کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة الناشر]
المقدّمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد و آله الطيّبين الطاهرين.
و بعد:
فإنّ الإسلام دين اللّه الخاتم، و شريعته الأخيرة للبشرية جمعاء في كافة أقطارها، على مدى عصورها و أزمانها، و قد جاء هذا الدين لينقذ البشرية من الجهل، و يخرجها من ظلماته إلى نور العلم و الهدى، فكان الحثّ على العلم و بيان قيمة العلماء من المعالم البارزة في القرآن الكريم و كلام أئمّة الدين.
و قد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على 750 آية في العلم و مشتقّاته، من مدح العلماء، و حثّ على طلب العلم، و بيان لأهمية العلم في حياة الإنسان، و يكفيك منها قوله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» 1 و قوله تعالى: «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» 2 أمّا ما أثر عن النبيّ الأكرم و أهل بيته الطاهرين- صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين- في هذا الباب فهو أكثر من أن يحصر، و ما على طالبه إلّا أن يمدّ يده إلى أقرب كتاب حديثي إليه فسيجد
فيه فصلا بل فصولا في الإشادة بالعلم و العلماء، و سيمرّ عليك في أثناء هذا الكتاب من ذلك الشيء الكثير.
هذا في اهتمام قادة الإسلام بالعلم بجميع شعبه و فنونه.
أمّا علم الحديث الشريف فهو علم إسلامي بحت نشأ و نما و آتى أكله ليحفظ لنا أقوال المعصومين عليهم السلام التي هي بيان و تفسير للقرآن الكريم، و هدى إلى سعادة الدنيا و الآخرة، فيها جميع ما يحتاجه الإنسان لتكميل نفسه و عمارة دنياه و سعادة أخراه.
و لهذا العلم الشريف في المكتبة الإسلامية سهم كبير و مكان عال، فالعلوم الأخرى من تفسير و فقه و عقائد و ... تعتمد عليه و تستمدّ منه، فهو المصدر الأول للمفسّر و الفقيه و المتكلّم و العارف ...
و هو علم تتميّز به الأمة الإسلامية عن بقيّة الأمم، حيث حفظ هذا العلم الشريف جميع كلام النبيّ الأكرم و آل بيته الطاهرين و إخبارهم عن اللّه تعالى و ما يتعلّق بسيرهم و حياتهم، و حفظ لنا- إضافة إلى هذا- الصحيح من كلام الأنبياء السابقين عليهم السلام ... ممّا لا نجده عند أتباع الديانات الأخرى.
و قد أتعب علماء المسلمين أنفسهم في نقل الحديث الشريف و حفظ أسانيده، و وضعوا له علما مستقلا يضبط أصوله و فروعه أسموه علم دراية الحديث.
و كان أن نبغ عباقرة ثقات حفظوا هذا العلم للأمة، و كان منهم من يحفظ مئات الألوف من الأحاديث بأسانيدها، و دوّنوا الكتب المهمّة الضخمة فيه، فوصلت إلينا مكتبة فاخرة من كتب الحديث الشريف.
من هذه الكتب التي وصلت إلى أيدينا كتاب «أعلام الدين» و هو كتاب جامع فيه طائفة مفيدة قيّمة من الحديث الشريف، و قد بناه مؤلّفه على أبواب و فصول، ذكر في كلّ باب و فصل منها مجموعة من الأحاديث الشريفة.
و إليك عرضا موجزا للكتاب، و هو عرض مختصر لا يغني عن مطالعة الكتاب و الاستفادة من غرر أحاديثه الكريمة.
بدأ المؤلّف كتابه بفصل في المؤمن و ما خصّه اللّه و حباه من كريم لطفه
و جزيل مننه و إحسانه، و أنّ التارك للدنيا الزاهد فيها مثله كمثل الشمعة التي تحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين.
