کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
الجزء الخامس
تتمة الخطب و الأوامر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله أجمعين
58 و قال ع لما عزم على حرب الخوارج و قيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان
مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ وَ اللَّهِ لَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَ لَا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ. [قال الرضي رحمه الله يعنى بالنطفة ماء النهر و هي أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه] هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره و نقل الناس كافة له و هو من معجزاته و أخباره المفصلة عن الغيوب.
و الأخبار على قسمين أحدهما الأخبار المجملة و لا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه إنكم
ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلك حجة له عند أصحابه و سماها معجزة و إن لم ينصر قال لهم تغيرت نياتكم و شككتم في قولي فمنعكم الله نصره و نحو ذلك من القول و لأنه قد جرت العادة أن الملوك و الرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر و النصر و يمنونهم الدول فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجاز.
و القسم الثاني في الأخبار المفصلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فإنه لا يحتمل التلبيس لتقييده بالعدد المعين في أصحابه و في الخوارج و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان و ذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله ص و عرفه رسول الله ص من جهة الله سبحانه و القوة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.
و بمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته و أحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا حتى نسب إلى أن الجوهر الإلهي حل في بدنه كما قالت النصارى في عيسى ع
و قد أخبره النبي ص بذلك فقال يهلك فيك رجلان محب غال و مبغض قال.
و
قال له تارة أخرى و الذي نفسي بيده لو لا أني أشفق أن يقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة.
ذكر الخبر عن ظهور الغلاة
و أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبإ 3648
قام إليه و هو يخطب فقال له أنت أنت و جعل يكررها فقال له ويلك من أنا فقال أنت الله فأمر بأخذه و أخذ قوم كانوا معه على رأيه.
و روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله عن عمار الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه و عن غيره من مشيخته أن عليا قال يهلك في رجلان محب مطر يضعني غير موضعي و يمدحني بما ليس في و مبغض مفتر يرميني بما أنا منه بريء.
و قال أبو العباس و هذا تأويل
الحديث المروي عن النبي ص فيه و هو قوله إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أحبته النصارى فرفعته فوق قدره و أبغضته اليهود حتى بهتت أمه.
قال أبو العباس و قد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربهم و جحدوا ما جاء به نبيهم و اتخذوه ربا و إلها و قالوا أنت خالقنا و رازقنا فاستتابهم و توعدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم بالنار و قال
أ لا ترون قد حفرت حفرا 3649
إني إذا رأيت أمرا منكرا
وقدت ناري و دعوت قنبرا
.
و روى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الإله لأن ابن عمك الذي أرسلته قال لا يعذب بالنار إلا رب النار.
و روى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي 3650 عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه و مشيخته أن عليا مر بهم و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أ سفر أم مرضى قالوا و لا واحدة منهما قال أ فمن أهل الكتاب أنتم قالوا لا قال فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا أنت أنت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله و ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم ثم قال شدوهم وثاقا و علي بالفعلة و النار و الحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا 3651 و الأخرى مكشوفة و ألقى الحطب في المكشوفة و فتح بينهما فتحا و ألقى النار في الحطب فدخن عليهم و جعل يهتف بهم و يناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فأمر بالحطب و النار و ألقى عليهم فاحترقوا فقال الشاعر
لترم بي المنية حيث شاءت
إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما حشتا حطبا بنار 3652
فذاك الموت نقدا غير دين
قال فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حمما.