کتابخانه روایات شیعه
وَ لَا هِجْتِ حَتَّى هُيِّجْتِ فَاتَّقِي اللَّهَ يَا عَائِشَةُ وَ ارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ وَ أَسْبِلِي عَلَيْكِ سِتْرَكِ وَ السَّلَامُ.
فَجَاءَ الْجَوَابُ إِلَيْهِ ع يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَّ الْأَمْرُ عَنِ الْعِتَابِ وَ لَنْ نَدْخُلَ فِي طَاعَتِكَ أَبَداً فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ وَ السَّلَامُ ثُمَّ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَ تَقَارَبَا وَ رَأَى عَلِيٌّ ع تَصْمِيمَ الْقَوْمِ عَلَى قِتَالِهِ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً قَالَ ع فِيهَا وَ اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنِّي قَدْ تَأَنَّيْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَ رَاقَبْتُهُمْ وَ نَاشَدْتُهُمْ كَيْمَا يَرْجِعُوا وَ يَرْتَدِعُوا فَلَمْ يَفْعَلُوا وَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وَ قَدْ بَعَثُوا إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ إِلَى الطِّعَانِ وَ أَثْبُتَ لِلْجِلَادِ وَ قَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لَا أُدْعَى إِلَيْهَا وَ قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا مِنْهَا 552 فَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الَّذِي فَلَلْتُ حَدَّهُمْ 553 وَ فَرَّقْتُ جَمَاعَتَهُمْ فَبِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي وَ أَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي لِمَا وَعَدَنِي مِنَ النَّصْرِ وَ الظَّفَرِ وَ إِنِّي لَعَلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ أَمْرِي أَلَا وَ إِنَّ الْمَوْتَ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ وَ لَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ وَ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ يَمُتْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ وَ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ.
ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَعْطَانِي صَفْقَةَ يَمِينِهِ طَائِعاً ثُمَّ نَكَثَ بَيْعَتِي اللَّهُمَّ فَعَاجِلْهُ وَ لَا تُمْهِلْهُ وَ إِنَّ زُبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَطَعَ قَرَابَتِي وَ نَكَثَ عَهْدِي وَ ظَاهَرَ عَدُوِّي وَ نَصَبَ الْحَرْبَ لِي وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ إِلَيَّ اللَّهُمَّ فَاكْفِنِيهِ كَيْفَ شِئْتَ.
ثُمَّ تَقَارَبُوا وَ تَعِبُوا لَابِسِي سِلَاحِهِمْ وَ دُرُوعِهِمْ مُتَأَهِّبِينَ لِلْحَرْبِ كُلُّ ذَلِكَ وَ عَلِيٌّ ع بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَ رِدَاءٌ وَ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَ هُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلَةٍ- فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مُصَافَحَةُ الصِّفَاحِ 554 وَ الْمُطَاعَنَةُ بِالرِّمَاحِ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَيْنَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَلْيَخْرُجْ إِلَيَّ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ تَخْرُجُ إِلَى الزُّبَيْرِ
وَ أَنْتَ حَاسِرٌ 555 وَ هُوَ مُدَجَّجٌ فِي الْحَدِيدِ 556 فَقَالَ ع لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ ثُمَّ نَادَى ثَانِيَةً فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَ دَنَا مِنْهُ حَتَّى وَاقَفَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ع يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ الطَّلَبُ بِدَمِ عُثْمَانَ فَقَالَ ع أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ قَتَلْتُمُوهُ فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيدَ مِنْ نَفْسِكَ وَ لَكِنْ أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص أَ مَا تَذْكُرُ يَوْماً قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَا زُبَيْرُ أَ تُحِبُّ عَلِيّاً فَقُلْتَ وَ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ حُبِّهِ وَ هُوَ ابْنُ خَالِي فَقَالَ لَكَ أَمَا أَنْتَ فَسَتَخْرُجُ عَلَيْهِ يَوْماً وَ أَنْتَ لَهُ ظَالِمٌ فَقَالَ الزُّبَيْرُ اللَّهُمَّ بَلَى فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ ع فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص أَ مَا تَذْكُرُ يَوْماً جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَوْفٍ وَ أَنْتَ مَعَهُ وَ هُوَ آخِذٌ بِيَدِكَ فَاسْتَقْبَلْتُهُ أَنَا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَضَحِكَ فِي وَجْهِي وَ ضَحِكْتُ أَنَا إِلَيْهِ فَقُلْتَ أَنْتَ لَا يَدَعُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ زَهْوَهُ أَبَداً فَقَالَ لَكَ النَّبِيُّ مَهْلًا يَا زُبَيْرُ فَلَيْسَ بِهِ زَهْوٌ 557 وَ لَتَخْرُجَنَّ عَلَيْهِ يَوْماً وَ أَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ فَقَالَ الزُّبَيْرُ اللَّهُمَّ بَلَى وَ لَكِنْ أُنْسِيتُ فَأَمَّا إِذَا ذَكَّرْتَنِي ذَلِكَ فَلَأَنْصَرِفَنَّ عَنْكَ وَ لَوْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَمَا خَرَجْتُ عَلَيْكَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَ اللَّهِ وَرَائِي أَنِّي مَا وَقَفْتُ مَوْقِفاً فِي شِرْكٍ وَ لَا إِسْلَامٍ إِلَّا وَ لِي فِيهِ بَصِيرَةٌ وَ أَنَا الْيَوْمَ عَلَى شَكٍّ مِنْ أَمْرِي وَ مَا أَكَادُ أُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ ثُمَّ شَقَّ الصُّفُوفَ وَ خَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَامَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنِ جُرْمُوزٍ الْمُجَاشِعِيُّ فَقَتَلَهُ حِينَ نَامَ وَ كَانَ فِي ضِيَافَتِهِ فَنَفَذَتْ دَعْوَةُ عَلِيٍّ ع فِيهِ.