و أتبعه بفصل عن الدليل على حدوث الإنسان و إثبات محدثه، استدل فيه بدليل الخلقة و غيره من الأدلة على إثبات الخالق تعالى، و فرّع عليه وجوب الشكر على النعمة، و فسّر الشكر بأنّه الاعتراف بالنعمة مع تعظيم منعمها، و من أولى من اللّه تعالى بالشكر على نعمه الوافرة؟!
ثمّ ساق لنا كتاب (البرهان على ثبوت الايمان) لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيد اللّه الحلبيّ، و هذا من مميّزات الكتاب حيث حفظ لنا نسخة من هذا الكتاب الذي تخلو فهارس المكتبات المخطوطة- في حدود اطلاعنا- عن نسخة منه.
و أتبعه بالخطبة الخالية من الألف المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام.
و عقبها بفصل في فضل العلم و العلماء، يذكر فيه نصيحة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الطويلة لكميل التي يقول في فقرة منها:
«يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك و أنت تحرس المال، و المال تنقصه النفقة، و العلم يزكو على الإنفاق، و صنيع المال يزول بزواله».
ثمّ يتحدّث عن أهميّة القرآن في حياة المسلمين فيذكر: قوله (عليه السلام): «قراءة القرآن أفضل من الذكر، و الذكر أفضل من الصدقة، و الصدقة أفضل من الصيام، و الصوم جنّة من النار».
ثمّ يتطرق إلى صفات المؤمن و خلاله الحسنة فيذكر أحاديث منها:
قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من سرّته حسنته، و ساءته سيّئته فهو مؤمن».
و في الكتاب من المواعظ و الحكم الشيء الكثير، و التذكير بما حرّم اللّه، و الأمر بغض الأبصار، و الخضوع في العبادة و التواضع.
و فيه ذكر صفات المؤمنين و كيف أنّ قلوبهم خاشعة و أبدانهم طيّعة في عبادة ربّ العالمين.
و ذكر أوصاف شيعة علي المرتضى، و كيف أنّ شفاههم ذابلة، و وجوههم
مصفرّة من خشية اللّه، و ألوانهم متغيّرة، و بطونهم خميصة «اتخذوا الأرض فراشا، و التراب بساطا، و الماء طيبا، و القرآن شعارا، و الدعاء دثارا».
و أتبعه بفصل من الأدب و الخلق الرفيع و مكارم الأخلاق، و لم ينس الغنى و الفقر و الأرزاق، فعقد لها فصولا.
أعقبها بفصل في ذكر الموت و القتل، و الفرق بينهما.
و جاء بعده بفصل في كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الإخوان و آداب الأخوة في الإيمان.
و فصل ممّا ورد في ذكر الظلم.
و ذكر وصيّة النبيّ لأبي ذر، و هي وصيّة مفصّلة مطوّلة، و فيما أنزل اللّه على عيسى بن مريم عليه السلام من الوعظ. و هما من نوادر النصوص التي تستحق التدبّر و الاعتبار بها.
و رجع فذكر فصلا مفصّلا في ذكر حقوق الإخوان من أحاديثه.
و لم يهمل العبادة التي فيها تهذيب النفس و تكميلها و تحليتها بالفضائل، فعقد فصلا في قيام الليل و الترغيب فيه.
و لم يهمل المؤلّف أقوال الحكماء و المؤمنين الصادقين، و مواقفهم البطولية في مجابهة طواغيت زمانهم، فقد روى لنا من حكمة لقمان وصيته لولده تلك الوصيّة الخالدة المعروفة.
و روى لنا موقف خالد بن معمر لما سأله معاوية: على ما أحببت عليا؟
قال: على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، و على صدقه إذا قال، و على عدله إذا ولي.
و كانت للشعر الحكمي و العرفاني عند الديلميّ منزلة سامية، فقد ذكر المؤلّف من هذه الأشعار مجموعة طريفة.
و ذكر مواعظ بعض العلماء للحكام، كما روى لنا كتاب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز.