کتابخانه روایات شیعه
قوله عز و جل الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
12 قَالَ الْإِمَامُ ع «الرَّحْمنِ» : الْعَاطِفِ عَلَى خَلْقِهِ بِالرِّزْقِ، لَا يَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ رِزْقِهِ، وَ إِنِ انْقَطَعُوا عَنْ طَاعَتِهِ. «الرَّحِيمِ» بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَخْفِيفِهِ عَلَيْهِمْ طَاعَاتِهِ وَ بِعِبَادِهِ الْكَافِرِينَ فِي الرِّفْقِ بِهِمْ- فِي دُعَائِهِمْ إِلَى مُوَافَقَتِهِ.
قَالَ: وَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: «الرَّحْمنِ» هُوَ الْعَاطِفُ عَلَى خَلْقِهِ بِالرِّزْقِ.
قَالَ: وَ مِنْ رَحْمَتِهِ- أَنَّهُ لَمَّا سَلَبَ الطِّفْلَ قُوَّةَ النُّهُوضِ وَ التَّغَذِّي- جَعَلَ تِلْكَ الْقُوَّةَ فِي أُمِّهِ، وَ رَقَّقَهَا 143 عَلَيْهِ لِتَقُومَ بِتَرْبِيَتِهِ وَ حَضَانَتِهِ، فَإِنْ قَسَا قَلْبُ أُمٍّ مِنَ الْأُمَّهَاتِ- أَوْجَبَ تَرْبِيَةَ هَذَا الطِّفْلِ [وَ حَضَانَتَهُ] 144 عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ لَمَّا سَلَبَ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ قُوَّةَ التَّرْبِيَةِ لِأَوْلَادِهَا، وَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا، جَعَلَ تِلْكَ الْقُوَّةَ فِي الْأَوْلَادِ لِتَنْهَضَ حِينَ تُولَدُ وَ تَسِيرَ إِلَى رِزْقِهَا الْمُسَبَّبِ 145 لَهَا.
قَالَ ع: وَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الرَّحْمنِ» : أَنَّ قَوْلَهُ «الرَّحْمنِ» مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّحْمَةِ 146 سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: أَنَا «الرَّحْمَنُ». وَ هِيَ [مِنَ] 147 الرَّحِمِ شَقَقْتُ لَهَا اسْماً مِنِ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَ مَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع:
أَ وَ تَدْرِي مَا هَذِهِ الرَّحِمُ- الَّتِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ الرَّحْمَنُ، وَ مَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الرَّحْمَنُ فَقِيلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: حَثَّ بِهَذَا كُلَّ قَوْمٍ عَلَى أَنْ يُكْرِمُوا أَقْرِبَاءَهُمْ 148
وَ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ.
فَقَالَ لَهُمْ: أَ يَحُثُّهُمْ عَلَى أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمُ الْكَافِرِينَ، وَ أَنْ يُعَظِّمُوا مَنْ حَقَّرَهُ اللَّهُ، وَ أَوْجَبَ احْتِقَارَهُ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالُوا: لَا-، وَ لَكِنَّهُ حَثَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقَالَ:
أَوْجَبَ حُقُوقَ أَرْحَامِهِمْ، لِاتِّصَالِهِمْ بِآبَائِهِمْ وَ أُمَّهَاتِهِمْ قُلْتُ: بَلَى يَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَهُمْ إِذَنْ إِنَّمَا يَقْضُونَ فِيهِمْ 149 حُقُوقَ الْآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ.
قُلْتُ: بَلَى يَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ ص. قَالَ: فَآبَاؤُهُمْ وَ أُمَّهَاتُهُمْ- إِنَّمَا غَذَّوْهُمْ فِي الدُّنْيَا- وَ وَقَوْهُمْ مَكَارِهَهَا، وَ هِيَ نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ، وَ مَكْرُوهٌ يَنْقَضِي، وَ رَسُولُ رَبِّهِمْ سَاقَهُمْ إِلَى نِعْمَةٍ دَائِمَةٍ لَا تَنْقَضِي، وَ وَقَاهُمْ مَكْرُوهاً مُؤَبَّداً لَا يَبِيدُ، فَأَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ قُلْتُ: نِعْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَعْظَمُ وَ أَجَلُّ وَ أَكْبَرُ.
قَالَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحُثَّ عَلَى قَضَاءِ حَقِّ- مَنْ صَغَّرَ [اللَّهُ] 150 حَقَّهُ، وَ لَا يَحُثَّ عَلَى قَضَاءِ حَقِّ مَنْ كَبَّرَ [اللَّهُ] 151 حَقَّهُ قُلْتُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَإِذاً حَقُّ رَسُولِ اللَّهِ ص أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ، وَ حَقُّ رَحِمِهِ أَيْضاً أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ رَحِمِهِمَا، فَرَحِمُ رَسُولِ اللَّهِ ص 152 أَوْلَى بِالصِّلَةِ، وَ أَعْظَمُ فِي الْقَطِيعَةِ.
فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ قَطَعَهَا، وَ الْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ لَمْ يُعَظِّمْ حُرْمَتَهَا.
أَ وَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ حُرْمَةَ رَحِمِ رَسُولِ اللَّهِ ص حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَ أَنَّ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَ أَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ حَقّاً مِنْ كُلِّ مُنْعِمٍ سِوَاهُ، وَ أَنَّ كُلَّ مُنْعِمٍ سِوَاهُ إِنَّمَا أَنْعَمَ حَيْثُ قَيَّضَهُ لِذَلِكَ 153 رَبُّهُ، وَ وَفَّقَهُ لَهُ.
أَ مَا عَلِمْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا الَّذِي قَالَ لَهُ
قَالَ ع: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى أَ تَدْرِي مَا بَلَغَتْ بِرَحْمَتِي 154 إِيَّاكَ فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبِي وَ أُمِّي.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى وَ إِنَّمَا رَحِمَتْكَ أُمُّكَ لِفَضْلِ رَحْمَتِي، فَأَنَا الَّذِي رَقَّقْتُهَا 155 عَلَيْكَ، وَ طَيَّبْتُ قَلْبَهَا لِتَتْرُكَ طَيِّبَ وَسَنِهَا 156 لِتَرْبِيَتِكَ، وَ لَوْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ بِهَا لَكَانَتْ هِيَ وَ سَائِرُ النِّسَاءِ 157 سَوَاءً.
[ما يكون كفارة للذنوب]
1 يَا مُوسَى أَ تَدْرِي أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي 158 يَكُونُ لَهُ ذُنُوبٌ وَ خَطَايَا- تَبْلُغُ أَعْنَانَ السَّمَاءِ فَأَغْفِرُهَا لَهُ، وَ لَا أُبَالِي قَالَ: يَا رَبِّ وَ كَيْفَ لَا تُبَالِي قَالَ تَعَالَى: لِخَصْلَةٍ شَرِيفَةٍ تَكُونُ فِي عَبْدِي أُحِبُّهَا، وَ هِيَ أَنْ يُحِبَّ إِخْوَانَهُ الْفُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَتَعَاهَدَهُمْ، وَ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِهِمْ، وَ لَا يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ.
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَ لَا أُبَالِي.
يَا مُوسَى إِنَّ الْفَخْرَ 159 رِدَائِي وَ الْكِبْرِيَاءَ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ بِنَارِي.
يَا مُوسَى إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ جَلَالِي- إِكْرَامَ الْعَبْدِ الَّذِي أَنَلْتُهُ حَظّاً مِنْ [حُطَامِ] 160 الدُّنْيَا عَبْداً مِنْ عِبَادِي مُؤْمِناً، قَصُرَتْ يَدُهُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِ فَقَدِ اسْتَخَفَّ بِعَظِيمِ جَلَالِي.
[الحث على صلة رحم رسول الله ص]
1 ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع : إِنَّ الرَّحِمَ الَّتِي اشْتَقَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ رَحْمَتِهِ بِقَوْلِهِ:
أنا 161 «الرَّحْمَنِ» هِيَ 162 رَحِمُ مُحَمَّدِ ص 163 ، وَ إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ اللَّهِ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص وَ إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص إِعْظَامَ رَحِمِ مُحَمَّدٍ، وَ إِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مِنْ شِيعَتِنَا هُوَ مِنْ رَحِمِ مُحَمَّدٍ 164 وَ إِنَّ إِعْظَامَهُمْ مِنْ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص.
فَالْوَيْلُ لِمَنِ اسْتَخَفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُرْمَةِ مُحَمَّدٍ ص، وَ طُوبَى لِمَنْ عَظَّمَ حُرْمَتَهُ، وَ أَكْرَمَ رَحِمَهُ وَ وَصَلَهَا 165 .
قوله عز و جل الرَّحِيمِ
13 قَالَ الْإِمَامُ ع وَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى «الرَّحِيمِ» (فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ:) 166 رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَ جَعَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، فَبِهَا 167 يَتَرَاحَمُ النَّاسُ، وَ تَرَحَّمُ الْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، وَ تَحْنُو الْأُمَّهَاتُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى أَوْلَادِهَا.
[شفاعة المؤمنين]
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَضَافَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ [الْوَاحِدَةَ] إِلَى تِسْعٍ وَ تِسْعِينَ رَحْمَةً فَيَرْحَمُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص، ثُمَّ يُشَفِّعُهُمْ فِيمَنْ يُحِبُّونَ لَهُ الشَّفَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ حَتَّى أَنَّ الْوَاحِدَ لَيَجِيءُ إِلَى مُؤْمِنٍ مِنَ الشِّيعَةِ، فَيَقُولُ: اشْفَعْ لِي. فَيَقُولُ: وَ أَيُّ حَقٍّ لَكَ عَلَيَّ فَيَقُولُ: سَقَيْتُكَ يَوْماً مَاءً. فَيَذْكُرُ ذَلِكَ، فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، وَ يَجِيئُهُ آخَرُ- فَيَقُولُ: إِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقّاً، فَاشْفَعْ لِي. فَيَقُولُ: وَ مَا حَقُّكَ عَلَيَّ فَيَقُولُ:
اسْتَظْلَلْتَ بِظِلِّ جِدَارِي سَاعَةً فِي يَوْمٍ حَارٍّ. فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، وَ لَا يَزَالُ يَشْفَعُ
حَتَّى يُشَفَّعَ فِي جِيرَانِهِ وَ خُلَطَائِهِ وَ مَعَارِفِهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِمَّا تَظُنُّونَ 168 .
قوله عز و جل مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
14 قَالَ الْإِمَامُ ع (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ يَوْمِ الدِّينِ، وَ هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ، قَادِرٌ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى وَقْتِهِ، وَ تَأْخِيرِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ، وَ هُوَ الْمَالِكُ أَيْضاً فِي يَوْمِ الدِّينِ، فَهُوَ يَقْضِي بِالْحَقِ ، لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ وَ الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَظْلِمُ وَ يَجُورُ، كَمَا فِي الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُ الْأَحْكَامَ.
قَالَ: وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: (يَوْمِ الدِّينِ) 169 هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ.
وَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْيَسِ 170 الْكَيِّسِينَ وَ أَحْمَقِ الْحَمْقَى قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَكْيَسُ الْكَيِّسِينَ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ إِنَّ أَحْمَقَ الْحَمْقَى مَنِ اتَّبَعَ نَفْسُهُ هَوَاهَا، وَ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَمَانِيَّ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَيْفَ يُحَاسِبُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ- فَقَالَ: يَا نَفْسِ 171 إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَضَى عَلَيْكِ لَا يَعُودُ إِلَيْكِ أَبَداً، وَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُكِ عَنْهُ فِيمَا أَفْنَيْتِيهِ- فَمَا الَّذِي عَمِلْتِ فِيهِ أَ ذَكَرْتِ اللَّهَ أَمْ حَمِدْتِيهِ أَ قَضَيْتِ حَوَائِجَ 172 مُؤْمِنٍ أَ نَفَّسْتِ عَنْهُ كُرْبَةً أَ حَفِظْتِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فِي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ أَ حَفِظْتِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مُخَلَّفِيهِ أَ كَفَفْتِ عَنْ غِيبَةِ أَخٍ مُؤْمِنٍ بِفَضْلِ جَاهِكِ أَ أَعَنْتِ مُسْلِماً مَا الَّذِي صَنَعْتِ فِيهِ فَيَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْهُ.
فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ خَيْرٌ، حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ كَبَّرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَ إِنْ ذَكَرَ مَعْصِيَةً أَوْ تَقْصِيراً، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ، وَ مَحَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَجْدِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ عَرَضَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ع عَلَى نَفْسِهِ، وَ قَبُولَهُ لَهَا، وَ إِعَادَةَ لَعْنِ أَعْدَائِهِ وَ شَانِئِيهِ وَ دَافِعِيهِ عَنْ حَقِّهِ 173 .
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَسْتُ أُنَاقِشُكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ- مَعَ مُوَالاتِكَ أَوْلِيَائِي، وَ مُعَادَاتِكَ أَعْدَائِي 174 .
قوله عز و جل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
15 قَالَ الْإِمَامُ ع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
قُولُوا: يَا أَيُّهَا الْخَلْقُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمْ.
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» أَيُّهَا الْمُنْعِمُ عَلَيْنَا، وَ نُطِيعُكَ مُخْلِصِينَ مَعَ التَّذَلُّلِ وَ الْخُضُوعِ 175 بِلَا رِيَاءٍ، وَ لَا سُمْعَةٍ.
وَ «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» مِنْكَ: نَسْأَلُ الْمَعُونَةَ عَلَى طَاعَتِكَ لِنُؤَدِّيَهَا كَمَا أَمَرْتَ، وَ نَتَّقِيَ مِنْ دُنْيَانَا مَا نَهَيْتَ عَنْهُ، وَ نَعْتَصِمَ- مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَ مِنْ سَائِرِ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ مِنَ الْمُضِلِّينَ، وَ مِنَ الْمُؤْذِينَ الظَّالِمِينَ- بِعِصْمَتِكَ 176 .
16 وَ قَالَ: سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنِ الْعَظِيمُ الشَّقَاءُ قَالَ: رَجُلٌ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا، فَفَاتَتْهُ الدُّنْيَا وَ خَسِرَ الْآخِرَةَ، وَ رَجُلٌ تَعَبَّدَ وَ اجْتَهَدَ وَ صَامَ رِئَاءَ 177 النَّاسِ فَذَاكَ الَّذِي حُرِمَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَ لَحِقَهُ التَّعَبُ الَّذِي لَوْ كَانَ بِهِ مُخْلِصاً لَاسْتَحَقَّ ثَوَابَهُ، فَوَرَدَ الْآخِرَةَ وَ هُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ مَا يَثْقُلُ بِهِ مِيزَانُهُ، فَيَجِدُهُ هَبَاءً مَنْثُوراً.
قِيلَ: فَمَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَسْرَةً قَالَ: مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، وَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ النَّارَ، وَ أَدْخَلَ وَارِثَهُ 178 بِهِ الْجَنَّةَ. قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ: كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا- عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ إِلَيْهِ وَ هُوَ يَسُوقُ 179 فَقَالَ لَهُ:
يَا أَبَا فُلَانٍ مَا تَقُولُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ- مَا 180 أَدَّيْتُ مِنْهَا زَكَاةً قَطُّ، وَ لَا وَصَلْتُ مِنْهَا رَحِماً قَطُّ قَالَ: فَقُلْتُ: فَعَلَامَ جَمَعْتَهَا قَالَ: لِجَفْوَةِ السُّلْطَانِ، وَ مُكَاثَرَةِ الْعَشِيرَةِ، وَ تَخَوُّفِ 181 الْفَقْرِ عَلَى الْعِيَالِ، وَ لِرَوْعَةِ الزَّمَانِ.
قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا مَلُوماً [مليما] 182 بِبَاطِلٍ جَمَعَهَا، وَ مِنْ 183 حَقٍّ مَنَعَهَا، جَمَعَهَا فَأَوْعَاهَا، وَ شَدَّهَا فَأَوْكَاهَا 184 ، قَطَعَ فِيهَا الْمَفَاوِزَ الْقِفَارَ، وَ لُجَجَ الْبِحَارِ أَيُّهَا الْوَاقِفُ لَا تُخْدَعْ كَمَا خُدِعَ صُوَيْحِبُكَ 185 بِالْأَمْسِ، إِنَّ [مِنْ] أَشَدِّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَا بِهِ الْجَنَّةَ وَ أَدْخَلَ هَذَا بِهِ النَّارَ 186 .