وَ أَمَّا طَلْحَةُ فَجَاءَهُ سَهْمٌ وَ هُوَ قَائِمٌ لِلْقِتَالِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ الْتَحَمَ الْقِتَالُ وَ قَالَ عَلِيٌّ ع يَوْمَ الْجَمَلِ وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ 558 ثُمَّ حَلَفَ حِينَ
قَرَأَهَا أَنَّهُ مَا قُوتِلَ عَلَيْهَا مُنْذُ نَزَلَتْ حَتَّى الْيَوْمَ وَ اتَّصَلَ الْحَرْبُ وَ كَثُرَ الْقَتْلُ وَ الْجَرْحُ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ فَجَالَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَ قَالَ أَيْنَ أَبُو الْحَسَنِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ع وَ شَدَّ عَلَيْهِ وَ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَأَسْقَطَ عَاتِقَهُ وَ وَقَعَ قَتِيلًا فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتَ أَبَا الْحَسَنِ فَكَيْفَ وَجَدْتَهُ وَ لَمْ يَزَلِ الْقَتْلُ يُؤَجِّجُ نَارَهُ وَ الْجَمَلُ يُفْنِي أَنْصَارَهُ حَتَّى خَرَجَ رَجُلٌ مَدَجَّجٌ يُظْهِرُ بَأْساً وَ يُعَرِّضُ بِذِكْرِ عَلِيٍّ ع حَتَّى قَالَ
أَضْرِبُكُمْ وَ لَوْ رَأَى عَلِيّاً
عَمَّمْتُهُ أَبْيَضَ مَشْرَفِيّاً
فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ع مُتَنَكِّراً وَ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَرَمَى بِنِصْفِ قِحْفِ رَأْسِهِ 559 فَسَمِعَ صَائِحاً مِنْ وَرَائِهِ فَالْتَفَتَ فَرَأَى ابْنَ أَبِي خَلَفٍ الْخُزَاعِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي الْمُبَارَزَةِ يَا عَلِيُّ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَ لَكِنْ وَيْحَكَ يَا ابْنَ أَبِي خَلَفٍ مَا رَاحَتُكَ فِي الْقَتْلِ وَ قَدْ عَلِمْتَ مَنْ أَنَا فَقَالَ ذَرْنِي يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَذْخِكَ 560 بِنَفْسِكَ وَ ادْنُ مِنِّي لِتَرَى أَيُّنَا يَقْتُلُ صَاحِبَهُ فَثَنَى عَلِيٌّ عَنَانَ فَرَسِهِ إِلَيْهِ فَبَدَرَهُ ابْنُ خَلَفٍ بِضَرْبَةٍ فَأَخَذَهَا عَلِيٌّ فِي جَحْفَتِهِ 561 ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِضَرْبَةٍ أَطَارَ بِهَا يَمِينَهُ ثُمَّ ثَنَى بِأُخْرَى أَطَارَ بِهَا قِحْفَ رَأْسِهِ وَ اسْتَعَرَّ الْحَرْبُ حَتَّى عُقِرَ الْجَمَلُ وَ سَقَطَ وَ قَدِ احْمَرَّتِ الْبَيْدَاءُ بِالدِّمَاءِ وَ خُذِلَ الْجَمَلُ وَ حِزْبُهُ وَ قَامَتِ النَّوَادِبُ بِالْبَصْرَةِ عَلَى الْقَتْلَى.
