کتابخانه روایات شیعه
[مقدمات التحقيق]
[مقدمة المحقق]
ترجمة المصنف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي من الكتب التي جمعت مناقب و أسرار آل محمد صلوات المصلين عليهم ما طلع نجم، بل لنا أن نقول أنه تفرد في نقل بعض المناقب و الأسرار، مما واجهتنا مشكلة في تخريج تلك المناقب.
و مؤلف هذا الكتاب من الحفاظ المشهورين بالعلم و التقوى و العرفان، و شدة و ولائه لآل محمد عليهم السّلام، و إبراز ما أخفوه عن بعض شيعتهم، حتى رماه من لا تحقيق له و لا اطلاع له على جلّ روايات أهل البيت عليهم السّلام بالغلو.
و سوف تعرف من كلام العلامة الخبير الأميني حقيقة الحال:
* قال العلامة الأميني 1 :
الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ: من عرفاء علماء الإماميّة و فقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فنّ الحديث، و تقدّمه في الأدب و قرض الشعر و إجادته، و تضلّعه في علم الحروف و أسرارها و استخراج فوائدها، و بذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق و دقّة النظر، و له في العرفان و الحروف مسالك خاصّة، كما أنّ له في ولاء أئمة الدين عليهم السّلام آراء و نظريات لا يرتضيها لفيف من الناس، و لذلك رموه بالغلوّ و الارتفاع، غير أنّ الحقّ أنّ جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السّلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلوّ و غير درجة النبوّة، و قد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قوله: إيّاكم و الغلوّ فينا.
قولوا: إنّا عبيد مربوبون. و قولوا في فضلنا ما شئتم 2 . و قال الإمام الصادق عليه السّلام: اجعلوا لنا
ربّا نئوب إليه و قولوا فينا ما شئتم.
و قال عليه السّلام: اجعلونا مخلوقين و قولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا 3 .
و أنّى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل و مآثر؟ و أنّى لنا الوقوف على غاية ما شرّفهم اللّه به من ملكات فاضلة، و نفسيّات نفيسة؛ و روحيّات قدسيّة، و خلائق كريمة، و مكارم و محامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و خسئت العيون، و تصاغرت العظماء، و تحيّرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء، و حصرت الخطباء، و جهلت الألبّاء، و كلّت الشعراء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، و فضيلة من فضائله، و أقرّت بالعجز و التقصير؛ و كيف يوصف بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه؟ لا. كيف؟ و أنّى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ و أين العقول عن هذا؟ و أين يوجد مثل هذا؟ 4 .
و لذلك تجد كثيرا من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات اللّه عليهم كلّ هاتيك الشؤون و غيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم، و كان في علماء قم من يرمي بالغلو كلّ من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إنّ أوّل مراتب الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. إلى أن جاء بعدهم المحقّقون و عرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا، و هذه بليّة مني بها كثيرون من أهل الحقائق و العرفان و منهم المترجم، و لم تزل الفئتان على طرفي نقيض، و قد تقوم الحرب بينهما على أشدّها، و الصلح خير.
و فذلكة المقام أنّ النفوس تتفاوت حسب جبلّاتها و استعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات و الأسرار، و منها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعا و يمدّ لها
باعا، و بطبع الحال أنّ الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، و تحتدم الضغائن، و نحن نقدّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة و سلوكهم جدد السبيل في طلب الحقّ و نقول:
على المرء أن يسعى بمقدار جهده
و ليس عليه أن يكون موفّقا
ألا إنّ الناس لمعادن كمعادن الذهب و الفضة 5 و قد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام: أنّ أمرنا- أو حديثنا- صعب مستصعب لا يتحمّله إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب، أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان 6 .
إذن فلا نتحرّى وقيعة في علماء الدين و لا نمسّ كرامة العارفين، و لا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقى منه، إذ لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها. و قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام: لو جلست أحدّثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلّى اللّه عليه و آله لخرجتم من عندي و أنتم تقولون: إنّ عليا من أكذب الكاذبين 7 .
و قال إمامنا السيّد السجّاد عليه السّلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، و لقد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق 8 وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً .
و إلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين عليه السّلام بقوله:
إنّي لأكتم من علمي جواهره
كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا
و قد تقدّم في هذا أبو حسن
إلى الحسين و أوصى قبله الحسنا
فربّ جوهر علم لو أبوح به
لقيل لي: أنت ممّن بعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا 9
و لسيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (31: 193- 205) في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه.
و ممّا نقم عليه به اعتماده على علم الحروف و الأعداد الذي لا تتمّ به برهنة و لا تقوم به حجّة، و نحن و إن وافقناه على ذلك إلّا أنّ للمترجم له و من حذا حذوه من العلماء كابن شهرآشوب و من بعده عذرا في سرد هاتيك المسائل فإنّها أشبه شيء بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في أبواب أخرى من علماء الحروف من العامّة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 155: قال بعض علماء الحروف: يؤخذ دوام ناموس آل الصدّيق و قيام عزّته إلى انتهاء الدنيا من سرّ قوله تعالى: فِي ذُرِّيَّتِي فإنّ عدّتها بالجمل الكبير ألف و أربعمائة و عشرة و هي مظنّة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزّة و السيادة مدّة الدنيا، و قد استنبط تلك المدّة عمدة أهل التحقيق مصطفى لطف اللّه الرزنامجي بالديوان المصري من قوله تعالى: لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا 10 ، قال ما لفظه: إذا أسقطنا مكرّرات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث و ن خ ف ك ق) أحد عشر حرفا عددهم بالجمل الكبير ألف و ثلاثمائة و تسعة و تسعين زدنا عليه عدد الحروف و هو أحد عشر صار المجموع و هو ألف و أربعمائة و عشرة و هو مطابق لقوله تعالى: ذُرِّيَّتِي .
و سمعت ختام الأعلام شيخنا الشيخ يوسف الفيشي رحمه اللّه يقول: قال محمّد البكري الكبير: يجلس عقبنا مع عيسى ابن مريم على سجّادة واحدة و هذا يقوي تصحيح ذلك الاستنباط. ه.
[تهويل ليس عليه تعويل]