کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة المحقق]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
في دراساتي الفقهيّة كثيرا ما كنت أحتاج إلى المطالعة في كتب القدماء المطوّلة منها و المختصرة لكي أستخرج منها الآراء و النظريات الفقهيّة و كيفية استدلالهم عليها، و كان من نصيبى في أكثر الأوقات الإخفاق في مهمتي و عدم الوصول إلى بغيتي، ذلك لأن المصادر القديمة شحيحة و التراث الفقهي لا زال مخطوطا لم يطبع منه إلّا أقل من القليل، و المطبوع منه نادر قليل الوجود أو رديء الطبع مليء بالتحريفات و السقطات و الأغلاط الشائنة.
و قد تحدّثت في مناسبة من المناسبات إلى أحد مراجع الدين- حفظهم اللّه و أبقاهم- لأعلم كيف يعالج هذه المشكلة في بحوثه و دراساته فوجدته أكثر شكاية مني و هو يفكر في المخرج من هذا المأزق الذي لم يجد له حلا بعد.
من هنا اختمرت في ذهني إخراج سلسلة تحت عنوان «المكتبة الفقهيّة» تضمّ النتاج الفقهي لكبار علمائنا الأقدمين- رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين- ليكون ما يطبع فيها جيّد الطبع أنيق المنظر يسهل تناوله و لا يتعب قارئه.
و حسبت في بدء الأمر أن هذا عمل يسير لا يحتاج إلى كثير عناء و جهد، و لكن حينما عزمت على العمل وجدت العوائق و المثبطات غير قليلة و العبء ثقيل و الطريق طويل شاقّ و الحاجة إلى مساهم يشار كني في الأعمال ماسّة.
فرحت أطلب العون من جماعة من العلماء و الأفاضل، و شرحت لهم أهمية الموضوع و ضرورته و الخدمة العظمى الكامنة في القيام به تجاه الشريعة الإسلامية و قوانينها الفقهيّة، و بيّنت لهم أن الكتب التراث لو تهمل و لا تطبع بطباعات جيّدة توافق ذوق العصر، يعني ذلك إهمال القانون الإسلامي و إبعاده عن أذهان الناشئة و عدم إلفات نظر الباحثين إليه.
كان هذا الكلام و ما أشبهه يقع موقع القبول من السامعين لكن في المجلس فقط، و يتحمّس له المخاطبون لكن لدقائق معدودة .. ثم يذهب الكلام سدى كما تنقشع الغيوم من السماء في لحظات.
إن الشعور بالواجب كان يدفعني إلى تكرار القول بل إلى السعي في العمل، و كان من نتاج السعي خروج «نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه و النظائر» إلى النور و طبعه بشكل جميل جلب الأنظار و لهجت الألسن بالمدح و الثناء عليه.
و الآن أعود إلى «المكتبة الفقهيّة» بعد تسع سنوات، و أعيد طبع «نزهة الناظر» كتابا أولا للمكتبة، و كلي أمل وطيد في أن أوفق لإخراج بقية الكتب، التي أعددتها لتكون في هذه السلسلة.
و اللّه تعالى أسأل في أن يوفقني للقيام بالواجب و عدم إهمال ما عليّ من التكليف، و هو الموفق و المعين.
قم- 1/ ربيع الأوّل 1394 ه السيّد احمد الحسيني
المقدّمة
تدوين الفقه:
بعث رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و سلم في بيئة أميّة تكاد تفقد وسائل العلم و الثقافة، و لم يكن فيها علوم تستحق الذكر إلّا ما كان محفوظا في الصدور من الاشعار و الأيّام الشهيرة و بعض العلوم الغريبة كالسحر و الكهانة و ما الى ذلك.
و لكن كانت رسالة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و دينه مبدأ مشجعا و حاثا للعلم و الثقافة و المعرفة، و هذه الآيات الأولى الموحاة الى النبيّ العظيم تذكر نقطتين هامتين هما بدء الخليقة و نعمة العلم: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» .
و كان رسول الإنسانية يهتم اهتماما بالغا بتثقيف الناس ثقافة راقية يضمن لهم رفاه الدنيا و سعادة الآخرة.
و يتضح شدة اهتمام النبيّ الأكرم بتعليم امته ممّا هو مأثور عن المؤرخين و المحدثين من أن النبيّ كان يفدى بعض أسرى المشركين بتعليم بعض أصحابه الكتابة و القراءة.
و مع ذلك لم تكن الحاجة ماسة بتعلم الكتابة و التدوين، ذلك لأن النبيّ كان حيا و كان الأصحاب يسمعون الشريعة شفاها منه ثمّ ينقلونها الى بقية المسلمين ...
و بعد ما مضى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الى ربّه بدأت الحاجة الى التدوين تظهر، بل تشتد من حين إلى آخر، فأقبل الصحابة و التابعون و تابعو التابعين يكتبون و يدونون ما سمعوه من الرسول أو ما نقل اليهم بوسائط، و يهتمون اكثر ما يهتمون بمعرفة علوم القرآن الكريم و السنة الطاهرة.
و كانت مدونات القدماء- على الأكثر- بصورة أحاديث و روايات معنعنة و مسندة من راو إلى آخر الى أن تنتهي الرواية الى النبيّ أو احد الأئمة عليه و عليهم الصلاة و السلام ... و هكذا وضعت المؤلّفات الكثيرة على طريق الرواية و الحديث.
و لكن طول الزمن و بعد الشقة بين الفقهاء و المعصومين و عدم إمكان الوصول إلى مصدر الشريعة الغراء و تجدد المسائل الحديثة كل يوم ... كل هذه العوامل أوجبت الركون الى الاستنباط بمعونة القواعد المستفادة من الكتاب و السنة، فبدأ تدوين الفقه بطريق الاستدلال و الاستنباط من الكتاب و السنة و العقل و الإجماع.
و كان للتفنن نصيب وافر في وضع و ترتيب هذه الكتب الفقهيّة و تنسيقها، و نلاحظ من بين تلك الفنون في تأليف كتب الفقه نوعا يسمى بالأشباه و النظائر.
الاشباه و النظائر: