کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
7 و من خطبة له ع
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ.
يجوز أن يكون أشراكا جمع شريك كشريف و أشراف و يجوز أن يكون جمع شرك كجبل و أجبال و المعنى بالاعتبارين مختلف.
و باض و فرخ في صدورهم استعارة للوسوسة و الإغواء و مراده طول مكثه و إقامته عليهم لأن الطائر لا يبيض و يفرخ إلا في الأعشاش التي هي وطنه و مسكنه و دب و درج في حجورهم أي ربوا الباطل كما يربي الوالدان الولد في حجورهما ثم ذكر أنه لشدة اتحاده بهم و امتزاجه صار كمن ينظر بأعينهم و ينطق بألسنتهم أي صار الاثنان كالواحد قال أبو الطيب
ما الخل إلا من أود بقلبه
و أرى بطرف لا يرى بسوائه 641 .
و قال آخر
كنا من المساعده
نحيا بروح واحده .
و قال آخر
جبلت نفسك في نفسي كما
تجبل الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني
فإذا أنت أنا في كل حال .
و الخطل القول الفاسد و يجوز أشركه الشيطان في سلطانه بالهمزة و شركه أيضا و بغير الهمزة أفصح
8: و من كلام له ع يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
و يدعوه للدخول في البيعة ثانية يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ ادَّعَى الْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَ إِلَّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ.
الوليجة البطانة و الأمر يسر و يكتم قال الله سبحانه وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً 642 كان الزبير يقول بايعت بيدي لا بقلبي و كان يدعي تارة أنه أكره و يدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية و نوى دخيلة و أتى بمعاريض لا تحمل على ظاهرها فقال ع هذا الكلام إقرار منه بالبيعة و ادعاء أمر آخر لم يقم عليه دليلا و لم ينصب له برهانا فإما أن يقيم دليلا على فساد البيعة الظاهرة و أنها غير لازمة له و إما أن يعاود طاعته.
قال علي ع للزبير يوم بايعه إني لخائف أن تغدر بي و تنكث بيعتي قال لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا فقال ع فلي الله عليك بذلك راع و كفيل قال نعم الله لك علي بذلك راع و كفيل.
أمر طلحة و الزبير مع علي بن أبي طالب بعد بيعتهما له
لما بويع علي ع كتب إلى معاوية أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير
مشورة مني و بايعوني عن مشورة منهم و اجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي و أوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك.
فلما قدم رسوله على معاوية و قرأ كتابه بعث رجلا من بني عميس و كتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام و فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا و استوسقوا 643 كما يستوسق الجلب فدونك الكوفة و البصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنه لا شيء بعد هذين المصرين و قد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلك و ليكن منكما الجد و التشمير أظفركما الله و خذل مناوئكما.
فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به و أعلم به طلحة و أقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية و أجمعا عند ذلك على خلاف علي ع.
جاء الزبير و طلحة إلى علي ع بعد البيعة بأيام فقالا له يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها و علمت رأي عثمان كان في بني أمية و قد ولاك الله الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي و اعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه و أمانته من أصحابي و من قد عرفت دخيلته.
فانصرفا عنه و قد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة.
طلب طلحة و الزبير من علي ع أن يوليهما المصرين البصرة و الكوفة فقال حتى أنظر ثم استشار المغيرة بن شعبة فقال له أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس فخلا بابن عباس و قال ما ترى قال يا أمير المؤمنين إن الكوفة و البصرة عين الخلافة و بهما كنوز الرجال و مكان طلحة و الزبير من الإسلام ما قد علمت و لست آمنهما إن وليتهما أن يحدثا أمرا فأخذ علي ع برأي ابن عباس و قد كان استشار المغيرة أيضا في أمر معاوية فقال له أرى إقراره على الشام و أن تبعث إليه بعده إلى أن يسكن شغب الناس و لك بعد رأيك فلم يأخذ برأيه.
فقال المغيرة بعد ذلك و الله ما نصحته قبلها و لا أنصحه بعدها ما بقيت.
دخل الزبير و طلحة على علي ع فاستأذناه في العمرة فقال ما العمرة تريدان فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان و إنما تريدان الغدرة و نكث البيعة فحلفا بالله ما الخلاف عليه و لا نكث بيعة يريدان و ما رأيهما غير العمرة قال لهما فأعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها بأشد ما يكون من الأيمان و المواثيق فأذن لهما فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا و الله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها قالوا يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا .
لما خرج الزبير و طلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا و قالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة و إنما بايعناه مكرهين فبلغ عليا ع قولهما فقال أبعدهما الله و أغرب 644 دارهما أما و الله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل و يأتيان من
وردا عليه بأشأم يوم و الله ما العمرة يريدان و لقد أتياني بوجهي فاجرين و رجعا بوجهي غادرين ناكثين و الله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء 645 يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما و سحقا.
و ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليا ع خطب لما سار الزبير و طلحة من مكة و معهما عائشة يريدون البصرة فقال أيها الناس إن عائشة سارت إلى البصرة و معها طلحة و الزبير و كل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أما طلحة فابن عمها و أما الزبير فختنها و الله لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد و الله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة و لا تحل عقدة إلا في معصية الله و سخطه حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة إي و الله ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبن ثلثهم و إنها التي تنبحها كلاب الحوأب و إنهما ليعلمان أنهما مخطئان و رب عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي و لقريش أما و الله لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين و ما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا و الله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضج ضجيجها ثم نزل.
برز علي ع يوم الجمل و نادى بالزبير يا أبا عبد الله مرارا فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما فقال له علي ع إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي و لك رسول الله ص أ تذكر يوم رآك و أنت معتنقي فقال لك
أ تحبه قلت و ما لي لا أحبه و هو أخي و ابن خالي فقال أما إنك ستحاربه و أنت ظالم له فاسترجع الزبير و قال أذكرتني ما أنسانيه الدهر و رجع إلى صفوفه فقال له عبد الله ابنه لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به فقال أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدا و إني لراجع و تارككم منذ اليوم فقال له عبد الله ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب إنها لسيوف حداد تحملها فتية أنجاد فقال الزبير ويلك أ تهيجني على حربه أما إني قد حلفت ألا أحاربه قال كفر عن يمينك لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت و ما كنت جبانا فقال الزبير غلامي مكحول حر كفارة عن يميني ثم أنصل 646 سنان رمحه و حمل على عسكر علي ع برمح لا سنان له فقال علي ع أفرجوا له فإنه محرج ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه أ جبنا ويلك ترى فقال لقد أعذرت.
لما أذكر علي ع الزبير بما أذكره به و رجع الزبير قال
نادى علي بأمر لست أنكره
و كان عمر أبيك الخير مذ حين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني
ترك الأمور التي تخشى مغبتها
و الله أمثل في الدنيا و في الدين
فاخترت عارا على نار مؤججة
أنى يقوم لها خلق من الطين
.