کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
الجزء الثاني
تتمة الخطب و الأوامر
تتمة خطبة 25
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بعث معاوية بسر بن أرطاة إلى الحجاز و اليمن
فأما خبر بسر بن أرطاة العامري من بني عامر بن لؤي بن غالب و بعث معاوية له ليغير على أعمال أمير المؤمنين ع و ما عمله من سفك الدماء و أخذ الأموال
فقد ذكر أرباب السير أن الذي هاج معاوية على تسريح بسر بن أرطاة و يقال ابن أبي أرطاة إلى الحجاز و اليمن أن قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله لم يكن لهم نظام و لا رأس فبايعوا لعلي ع على ما في أنفسهم و عامل علي ع على صنعاء يومئذ عبيد الله بن عباس 934 و عامله على الجند سعيد بن نمران 935 . فلما اختلف الناس على علي ع بالعراق و قتل محمد بن أبي بكر بمصر و كثرت غارات أهل الشام تكلموا و دعوا إلى الطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عبيد الله بن عباس فأرسل إلى ناس من وجوههم فقال ما هذا الذي بلغني عنكم قالوا إنا لم نزل ننكر قتل عثمان و نرى مجاهدة من سعى عليه فحبسهم فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند و أظهروا أمرهم و خرج إليهم من كان بصنعاء و انضم إليهم كل من كان على رأيهم و لحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة و التقى عبيد الله بن عباس و سعيد بن نمران و معهما شيعة علي ع فقال ابن عباس لابن نمران و الله لقد اجتمع هؤلاء و إنهم لنا
لمقاربون و إن قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدائرة فهلم لنكتب إلى أمير المؤمنين ع بخبرهم و قدحهم و بمنزلهم الذي هم به.
فكتبا إلى أمير المؤمنين ع 936 أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنين أن شيعة عثمان وثبوا بنا و أظهروا أن معاوية قد شيد أمره و اتسق له أكثر الناس و أنا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين و من كان على طاعته و أن ذلك أحمشهم 937 و ألبهم فعبئوا 938 لنا و تداعوا علينا من كل أوب و نصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم إرادة أن يمنع حق الله المفروض عليه و ليس يمنعنا من مناجزتهم إلا انتظار أمر أمير المؤمنين أدام الله عزه و أيده و قضى له بالأقدار الصالحة في جميع أموره و السلام.
فلما وصل كتابهما ساء عليا ع و أغضبه و كتب إليهما من علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس و سعيد بن نمران سلام الله عليكما فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه أتاني كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة و تعظمان من شأنها صغيرا و تكثران من عددها قليلا و قد علمت أن نخب 939 أفئدتكما و صغر أنفسكما و شتات رأيكما و سوء تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسدا و جزأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي إليهم و تدعواهم إلى حظهم و تقوى ربهم فإن أجابوا حمدنا الله و قبلناهم و إن حاربوا استعنا بالله عليهم و نابذناهم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ قالوا و قال علي ع ليزيد بن قيس الأرحبي أ لا ترى إلى ما صنع قومك
فقال إن ظني يا أمير المؤمنين بقومي لحسن في طاعتك فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم و إن شئت كتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك فكتب علي ع إليهم 940 من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من شاق و غدر من أهل الجند و صنعاء أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي لا يعقب له حكم و لا يرد له قضاء وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ و قد بلغني تجرؤكم و شقاقكم و إعراضكم عن دينكم بعد الطاعة و إعطاء البيعة فسألت أهل الدين الخالص و الورع الصادق و اللب الراجح عن بدء محرككم و ما نويتم به و ما أحمشكم له فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شيء منه عذرا مبينا و لا مقالا جميلا و لا حجة ظاهرة فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا و انصرفوا إلى رحالكم أعف عنكم و أصفح عن جاهلكم و أحفظ قاصيكم و أعمل فيكم بحكم الكتاب فإن لم تفعلوا فاستعدوا لقدوم جيش جم الفرسان عظيم الأركان يقصد لمن طغى و عصى 941 فتطحنوا كطحن الرحى فمن أحسن فلنفسه وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
و وجه الكتاب مع رجل من همدان فقدم عليهم بالكتاب فلم يجيبوه إلى خير فقال لهم إني تركت أمير المؤمنين يريد أن يوجه إليكم يزيد بن قيس الأرحبي في جيش كثيف فلم يمنعه إلا انتظار جوابكم فقالوا نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين عبيد الله و سعيدا. فرجع الهمداني من عندهم إلى علي ع فأخبره خبر القوم.
قالوا و كتبت تلك العصابة حين جاءها كتاب علي ع إلى معاوية يخبرونه و كتبوا في كتابهم
معاوي إلا تسرع السير نحونا
نبايع عليا أو يزيد اليمانيا .
فلما قدم كتابهم دعا بسر بن أبي أرطاة و كان قاسي القلب فظا سفاكا للدماء لا رأفة عنده و لا رحمة فأمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكة حتى ينتهي إلى اليمن و قال له لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاء لهم و أنك محيط بهم ثم اكفف عنهم و ادعهم إلى البيعة لي فمن أبى فاقتله و اقتل شيعة علي حيث كانوا.
و روى إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن يزيد بن جابر الأزدي قال سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث في خلافة عبد الملك قال لما دخلت سنة أربعين تحدث الناس بالشام أن عليا ع يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون معه و تذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم و وقعت الفرقة بينهم قال فقمت في نفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة فقلنا له إن الناس لا يشكون في اختلاف الناس على علي ع بالعراق فادخل إلى صاحبك فمره فليسر بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم أو يصلح لصاحبهم ما قد فسد عليه من أمره فقال بلى لقد قاولته في ذلك و راجعته و عاتبته حتى لقد برم بي و استثقل طلعتي و ايم الله على ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم 942 إلي فيه.