وَ كَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ جُنْدِ الْجَمَلِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفاً وَ سَبْعَمِائَةٍ وَ تِسْعِينَ إِنْسَاناً وَ كَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفاً فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ع أَلْفٌ وَ سَبْعُونَ رَجُلًا وَ كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفاً.
وَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْمَعْرُوفُ بِالسَّجَّادِ قَدْ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ وَ أَوْصَى عَلِيٌّ ع عَلَيْهِ وَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ مَنْ عَسَاهُ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ وَ كَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ع حم* فَلَقِيَهُ شُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى
الْعَبْسِيُّ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ع فَطَعَنَهُ فَقَالَ حم* وَ قَدْ سَبَقَ كَمَا قِيلَ السَّيْفُ الْعَذْلُ فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ قَالَ شُرَيْحٌ هَذَا
وَ أَشْعَثُ قَوَّامٌ بِآيَاتِ رَبِّهِ
قَلِيلُ الْأَذَى فِيمَا تَرَى الْعَيْنَ مُسْلِمٌ
شَكَكْتُ بِصَدْرِ الرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ
فَخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ وَ لِلْفَمِ
عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرِ أَنْ لَيْسَ تَابِعاً
عَلِيّاً وَ مَنْ لَمْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَنْدَمُ
يَذْكُرُنِي حم * وَ الرُّمْحُ شَاجِرٌ
فَهَلَّا تَلَا حم * قَبْلَ التَّقَدُّمِ 562
وَ جَاءَ عَلِيٌّ ع فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَ قَالَ هَذَا رَجُلٌ قَتَلَهُ بِرُّهُ بِأَبِيهِ.
وَ كَانَ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ قَدْ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَ وَقَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْأَرْضِ وَ الْأَشْتَرُ فَوْقَهُ فَكَانَ يُنَادِي اقْتُلُونِي وَ مَالِكاً فَلَمْ يَنْتَبِهْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِذَلِكَ وَ لَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ الْأَشْتَرُ لَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَفْلَتَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ يَدِهِ وَ هَرَبَ فَلَمَّا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَ دَخَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ وَ دَخَلَ عَلَيْهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ مَعَهُ الْأَشْتَرُ فَقَالَتْ مَنْ مَعَكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ فَقَالَ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ فَقَالَتْ أَنْتَ فَعَلْتَ بِعَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَلَوْ لَا كَوْنِي شَيْخاً كَبِيراً وَ طَاوِياً 563 لَقَتَلْتُهُ وَ أَرَحْتُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ قَالَتْ أَ وَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّبِيِّ ص إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ إِلَّا عَنْ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا فَقَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَحَدِ الثَّلَاثَةِ قَاتَلْنَاهُ.
ثُمَّ أَنْشَدَ
أَ عَائِشُ لَوْ لَا أَنَّنِي كُنْتُ طَاوِياً
ثَلَاثاً لَأَلْقَيْتَ ابْنَ أُخْتِكِ هَالِكاً
عَشِيَّةَ يَدْعُو وَ الرِّمَاحُ تَحُوزُهُ
بِأَضْعَفِ صَوْتٍ اقْتُلُونِي وَ مَالِكاً
فَلَمْ يَعْرِفُوهُ إِذْ دَعَاهُمْ وَ عَمُّهُ
خَدَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَجَاجَةِ بَارِكاً 564
فَنَجَّاهُ مِنِّي أَكْلُهُ وَ شَبَابُهُ
وَ أَنِّي شَيْخٌ لَمْ أَكُنْ مُتَمَاسِكاً
.
وَ عَنْ زِرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً ع يَقُولُ أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَ لَوْ لَا أَنَا مَا قُتِلَ أَهْلُ النَّهْرِ وَ أَهْلُ الْجَمَلِ وَ لَوْ لَا أَنَّنِي أَخْشَى أَنْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِالَّذِي قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ ص لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُسْتَبْصِراً ضَلَالَهُمْ عَارِفاً لِلْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ 565 .
و على هذا قيل حضر جماعة من قريش عند معاوية و عنده عدي بن حاتم و كان فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا أن عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقالوا لا عليك دعنا و إياه فقال له ابن الزبير يا أبا طريف متى فقئت عينك قال يوم فر أبوك و قتل شر قتلة و ضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف و أنشد
أما و أبي يا ابن الزبير لو أنني
لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا
و كان أبي في طي و أبو أبي
صحيحين لم تنزع عروقهما القبطا
و لو رمت شتمي عند عدل قضاؤه
لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا
فقال معاوية قد كنت حذرتكموه فأبيتم الحديث ذو شجون 566 .
