فَقُلْتُ السَّاعَةَ يَأْتُونَهُ بِمَاءٍ مَسْمُومٍ وَ اغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ وَ مَعَهُ الْمَاءُ الْمَسْمُومُ فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ يَا غُلَامُ نَاوِلْنِي الْمَاءَ فَتَنَاوَلَ الْمَاءَ وَ شَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ وَ أَطَلْتُ عِنْدَهُ فَعَطِشْتُ أَيْضاً فَدَعَا بِالْمَاءِ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَتَبَسَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ وَ اللَّهِ إِنِّي أَظُنُّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَعْلَمُ مَا فِي النُّفُوسِ كَمَا يَقُولُ الرَّافِضَةُ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ سَأَلْتُهُ عَنْ زِيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ زِيَارَةِ أَبِي الْحَسَنِ وَ زِيَارَةِ أَبِي جَعْفَرٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الْمُقَدَّمُ وَ هَذَا أَجْمَعُ وَ أَعْظَمُ أَجْراً.
و ولد أبو جعفر ع بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان و يقال النصف من شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة من الهجرة و قبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة و قيل مات يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين فله يومئذ خمس و عشرون سنة و أمه أم ولد يقال لها الخيزران و كانت من أهل مارية القبطية و يقال اسمها سبيكة و كانت نوبية و كانت مدة خلافته سبع عشرة سنة. قال محمد بن أبي طلحة العوفي
سلام و ريحان و روح على الرضا
سلام على تاليه كالكوب [كالكوكب] الدري
قال آخر
أولاد أحمد كل أغبر شاحب
رث الثياب ملوح كأراك
و بنو الزناة يملكون على الورى
سبحان خالقنا على الأفلاك
و كان سبب وروده ع إلى بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين
من المحرم سنة عشرين و مائتين و توفي بها.
مجلس في ذكر إمامة أبي الحسن علي بن محمد و مناقبه ع
و الإمام بعد أبي جعفر محمد ابنه أبو الحسن علي بن محمد لنص أبيه عليه و لدلائل معتبرة باعتبار العقل.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي الدَّفْعَةِ الْأُولَى عِنْدَ خَرْجَتِهِ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَإِلَى مَنِ الْأَمْرُ بَعْدَكَ قَالَ فَكَرَّ بِوَجْهِهِ ضَاحِكاً إِلَيَّ وَ قَالَ لِي لَيْسَ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَلَمَّا اسْتُدْعِيَ بِهِ إِلَى الْمُعْتَصِمِ صِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ خَارِجٌ فَإِلَى مَنْ هَذَا الْأَمْرُ بَعْدَكَ قَالَ فَبَكَى حَتَّى خَضَبَ لِحْيَتَهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ الْأَمْرُ بَعْدِي إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ مَرِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ الطَّبِيبُ لَيْلًا وَ وَصَفَ لِي دَوَاءً آخُذُهُ فِي السَّحَرِ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً فَلَمْ يُمْكِنِّي تَحْصِيلُهُ مِنَ اللَّيْلِ وَ خَرَجَ الطَّبِيبُ مِنَ الْبَابِ وَ وَرَدَ صَاحِبُ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي الْحَالِ وَ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا ذَلِكَ الدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ خُذْ هَذَا الدَّوَاءَ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً فَأَخَذْتُ فَشَرِبْتُ فَبَرَأْتُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍ فَقَالَ لِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ أَيْنَ الْغُلَاةُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ خَيْزُرَانُ الْأَسْبَاطِيُّ قَدِمْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ع الْمَدِينَةَ فَقَالَ لِي مَا خَبَرُ الْوَاثِقِ عِنْدَكَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ خَلَّفْتُهُ فِي عَافِيَةٍ أَنَا مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ عَهْداً بِهِ عَهْدِي بِهِ مُنْذُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ إِنَّهُ مَاتَ قُلْتُ أَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ عَهْداً قَالَ فَقَالَ لِي يَا هَذَا إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّهُ مَاتَ فَلَمَّا قَالَ لِي إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسِي ثُمَّ قَالَ لِي مَا فَعَلَ جَعْفَرٌ قُلْتُ تَرَكْتُهُ أَسْوَأَ النَّاسِ حَالًا فِي السِّجْنِ قَالَ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ مَا فَعَلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ قُلْتُ النَّاسُ مَعَهُ وَ الْأَمْرُ أَمْرُهُ فَقَالَ إِنَّهُ شُومٌ
عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ وَ قَالَ لِي لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ وَ أَحْكَامُهُ يَا خَيْزُرَانُ مَاتَ الْوَاثِقُ وَ قَدْ قَعَدَ الْمُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ وَ قَدْ قُتِلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ قُلْتُ مَتَى جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ بَعْدَ خُرُوجِكَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ.
وَ كَانَ شُخُوصُ أَبِي الْحَسَنِ ع مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَتَوَلَّى الْحَرْبَ وَ الصَّلَاةَ فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَعَى بِأَبِي الْحَسَنِ ع إِلَى الْمُتَوَكِّلِ وَ كَانَ يَقْصِدُهُ بِالْأَذَى وَ بَلَغَ أَبَا الْحَسَنِ ع سِعَايَتُهُ بِهِ فَكَتَبَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ تَحَامُلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ تَكْذِيبَهُ عَلَيْهِ فِيمَا سَعَى بِهِ فَتَقَدَّمَ الْمُتَوَكِّلُ بِإِجَابَتِهِ عَنْ كِتَابِهِ وَ دُعَائِهِ فِيهِ إِلَى حُضُورِ الْعَسْكَرِ عَلَى جَمِيلٍ مِنَ الْفِعْلِ وَ الْقَوْلِ وَ خَرَجَتْ نُسْخَةُ الْكِتَابِ وَ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَارِفٌ بِقَدْرِكَ رَاعٍ لِقَرَابَتِكَ مُوجِبٌ لِحَقِّكَ مُقَدِّرٌ مِنَ الْأُمُورِ فِيكَ وَ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ حَالَكَ وَ حَالَهُمْ وَ يُثْبِتُ بِهِ عِزَّكَ وَ عِزَّهُمْ وَ يُدْخِلُ الْأَمْنَ عَلَيْكَ وَ عَلَيْهِمْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَاءَ رَبِّهِ وَ أَدَاءَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ فِيكَ وَ فِيهِمْ وَ قَدْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَرْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّا كَانَ يَتَوَلَّى مِنَ الْحَرْبِ وَ الصَّلَاةِ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنْ جَهَالَتِهِ بِحَقِّكَ وَ اسْتِخْفَافِهِ بِقَدْرِكَ وَ عِنْدَ مَا قَذَفَكَ بِهِ وَ نَسَبَكَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ عَلِمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَرَاءَتَكَ مِنْهُ وَ صِدْقَ نِيَّتِكَ فِي بِرِّكَ وَ قَوْلِكَ وَ أَنَّكَ لَمْ تُؤَهِّلْ نَفْسَكَ فِيمَا فَرَقْتَ بِطَلَبِهِ وَ قَدْ وَلَّى بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ وَ أَمَرَهُ بِإِكْرَامِكَ وَ تَبْجِيلِكَ وَ الِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِكَ وَ رَأْيِكَ وَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ يُحِبُّ إِحْدَاثَ الْعَهْدِ بِكَ وَ النَّظَرَ إِلَيْكَ فَإِنْ نَشِطْتَ لِزِيَارَتِهِ وَ الْمُقَامِ قِبَلَهُ مَا أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ وَ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ مَوَالِيكَ وَ حَشَمِكَ عَلَى مُهْلَةٍ وَ طُمَأْنِينَةٍ تَرْحَلُ إِذَا شِئْتَ وَ تَنْزِلُ إِذَا شِئْتَ وَ تَسِيرُ كَيْفَ شِئْتَ وَ أَنَا أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ يَرْحَلُونَ بِرَحِيلِكَ وَ يَسِيرُونَ بِمَسِيرِكَ وَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْكَ وَ قَدْ تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ بِطَاعَتِكَ فَاسْتَخِرِ اللَّهَ حَتَّى تُوَافِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ أَلْطَفَ مَنْزِلَةً وَ لَا أَحْمَدَ لَهُ أَثَرَةً وَ لَا هُوَ لَهُمْ أَنْظَرَ وَ عَلَيْهِمْ أَشْفَقَ وَ بِهِمْ أَبَرَّ وَ إِلَيْهِمْ أَسْكَنَ مِنْهُ إِلَيْكَ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ. وَ كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ فِي شَهْرِ كَذَا وَ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَتَيْنِ فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ ع تَجَهَّزَ لِلرَّحِيلِ وَ خَرَجَ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى
سُرَّ مَنْ رَأَى فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا تَقَدَّمَ الْمُتَوَكِّلُ بِأَنْ يَحْجُبَ عَنْهُ فِي يَوْمِهِ فَنَزَلَ فِي خَانٍ يُعْرَفُ بِخَانِ الصَّعَالِيكِ وَ أَقَامَ فِيهِ يَوْمَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمُتَوَكِّلُ بِإِفْرَادِ دَارٍ لَهُ فَانْتَقَلَ إِلَيْهَا-: قَالَ صَالِحُ بْنُ سَعِيدٍ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ ع يَوْمَ وُرُودِهِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ وَ التَّقْصِيرَ بِكَ حَتَّى أَنْزَلُوكَ هَذَا الْخَانَ الْأَشْنَعَ خَانَ الصَّعَالِيكِ فَقَالَ هَاهُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ أَنِيقَاتٍ وَ أَنْهَارٍ جَارِيَاتٍ وَ جَنَّاتٍ فِيهَا خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ وَ وِلْدَانٌ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ فَحَارَ بَصَرِي وَ كَثُرَ عَجَبِي فَقَالَ لِي حَيْثُ كُنَّا فَهَذَا لَنَا يَا ابْنَ سَعِيدٍ لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكِ وَ أَقَامَ أَبُو الْحَسَنِ ع مُدَّةَ مُقَامِهِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى مُكَرَّماً لَهُ فِي ظَاهِرِ حَالِهِ يَجْتَهِدُ الْمُتَوَكِّلُ بِإِيقَاعِ حِيلَةٍ بِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
و له معه أحاديث يطول بذكره الكتاب.
قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا لِمَنْ زَارَ أَحَداً مِنْكُمْ قَالَ كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اللَّهِ ص.
قَالَ الرِّضَا ع إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِمْ وَ شِيعَتِهِمْ وَ مِنْ تَمَامِ الْوَفَاءِ وَ الْعَهْدِ وَ حُسْنِ الْأَدَاءِ زِيَارَةُ قُبُورِهِمْ مَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ وَ تَصْدِيقاً لِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع قَبْرِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى أَمَانٌ لِأَهْلِ الْجَانِبَيْنِ.
و كان مولده بمدينة الرسول ص يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين و توفي بسر من رأى بثلاث ليال خلون نصف النهار سنة أربع و خمسين و مائتين و له يومئذ إحدى و أربعون سنة و سبعة أشهر و أمه أم ولد يقال لها سمانة و كانت مدة إمامته ثلاث و ثلاثين سنة و كانت مدة مقامه بسر من رأى إلى أن قبض ع عشرين سنة و أشهر. أنشد
أ تقتل يا ابن الشفيع المطاع
و يا ابن المصابيح و يا ابن الغرر
و يا ابن الشريعة و يا ابن الكتاب
و يا ابن الرواية و ابن الأثر
مناسب ليست بمجهولة
ببدو البلاد و لا بالحضر
مهذبة من جميع الجهات
و من كل شائبة أو كدر
سلام على من أكمل العشر باسمه
سلام من الباري على حادي عشر .
مجلس في ذكر إمامة أبي محمد الحسن بن علي العسكري و مناقبه ع
و الإمام بعد أبي الحسن ابنه أبو محمد الحسن ع لاجتماع خصال الفضل فيه و تقدمه على كافة عصره فيما يوجب له الإمامة و يقتضي له الرئاسة من العلم و الزهد و كمال العقل و العلم و العصمة و الشجاعة و لنص أبيه عليه و الدلائل التي قد مضت. 3
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ فَإِلَى مَنْ قَالَ عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي يَعْنِي الْحَسَنَ ع.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ ع بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِهِ فَعَزَّيْتُهُ عَنْهُ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ جَالِسٌ فَبَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ ع وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ فِيكَ خَلَفاً فَاحْمَدِ اللَّهَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع صَاحِبُكُمْ بَعْدِي الَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ قَالَ وَ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ أَبَا مُحَمَّدٍ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ ع بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ضَاقَ بِنَا الْأَمْرُ فَقَالَ لِي أَبِي امْضِ بِنَا حَتَّى نَصِيرَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ عَنْهُ سَمَاحَتُهُ فَقُلْتُ تَعْرِفُهُ فَقَالَ مَا أَعْرِفُهُ وَ لَا رَأَيْتُهُ قَطُّ قَالَ فَقَصَدْنَاهُ فَقَالَ أَبِي وَ هُوَ فِي طَرِيقِهِ مَا أَحْوَجَنَا أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مائة [مِائَتَا] دِرْهَمٍ لِلْكِسْوَةِ وَ مائة [مِائَتَا] دِرْهَمٍ للرفيق [لِلدَّقِيقِ] وَ مِائَةُ دِرْهَمٍ لِلنَّفَقَةِ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي لَيْتَهُ أَمَرَ لِي بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِائَةٌ أَشْتَرِي بِهَا حِمَاراً وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَ مِائَةٌ لِلْكِسْوَةِ فَأَخْرُجَ إِلَى الْجَبَلِ قَالَ فَلَمَّا وَافَيْنَا الْبَابَ خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامُهُ فَقَالَ يَدْخُلُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَ سَلَّمْنَا قَالَ لِأَبِي يَا عَلِيُّ مَا خَلَّفَكَ عَنَّا إِلَى هَذَا الْوَقْتِ قَالَ يَا سَيِّدِي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَلْقَاكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ جَاءَنَا غُلَامُهُ فَنَاوَلَ أَبِي صُرَّةً وَ قَالَ هَذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِائَتَانِ لِلْكِسْوَةِ وَ مِائَتَانِ لِكَذَا وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَ أَعْطَانِي صُرَّةً وَ قَالَ هَذِهِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ اجْعَلْ مِائَةً فِي ثَمَنِ الْحِمَارِ وَ مِائَةً لِلْكِسْوَةِ وَ مِائَةً لِلنَّفَقَةِ وَ لَا تَخْرُجْ إِلَى الْجَبَلِ وَ صِرْ إِلَى سُورٍ قَالَ فَصَارَ إِلَى سُورٍ أَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِنْهَا فَدَخَلَهُ الْيَوْمَ أَلْفَا دِينَارٍ وَ مَعَ هَذَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيُّ فَقُلْتُ لَهُ وَيْحَكَ أَ تُرِيدُ أَمْراً أَبْيَنَ مِنْ هَذَا قَالَ فَقَالَ صَدَقْتَ وَ لَكِنَّا عَلَى أَمْرٍ قَدْ جَرَيْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَزْوِينِيُ كُنْتُ مَعَ أَبِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَ كَانَ أَبِي يَتَعَاطَى الْبَيْطَرَةَ فِي مَرْبِطِ أَبِي مُحَمَّدٍ ع قَالَ وَ كَانَ لِلْمُسْتَعِينِ بَغْلٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ حُسْناً وَ كِبَراً وَ كَانَ يَمْنَعُ ظَهْرَهُ مِنَ اللِّجَامِ وَ قَدْ كَانَ جَمَعَ عَلَيْهِ الرُّوَّاضَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نُدَمَائِهِ أَ لَا تَبْعَثُ إِلَى الْحَسَنِ ابْنِ الرِّضَا ع فَيَجِيءُ إِمَّا أَنْ يَرْكَبَهُ وَ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ قَالَ فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ع وَ مَضَى مَعَهُ أَبِي قَالَ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارَ كُنْتُ مَعَ أَبِي فَنَظَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى الْبَغْلِ وَاقِفاً فِي صَحْنِ الدَّارِ فَعَدَلَ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَفَلِهِ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الْبَغْلِ وَ قَدْ عَرِقَ حَتَّى سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ ثُمَّ صَارَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ فَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ فَقَرَّبَ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلْجِمْ هَذَا الْبَغْلَ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَبِي أَلْجِمْهُ يَا غُلَامُ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ أَلْجِمْهُ أَنْتَ فَوَضَعَ أَبُو مُحَمَّدِ طَيْلَسَانَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَ فَأَلْجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ وَ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْرِجْهُ فَقَالَ لِأَبِي يَا غُلَامُ أَسْرِجْهُ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ بَلْ أَنْتَ أَسْرِجْهُ فَقَامَ ثَانِيَةً فَأَسْرَجَهُ وَ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ تَرَى أَنْ تَرْكَبَهُ فَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَرَكِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَكَضَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى الْمَحَجَّةِ فَمَشَى أَحْسَنَ مَشْيٍ يَكُونُ ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ كَيْفَ رَأَيْتَهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ حُسْناً وَ رَاحَةً قَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَمَلَكَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَبِي خُذْهُ يَا غُلَامُ فَأَخَذَهُ وَ قَادَهُ.
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ نُصَيْرٌ الْخَادِمُ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ وَ فِيهِمْ تُرْكٌ وَ رُومٌ وَ صَقَالِبَةٌ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْتُ هَذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ وَ لَمْ يَظْهَرْ حَتَّى مَضَى أَبُو الْحَسَنِ وَ لَا رَآهُ أَحَدٌ فَكَيْفَ هَذَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ فَأَعْطَاهُ مَعْرِفَةَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ يَعْرِفُ اللُّغَاتِ وَ الْأَنْسَابَ وَ الْحَوَادِثَ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ.