کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
يزيد عليهم و قد جاء الرقاد و هو من فرسان المهلب و هو أحد بني مالك بن ربيعة على فرس له أدهم و به نيف و عشرون جراحة و قد وضع عليها القطن فلما حمل يزيد ولى الجمع و حماهم فارسان منهم فقال يزيد لقيس الخشني مولى العتيك من لهذين قال أنا فحمل عليهما فعطف عليه أحدهما فطعنه قيس فصرعه و حمل عليه الآخر فتعانقا فسقطا جميعا إلى الأرض فصاح قيس الخشني اقتلونا جميعا فحملت خيل هؤلاء و خيل هؤلاء فحجزوا بينهما فإذا معانق قيس امرأة فقام قيس مستحييا فقال له يزيد يا أبا بشر أما أنت فبارزتها على أنها رجل فقال أ رأيت لو قتلت أ ما كان يقال قتلته امرأة و أبلى يومئذ ابن المنجب السدوسي فقال غلام له يقال له خلاج و الله لوددنا أنا فضضنا عسكرهم حتى نصير إلى مستقرهم فاستلب مما هناك جاريتين فقال له مولاه ابن المنجب و كيف تمنيت ويحك اثنتين فقال لأعطيك إحداهما و آخذ الأخرى فقال ابن المنجب
أ خلاج إنك لن تعانق طفلة
شرقا بها الجادي كالتمثال 3222
حتى تلاقي في الكتيبة معلما
عمرو القنا و عبيدة بن هلال 3223
و ترى المقعطر في الفوارس مقدما
في عصبة نشطوا على الضلال 3224
أو أن يعلمك المهلب غزوه
و ترى جبالا قد دنت لجبال .
قال و كان بدر بن الهذيل من أصحاب المهلب شجاعا و كان لحانة كان إذا أحس بالخوارج ينادي يا خيل الله اركبي و إليه يشير القائل
و إذا طلبت إلى المهلب حاجة
عرضت توابع دونه و عبيد 3225
العبد كردس و بدر مثله
و علاج باب الأحمرين شديد 3226 .
قال و كان بشر بن المغيرة بن أبي صفرة أبلى يومئذ بلاء حسنا عرف مكانه فيه و كانت بينه و بين المهلب جفوة فقال لبنيه يا بني عم إني قد قصرت عن شكاة العاتب 3227 و جاوزت شكاة المستعتب 3228 حتى كأني لا موصول و لا محروم فاجعلوا لي فرجة أعيش بها و هبوني امرأ رجوتم نصره أو خفتم لسانه فرجعوا له و وصلوه و كلموا فيه المهلب فوصله.
و ولى الحجاج كردما فارس و وجهه إليها و الحرب قائمة فقال رجل من أصحاب المهلب
و لو رآها كردم لكردما
كردمة العير أحس الضيغما 3229 .
فكتب المهلب إلى الحجاج يسأله أن يتجافى له عن إصطخر و دارابجرد لأرزاق الجند ففعل و قد كان قطري هدم مدينة إصطخر لأن أهلها كانوا يكاتبون المهلب بأخباره و أراد مثل ذلك بمدينة فسا فاشتراها منه آزاذ مرد بن الهربذ بمائة ألف درهم
فلم يهدمها فواقعه وجه المهلب فهزمه فنفاه إلى كرمان و اتبعه المغيرة ابنه و قد كان دفع إليه سيفا وجه به الحجاج إلى المهلب و أقسم عليه أن يتقلده فدفعه إلى المغيرة بعد ما تقلده فرجع به المغيرة إليه و قد دماه فسر المهلب و قال ما يسرني أن يكون كنت دفعته إلى غيرك من ولدي و قال له اكفني جباية خراج هاتين الكورتين و ضم إليه الرقاد فجعلا يجبيان و لا يعطيان الجند شيئا ففي ذلك يقول رجل من بني تميم في كلمة له
و لو علم ابن يوسف ما نلاقي
من الآفات و الكرب الشداد
لفاضت عينه جزعا علينا
و أصلح ما استطاع من الفساد
ألا قل للأمير جزيت خيرا
أرحنا من مغيرة و الرقاد
فما رزق الجنود بهم قفيزا
و قد ساست مطامير الحصاد 3230 .