و ندمت عائشة على ما وقع منها و كانت لا تذكر يوم الجمل إلا أظهرت أسفا و أبدت ندما و بكت.
وَ نَقَلْتُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَبْرَارِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَنْ كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَتْ فَاطِمَةُ ص قُلْتُ لَهَا إِنَّمَا أَسْأَلُكِ عَنِ الرِّجَالِ قَالَتْ زَوْجُهَا وَ مَا يَمْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لَصَوَّاماً قَوَّاماً وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي يَدِهِ فَرَدَّهَا إِلَى فِيهِ قُلْتُ فَمَا حَمَلَكِ عَلَى
مَا كَانَ فَأَرْسَلَتْ خِمَارَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَ بَكَتْ وَ قَالَتْ أَمْرٌ قُضِيَ عَلَيَّ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا أَ نَدْفِنُكِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَتْ لَا إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَهُ.
و الحال في حرب أصحاب الجمل معروفة تحتمل الإطالة فاقتصرت منها على هذا القدر.
و كانت حروبه ص مشكلة على من لم يؤت نور البصيرة فقعد عنه قوم و شك فيه آخرون و ما فيهم إلا من عرف أن الحق معه و ندم على التخلف عنه و كيف لا يكون الحق معه و الصواب فيما رواه و الرشد فيما أتاه و
أَدْعِيَةُ النَّبِيِّ ص قَدْ سَبَقَتْ لَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ كَيْفَ دَارَ.
و إذا كان دعاء النبي ص مستجابا لزم أن ولي علي ولي الله و أولياؤه مؤمنون و عدو علي عدو الله و أعداؤه كافرون و أن ناصره منصور و خاذله مخذول و أن الحق يدور معه و يتصرف بتصرفه و لا يفارقه و لا يزايله فكلما فعله كان فيه مصيبا و من خالفه في أمر أو نابذه في حال أو منعه شيئا يريده أو حمله على ما يكرهه أو عصاه فيما يأمره به أو غصبه حقا أو شك فيه أو لامه على حركاته و سكناته و قضاياه و تصرفاته كان بمدلول دعاء النبي ص مخطئا لأن من أقدم على شيء من ذلك كان عدوا له ع و عدوه عدو الله و عدو الله كافر و هذا واضح فتأمل.
[حرب صفين]
و من حروبه حرب صفين المشتملة على وقائع يضطرب لها فؤاد الجليد و يشيب لهولها فود الوليد و يذوب لتسعر بأسها زبر الحديد و يجب منها قلب البطل الصنديد و يذهب بها عناد المريد و تمرد العنيد فإنها أسفرت عن نفوس آساد مختطفه باللهازم و رءوس أجلاد مقتطفه بالصوارم و أرواح فرسان طائره عن أوكارها و أشباح شجعان قد نبذت بالعراء دون إدراك أوتارها و فراخ هام قد أنهضت عن مجاثمها و ترائيب دوام أباح حرمتها من أمر بحفظ محارمها فأصبحت فرائس الوحوش في السباسب و طعمة الكواسر و الكواسب قد ارتوت الأرض من دمائها المطلولة و غصت البيداء بأشلائها المقتولة و رغمت أنوف حماتها و دنت حتوف
كماتها بأيدي رجالات بني هاشم الأخيار و سيوف سروات المهاجرين و الأنصار في طاعة سيدها و إمامها و حامي حقيقتها من خلفها و أمامها مفرق جموع الكفر بعد التيامها و مشتت طواغيت النفاق بعد انتظامها شيخ الحرب و فتاها و سيد العرب و مولاها ذي النسب السامي و العرق النامي و الجود الهامي و السيف الدامي و الشجاع المحامي و البحر الطامي مزيل الضيم ري الظامي مقتحم اللجج صاحب البراهين و الحجج أكرم من دب بعد المصطفى و درج الذي ما حوكم إلا و فلج فارس الخيل و سابق السيل و راكب النهار و الليل تولى ع الحرب بنفسه النفيسة فخاض غمارها و اصطلى نارها و أزكى أوارها و دوخ أعوانها و أنصارها و أجرى بالدماء أنهارها و حكم في مهج القاسطين بسيفه فعجل بوارها فصارت الفرسان تتحاماه إذا بدر و الشجعان تلوذ بالهزيمة إذا زأر عالمة أنه ما صافحت صفحة سيفه مهجة إلا فارقت جسدها و لا كافح كتيبة إلا افترس ثعلب رمحه أسدها و هذا حكم ثبت له بطريق الإجمال و حال اتصف به بعموم الاستدلال و لا بد من ذكر بعض مواقفه في صفين فكثرتها توجب الاقتصار على يسيرها و كأين من حادثة يستغنى عن ثبوت طويلها بقصيرها.