کتابخانه روایات شیعه
إِلَى قَوْلِهِ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فَخَرَجُوا وَ خَرَجَ مَعَهُمْ بِنْيَامِينُ وَ كَانَ لَا يُؤَاكِلُهُمْ وَ لَا يُجَالِسُهُمْ وَ لَا يُكَلِّمُهُمْ- فَلَمَّا وَافَوْا مِصْرَ وَ دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ وَ سَلَّمُوا فَنَظَرَ يُوسُفُ إِلَى أَخِيهِ فَعَرَفَهُ فَجَلَسَ مِنْهُمْ بِالْبُعْدِ، فَقَالَ يُوسُفُ أَنْتَ أَخُوهُمْ قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَلِمَ لَا تَجْلِسُ مَعَهُمْ قَالَ لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَخِي مِنْ أَبِي وَ أُمِّي ثُمَّ رَجَعُوا وَ لَمْ يَرُدُّوهُ وَ زَعَمُوا أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ- فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلَّا أَجْتَمِعَ مَعَهُمْ عَلَى أَمْرٍ مَا دُمْتُ حَيّاً، قَالَ فَهَلْ تَزَوَّجْتَ قَالَ بَلَى، قَالَ فَوُلِدَ لَكَ وَلَدٌ قَالَ بَلَى، قَالَ كَمْ وُلِدَ لَكَ قَالَ ثَلَاثُ بَنِينَ، قَالَ فَمَا سَمَّيْتَهُمْ قَالَ سَمَّيْتُ وَاحِداً مِنْهُمُ الذِّئْبَ وَ وَاحِداً الْقَمِيصَ وَ وَاحِداً الدَّمَ، قَالَ وَ كَيْفَ اخْتَرْتَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ قَالَ لِئَلَّا أَنْسَى أَخِي- كُلَّمَا دَعَوْتُ وَاحِداً مِنْ وُلْدِي ذَكَرْتُ أَخِي، قَالَ يُوسُفُ لَهُمُ اخْرُجُوا وَ حَبَسَ بِنْيَامِينَ عِنْدَهُ- فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ يُوسُفُ لِأَخِيهِ أَنَا أَخُوكَ يُوسُفُ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ عِنْدِي، فَقَالَ لَا يَدَعُونِي إِخْوَتِي- فَإِنَّ أَبِي قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ أَنْ يَرُدُّونِي إِلَيْهِ، قَالَ فَأَنَا أَحْتَالُ بِحِيلَةٍ- فَلَا تُنْكِرُ إِذَا رَأَيْتَ شَيْئاً وَ لَا تُخْبِرُهُمْ فَقَالَ لَا، فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ وَ أَعْطَاهُمْ وَ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ- قَالَ لِبَعْضِ قُوَّامِهِ اجْعَلُوا هَذَا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ هَذَا- وَ كَانَ الصُّوَاعُ الَّذِي يَكِيلُونَ بِهِ مِنْ ذَهَبٍ- فَجَعَلُوهُ فِي رَحْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقِفُوا عَلَيْهِ- فَلَمَّا ارْتَحَلُوا بَعَثَ إِلَيْهِمْ يُوسُفُ وَ حَبَسَهُمْ- ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِياً يُنَادِي أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فَقَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ما ذا تَفْقِدُونَ- قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ- وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ أَيْ كَفِيلٌ فَقَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ- وَ ما كُنَّا سارِقِينَ قَالَ يُوسُفُ فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ- قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَخُذْهُ فَاحْبِسْهُ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ- ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فَتَشَبَّثُوا بِأَخِيهِ وَ حَبَسُوهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ
كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أَيْ احْتَلْنَا لَهُ وَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ- إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ- وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
فَسُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنْ قَوْلِهِ « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » قَالَ مَا سَرَقُوا وَ مَا كَذَبَ يُوسُفُ فَإِنَّمَا عَنَى سَرَقْتُمْ يُوسُفَ مِنْ أَبِيهِ
، و قوله أَيَّتُهَا الْعِيرُ معناه يا أهل العير- و مثله قولهم لأبيهم وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها- وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها يعني أهل العير
فَلَمَّا أُخْرِجَ لِيُوسُفَ الصُّوَاعُ مِنْ رَحْلِ أَخِيهِ قَالَ إِخْوَتُهُ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يَعْنُونَ يُوسُفَ فَتَغَافَلَ يُوسُفُ عَلَيْهِمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ- قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ فَاجْتَمَعُوا إِلَى يُوسُفَ وَ جُلُودُهُمْ تَقْطُرُ دَماً أَصْفَرَ فَكَانُوا يُجَادِلُونَهُ فِي حَبْسِهِ. وَ كَانُوا وُلْدُ يَعْقُوبَ إِذَا غَضِبُوا خَرَجَ مِنْ ثِيَابِهِمْ شَعْرٌ وَ يَقْطُرُ مِنْ رُءُوسِهِمْ دَمٌ أَصْفَرُ وَ هُمْ يَقُولُونَ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فَأَطْلِقْ عَنْ هَذَا فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ ذَلِكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ وَ لَمْ يَقُلْ إِلَّا مَنْ سَرَقَ مَتَاعَنَا إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ وَ أَرَادُوا الِانْصِرَافَ إِلَى أَبِيهِمْ- قَالَ لَهُمْ لَاوَى بْنُ يَعْقُوبَ أَ لَمْ تَعْلَمُوا- أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَارْجِعُوا أَنْتُمْ إِلَى أَبِيكُمْ- فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي- وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ- فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ- وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا- وَ ما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ- وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها- وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَ أَهْلَ الْعِيرِ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ .
قَالَ فَرَجَعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ إِلَى أَبِيهِمْ- وَ تَخَلَّفَ يَهُودَا فَدَخَلَ عَلَى يُوسُفَ فَكَلَّمَهُ حَتَّى ارْتَفَعَ الْكَلَامُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يُوسُفَ وَ غَضِبَ وَ كَانَتْ عَلَى كَتِفِ يَهُودَا شَعْرَةٌ فَقَامَتِ الشَّعْرَةُ فَأَقْبَلَتْ تَقْذِفُ بِالدَّمِ- وَ كَانَ لَا يَسْكُنُ حَتَّى يَمَسَّهُ بَعْضُ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ، قَالَ
فَكَانَ بَيْنَ يَدَيْ يُوسُفَ ابْنٌ لَهُ- فِي يَدِهِ رُمَّانَةٌ مِنْ ذَهَبٍ يَلْعَبُ بِهَا- فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ أَنَّ يَهُودَا قَدْ غَضِبَ- وَ قَامَتِ الشَّعْرَةُ تَقْذِفُ بِالدَّمِ- أَخَذَ الرُّمَّانَةَ مِنَ الصَّبِيَّ ثُمَّ دَحْرَجَهَا نَحْوَ يَهُودَا وَ تَبِعَهَا الصَّبِيُّ لِيَأْخُذَهَا- فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى يَهُودَا فَذَهَبَ غَضَبُهُ، قَالَ فَارْتَابَ يَهُودَا وَ رَجَعَ الصَّبِيُّ بِالرُّمَّانَةِ إِلَى يُوسُفَ ثُمَّ ارْتَفَعَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا حَتَّى غَضِبَ يَهُودَا وَ قَامَتِ الشَّعْرَةُ تَقْذِفُ بِالدَّمِ- فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يُوسُفُ دَحْرَجَ الرُّمَّانَةَ نَحْوَ يَهُودَا فَتَبِعَهَا الصَّبِيُّ لِيَأْخُذَهَا- فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى يَهُودَا فَسَكَنَ غَضَبُهُ- وَ قَالَ إِنَّ فِي الْبَيْتِ لَمِنْ وُلْدِ يَعْقُوبَ حَتَّى صَنَعَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِخْوَةُ يُوسُفَ إِلَى أَبِيهِمْ- وَ أَخْبَرُوهُ بِخَبَرِ أَخِيهِمْ قالَ يَعْقُوبُ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ- عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً- إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ- وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ يَعْنِي عَمِيَتْ مِنَ الْبُكَاءِ فَهُوَ كَظِيمٌ أَيْ مَحْزُونٌ وَ الْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ
وَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ قَالَ حُزْنَ سَبْعِينَ ثَكْلَى بِأَوْلَادِهَا- وَ قَالَ إِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَعْرِفِ الِاسْتِرْجَاعَ وَ مِنْ هُنَا قَالَ وَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ
فَقَالُوا لَهُ تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أَيْ لَا تَفْتَأُ عَنْ ذِكْرِ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَيْ مَيِّتاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ فَ قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ- وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَسَّانَ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ يَعْقُوبَ حِينَ قَالَ لِوُلْدِهِ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ أَ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ وَ قَدْ فَارَقَهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً- وَ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ، قَالَ نَعَمْ عَلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ حَتَّى إِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ فِي السَّحَرِ- أَنْ يَهْبِطَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي أَطْيَبِ رَائِحَةٍ وَ أَحْسَنِ صُورَةٍ- فَقَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ أَ لَيْسَ سَأَلْتَ اللَّهَ أَنْ يُنْزِلَنِي عَلَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا حَاجَتُكَ يَا يَعْقُوبُ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَرْوَاحِ تَقْبِضُهَا جُمْلَةً أَوْ تَفَارِيقاً قَالَ يَقْبِضُهَا أَعْوَانِي مُتَفَرِّقَةً- ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيَ
مُجْتَمِعَةً قَالَ يَعْقُوبُ فَأَسْأَلُكَ بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ هَلْ عُرِضَ عَلَيْكَ فِي الْأَرْوَاحِ رُوحُ يُوسُفَ فَقَالَ لَا- فَعِنْدَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ فَقَالَ لِوُلْدِهِ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ- وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ- إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ
فَكَتَبَ عَزِيزُ مِصْرَ إِلَى يَعْقُوبَ: أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا ابْنُكَ- قَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ هُوَ يُوسُفُ وَ اتَّخَذْتُهُ عَبْداً وَ هَذَا ابْنُكَ بِنْيَامِينُ وَ قَدْ وَجَدْتُ مَتَاعِي عِنْدَهُ وَ اتَّخَذْتُهُ عَبْداً، فَمَا وَرَدَ عَلَى يَعْقُوبَ شَيْءٌ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ- فَقَالَ لِلرَّسُولِ مَكَانَكَ حَتَّى أُجِيبَهُ- فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ ع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مِنْ يَعْقُوبَ إِسْرَائِيلِ اللَّهِ ابْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ فَهِمْتُ كِتَابَكَ تَذْكُرُ فِيهِ- أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ ابْنِي وَ اتَّخَذْتَهُ عَبْداً وَ إِنَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِبَنِي آدَمَ- إِنَّ جَدِّي إِبْرَاهِيمَ أَلْقَاهُ نُمْرُودُ مَلِكُ الدُّنْيَا فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ وَ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْداً وَ سَلاماً وَ إِنَّ أَبِي إِسْحَاقَ 352 أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَدِّي
أَنْ يَذْبَحَهُ بِيَدِهِ- فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ فَدَاهُ اللَّهُ بِكَبْشٍ عَظِيمٍ- وَ إِنَّهُ كَانَ لِي وَلَدٌ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ- وَ كَانَ قُرَّةَ عَيْنِي وَ ثَمَرَةَ فُؤَادِي- فَأَخْرَجُوهُ إِخْوَتُهُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيَّ- وَ زَعَمُوا أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ- فَاحْدَوْدَبَ لِذَلِكَ ظَهْرِي- وَ ذَهَبَ مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ بَصَرِي- وَ كَانَ لَهُ أَخٌ مِنْ أُمِّهِ كُنْتُ آنَسُ بِهِ- فَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ إِلَى مُلْكِكَ- لِيَمْتَارُوا لَنَا طَعَاماً- فَرَجَعُوا وَ ذَكَرُوا أَنَّهُ سَرَقَ صُوَاعَ الْمَلِكِ- وَ أَنَّكَ حَبَسْتَهُ وَ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا يَلِيقُ بِنَا السَّرَقُ- وَ لَا الْفَاحِشَةُ- وَ أَنَا أَسْأَلُكَ بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ إِلَّا مَا مَنَنْتَ عَلَيَّ بِهِ- وَ تَقَرَّبْتَ إِلَى اللَّهِ وَ رَدَدْتَهُ إِلَيَ
» فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى يُوسُفَ أَخَذَهُ وَ وَضَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَ قَبَّلَهُ- وَ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ نَظَرَ إِلَى إِخْوَتِهِ فَقَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ- إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ- قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي- قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ- فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فَقَالُوا كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أَيْ لَا تَعْيِيرَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قَالَ فَلَمَّا وَلَّى الرَّسُولُ- إِلَى الْمَلِكِ بِكِتَابِ يَعْقُوبَ رَفَعَ يَعْقُوبُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «يَا حَسَنَ الصُّحْبَةِ يَا كَرِيمَ الْمَعُونَةِ- يَا خَيْراً كُلُّهُ ائْتِنِي بِرَوْحٍ مِنْكَ
وَ فَرَجٍ مِنْ عِنْدِكَ» فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ يَا يَعْقُوبُ أَ لَا أُعَلِّمُكَ دَعَوَاتٍ يَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْكَ بَصَرَكَ وَ ابْنَيْكَ قَالَ نَعَمْ- قَالَ قُلْ: «يَا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ- يَا مَنْ شَيَّدَ [سَدَّ] السَّمَاءَ بِالْهَوَاءِ- وَ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ- وَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ- ائْتِنِي بِرَوْحٍ مِنْكَ وَ فَرَجٍ مِنْ عِنْدِكَ» قَالَ فَمَا انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ حَتَّى أُوتِيَ بِالْقَمِيصِ- فَطُرِحَ عَلَيْهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَ وُلْدَهُ.
قَالَ وَ لَمَّا أَمَرَ الْمَلِكُ بِحَبْسِ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ- أَلْهَمَهُ اللَّهُ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا- فَكَانَ يُعَبِّرُ لِأَهْلِ السِّجْنِ- فَلَمَّا سَأَلَاهُ الْفَتَيَانِ الرُّؤْيَا وَ عَبَّرَ لَهُمَا وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وَ لَمْ يَفْزَعْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِلَى اللَّهِ- فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَنْ أَرَاكَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَهَا قَالَ يُوسُفُ أَنْتَ يَا رَبِّ- قَالَ فَمَنْ حَبَّبَكَ إِلَى أَبِيكَ قَالَ أَنْتَ يَا رَبِّ، قَالَ فَمَنْ وَجَّهَ إِلَيْكَ السَّيَّارَةَ الَّتِي رَأَيْتَهَا قَالَ أَنْتَ يَا رَبِّ، قَالَ فَمَنْ عَلَّمَكَ الدُّعَاءَ الَّذِي دَعَوْتَ بِهِ- حَتَّى جَعَلْتُ لَكَ مِنَ الْجُبِّ فَرَجاً قَالَ أَنْتَ يَا رَبِّ قَالَ فَمَنْ أَنْطَقَ لِسَانَ الصَّبِيِّ بِعُذْرِكَ قَالَ أَنْتَ يَا رَبِّ قَالَ فَمَنْ أَلْهَمَكَ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا قَالَ أَنْتَ يَا رَبِّ، قَالَ فَكَيْفَ اسْتَعَنْتَ بِغَيْرِي- وَ لَمْ تَسْتَعِنْ بِي وَ أَمَّلْتَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِي- لِيَذْكُرَكَ إِلَى مَخْلُوقٍ مِنْ خَلْقِي وَ فِي قَبْضَتِي- وَ لَمْ تَفْزَعْ إِلَيَّ وَ لَبِثْتَ السِّجْنَ بِضْعَ سِنِينَ! فَقَالَ يُوسُفُ: «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ آبَائِي وَ أَجْدَادِي عَلَيْكَ إِلَّا فَرَّجْتَ عَنِّي» فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا يُوسُفُ وَ أَيُّ حَقٍّ لِآبَائِكَ وَ أَجْدَادِكَ عَلَيَّ إِنْ كَانَ أَبُوكَ آدَمَ خَلَقْتُهُ بِيَدِي- وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وَ أَسْكَنْتُهُ جَنَّتِي- وَ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَقْرَبَ شَجَرَةً مِنْهَا فَعَصَانِي- وَ سَأَلَنِي فَتُبْتُ عَلَيْهِ، وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ نُوحَ انْتَجَبْتُهُ مِنْ بَيْنِ خَلْقِي وَ جَعَلْتُهُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ- فَلَمَّا عَصَوْا دَعَانِي فَاسْتَجَبْتُ لَهُ وَ أَغْرَقْتُهُمْ- وَ أَنْجَيْتُهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ، وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ إِبْرَاهِيمَ اتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا- وَ أَنْجَيْتُهُ مِنَ النَّارِ وَ جَعَلْتُهَا بَرْداً وَ سَلاماً ، وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ يَعْقُوبَ وَهَبْتُ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَداً- فَغَيَّبْتُ عَنْهُ وَاحِداً فَمَا زَالَ يَبْكِي حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ- وَ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ يَشْكُونِي إِلَى خَلْقِي- فَأَيُّ حَقٍّ لِآبَائِكَ
وَ أَجْدَادِكَ عَلَيَّ قَالَ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا يُوسُفُ قُلْ: أَسْأَلُكَ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ وَ سُلْطَانِكَ الْقَدِيمِ- فَقَالَهَا فَرَأَى الْمَلِكُ الرُّؤْيَا فَكَانَ فَرَجُهُ فِيهَا.
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ قَالَ السَّجَّانُ لِيُوسُفَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ يُوسُفُ مَا أَصَابَنِي بَلَاءٌ إِلَّا مِنَ الْحُبِّ- إِنْ كَانَتْ عَمَّتِي [خَالَتِي] أَحَبَّتْنِي فَسَرَقَتْنِي- وَ إِنْ كَانَ أَبِي أَحَبَّنِي فَحَسَدُونِي إِخْوَتِي- وَ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ أَحَبَّتْنِي فَحَبَسَتْنِي، قَالَ وَ شَكَا يُوسُفُ فِي السِّجْنِ إِلَى اللَّهِ- فَقَالَ يَا رَبِّ بِمَا ذَا اسْتَحْقَقْتُ السِّجْنَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْتَ اخْتَرْتَهُ حِينَ قُلْتَ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ هَلَّا قُلْتَ الْعَافِيَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
، وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنِ ابْنِ سَيَّارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا طَرَحَ إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ فِي الْجُبِّ- دَخَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَ هُوَ فِي الْجُبِّ- فَقَالَ يَا غُلَامُ مَنْ طَرَحَكَ فِي هَذَا الْجُبِّ فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ إِخْوَتِي لِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي- وَ حَسَدُونِي لِذَلِكَ فِي الْجُبِّ طَرَحُونِي، قَالَ فَتُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ ذَلِكَ إِلَى إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ، قَالَ فَإِنَّ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ يَقُولُ لَكَ قُلِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ- فَإِنَّ لَكَ الْحَمْدَ كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ- الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ [وَ] صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اجْعَلْ مِنْ أَمْرِي فَرَجاً وَ مَخْرَجاً- وَ ارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ أَحْتَسِبُ وَ مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ» فَدَعَا رَبَّهُ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْجُبِّ فَرَجاً- وَ مِنْ كَيْدِ المَرْأَةِ مَخْرَجاً- وَ آتَاهُ مُلْكَ مِصْرَ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ .