کتابخانه روایات شیعه
الفصل التاسع في الكلام على 477 الوصيّة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
فنقول: هل تجب عليه صلّى اللّه عليه و آله الوصيّة كما أوجبها على أمّته بالكتاب العزيز، و أيضا بقوله؟
فنقول: أخبرونا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، هل وصّى 478 أحدا يقوم بكتاب اللّه و تأويله، و بسنّته، و بحدّ الحدود، و بقطع السارق، و يذود عن حوزة المسلمين، و يمنع عن ثغورهم و يجمع كلمتهم 479 و يسدّ خلّتهم؟ أم تركهم 480 هملا يخوضون في غمرات الجهالة (و يعاودون الضلالة) 481 مختلفين لا يأوون إلى ركن شديد، و لا (يرجعون) 482 إلى ذي قول سديد؟!
فإن قلتم: إنّه لم يوص، فقد زعمتم أنّه ترك فريضة من فرائض اللّه تعالى؛ و إن
زعمتم أنّه 483 أوصى و لم يسمّ الموصى إليه بعينه و (لا) 484 نسبه، فقد ضيّعتم 485 إذن الوصيّة و كانت كمن 486 لم يوص، و كيف يترك الوصيّة و قد جاء من عند اللّه بها يخبرهم في كتابه بقوله تعالى 487 : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ) ؟ و بقوله تعالى: (بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) 488 فأدارها 489 ، و جعلها على المتّقين (حقّا) 490 و هو صلّى اللّه عليه و آله سيّد المتقين، فكيف يخلّ بها و قال اللّه تعالى (حقّا) 491 ؟
(و في قوله تعالى): (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) 492 و العهد: هو الوصيّة في أمثل أقوال 493 التفسير.
و قال سبحانه 494 : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) 495 ، فقد أمر سبحانه بالوصيّة و إشهاد ذوي عدل منكم و أمر عند عدمهما بإشهاد غيرهما من أهل الكتاب على 496 الشيء اليسير من الميراث و غيره، فكيف يخلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالوصيّة لكافّة المسلمين و هو الرحيم (بهم) 497 المشفق عليهم؟! و يقول 498 اللّه تعالى فيه: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) 499 ، فشهد له تعالى بأنّه يعزّ عليه ما عنتّم- و هو الاختلاف و العداوة- و ذكر 500 أنّه حريص على مصالحهم، و رفع الأذى و العداوة بينهم 501 ، فكيف يجعلهم مختلفين بقتل بعضهم بعضا، و يأخذ بعضهم مال بعض و يدّعي كلّ واحد منهم الحقّ لنفسه؟! حوشي صلّى اللّه عليه و آله من هذا.
(و قد سمع منه الجمّ الغفير و الخلق الكثير أنّه يقول لعليّ: «أنت أخي و وصيّي من بعدي»، و قد يوصي اللّه إلى أفضل الخلق.
و روي عن فاطمة ابنة أسد رضي اللّه عنها، قالت: لمّا حملت بعليّ و أردت
الوضع) 502 و قد قالت: هداني نقاوة، و فضّلني بفتح بنيانه لي، فلبثت 503 فيه ثلاثة أيّام، يطعمني اللّه تعالى من ثمار جنّته، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف و قال:
يا فاطمة، سمّيه 504 عليّا، فإنّ اللّه تعالى (قد) 505 خلقه من قدرته، و شقّ له اسما من أسمائه، و أدّبه بأدبه، و هو أوّل من يؤذّن فوق بيته، و يكسّر الأصنام فيه و يرميها على وجهها، و يعظّمه و يمجّده (و يهلّله) 506 و هو الإمام بعد نبيّه و حبيبه و خيرته من خلقه محمّد عبده و رسوله، و هو وصيّه و أمينه، طوبى لمن أحبّه و نصره، و الويل لمن أبغضه و خذله؛ (ثمّ مضيت به) 507 ، فلمّا رآه أبو طالب سرّ به سرورا عظيما، فقال له:
«السلام عليك يا أباه»، فأخذه و دخل به 508 على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاهتزّ 509 له عليّ عليه السّلام و قال: «السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته»، ثمّ تنحنح و استفتح و قرأ بإذن اللّه تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 510 * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) 511 إلى آخر الآية، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قد أفلح من والاك، و أنت
و اللّه أميرهم و وليّهم، (بك يفلحون و) 512 من علمك يمتارون، و بك يهتدون» 513 .
و كان مولده يوم الجمعة ثالث رجب من سنة 514 . 515 .، و دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم عرفة، فلمّا بصر به عليّ عليه السّلام ضحك في وجهه و سلّم عليه و رمى بنفسه عليه فأخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 516 ، فقالت أمّه: عرفه و اللّه، فسمّي ذلك اليوم عرفة، فلمّا كان يوم السابع من ولادته أذّن مؤذّن أبي طالب في الناس: هلمّوا إلى ولادة عليّ، فقد 517 نحر ثلاثمائة من الإبل، و ألف رأس من البقر و الغنم، قال:
معاشر الناس، إنّه لا يرد على وليمة ولدي عليّ 518 إلّا من يطوف بالبيت سبعا، و لا يدخل أحد بيتي لأكل وليمته حتّى يسلّم 519 عليه في مهده.
و روى المحدّثون (و سطّر المصنّفون) 520 أنّ أبا طالب بن عبد المطّلب بن هاشم و امرأته فاطمة ابنة أسد رضوان اللّه عليهم لمّا كفلا سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استبشرا بغرّته، و استسعدا بطلعته، و اتّخذاه ولدا، لأنّهما لم يكونا رزقا من الولد أحدا.
ثمّ إنّه نشأ عليه السّلام أشرف نشوء و أحسنه و أيمنه، فرأى أبو طالب فاطمة و رغبتها في
مثله و قربانها وقتا بعد وقت، فقال 521 : «يا أمّاه، اجعلني قربانك لوجه اللّه تعالى خالصا، و لا تشركي معه أحدا فإنّه يرضاه منك و يتقبّله و يعطيك طلبتك و يعجّله لك».
فامتثلت قوله و قرّبت قربانا مضاعفا و جعلته خالصا للّه، و سألته أن يرزقها ولدا، فأجابها اللّه تعالى و بلّغها مناها، و رزقها خمسة من الأولاد: طالبا، و جعفرا، و عقيلا، ثمّ عليّا و أخته.
(و روي من حديثها) 522 أنّها كانت يوما تتحدّث مع عجائز العرب و الفواطم من قريش، و هنّ: فاطمة ابنة محرز بن عائد بن مخزون بن عمران 523 ، جدّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و فاطمة ابنة زائدة بن الأصم، و هي أمّ خديجة ابنة خويلد، و فاطمة ابنة عبد اللّه بن رزون، و فاطمة ابنة الحارث بن عكرمة، و تمام الفواطم التي انتمى إليهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاطمة أمّ قصيّ و هي ابنة مضر، فإنّهنّ جلوس إذ أقبل سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في جماله و كماله، و بنوره الباهر و سعده الظاهر.
و قد تبعه بعض الكهان ينظر إليه و يطيل فراسته فيه، إلى أن أتى إليهنّ فسألهنّ عنه، فقلن: هذا محمّد ذو الشرف الرفيع الباذخ، و الفضل الجسيم الشامخ، فأخبرهنّ الكاهن بما يعلم من رفيع قدره، و بشّرهنّ بما سيكون من مستقبل أمره، و أنّه سيبعث نبيّا و ينال منالا عليّا، و قال: إنّ التي كفلته منكنّ في صغره سيكفلها ولدا يكون عنصره من عنصره، يختصّه بسرّه و نصيحته و يحبوه بمصافاته و أخوّته.
فقالت له فاطمة ابنة أسد: أنا التي كفلته، و أنا زوجة عمّه الذي يرجوه و يؤمّله.
فقال: إن كنت صادقة، فستلدين غلاما مطيعا لربّه هماما، اسمه على ثلاثة أحرف، يلي هذا النبيّ في جميع أموره، و ينصره في قليله و كثيره، حتّى يكون سيفه على أعدائه و بابه على أوليائه، يفرّج عن وجهه الكربات، و يجلو عنه حندس الظلمات، تهاب صولته أطفال المهاد، و ترتعد من خيفته فرائص العباد، تكون له فضائل شريفة و مناقب معروفة، و صلة منيعة و منزلة رفيعة، يهاجر إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في طاعته، و يجاهد بنفسه في نصرته، و هو وصيّه الدافن له في حجرته (و زوج ابنته) 524 .