کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
حمدا لك يا وليّ النعم و صلاة على سيّد رسلك و آله الطاهرين الأئمة هداة خلقك أمّا بعد: فإنّ سبر مواضع العلوم و الاطلاع على أبحاثها و النظر في غاياتها و الاستطلال على نتاجها تعطينا خبرا بمبلغ علم الأخلاق من الأهميّة و مسيس حاجة المجتمع البشري إليه فضلا عن الملإ الديني و غاية ربطه بجامعة الإنسانيّة و ضرورة الخلق إليه من نواحي الفطرة و الاجتماع و الدّين.
و تنبئنا أيضا عن افتقار كلّ ابن أنثى و يحمل بين جنبيه روح الإنسانيّة و غريزة العقل البشري إلى تصحّف أوراقه و قراءة فصوله و الوقوف على أبوابه ليدرك بذلك نجاح الأبد و سعادة خالدة و القارئ جدّ عليم بأنّ الملكات و المحاسن و الفضائل الأخلاقيّة يمتاز بها الإنسان عمّا دونه ممّا دبّ من الحيوان، و بها يتأتّى له الرّقي و التقدّم و التكامل و التعالي، و هي مقياس التفاضل في حملة النفس الناطقة، فمن تحلّى بها فهو أفضل من تقمّص و ارتدى، و بها يكمل إيمان الرّجل و تدرك نواميس الدّين و أسرار الحكم الرّاقية و فيها صلاح العالم و اتّصال عرى النظام الاجتماعي كما تناط بها حلقات سعادة كلّ فرد في حياته الدّنيا، و بها تعمر الدّيار و تزيد الأعمار، و هي تميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد، و هي الغاية الوحيدة المتوخّاة لبعث الرّسل، و المحجّة البيضاء في التكامل بين أفراد البشر، و إنّما بعث صاحب الرّسالة الخاتمة لتتميم تلكم المكارم و إرحاض النفوس و تطهيرها عن درن ذمائم الخلق و أدناسها.
فعلم الأخلاق حلية الأولياء، و مقباس الهداية، و مشكاة أنوار الفضائل و سراج الامّة السالكة السائرة إلى اللّه، و نور من رام حياة طيّبة سعيدة نائية عن بوائق الشقاء و غوائل الموبقات و هو درّة قلاد الحسن في جيد الإنسان الكامل، و تحف العقول السليمة النازحة عن المخازي و الشرس، و غرّة عزّ و شرف على جبهة أولاد آدم تزري تيجان الملك، و حلّة يزدان بها كلّ شخصيّة كبيرة من زعيم أو شريف أو أمير أو عالم أو سياسى
أو نطاسي إلى أيّ فرد من البشر دينيّا كان أو دنيويّا يبغي سعادة الأبد و الذكرى الخالدة.
و في أعلام السلف أمّة من الفطاحل لهم قصب السبق في هذا المضمار، رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه، أتحفوا الملاء كتبا قيّمة في الأخلاق، و ملئوها أوضاحا و غررا، بيّنوا مناهجه و أوضحوا جدده، و فصّلوا محاسنه، ميّزوا المنجيات من المهلكات، و شخّصوا غريره و هريره و ألّفوا في ذلك من غرر الحكم و درر الكلم صحفا منشّرة تبقى مع الدّهر تذكر و تشكر.
و من أولئك أو في الرّعيل الاوّل منهم شيخنا العلم الزّاهد الناسك الأخلاقي العظيم الشيخ ورّام صاحب هذا المجموع الرّائق و الكتاب الكريم الّذي لا محيد عنه لكلّ من تحلّى بمكارم الأخلاق، و سعى وراء سعادة الحياة؛ و لمّا كانت لهذا التأليف قيمته الغالية عند مهرة الفنّ، حافلا يحوي شتات العظات و العبر لا يبقى في القوس منزعا، مع إيجازه و إرسال المسانيد المعنعنة عن مشيخة العلم، و كان كثير المكتبات العامرة الاسلاميّة يخلوا عن هذا الاثر القيّم الخالد لنفاد ما طبع منه. و قلّما يتأتّى لرجال الثقافة العثور عليها قام أناس من رجال الدّين بإعادة طبعه على هذا الجمال البهي و الطرز المرغب فيه مزدانا بتعاليق نافعة و بيان لمعضل لغاته تقديرا لما خطّته يمنى السلف الصالح، و إحياء لآثارهم و مآثرهم و خدمة لرّواد الفضائل شكر اللّه سعيهم و أجزل مثوبتهم.
و في الختام يهمّنا لفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ جلّ ما حكي في هذا التأليف عن (الحسن) من الكلم و الحكم النادرة إنّما هو للإمام الحسن السبط الزّكي المجتبى عليه السّلام قد اشتبه الأمر على من عزاه إلى الحسن البصري، و اختلط الحابل بالنابل، و جاء كحاطب ليل، يخبط خبط عشواء، غير أنّ صيارفة الكلام لهم العرفان بمعاريض المقال و رجاله، و لهم منّة التفكيك بين الصريح و الدّخيل، و تمييز الأصيل من المنتحل المتقوّل، و ما التوفيق إلّا باللّه عليه توكلت.
المؤلّف و الثناء عليه
الأمير الزّاهد العالم الفقيه المحدّث الجليل أبو الحسين ورّام بن أبي فراس عيسى ابن أبي النجم بن ورّام بن حمدان بن خولان بن إبراهيم بن مالك الأشتر النخعيّ صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان رحمه اللّه جدّ السيّد رضي الدّين عليّ بن طاوس لامّه.
قال منتجب الدّين- رحمه اللّه-: ورّام بن أبي فراس من أولاد مالك بن الحرث الأشتر النخعيّ صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام الأمير الزّاهد أبو الحسين فقيه، صالح، شاهدته بحلّة و وافق الخبر. و يروي عنه ابن طاوس (ره) و يثني عليه.
و في الحكي عن فلاح السائل: كان جدّي ورّام بن أبي فراس ممّن يقتدى بفعله، قد أوصى أن يجعل في فمه فصّ عقيق عليه أسماء الائمّة عليهم السلام. فنقشت أنا فصّا عقيقا عليه اسم اللّه ربّي و محمّد نبيّي و عليّ- و سمّيت الأئمة- أئمّتي و اوصيت أن يجعل في فمي بعد الموت.
و أثنى عليه السيّد ابن طاوس أيضا في كشف المحجّة بالصلاح و حكاه عنه صاحب المعالم في مبحث الإجماع و أطراه الشهيد (ره) في شرح الإرشاد حيث قال: و من الناصرين للقول بالمضائقة الشيخ الزّاهد أبو الحسين ورّام بن أبي فراس- رضي اللّه عنه- فإنّه صنّف فيها مسألة حسنة الفوائد جيّدة المقاصد 1 .
و قال المحقق الكاظميّ في التكملة: إنّه ثقة، ورع، صالح، معاصر لمنتجب الدّين.
يروي الشهيد السعيد شمس الملّة و الدّين محمّد بن مكّي، عن محمّد بن جعفر المعروف بابن المشهديّ، عن شيخنا المترجم، عن سديد الدّين محمود الحمصي، عن الشيخ الصالح الثقة موفّق الدّين الحسين بن الفتح الواعظ الجرجانيّ، عن الشيخ أبي عليّ الطوسيّ، عن والده شيخ الطائفة رضوان اللّه عليهم أجمعين. هكذا ذكره غير واحد من رجال التراجم غير أنّ رواية الشهيد الأوّل المتوفي 786 عن مترجمنا المتوفي 605 بواسطة
واحدة بعيدة جدا إذ يقتضي ذلك كون ابن المشهديّ الرّاوي عن المترجم له من المعمّرين ابن مائة و ثلاثين أو ما يقاربها و بطبع الحال يكون مثل هذا من العمر مذكورا في التراجم و لم نجد الإيعاز إليه في طيّات معاجم التراجم و لعلّ الواسطة الشيخ نجيب الدّين محمّد كما يظهر من إجازات البحار.