أي وقع فيها السوس 3231 .
قال ثم حاربهم المهلب بالسيرجان 3232 حتى نفاهم عنها إلى جيرفت 3233 و اتبعهم و نزل قريبا منهم.
ثم اختلفت كلمة الخوارج و كان سبب ذلك أن عبيدة بن هلال اتهم بامرأة رجل نجار رأوه يدخل مرارا إليها بغير إذن فأتى قطريا فذكروا ذلك له فقال لهم إن عبيدة من الدين بحيث علمتم و من الجهاد بحيث رأيتم فقالوا إنا لا نقار على الفاحشة فقال
انصرفوا ثم بعث إلى عبيدة فأخبره و قال له أنا لا أقار على الفاحشة فقال بهتوني 3234 يا أمير المؤمنين فما ترى قال إني جامع بينك و بينهم فلا تخضع خضوع المذنب و لا تتطاول تطاول البريء فجمع بينهم فتكلموا فقام عبيدة فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... حتى تلا الآيات 3235 فبكوا و قاموا إليه فاعتنقوه و قالوا استغفر لنا ففعل فقال عبد ربه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة و الله لقد خدعكم فتابع عبد ربه منهم ناس كثير و لم يظهروا و لم يجدوا على عبيدة في إقامة الحد ثبتا 3236 .
و كان قطري قد استعمل رجلا من الدهاقين فظهرت له أموال كثيرة فأتوا قطريا فقالوا إن عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا فقال قطري إني استعملته و له ضياع و تجارات فأوغر ذلك صدورهم و بلغ المهلب ذلك فقال اختلافهم أشد عليهم مني ثم قالوا لقطري أ لا تخرج بنا إلى عدونا فقال لا ثم خرج فقالوا قد كذب و ارتد فاتبعوه يوما فأحس بالشر و دخل دارا مع جماعة من أصحابه فاجتمعوا عليه و صاحوا اخرج إلينا يا دابة فخرج إليهم فقال أ رجعتم بعدي كفارا قالوا أ و لست دابة قال الله تعالى وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها 3237 و لكنك قد كفرت بقولك أنا قد رجعنا كفارا فتب إلى الله فشاور عبيدة في ذلك فقال له إن تبت لم يقبلوا منك فقل إني استفهمت فقلت أ رجعتم بعدي كفارا فقال لهم ذلك فقبلوا منه فرجع إلى منزله
[عبد ربه الصغير]
و منهم عبد ربه الصغير أحد موالي قيس بن ثعلبة. لما 3238 اختلفت الخوارج على قطري بايعه منهم جمع كثير و كان قطري قد عزم على أن يبايع للمقعطر العبدي و يخلع نفسه فجعله أمير الجيش في الحرب قبل أن يعهد إليه بالخلافة فكرهه القوم و أبوه و قال صالح بن مخراق عنهم و عن نفسه ابغ لنا غير المقعطر فقال لهم قطري إني أرى طول العهد قد غيركم و أنتم بصدد عدو فاتقوا الله و أقبلوا على شأنكم و استعدوا للقاء القوم فقال صالح إن الناس قبلنا قد سألوا عثمان بن عفان أن يعزل سعيد بن العاصي عنهم ففعل و يجب على الإمام أن يعفي الرعية مما كرهت فأبى قطري أن يعزل المقعطر فقال له القوم فإنا قد خلعناك و بايعنا عبد ربه الصغير و كان عبد ربه هذا معلم كتاب و كان عبد ربه الكبير بائع رمان و كلاهما من موالي قيس بن ثعلبة فانفصل إلى عبد ربه الصغير أكثر من شطرهم و جلهم الموالي و العجم و كان منهم هناك ثمانية آلاف و هم القراء ثم ندم صالح بن مخراق و قال لقطري هذه نفخة من نفخات الشيطان فأعفنا من المقعطر و سر بنا إلى عدونا و عدوك فأبى قطري إلا للمقعطر و حمل فتى من الشراة على صالح بن مخراق فطعنه فأنفذه و أوجره الرمح 3239 .
فنشبت الحرب بينهم فتهايجوا ثم انحاز كل قوم إلى صاحبهم فلما كان الغد اجتمعوا فاقتتلوا فأجلت الحرب عن ألفي قتيل فلما كان الغد عاودوا الحرب فلم ينتصف النهار حتى أخرجت العجم العرب عن المدينة فأقام عبد ربه بها و صار قطري خارجا من
مدينة جيرفت بإزائهم فقال له عبيدة بن هلال يا أمير المؤمنين إن أقمت لم آمن هذه العبيد عليك إلا أن تخندق على نفسك فخندق على باب المدينة و جعل يناوشهم و ارتحل المهلب و كان منهم على ليلة و رسول الحجاج معه يستحثه فقال له أصلح الله الأمير عاجلهم قبل أن يصطلحوا فقال المهلب إنهم لن يصطلحوا و لكن دعهم فإنهم سيصيرون إلى حال لا يفلحون معها ثم دس رجلا من أصحابه فقال ائت عسكر قطري فقل إني لم أزل أرى قطريا يصيب الرأي حتى نزل منزله هذا فظهر خطؤه أ يقيم بين المهلب و عبد ربه يغاديه القتال هذا و يراوحه هذا فنمي الكلام إلى قطري فقال صدق تنحوا بنا عن هذا الموضع فإن اتبعنا المهلب قاتلناه و إن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون.
فقال له الصلت بن مرة يا أمير المؤمنين إن كنت إنما تريد الله فأقدم على القوم و إن كنت إنما تريد الدنيا فأعلم أصحابك حتى يستأمنوا ثم قال
قل للمحلين قد قرت عيونكم
بفرقة القوم و البغضاء و الهرب
كنا أناسا على دين فغيرنا
طول الجدال و خلط الجد باللعب
ما كان أغنى رجالا قل جيشهم 3240
عن الجدال و أغناهم عن الخطب
إني لأهونكم في الأرض مضطربا
ما لي سوى فرسي و الرمح من نشب .
ثم قال أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع منه فيه.
و ارتحل قطري و بلغ ذلك المهلب فقال لهزيم بن أبي طحمة المجاشعي إني لا آمن أن يكون كاذبا بترك موضعه اذهب فتعرف الخبر فمضى الهزيم في اثني عشر فارسا فلم ير في المعسكر إلا عبدا و علجا مريضين فسألهما عن قطري و أصحابه فقالا
مضوا يرتادون غير هذا المنزل فرجع هزيم إلى المهلب فأخبره فارتحل حتى نزل خندق قطري فجعل يقاتل عبد ربه أحيانا بالغداة و أحيانا بالعشي فقال رجل من سدوس يقال له المعتق و كان فارسا
ليت الحرائر بالعراق شهدننا
و رأيننا بالسفح ذي الأجبال
فنكحن أهل الجد من فرساننا 3241
و الضاربين جماجم الأبطال .
و وجه المهلب يزيد ابنه إلى الحجاج يخبره بأنه قد نزل منزل قطري و أنه مقيم على عبد ربه و يسأله أن يوجه في أثر قطري رجلا جلدا فسر بذلك الحجاج سرورا أظهره ثم كتب إلى المهلب يستحثه لمناجزة القوم مع عبيد بن موهب. أما بعد فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي فيرجعون بعذرك و ذلك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح و تنسى القتلى و تحمل الكال 3242 ثم تلقاهم فتحمل منهم ثقل ما يحتملون منك من وحشة القتل و ألم الجراح و لو كنت تلقاهم بذلك الجد لكان الداء قد حسم و القرن 3243 قد قصم و لعمري ما أنت و القوم سواء لأن من ورائك رجالا و أمامك أموالا و ليس للقوم إلا ما نعهد و لا يدرك الوجيف 3244 بالدبيب و لا الظفر بالتعذير.